الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

38/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

 

كان الكلام في الضمان، وقلنا بأنّ الضمان لا يرتبط بمسألة جواز التصرّف، أو عدم جوازه، على كلا التقديرين الضمان عندما يتحقق موجبه يكون ثابتاً في محل الكلام. هذا الضمان في محل الكلام يكون واضحاً عندما نفترض أنّ تصرف المالك في ملكه أدّى إلى نقصٍ في مال الغير ـــــــ في بئر الغير في مثال البالوعة ـــــــ عيناً أو صفة، هذا لا إشكال في أنه يكون موجباً للضمان باعتبار أنّ أدلة الضمان، سواء كانت أدلة لفظية، أو كانت عبارة عن سيرة عقلائية هي تشمل هذا المورد، أصلاً موضوع الأدلة اللّفظية هو إتلاف المال، من أتلف مال غيره، فهو له ضامن وأمثالها من الأدلة، بالنتيجة يكون موضوع الضمان هو إتلاف مال الغير، فإذا أتلف مال الغير بأن أوجد نقصاً فيه عيناً، أو صفة، حتى إذا فرضنا أنّه لم يوجب نقصاً في نفس عين مال الغير، لكنه أوجب نقصاً في صفةٍ من صفاته كما لو تغيّر الماء من كونه عذباً إلى كونه أجاجاً، هذا التغير في صفةٍ من صفات المال أيضاً يكون موجباً للضمان؛ لأنّه بالتالي يكون نقصاً في مال الغير سببّه هذا التصرّف، وفي هذه الحالة يكون المالك ضامناً، فإذا حفر البالوعة وأدى ذلك إلى تغيّر ماء البئر يكون ضامناً، إذا حفر بالوعة وأدّى ذلك إلى هدم جدار البئر، نقص في نفس العين أيضاً يكون موجباً للضمان. الكلام ليس في هذا، وإنّما يقع الكلام في ما إذا كان التصرّف لا يوجب أي تغييرٍ حقيقي في البئر، لا في عين البئر ولا في صفات الماء الموجود في البئر إطلاقاً، وإنّما يوجب نوعاً من تنفّر الطبع من هذا البئر من جهة كونه إلى قربه بالوعة، هذا التنفّر يفترض أن يكون موجباً لقلّة المالية وقلّة الرغبة في ذلك الشيء، الكلام في أنّ هذا النقص في المالية هل يكون موجباً للضمان، أو لا ؟ المعروف هو أنه لا ضمان في هذه الحالة باعتبار أنّ الأدلة لا تساعد على الضمان؛ لأنّ موضوع الأدلّة هو نقص المال وإتلاف مال الغير، أمّا نقصان المالية، فلم يدل دليل على ضمانها، لا الأدلة اللّفظية؛ لأنّ موضوعها مال الغير ولا السيرة؛ لأنّه لا وضوح في انعقاد السيرة على الضمان في مثل هذه الحالة، المتيقن من السيرة هو الضمان في حالة إتلاف ونقص نفس المال، إذا طرأ النقص على نفس المال هنا توجد سيرة عقلائية على الضمان فيها، وأمّا ماعدا ذلك لا يلتزمون بالضمان؛ ولذا لا يستشكلون فيما إذا ــــــــ مثلاً ــــــــ تاجر من التجّار أنزل بضاعة إلى السوق وأوجب ذلك نقصان مالية البضاعة المعروضة في نفس السوق، بالنتيجة هذا أدى إلى نقصان مالية المال للغير، لكنّه لا يكون ضامناً؛ بل لا يكون فعله حراماً كما قالوا، هنا هو لم يحدث نقصاً في مال الغير لا في عينه ولا في صفته، وإنّما أوجب عمله نقصان مالية الشيء، هذه المالية ليست مضمونة عندهم، ولا يكون فعله محرّماً اساساً، فعندما نلتزم بالضمان في محل الكلام في مثال البئر والبالوعة، في هذه الحالة عندما يكون حفر البالوعة موجباً لنقصان مالية البئر فقط، إذا التزمنا بالضمان هنا لابدّ أن نلتزم بالضمان في مثال التاجر؛ لأنّ في كلٍ منهما يوجد نقصان في المالية من دون تغيير في نفس العين ولا في صفاتها، والحال أنّه لم يلتزم أحد بالضمان في مثال التاجر، إذن: في ما نحن فيه أيضاً لا يكون هناك ضمان . هكذا ادُعي وهذا موجود في كلمات المحقق العراقي(قدّس سرّه) يعني فصّل بين ما إذا كان تصرّف المالك في ملكه الموجب للنقصان في بئر الغير عيناً أو صفةً، هنا التزم بالضمان، وأمّا إذا كان موجباً لتنفّر الطبع من البئر وكان تنفّر الطبع موجباً لنقصان المالية لا يكون هناك ضمان؛ لأنّه لا دليل على ضمان المالية .

يدخل في هذا الباب ويكون من هذا القبيل مسألة ما إذا غصب عباءة صيفية في الصيف ثمّ أراد إرجاعها في الشتاء، حتى الثلج يمكن التمثيل به، كما لو أخذ منه ثلجاً في الصيف وأراد إرجاع نفس العين إليه في الشتاء، هنا لا إشكال في أنّ قيمة العباءة الصيفية في الصيف تختلف عن قيمتها في الشتاء، فإذا أرجع إليه العباءة الصيفية سالمة لم يُحدث فيها أي نقصٍ، لكن ترجع إليه وقد قلّت ماليتها، نقص المالية في العباءة الصيفية عندما يرجعها الغاصب إلى المالك في الشتاء هل يكون مضموناً، أو لا يكون مضموناً ؟ هذا أيضاً يُدرج في هذا الباب؛ بل يمكن أن يُدرج في هذا الباب أيضاً مسألة الأوراق النقدية، عندما يغصب منه مائة دينار قبل عشرين سنة، الدينار قبل عشرين سنة كانت قيمته ـــــــ مثلاً ـــــــ كذا دولار، بعد عشرين سنة عندما يرجع نفس المائة دينار إليه، صحيح هو لم يحدث نقصاً في هذا المال، يرجع إليه مائة دينار هي مثلي يضمنه بالمثل ومماثل لما غصبه بالضبط، لكن القيمة المالية بعد عشرين سنة تنقص كثيراً عن مالية المائة دينار قبل عشرين سنة، فهل يكون هذا الغاصب ضامناً لهذا النقصان في المالية؟ أو نتعامل معها معاملة المثليات، ونقول هذا مثلي، فيضمن بالمثل، أي يُرجع إليه مائة دينار ولا يكون ضامناً لنقصان المالية ؟ أيضاً يمكن إدراجه في هذا الباب .

السيد الشهيد(قدّس سرّه) ذكر تفصيلاً في هذه المسألة،[1] وقال لا يمكننا أن نحكم بعدم الضمان في نقصان المالية مطلقاً، عدم الضمان على إطلاقه غير مقبول؛ بل لابدّ من التفصيل والتمييز بين نوعين من نقصان المالية . يقول: تارة نفترض أنّ نقصان المالية ينشأ من نقصان القيمة الاستعمالية للشيء، وأخرى نفترض أنّ نقصان المالية ينشأ من نقصان القيمة التبادلية للشيء، يُعبّر عن القيمة الاستعمالية للشيء بأنّها القيمة التي تتحصّل من منافع الشيء ومقدار إشباعها لحوائج الناس، أو هي قابلية الشيء للانتفاع به، الشيء إنّما تكون له قيمة باعتبار قابليته للانتفاع به وإشباع حوائج الإنسان، بقطع النظر عن مسألة السوق والعرض والطلب، هذا الشيء بغض النظر عن هذه العوامل كلها هو له قيمة، هذه القيمة هي قيمة استعمالية ونعبّر عنها بقابلية الشيء للانتفاع به باعتبار ما يتميّز به من صفات ذاتية قائمة في نفس الشيء على اساسها يكون قابلاً للانتفاع به. هناك قيمة تبادلية والتي يعبّر عنها بالقيمة السوقية، بمعنى أنّ القيمة التبادلية للشيء هي مقدار ما تستطيع أن تبدله بمالٍ آخر، فيقال أنّ قيمة الدينار السوقية هي كذا دولار، وقيمة الدولار كذا دينار ....وهكذا. تبادل مال بمالٍ آخر قوة أو ضعفاً، فقيمة الدولار السوقية هي مقدار ما يبادل به من الدينار، وليس ملحوظاً في هذه القيمة الصفات الذاتية القائمة في الشيء، وإنّما مقدار ما تجنيه عندما تبادله بمالٍ آخر، فيقال أنّ قيمة الدينار كذا دولار .هذه قيمة للشيء ثابتة على اساس إمكان مبادلة مال بمال وقوة تبادل مالٍ بمال آخر .

يقول (قدّس سرّه): أنّ القيمة الاستعمالية للشيء لا إشكال في أنّها تؤثر في القيمة التبادلية للشيء بلا إشكال، وإلا الشيء إذا فقد قيمته ومنفعته الذاتية وقيمته الاستعمالية لا تكون له قيمة تبادلية، لا يأتي بمالٍ آخر؛ لأنّه فقد منفعته الذاتية وقابلية الانتفاع به حينئذٍ، فالقيمة الاستعمالية تؤثر في القيمة التبادلية، وهذا واضح جداً، الشيء الذي لا قيمة استعمالية له لا قيمة له تبادلية، وإنّما يكون الشيء له قيمة تبادلية فيُستبدل مال بكذا من مال آخر؛ لأنّ فيه قيمة استعمالية، يعني هو ممّا يُنتفع به باعتبار صفاته المميزة، لكن هذه القيمة التبادلية كما تؤثّر فيها القيمة الاستعمالية للشيء هناك شيء آخر أيضاً يؤثر في هذه القيمة التبادلية وهو مسألة العرض والطلب، والعرض والطلب بطبيعة الحال لا يؤثر في القيمة الاستعمالية على التعريف المتقدّم؛ إذ العرض والطلب ليس له علاقة بالقيمة الاستعمالية، القيمة الاستعمالية تنشأ من صفات ذاتية قائمة في الشيء تلبّي حاجات الإنسان؛ فحينئذٍ تكون له قيمة على هذا الأساس، فالمنفعة الذاتية للشيء لا علاقة لها بمسألة العرض والطلب، سواء أزداد الطلب، أو قل الطلب هذا الشيء له منفعة ذاتية وقيمة استعمالية لا تتأثر بالعرض والطلب، وإنّما العرض والطلب يؤثر في القيمة التبادلية للشيء. هذه اشبه بالمقدمة لبيان التفصيل؛ حينئذٍ يقال: المُدّعى في هذا التفصيل أنّ القيمة الاستعمالية للشيء هي وصف من صفات الشيء وخصوصية ذاتية في نفس الشيء كسائر خصوصياته وصفاته الذاتية، كعذوبة الماء، وسواد للعباءة ـــــــ مثلاً ـــــــ ونوع الخيط الذي حيكت منه العباءة، هذه صفات ذاتية هي التي تحقق القيمة الاستعمالية للشيء، فالقيمة الاستعمالية للشيء هي حيثية قائمة في الشيء كسائر الحيثيات التي تقوم في نفس الشيء، هذه الحيثية القائمة في الشيء تستند إلى أمور خارجية من قبيل الصفات الخارجية الموجودة في الشيء كسواد العباءة وعذوبة الماء ......الخ، وتستند أيضاً إلى أمور نفسية من قبيل مسألة تنفّر الطبع وأمثاله، في مثال العباءة أيضاً الحاجة إلى العباءة في الصيف لكون الجو حاراً، أو الحاجة إلى الثلج في الصيف لكون الجو حاراً يعطي قيمة استعمالية للشيء، القيمة الاستعمالية للشيء لا تستند فقط إلى صفات خارجية، يعني قابلية الانتفاع بالشيء كما تتأثر بالصفات الخارجية كالسواد والبياض وغيرها، كذلك تتأثر بأمورٍ أخرى من قبيل تنفّر الطبع، وتنفّر الطبع يقلل من الانتفاع بذلك الشيء، فقابلية الانتفاع بالشيء تكون متأثرة أيضاً بمسألة تنفّر بالطبع، وتكون متأثرة بكون الجو حاراً، أو كونه بارداً، يقل الانتفاع بالعباءة الصيفية عندما يكون الجو بارداً، ويزداد الانتفاع بها عندما يكون الجو حاراً، في محل كلامنا في مسألة ماء البئر، صحيح أنّ هذا الذي حفر البالوعة لم يورد نقصاً على بئر الجار لا عيناً ولا صفة، والمقصود بــ(صفة) يعني العذوبة في الماء وأمثالها، لكنه بالتالي أوجد حالة تنفّر طبعي من هذا الماء الموجود في البئر باعتبار قربه إلى البالوعة، هذا التنفّر الطبعي يؤدي إلى قلّة الانتفاع بالشيء، وقلّة رغبة الناس فيه، هذا ليس أمراً خارجياً، لكنّه مؤثر في تكوين القيمة الاستعمالية للشيء، بمعنى أنّ قابلية الانتفاع تقل عندما تكون هناك نفرة من هذا الماء، والعكس بالعكس، أن قابلية الانتفاع بالشيء تزداد عندما لا تكون هناك نفرة وتكون هناك رغبة في الشيء، وبالتالي ننتهي إلى هذه النتيجة: أنّ نقصان المالية في الشيء إذا كان ناشئاً من نقصان القيمة الاستعمالية بأن قلة منفعة الشيء، اصبحت منفعة الشيء وقابليته للانتفاع به نقصت، وهذا النقصان لا فرق فيه بين أن يكون ناشئاً من تغيّر في الصفات الحقيقية للشيء بأن كانت العباءة سوداء وصارت جرباء، أو كان ناشئاً من قضايا نفسية، في محل الكلام لا فرق في نقصان المالية إذا كان ناشئاً من نقصان القيمة الاستعمالية، أي إذا كان ناشئاً من نقصان قابلية الشيء للانتفاع به؛ حينئذٍ يكون هذا مورداً للضمان وتشمله أدلة الضمان؛ إذ لا فرق حينئذٍ بين أن يكون هذا النقصان في المالية ناشئاً من نقصان القيمة الاستعمالية للشيء وقابلية الانتفاع بالشيء الناشئة من تغيّر في صفات الشيء حقيقة، أو كان ناشئاً من تنفّر الطبع؛ لأنّ كلاً منهما يؤدي إلى نقصان القيمة الاستعمالية، ونقصان القيمة الاستعمالية يؤدي إلى نقصان المالية.

إذن: نقصان المالية نشأ من نقصان القيمة الاستعمالية للشيء حتى في محل الكلام، مثل هذا يؤدي إلى الضمان؛ لأنّه بالنتيجة قابلية الانتفاع بالشيء هي صفة كسائر صفاته الأخرى، فكما نقول أنه إذا غيّر سواد العباءة يكون ضامناً، إذا أخرج الشيء عن قابلية الانتفاع به، أو نقصت قابلية الانتفاع به بسبب عمله أيضاً يكون ضامناً، هذا تغيير في الشيء كتغيير سواد العباءة يكون مضموناً؛ لأنّ هذا أحدث نقصاناً في مال الغير، فيكون ضامناً. وأمّا إذا فرضنا أنّ نقصان المالية كان ناشئاً من نقصان القيمة التبادلية فقط، القيمة الاستعمالية محفوظة وقابلية الانتفاع محفوظة، كل هذه الأمور محفوظة، وإنّما نقصت المالية بسبب زيادة العرض في السوق، هذه لا تكون مضمونة؛ لأنّ هذا لم يحدث نقصاً في المال، هو لم يحدث شيئاً، وإنّما نقصان المالية حدث بسبب أمر أجنبي عنه بالمرّة، حدث بسبب كثرة العرض وقلّة الطلب، وهذا لا علاقة له به ولا يصدق عليه أنه أتلف مال غيره، ولا أورد نقصاً على مال الغير، فلا يكون ضامناً لهذا النقصان من المالية.

الكلام في هذا التفصيل يقع في أمرين:

الأمر الأول: مسألة العباءة الصيفية إذا أرجعها في الشتاء والعباءة الشتوية إذا أرجعها في الصيف، هذا هل يصلح أن يكون مثالاً لما ذكره، أو لا ؟ بعبارة أخرى: أنّ نقصان المالية في العباءة الصيفية التي غصبها في الصيف ويريد إرجاعها بنفسها في الشتاء، نقصان المالية هذا هل هو ناشئ من نقصان القيمة الاستعمالية حتى يكون مضموناً، أو يكون ناشئاً من نقصان القيمة التبادلية للشيء حتى لا يكون مضموناً ؟ ذكر (قدّس سرّه) أنه ينشأ من القيمة الاستعمالية للشيء؛ ولذا يكون مضموناً، لكن يمكن التأمّل في هذا، في الحقيقة أنّ القيمة الاستعمالية للشيء محفوظة في العباءة عندما يسلّمها في الشتاء لصاحبها، وإنّما نقصان المالية يحدث في الواقع والحقيقة بسبب كثرة العرض وقلة الطلب، حيث أنّ العباءة الصيفية في الشتاء يكثر عرضها ويقل الطلب عليها، والعكس بالعكس العباءة الشتوية في الصيف يقل الطلب عليها ويكثر عرضها، هذا هو الذي يؤثر في نقصان المالية، وإلا نفس العباءة بعينها وبصفاتها لم يحدث لها شيء، وحتى قابلية الانتفاع بالعباءة الصيفية بالمعنى الذي أعدت له لا زالت موجودة. نقصان المالية في هذا المثال غير واضح أنه ينشأ من نقصان القيمة الاستعمالية للشيء؛ بل يمكن، ولعلّ هذا هو الأقرب، أن يكون ناشئاً من قلّة القيمة التبادلية للشيء باعتبار أنّ هذا مرتبط بقانون العرض والطلب، وبناءً على هذا التفصيل ينبغي أن لا يكون ضمان في مثال العباءة الصيفية الذي ذُكر في المقام.

الأمر الثاني: مسألة الأوراق النقدية، وهذه مسألة مهمة جداً، هل نتعامل مع الأوراق النقدية على أنّها أمور مثلية وتضمن بالمثل ولا ضمان لنقصان المالية عندما يؤخر الغاصب عامداً غاصباً إرجاع المال إلى مالكه لمدة عشرين سنة، ثمّ يُرجِع إليه المثل، مائة دينار بمائة دينار والحال أنّ المائة دينار سابقاً كان لها قيمة ومالية كبيرة جداً والآن نقصت هذه المالية كثيراً، نقصان المالية هذا هل يكون مضموناً، أو لا يكون مضموناً، يمكن أن يقال بأنه في محل الكلام بناءً على هذا التفصيل نقصان المالية في الحقيقة أيضاً يمكن أن ينشأ من نقصان القيمة الاستعمالية للشيء وليس من نقصان القيمة التبادلية حتى لا يكون مضموناً باعتبار أنّ الأوراق النقدية تختلف عن سائر الحاجات، حيث أنّ سائر الحاجات اُعدت لغرض الانتفاع بأعيانها وبالصفات الموجودة بها، قيمتها تكمن في الصفات الموجودة في هذا الشيء، فالانتفاع تكون بأعيانها وقيمتها أيضاً تكون مرتبطة بهذه الصفات الموجودة فيها، ماليتها أيضاً تكون مرتبطة بالانتفاع بأعيانها كالدار وبالقلم والعباءة ....الخ، الأوراق النقدية ليست هكذا، فهي جُعلت أساساً لكي ينتفع بماليتها لا لكي ينتفع بأعيانها، أعيانها ليس لها مالية وليس لها منفعة إطلاقاً وإنما هي أوراق عاديّة، هذا الفرق بين الاوراق النقدية وبين سائر الامور الاخرى قد يميّز الأوراق النقدية ويجعل ماليتها وقيمتها من الصفات القائمة في الأوراق النقدية على غرار السواد في العباءة والعذوبة في الماء، وهكذا سائر الصفات الأخرى القائمة بالشيء، بمعنى أنّ المالية صفة قائمة في الأوراق النقدية، وهذا معناه أنّ مالية الشيء هي قيمة استعمالية للشيء وليس قيمة تبادلية، بمعنى أنّ القيمة الاستعمالية للدينار بماليته، العباءة قيمتها الاستعمالية بصفاتها الموجودة فيها النفسية والخارجية، لكن الأوراق النقدية قيمتها الاستعمالية وقابلية الانتفاع بها متقومّة بما لها من المالية، إنّما يُنتفع بالدينار بما له من مالية لا باعتبار صفاته الخارجية، وهذا معناه أنّ قابلية الانتفاع بالأوراق النقدية تقوم على اساس مالها من المالية، القيمة الاستعمالية للدينار تعني قابلية الانتفاع به، والمفروض أنّ قابلية الانتفاع بالشيء من الصفات القائمة بالشيء، فإذا نقصت هذه القابلية يشملها حديث الضمان؛ لأنّ هذا أوجب نقصاً في المال؛ لأنّ قابلية الانتفاع من الصفات القائمة بالشيء كسواد العباءة وعذوبة الماء، فكما أنّه إذا أتلف سواد العباءة يكون ضامناً، هنا أيضاً هذا المقدار من قابلية الانتفاع بالشيء إذا أتلفه أيضاً يكون ضامناً له وتشمله الأدلة .

 


[1] مباحث الأصول، تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر للسيد كاظم الحائري، ج4، ص633.