الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
38/04/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
ذكرنا الأجوبة عن إشكال لزوم تخصيص الأكثر، وكان الكلام في الجواب الثاني الذي هو دعوى أنّ خروج هذه الأحكام التي هي ضررية بطبعها خروج بالتخصص لا بالتخصيص، الوجوه التي ذكرناها كانت اربعة وجوه، الوجه الخامس الذي يثبت به أيضاً ـــــــ إذا تمّ ــــــــ أنّ خروج هذه الأحكام خروج بالتخصص لا بالتخصيص، بمعنى أنّ قاعدة لا ضرر لا تشمل هذه الأحكام أساساً، لا أنّها تشملها وتخرج بالتخصيص حتى يلزم تخصيص الأكثر المستهجن. الوجه الخامس هو عبارة عن دعوى أنّ القاعدة لم ترد فيها عبارة لا ضرر وحدها، وإنّما اقترنت عبارة لا ضرر بلا ضرار، فقيل لا ضرر ولا ضرار، اقتران لا ضرر بلا ضرار يشكّل قرينة على عدم شمول لا ضرر لهذه الأحكام، ليس لجميع الأحكام الضررية التي هي مورد النقض، وإنّما لقسمٍ من هذه الأحكام الضررية الثابتة في الشريعة هي خارجة عن قاعدة لا ضرر، فقاعدة لا ضرر لا تشملها أساساً بقرينة وهي اقتران لا ضرر بلا ضرار.
توضيح ذلك: كما ذكر بعض الأعلام أنّ لا ضرار تثبت جملة من الأحكام الضررية دفعاً للإضرار بالغير، أشبه بالإجراءات الاحترازية دفعاً للإضرار بالغير، ويدخل في هذا الباب حد السرقة، وحد المحاربة، وحدّ القصاص والتعزير، كل هذه الحدود والأحكام هي مجعولة من قبل الشارع لمنع حصول الإضرار في المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، الغرض من تشريع هذه الأحكام هو منع حصول الإضرار بالغير، فلا ضرار وحدها تستدعي تشريع أحكام من هذا القبيل دفعاً للإضرار بالغير، يعني الشارع عندما يحرّم الإضرار بالغير يتّخذ إجراءات احترازية لمنع وقوع الإضرار بالغير ولا يكتفي بمجرّد التحريم التكليفي، وإنّما يتّخذ سلسلة من الإجراءات لمنع وقوع الإضرار بالغير في الخارج، من جملة هذه الإجراءات حدّ السرقة، حدّ المحاربة، التعزير، هذه أمور سنّها الشارع لغرض منع حصول الإضرار بالغير، حتى أنّ السارق عندما يريد أن يسرق يعرف أنّ هناك حدّاً يقام عليه، فيمتنع من السرقة عادة، فدفعاً للإضرار بالغير جعل الشارع هذه الأحكام الشرعية، ويدخل أيضاً في هذا الباب ضمان الإتلاف، يعني عندما يحكم الشارع بالضمان على من أتلف مال غيره، هذا أيضاً حكم احترازي الغرض منه هو دفع الإضرار بالغير حتى لا يقع هذا الإتلاف العمدي، وفي باب الجنايات أرش الجناية أيضاً يكون الغرض منه هو هذا، بمعنى منع ودفع حصول الإضرار بالغير، وهكذا الديّة التي يحكم بها الشارع على الجاني أيضاً يمكن أن تدخل في هذا الباب باعتبار أنه إجراء احترازي الغرض منه هو دفع الجناية وأن لا تحصل الجناية في الخارج التي هي إضرار بالغير، بناءً على أنّ لا ضرار تستدعي جعل هذه السلسلة من الأحكام لغرض دفع حصول الإضرار بالغير في الخارج؛ حينئذٍ يقال: أنّ هذه الأحكام وإن كانت ضررية، لكنها غير مشمولة بلا ضرر، بمعنى أنّ لا ضرر لا تشمل هذه الأحكام وتنفيها؛ لأنّ اقتران لا ضرر بلا ضرار يُشكّل قرينة متصلة لتحديد المراد من لا ضرر، وأنّ المراد بلا ضرر لا يشمل مثل هذه الأحكام. إذن: هناك جملة من الأحكام التي أيضاً مورد النقض، الضمانات مورد نقض، أروش الجنايات مورد نقض، الديّات مورد نقض، هذه سلسلة من هذه الأحكام التي هي مورد النقض يتبيّن أنها خارجة عن حديث لا ضرر خروجاً تخصصياً، بمعنى أنّ الحديث لا يشمل مثل هذه الأحكام.
نعم، هذا الوجه لا يشمل جميع موارد النقض كما في الوجوه السابقة، وإنّما يشمل بعض موارد النقض وهي الأحكام التي يقتضيها ويستدعيها لا ضرار بدعوى أنّ لا ضرار لا يكتفي بتحريم الإضرار بالغير تحريماً تكليفياً، وإنّما الشارع يتخذ إجراءات احترازية لمنع وقوع الضرر في الخارج، وهذه الأحكام كلّها تدخل في هذا الباب. إذن: لا ضرار عندما يستدعي هذه الأحكام لا معنى لأن تكون لا ضرر شاملة لها مع هذا الاقتران، فيكون هذا الاقتران قرينة متصلة لتحديد مفاد ومعنى لا ضرر وأنه لا يشمل مثل هذه الأحكام. هذا أيضاً يدخل في الجواب الثاني، لكنّه ليس شاملاً لجميع موارد النقض، وإنما يختص ببعضها.
الوجه السادس: أيضاً يُستفاد من كلمات بعض الأعلام وهو بالنسبة إلى الأحكام الجزائية التي يعضها الشارع على مخالفة قوانينه من قبيل حدّ شرب الخمر، ولعلّه يدخل في هذا الباب حدّ الزنا أيضاً. هذه أحكام جزائية يجعلها الشارع على مخالفة قوانينه، مثل هذه الأحكام الجزائية بالرغم من كونها ضررية أيضاً لا يشملها حديث لا ضرر، باعتبار أنّ نفس الشارع هو يجعل هذه الأحكام الجزائية على مخالفة قانونه، فعندما نفس المقنن يقول لا ضرر ولا ضرار هذا ينصرف عن مثل هذه الأحكام ولا يشملها، وإنّما يشمل غيرها التي لا تكون أحكاماً جزائية يجعلها الشارع على مخالفة قانونه، حتى غير الشارع كالمقنن الوضعي، لو فرضنا أنه جعل جملة من الأحكام الجزائية على مخالفة قانون، ثمّ قال بعد ذلك لا ضرر ولا ضرار، أنا أنفي الأحكام الضررية، فهذا منصرف عن هذه الأحكام الضررية التي جعلها كأحكامٍ جزائية على مخالفة قانونه؛ فلذا لا تشمل لا ضرر مثل هذه الأحكام بنكتة أنّ نفس الشارع هو شرّع هذه الأحكام الجزائية على مخالفة قانونه؛ فحينما يقول لا ضرر، فهذا ينصرف عن مثل هذه الأحكام الجزائية . هذا الوجه أيضاً كما هو واضح لا يشمل جميع الأحكام التي ورد فيها النقض، وإنّما يختص ببعضها مثل الأحكام الجزائية التي يضعها الشارع على مخالفة قانونه فرضاً من باب حدّ شرب الخمر وحدّ الزنا وأمثال هذه الأمور. هذا أيضاً جزء من موارد النقض يمكن حلّه بهذا الطريق.
الجواب الثالث: هذا الجواب مرجعه إلى دعوى عدم صدق الضرر على جملة من هذه الأمور التي هي موارد النقض، أصلاً لا يصدق عليها الضرر، هي ليست ضرراً، وإنّما هناك توهم أنّ فيها ضرر، فورد النقض فيها، بينما في الواقع والحقيقة هي ليست ضرراً، وإنّما بحسب التحليل وبحسب الدقّة هي مجرّد عدم نفع وليست ضرراً، وهناك فرق كبير بين عدم النفع وبين الضرر، كلامنا في الضرر، جملة من الأحكام المذكورة في النقض هي في الحقيقة ليست أحكاماً ضررية وما يترتب عليها ليس هو الضرر، وإنّما يترتب عدم النفع، وعدم النفع ليس ضرراً، الضرر هو عبارة عن النقص الحاصل في المال أو في الإنسان، أو ما يملكه الإنسان، عدم النفع يعني عدم الإضافة والزيادة وليس النقص. وقد تقدّم الإشارة سابقاً إلى أنّ الضرر بمعنى النقص لا يُراد به مطلق النقص، فلو أنّ إنساناً تلف ماله بسببٍ طبيعي ليس ضرراً، وإنّما الضرر يكون هو كون المال أنقص مما ينبغي أن يكون عليه، هذا المال بماليته وبكمّيته ينبغي أن يكون بمستوى معيّن، إذا نقص عن هذا الحد المعيّن الذي ينبغي أن يكون عليه هذا المال؛ حينئذٍ هذا يعتبر ضرراً، فإذن: الضرر ليس هو مطلق النقص، كما أنّ عدم النفع ليس ضرراً. بناءً على هذا؛ حينئذٍ يقال: جملة من موارد النقض أيضاً لا يصدق عليها الضرر، هي في الحقيقة ليست ضرراً من قبيل النقص الذي يلحق مال الإنسان عندما يصرف ماله على شئونه ومؤنته ومؤنة عياله وعلى واجباته العرفية والعقلائية، هذا نقص يرِد على ماله، لكنه لا يعتبر ضرراً؛ لأنّ المال لم ينقص عن ما ينبغي أن يكون عليه، هذه من جملة المصارف التي ينبغي على الإنسان أن يصرفها في مؤنته ومؤنة عياله وأمثال هذه الأمور، لا يقال أنّ هذا المال نقص عمّا ينبغي أن يكون عليه؛ بل بالعكس؛ إذ ينبغي أن ينقص المال على صرفه في هذه الأمور، ومن هنا لا يكون ما يصرفه الإنسان في مؤنته وفي مؤنة عياله وفي شئونه التي ترتبط به، هذا لا يُعدّ نقصاً بمعنى الضرر، فإذا فرضنا أنه ليس نقصاً أساساً، فالشارع يوجب هذا الشيء، إيجاب الشارع لهذا الشيء لا يجعله ضرراً بعد أن لم يكن أساساً ضرراً عرفاً، هو أساساً ليس ضرراً، فبعد أن يوجبه الشارع لا ينقلب إلى كونه ضرراً. يدخل في هذا الباب وجوب الإنفاق على الزوجة وعلى الأولاد وعلى الأقرباء، هذا بالنتيجة نقص في مال الإنسان، لكنّه نقص ينبغي أن يكون عليه المال، لا أنّه يقال بعد الإنفاق على الزوجة أنّ المال نقص عمّا ينبغي أن يكون عليه حتى يصدق عليه الضرر، هو إنفاق في محله ولا يعتبر ضرراً عرفاً، ويمكن أيضاً أن يدخل في هذا الباب وجوب الخمس والزكاة، باعتبار أنه لا يعتبر ضرراً؛ لأنّ هناك مصالح عليا ومصالح عامة تترتب على إنفاق هذا المال، أي على دفع الخمس ودفع الزكاة، هناك مصالح عليا تعود منفعتها إلى نفس الشخص؛ لأنّ هذه مصارف يُراد بها صرفها في الصالح العام وحفظ النظام وأمثال هذه الأمور، بالنتيجة هذه المنفعة تعود إلى نفس الشخص، كل مالٍ ينفقه الإنسان وتعود منفعته إليه لا يعتبر ضرراً؛ لأنّه لا يقال أنّ هذا المال نقص عمّا ينبغي أن يكون عليه، وإنّما ينبغي على الإنسان أن يصرف هذا المال في شئونه وفي المصالح العامة التي يعود نفعها إليه، بالنتيجة حفظ النظام هو يستفيد منه وينتفع به، فإذا صرف هذا المال لأجل حفظ النظام لا يقال هذا ضرر، وإن كان نقصاً، لكنه ليس نقصاً بالمعنى المقصود، ليس نقصاً بمعنى أنّ المال نقص عمّا ينبغي أن يكون عليه، فهذه كلّها تدخل في هذا الباب، وإن كان الخمس والزكاة له تخريج آخر تأتي الإشارة إليه. هذا أيضاً تُحل به بعض موارد النقض؛ لأنّ وجوب الإنفاق أيضاً ذُكر في النقض ووجوب الخمس ووجوب الزكاة يمكن أن تنحل بهذا الوجه .
الجواب الرابع: النكتة الثانية التي ذُكرت وهي أنه في جملة من هذه الموارد ليس هناك ضرر، وإنّما هناك عدم نفع، فالأحكام التي تستلزم عدم النفع ينبغي أن لا تدخل في الحديث، هي خارجة عن الحديث أساساً؛ لأنّ الحديث يقول لا ضرر وهنا لا يصدق الضرر، وإنّما الذي يصدق هو عدم النفع وهو غير الضرر، فلا يكون الحديث شاملاً لهذا النوع من الأحكام .
ذكروا أنّ هذا يشمل وجوب الخمس، يعني يمكن إخراج وجوب الخمس من الحديث بالنكتة السابقة أنّ هذا إنفاق تعود منفعته إلى الشخص نفسه، باعتبار أنّه يصب في الصالح العام وبالتالي يكون مستفيداً منه . هذا وإن كان نقصاً، لكنّه ليس ضرراً . التخريج الثاني هو أن يقال: أنّ دفع الخمس ليس ضرراً؛ لأنّ الدافع للخمس أساساً هو لا يملك الخمس لا أنه هو يملك الخمس وأوجب الشارع الخمس، فلحقه الضرر نتيجة هذا الحكم الشرعي حتى يقال بأنّ وجوب الخمس ضرري، أو وجوب الزكاة ضرري. وجوب الخمس يعني أنّ الشارع المالك للأشياء الذي هو شرّع أنك أيها الإنسان إذا غنمت شيئاً فعليك أن تدفع خمسه، عندما يطالبه بدفع الخمس معناه أنّه أباح له أن يصرف أربعة أخماس ما يغنمه، والشارع هو الذي جعل الاغتنام سبباً لملكية الغنيمة، سواء كانت الغنيمة في باب الحرب، أو كانت الغنيمة غنيمة المكاسب وأمثالها، الشارع جعل هذا سبباً لملكية الغنيمة، لا أنّ الشارع جعل الاغتنام سبباً لملكية جميع الغنيمة، ثمّ بعد ذلك قال أدفع الخمس حتى يقال أنّ إيجاب الخمس يُلحق نقصاً في المال، فيكون ضرراً؛ بل أنّ الشارع من البداية يقول أنت لا تملك من الغنيمة إلاّ أربعة أخماس، فإيجاب دفع الخمس لا يعني ورود النقص على ما ملكه هذا النقص؛ لأنه أساساً لا يملك هذا الخمس، وإنّما يملك بالاغتنام أربعة أخماس، وهكذا يمكن أن يقال في سائر موارد الخمس، بمعنى أنّ الشارع اساساً لا يقر بملكية جميع الخمس، وإنّما ما يعترف به ويقرّه باعتبار أنّه هو المالك للأشياء هو خصوص ملكية أربعة أخماس، فإيجاب الخمس على المكلّف لا يلحق ضرراً به، وإنّما عدم نفع، المكلف إذا طولب بدفع الخمس هو لا ينتفع، انتفع فقط بأربعة أخماس والخمس الخامس هو لم يملكه ولم ينتفع به، لكنه ليس ضرراً؛ لأنّ كونه ضرراً مبني على أن يكون هو ملك الغنيمة بتمامها، ثمّ طولب بدفع الخمس، بينما الأمر ليس هكذا؛ لأنه من البداية لا يملك من الغنيمة إلاّ أربعة أخماسها، فوجوب الخمس لا يكون حكماً ضررياً بهذا المعنى . وجوب الزكاة أيضاً يمكن تخريجه على هذا الأساس، باعتبار أنّ وجوب الزكاة في الغلاّت بالخصوص أوضح، وفي الأنعام، أيضاً من هذا الباب هو لا يملك هذا الشيء، الله(سبحانه وتعالى) بقدرته وبالعوامل الطبيعية التي خلقها، ماء، تراب، جو، مطر.....الخ هذه هي التي في الحقيقة توجب حصول ما يسمّى بالغلاّت الأربعة، ووظيفة الإنسان هو أن يهيّئ المقدمات الإعدادية، يحرث الأرض، ويبذر البذر ويسقي الماء، لكن العوامل الأساسية التي تخلق هذا الشيء الذي يسمّى بــــ(الغلاّت الأربع) هي أمور خلقها الله(سبحانه وتعالى) وعندما يقول للمكلف يجب عليك أن تعطي نسبة معينة من هذا الناتج هذا ليس ضرراً عليه؛ لأنّه هو الذي أعطاه هذا المال وقال أنا استثني منه هذه النسبة، فعندما يستثني هذه النسبة ويوجب عليه دفع الزكاة في الغلاّت، أو في الأنعام، في الحقيقة هذا ليس ضرراً، وإنّما عدم نفع، ومن هنا لا يكون هذا داخلاً أيضاً في هذا الحديث .
هناك مسألة أخرى أيضاً تضاف إلى ما تقدّم، ويمكن أن يكون جواباً آخر، أيضاً كل هذه الأجوبة تختص ببعض موارد النقض ولا تشمل جميع موارد النقض، وهي مسألة الإقدام، إذا فرضنا أنّ الإنسان هو أقدم على الضرر، هو أجرى معاملة مع إسقاط كافة الخيارات، الشارع عندما يحكم هنا بلزوم هذه المعاملة، باعتبار أنّه أسقط كافة الخيارات، هذا الحكم ضرري بالنسبة له، لكن هذا الضرر هو الذي أقدم عليه ودور الشارع هو دور إمضاء ما أقدم عليه هذا الإنسان، هذا الإمضاء الشرعي للبيع مع إسقاط كافة الخيارات ـــــــ مثلاً ــــــــ هذا في الحقيقة لا يُعدّ ضرراً، يعني لا يُعد الحكم باللزوم على هذه المعاملة مسبباً لوقوع المكلف في الضرر، وإنّما دور الشارع أنّه فقط أمضى ما أقدم عليه هذا الإنسان من قبيل النذر، فالناذر هو ألزم نفسه بضرر بالنذر أو باليمين، فعندما يقول الشارع له يجب عليك الوفاء باليمين، أو يجب عليك الوفاء بالنذر، وجوب الوفاء بالنذر ليس ضررياً؛ لأنّ الشارع أمضى ما ألزم المكلّف نفسه به لا أنه جعل حكماً وهذا الحكم يسبب الضرر للمكلّف؛ بل المكلف هو الذي أقدم على الضرر وأوقع نفسه في الضرر، فالشارع عندما يمضي ما أقدم عليه المكلف وألزم به نفسه، هذا لا يكون حكماً ضررياً حتى تأتي لا ضرر وتنفي؛ لأنّ لا ضرر تنفي الأحكام المسببة لوقوع المكلف في الضرر، مثل هذا الحكم ليس حكماً مسبباً لوقوع المكلف في الضرر في موارد الإقدام، هذه أيضاً جملة من الأحكام في مورد النقض أيضاً تخرج عن الحديث ولا يكون الحديث شاملاً لها.
هذا المورد بالخصوص في خصوص خيار الغبن وحكم الشارع بلزوم المعاملة الغبنية في صورة علم المكلف بالغبن، هنا قالوا لا يثبت له خيار الغبن، وإنّما يثبت خيار الغبن في صورة الجهل بالغبن، حكم الشارع بعدم خيار الغبن، أو بعبارة أخرى: حكم الشارع بلزوم هذه المعاملة ضرري بالنسبة له؛ لأنه مغبون، لكن هو عندما كان عالماً بالغبن يعني هو أقدم على الضرر. تقدّم الكلام حول هذا المثال بالخصوص في أنه هل الضرر اللاحق للمكلف هل هو بسبب الحكم الشرعي، أو بسبب إقدامه ؟ مجرّد إقدامه على الضرر وعلمه بالضرر هل هو الذي أوقعه في الضرر، أو أنّ الذي أوقعه في الضرر هو حكم الشارع باللزوم ؟ لو لم يحكم الشارع باللزوم هل يقع في الضرر بمجرّد إقدامه على الضرر ؟ لا يقع في الضرر، صحيح هو أقدم على الضرر وبعد ذلك أراد أن يتراجع ويستخدم خياره، لكن الشارع بحكمه باللزوم يمنعه من إعمال الخيار، مجرّد إقدامه لا يعني أنه وقع في الضرر نتيجة الإقدام، وقد تقدّم الكلام عن هذا واستقربنا أنّ اللزوم له دخل في وقوع المكلف في الضرر، وعليه: هذا الوجه يمكن التأمّل فيه من هذه الجهة .
هذه جملة من الأمور التي ترتبط بهذا البحث والأجوبة كثيرة والإشكال ينحل بمجموع هذه الأجوبة، أو ببعضها، وبعض الأجوبة تحلّ الإشكال من أساسه وبعض الأجوبة تحلّ الإشكال في بعض موارد النقض، بالنتيجة معظم موارد النقض تنحل بالأجوبة المتقدّمة، وإذا بقي منها مورد أو موردين أو أكثر لا يُعدّ إشكالاً، فأنه لا يلزم منه تخصيص الأكثر، كل القواعد العامّة لابدّ أن يرد عليها مخصصات .