الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
38/04/15
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
تنبيه يرتبط بالدرس السابق ذكرنا في حق الشفعة وخيار الغبن وأمثالهما، قلنا أنّ الضرر هناك ليس دائمياً، قد لا يتضرر الشريك من بيع شريكه لحصته المشاعة، فكيف يمكن تعليل نفي الحكم الضرري بقاعدة لا ضرر ؟ ذكرنا في الدرس السابق بأنّ أحسن ما يمكن توجيهه بدل أن يقال من أنّ الضرر في القاعدة قد يكون حكمة في بعض الموارد وقد يكون علّة في موارد أخرى، هناك من قال أنّ الضرر في القاعدة في مثل حق الشفعة وفي مثل خيار الغبن يكون حكمة وفي موارد أخرى يكون علّة. في الدرس السابق قلنا بأنّ الأحسن أن يكون الجواب بأنّ حق الشفعة وخيار الغبن ليس الدليل عليهما هو قاعدة لا ضرر، وإنما الدليل هو أدلة خاصة تُذكر في محلها وليس الدليل هو قاعدة لا ضرر، وإن كان الشيخ(قدّس سرّه) استدل عليهما بــ قاعدة لا ضرر.
هذا الجواب قد يُستشكل عليه بأنه في روايات قاعدة لا ضرر طُبقت القاعدة على حق الشفعة، هذا التطبيق إذا كان وارداً في رواية صحيحة من الروايات المتقدّمة؛ حينئذٍ لابد أن يُصار إلى شيء آخر؛ لأنّ ظاهر هذه الرواية هو الاستدلال على حق الشفعة بقاعدة لا ضرر مع أننا نجد بالوجدان بأنّ الضرر فيها ليس دائمياً وأنه أشبه بالحكمة لا العلّة، فلابدّ ــــــ مثلاً ــــــ أن يُلتزم في هذه الموارد بأن يكون الضرر حكمة وإن كان في موارد أخرى يكون الضرر علّة، أمّا إذا قلنا بأنّ هذا التطبيق لم يرِد في رواية صحيحة معتبرة؛ فحينئذٍ نحن في غنى عن هذا ويمكن أن نقول أنّ حق الشفعة وخيار الغبن وأمثالهما ثبتت بأدلةٍ خاصة .
الآن ندخل في تنبيه آخر جديد ولعلّه آخر التنبيهات في قاعدة لا ضرر وهو ما أثير من إشكال حول القاعدة، وحاصله هو: أنّ الالتزام بمفاد قاعدة لا ضرر بالمعنى المتقدّم يلزم منه تخصيص الأكثر وهو مستهجن؛ فحينئذٍ لابدّ أن لا نلتزم بمفاد القاعدة بالمعنى المتقدّم لئلا يلزم منه هذا الأمر المستهجن وهو تخصيص الأكثر، فلابدّ من حملها على معنى آخر لا يلزم منه هذا المحذور .
هذا المطلب تعرضنا له سابقاً، لكن بشكلٍ مختصرٍ جداً لمناسبة كان يقتضيها المقام، لم نتعرّض له بالتفصيل؛ لذلك تعيّن التعرّض له الآن. الإشكال يقول: أنّ أغلب الأحكام الشرعية ضررية، أحكام في باب الديّات وفي باب القصاص وفي باب الحدود، وفي باب الخمس والزكاة حتى الواجبات التي تستتبع صرف مال كالحج ونحوه أيضاً يقال أنها ضررية، الإشكال يقول: أكثر الأحكام الشرعية أحكام ضررية ولا يمكن الالتزام بنفيها بقاعدة لا ضرر وإن لزم منها الضرر، لا يمكن الالتزام بنفي وجوب الجهاد، ولا يمكن الالتزام بنفي وجوب الزكاة وأمثال هذه الأمور، فبما أننا لا نلتزم بشمول القاعدة لها، فلابدّ من إخراجها من القاعدة، وهذا معناه تخصيص القاعدة بها، فإذا كانت هي تمثّل أكثر الأحكام الشرعية؛ حينئذٍ يلزم تخصيص الأكثر، وتخصيص الأكثر مستهجن عندهم بلا إشكال . هذا إشكال في الحقيقة على القاعدة بالمعنى السابق الذي هو نفي الحكم الضرري، هذا المعنى لا يمكن تطبيقه على هذه الأحكام، يعني بالرغم من كونها ضررية، لكن لا يمكن الالتزام بنفيها بالقاعدة، فلابدّ من تخصيص القاعدة بها وإخراجها من القاعدة، فيلزم تخصيص الأكثر المستهجن؛ بل قيل ـــــــ والقائل هو الشيخ في الرسائل ـــــــ أنّ العمل بعموم القاعدة يلزم منه تأسيس فقه جديد.
قد يُذكر بيان آخر لهذا الإشكال غير البيان السابق لا يعتمد على مسألة استهجان تخصيص الأكثر، وذلك بأن يقال: أنّ الالتزام بهذه الأحكام التي تمثّل أهم الأحكام الشرعية وتخصيص القاعدة بها مستهجن في حدّ نفسه بقطع النظر عن كونها أكثر الأحكام، حتى إذا لم تكن هي أكثر الأحكام، تخصيص القاعدة بها وإخراجها من القاعدة والالتزام بثبوتها بالرغم من كونها ضررية هو مستهجن في حدّ نفسه، وهذا معناه أنّ أهم الأحكام الشرعية هي أحكام ضررية ولا نلتزم بنفيها؛ لأنّها خارجة من القاعدة، هو مستهجن في حدّ نفسه؛ لأنّه يعطي انطباعاً بأنّ الإسلام مبتنٍ على أحكام هي في واقعها ضررية.
هذا الإشكال لهم أجوبة عليه:
الجواب الأول: ما ذكره الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) نفسه عندما بيّن الإشكال بهذا الشكل أجاب عنه بجواب [1] وحاصله: أنّ هذه الموارد الكثيرة الخارجة عن القاعدة ولم نلتزم بنفي الحكم فيها إنّما خرجت بعنوانٍ واحدٍ ولم تخرج كأفرادٍ، وهذا العنوان الواحد وإن كان غير معروف عندنا، لكنّها خارجة بعنوان واحد، وهذا العنوان عنوان جامع لهذه الأحكام الخارجة، ومن هنا يكون الخارج من العام عنواناً واحداً، وقد ثبت في محله أنّ إخراج أكثر الأفراد من العام إذا كان بعنوانٍ واحد لا محذور فيه، وإنّما المحذور في إخراج أكثر الأفراد بعناوينها الخاصة، فهذا هو الإخراج المستهجن، أمّا إذا خرجت الأكثر الأفراد من العام، لكنها خرجت بعنوان واحدٍ، فهذا لا يلزم منه أيّ محذور، فلو فرضنا أنّه قال(أكرم الناس) ثمّ أخرج الفاسق منه، وكان الفاسق من باب الصدفة يمثّل أكثر الناس بحيث لا يبقى تحت العام إلاّ أفراد قلائل، هذا ليس مستهجناً؛ لأنّ أكثر الأفراد وإن خرجت من العام، لكنها خرجت بعنوانٍ واحد، وهذا ليس من باب تخصيص الأكثر المستهجن، وكأنّه يريد أن يقول أنّ المقام من قبيل خروج أكثر الأفراد، لكن بعنوانٍ واحد، يقول: (أنّ الأحكام الخارجة من قاعدة لا ضرر التي لا يمكن أن نلتزم فيها بنفي الحكم بالرغم من كونه ضررياً، هذه الأحكام هي خارجة بعنوانٍ واحدٍ وإن كان مجهولاً عندنا) فإذا خرجت بعنوانٍ واحد ليس هناك مشكلة في خروج أكثر الأحكام من القاعدة؛ لأنّ هذا ليس مستهجناً، وإنّما المستهجن هو خروج الأفراد بعناوينها الخاصّة.
هذا الجواب الأول الذي ذكره الشيخ في الرسائل صار مثاراً للنقاش والكلام في تقييمه، وفي أنه ما هو المراد به ؟ اعتُرض عليه باعتراضات:
الاعتراض الأول: ما ذكره المحقق الخراساني(قدّس سرّه) في حاشية الرسائل، [2] يقول: هناك فرق بين أن يكون الملحوظ في العموم هو الأنواع والأصناف، وبين ما إذا كان الملحوظ في العنوان هو الأفراد، مآل كلامه إلى هذا، يقول: تارة نفترض أنّ الملحوظ في العام هي الأنواع والأصناف لا الأشخاص والأفراد، عندما يقول (أكرم العالم) الملحوظ في العموم يريد تعميم هذا الحكم لأصناف العالم، فقيه، لغوي ، نحوي، طبيب....الخ، فالملحوظ في التعميم هو أصناف العنوان وأنواعه، وأخرى نفترض أنّ الملحوظ في التعميم هو الأفراد بحيث يراد تعميم الحكم لهذا الفرد وهذا الفرد ...وهكذا. صحيح أنّ هذه الأفراد يجمعها عنوان واحد، أو عناوين متعددة، لكن ليس معنى ذلك أنّ العنوان هو الملحوظ في هذا الحكم، وإنّما نفترض أنّ الملحوظ هو الأفراد بحيث إذا ذُكر العنوان يؤخذ مجرّد طريق لإثبات الحكم لذوات الأفراد وأشخاصهم، كأنّ صاحب الكفاية يقول يوجد فرق بين المقامين، إذا فرضنا الأول؛ حينئذٍ يصح كلام الشيخ؛ لأنّ إخراج أكثر الأفراد بعنوانٍ واحد لا يعني إلاّ تخصيص فردٍ واحد من أفراد العام؛ لأنّ المفروض أنّ الملحوظ في العام هو الأصناف والأنواع، فإذا أخرج أكثر الأفراد بعنوانٍ واحد، هذا ليس من باب تخصيص الأكثر إطلاقاً؛ بل هو تخصيص فردٍ واحد من أفراد العام؛ لأنّ أفراد العام هي الأصناف والأنواع المتعددة، فإذا استثنى الفاسق كعنوانٍ من عناوين العام وكان الفاسق يدخل فيه مصاديق كثيرة تمثل أكثر أفراد العالم، هذا ليس فيه محذور فيما إذا فرضنا أنّ الملحوظ في العام هو العناوين، الأصناف والأنواع لا الأفراد؛ لأنّ العموم يتجه نحو أفراده وأفراده هي الأصناف والأنواع المتعددة لم يخرج منها إلاّ صنف واحد وعنوان واحد، وإن كان هذا العنوان يدخل فيه أكثر الأفراد. وأمّا إذا فرضنا أنّ العموم بالنحو الثاني، كان الملحوظ فيه هو الأفراد، وقد يؤتى بالعنوان، لكنه مجرّد طريق لإثبات الحكم على هذا الفرد وهذا الفرد وهذا الفرد، فبالتالي يكون العموم متجّه نحو الأفراد، في هذه الحالة يقول إخراج أكثر الأفراد حتى إذا كان بعنوان واحد يكون حينئذٍ قبيحاً ومستهجناً، فلابدّ من التفصيل بين الحالتين .
هذا الاعتراض إنّما يكون اعتراضاً على جواب الشيخ(قدّس سرّه)، وبالتالي تحكيماً للإشكال، إنما يتمّ إذا فرضنا أنّ صاحب الكفاية(قدّس سرّه) يفترض أنّ ما نحن فيه من قبيل العموم الملحوظ فيه الأفراد لا الأنواع والأصناف؛ حينئذٍ يكون هذا رداً على الشيخ، أنّ ما نحن فيه إخراجه أكثر الأفراد حتى إذا كان بعنوانٍ واحد كما فرضه الشيخ هو يبقى مستهجناً؛ وحينئذٍ يبقى الإشكال على حاله، لابدّ من تتميه بهذا حتى يكون اعتراضاً على الشيخ وتحكيماً للإشكال، لابدّ أن يقال أنّ مقامنا من قبيل العموم الذي تُلحظ فيه الأفراد بخصوصياتها ويُراد تعميم الحكم للأفراد؛ حينئذٍ يقال أنّ في محل كلامنا تخصيص الأكثر وإخراج أكثر الأحكام من القاعدة حتى إذا كان بعنوانٍ واحد مستهجن وقبيح.
الاعتراض الثاني: يذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) في تقريراته، وحاصل كلامه، يقول: ينبغي التفصيل بين القضية الخارجية والقضية الحقيقية، في القضية الخارجية يمتنع تخصيص الأكثر حتى إذا كان بعنوانٍ واحد، بينما في القضايا الحقيقية لا يمتنع تخصيص الأكثر إذا كان بعنوانٍ واحد. في القضايا الخارجية كما إذا التفت إلى مكانٍ معينٍ وقال أكرم كل هؤلاء على نحو القضية الخارجية، إخراج معظم الأفراد إذا كان مجموعهم مائة بحيث لا يبقى إلا عشرة حتى إذا كان بعنوانٍ واحد مثل عنوان الفاسق هو أمر قبيح ومستهجن، وأمّا في القضايا الحقيقية كما في المثال الذي ذكره الشيخ وهو(أكرم الناس) يقول هنا يمكن أن يقال أنّ إخراج أكثر الأفراد بعنوانٍ واحدٍ لا يكون مستهجناً، فلابدّ من التفصيل بينهما.
هنا أيضاً حتى يكون هذا اعتراضاً على الشيخ وتحكيماً للإشكال لابدّ من فرض أنّ المحقق النائيني(قدّس سرّه) يفترض أنّ محل الكلام ـــــــ قاعدة لا ضرر ـــــــ هو من قبيل القضية الخارجية لا القضية الحقيقية حتى يتحكّم الإشكال ويكون رداً لجواب الشيخ وبقال أنّ مقامنا من قبيل القضية الخارجية وفي القضية الخارجية إخراج أكثر الأفراد حتى إذا كان بعنوان واحدٍ هو مستهجن وقبيح، فيبقى الإشكال على حاله. المحقق النائيني(قدّس سرّه) اعترف في كلامه بأنّ المقام من قبيل القضية الخارجية؛ وحينئذٍ يكون إخراج أكثر الأفراد من قاعدة لا ضرر حتى إذا كان بعنوانٍ واحدٍ يكون قبيحاً ومستهجناً.
الظاهر أنّ كلام صاحب الكفاية (قدّس سرّه) متين وكلام المحقق النائيني(قدّس سرّه) إذا أمكن إرجاعه إلى ما يقول صاحب الكفاية (قدّس سرّه) فهو أيضاً كذلك، بمعنى أن يقال ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) من أنّه تارة يكون الملحوظ في العموم الأفراد وأخرى يكون الملحوظ هو أصناف العنوان وأنواعه. قد يقال في الحالة الأولى هي عبارة عن القضية الخارجية، أنّ الملحوظ هي أفرادها ومسمياتها فتكون قضية خارجية، في هذه القضية الخارجية التي يعبّر عنها صاحب الكفاية(قدّس سرّه) بأنّ الملحوظ في العموم هو الأفراد، هنا يقال أنّ إخراج أكثر الأفراد حتى بعنوان واحد يكون مستهجناً وقبيحاً، إذا كان الملحوظ هو الأنواع والأصناف وليس الأفراد قد يقال أنّ هذا يساوق كون القضية حقيقية، هذا ليس واضحاً، على كل حال ما ذكره المحقق صاحب الكفاية يبدو أنه متين، أنه لابدّ من التفريق بينهما، يعني عندما يفترض بقطع النظر عن الأمثلة أنّ العام يتجّه نحو أصنافه وأنواعه ويُراد تعميم الحكم لأصناف العالم في مثل(أكرم العالم) يعني يُراد تعميمه للفقيه والطبيب والفيزيائي و......الخ والأفراد غير ملحوظة فيه، عندما يكون هذا هو المقصود استثناء إخراج نوع واحد وصنف واحد ليس فيه محذور حتى إذا كان هذا الصنف الواحد والنوع الواحد يشتمل على معظم الأفراد؛ لأنّ هذا في الواقع والحقيقة ليس من باب تخصيص الأكثر، وإنّما هو تخصيص واحد من أفراد ذلك العام؛ لأنّ المفروض أنّ أفراد ذلك العام هي عبارة عن الأصناف والأنواع، وأخرج صنفاً واحداً أو نوعاً واحداً، وهذا في الحقيقة ليس من باب تخصيص الأكثر أصلاً حتى نبحث أنه مستهجن أو لا ، بخلاف ما إذا فرضنا أنّ العموم يتجّه نحو الأفراد، وأنّ العنوان إنما هو طريق لإثبات الحكم على الأفراد، وإنّ كان لا إشكال في أنّ كل مجموعة من الأفراد لها عنوان واحد، كل مجموعة منها تدخل في صنفٍ معيّن وفي نوعٍ معين، لكن هذه الأنواع والأصناف ليست ملحوظة في العموم وإنما الملحوظ هو نفس الأفراد، وعندما يكون الغرض هو توجيه الحكم واسرائه للأفراد وأشخاصها؛ حينئذٍ يكون إخراج الأكثر قبيحاً حتى إذا كان بعنوانٍ واحد. هذا التفصيل تفصيل جيد، والمهم في المسألة هو أن نبحث عن أنّ ما نحن فيه من أي قبيل ؟ يعني شمول قاعدة لا ضرر للأحكام الشرعية هو من أي قبيل ؟ هل الملحوظ في قاعدة لا ضرر التي فيها حكم وهو نفي الضرر، أو نفي الحكم إذا كان سبباً لحصول الضرر، عموم القاعدة للأحكام التي تكون سبباً لحصول الضرر لمكلف، هل الملحوظ فيه أفراد الأحكام ؟ كل حكم حكم على حدة بحيث يكون الملحوظ أفراد الأحكام، وجوب الوضوء، وجوب الصلاة، وجوب الصيام، لزوم المعاملة ......الخ. أحكام متعددة وأشخاص أحكام ويُراد نفي أفراد هذه الأحكام عندما يلزم منها الضرر، هل هذا هو الملحوظ، أو أنّ الملحوظ في القاعدة هو أصناف هذه الأفراد، وأنواع هذه الأفراد، أي أنّ التعميم هو بلحاظ أصناف الأحكام وأنواعها؛ لأننا نستطيع أن نبوّب الأحكام الشرعية ونصنّفها، أحكام شرعية في العبادات وأحكام شرعية في المعاملات، أحكام شرعية تكليفية وأحكام شرعية وضعية، نستطيع إدخالها في عناوين وأصناف وأنواع، العموم في القاعدة هل يتجّه نحو أفراد الأحكام، أو يتجّه نحو عنوانٍ جامع، أو عناوين جامعة لتلك الأفراد ؟ هذا هو المهم في البحث .
الظاهر هو الأول، يعني أنّ عموم قاعدة لا ضرر للأحكام هو من قبيل الأول، بمعنى أنّ الملحوظ في القاعدة هو الأفراد، يعني الأحكام الشرعية، وجوب الوضوء، وجوب الصلاة، وجوب الزكاة .....الخ . والقاعدة تقول أنّ كل حكم من هذه الأحكام إذا كان سبباً لحصول الضرر للمكلف يكون مرتفعاً لا وجود له، تنفي الحكم إذا لزم منه الضرر، فهي تلحظ الأفراد ولا تلحظ الأنواع والأصناف، وإن كانت هذه الأحكام يمكن إدراجها في أصناف وأنواع متعددة، لكن ليس الملحوظ هو الصنف. وبعبارة أخرى: إنّ قاعدة لا ضرر على ما تقدّم بناءً على أنّها حاكمة على أدلة الأحكام الأولية وموجبة لتخصيصها بغير موارد الضرر هي تقتضي أن يكون الملحوظ فيها هو أفراد الأحكام ؛ وذلك لأنّ المراد بالقاعدة في الحقيقة تخصيص ما يجعله الشارع وتوجب تضييقه وجعله غير شامل لموارد الضرر، هذا معنى الحكومة، أنّ الحكم الشرعي بوجوب الوضوء بقطع النظر عن القاعدة فيه إطلاق يشمل موارد الضرر وغيرها، القاعدة تخصصه بخصوص غير موارد الضرر، يعني توجب تضييقه وجعله غير شامل لموارد الضرر، لكن هي تريد تضييق ما يجعله الشارع من أحكام، فإذا قلنا أنّ ما يجعله الشارع من أحكام ما هو ؟ هل هو عبارة عن أفراد الأحكام، أو أصنافها التي لا تخرج عن كونها عناوين انتزاعية ؟ ومن الواضح أنّ المجعول الشرعي هو عبارة عن أفراد الأحكام، يعني أنّ المجعول الشرعي هو وجوب الوضوء ووجوب الصوم ولزوم المعاملة، وليس المجعول الشرعي هو العبادات كعنوان عام انتزاعي، أو الأحكام التكليفية في قبال الوضعية وأمثالها من العناوين التي يمكن انتزاعها من مجموعة من الأحكام، هذا الجامع بين مجموعة من الأحكام ليس مجعولاً من قبل الشارع، هو عنوان انتزاعي أصلاً ليس مجعولاً من قبل الشارع، فلا معنى لفرض الحكومة فيه؛ لأنّ المراد بالحكومة تضييق ما يجعله الشارع وجعله غير شامل لموارد الضرر، وهذا معناه أنّ الملحوظ في القاعدة هو ما يجعله الشارع والذي هو عبارة عن أفراد الأحكام، فلابدّ من افتراض أنّ العموم الملحوظ في باب القاعدة هو عموم أفرادي بمعنى أنّ الملحوظ هو الأفراد في هذه القاعدة أفراد الأحكام لا الجامع فيما بينها أو العناوين الجامعة التي يندرج فيها جملة من الأحكام الشرعية . وعلى هذا فما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) صحيح ومقامنا هو من قبيل الثاني الذي يكون إخراج أكثر الأفراد منه مستهجناً حتى إذا كان بعنوان واحد .