الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

38/04/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

 

تبيّن من الدرس السابق أنه بناءً على إطلاق دليل السلطنة، فالوجه الثالث المتقدم يكون تامّاً، بمعنى أنّه لا يمكن التمسّك بلا ضرر لنفي السلطنة ونفي جواز تصرّف المالك في ملكه؛ لأنّ ذلك معارض بجريان قاعدة لا ضرر بالنسبة إلى جواز تصرّف المالك باعتباره ضرراً على الجار، كما أنّ حرمة التصرّف ضررية بالنسبة إلى المالك، كذلك جواز تصرّف المالك المضر بجاره هو ضرري بالنسبة إلى الجار، فيقع التعارض الداخلي في نفس القاعدة، وبالتالي لا يمكن التمسك بقاعدة لا ضرر لنفي حرمة التصرّف . هذا كلّه فيما إذا فرضنا أنّ منع المالك من التصرّف ضرر عليه، فيقع التعارض بين الضررين، والنتيجة هي أنه يُلتزم بجواز تصرّف المالك في ملكه، باعتبار تعارض الضررين، والقاعدة لا تشمل المقام باعتبارها مبتلاة بالتعارض الداخلي؛ وحينئذٍ يُرجع إمّا إلى قاعدة السلطنة بناءً على وجود إطلاق فيها، وبالتالي يجوز له التصرّف، أو يُرجع إلى الأصول العملية النافية للتكليف، والتي أـيضاً تقتضي جواز التصرّف . هذا إذا فرضنا أنّ منع المالك من التصرّف فيه ضرر عليه. وأمّا إذا فرضنا أنّ منع المالك من التصرّف ليس فيه ضرر عليه، في هذه الحالة لا يقع التعارض؛ بل يجري حديث لا ضرر في حق الجار فقط، بمعنى أنّها تنفي سلطنة المالك على التصرّف في أرضه، باعتباره مضراً على جاره، وليس لهذه القاعدة معارض؛ لأنّ المفروض أنّ المالك لا يتضرر بمنعه من جواز التصرّف؛ فحينئذٍ تجري القاعدة لصالح الجار وتثبت حرمة التصرّف على المالك . هذه هي النتائج ألتي وصلنا إليها سابقاً . وهذا كلّه بناءً على وجود إطلاق في دليل السلطنة.

وأمّا إذا فرضنا عدم وجود إطلاق في دليل السلطنة، وقلنا أنّ دليل السلطنة لا يدل على الا على السلطنة في الجملة بحيث لا يشمل محل الكلام الذي فُرض فيه أنّ السلطنة مستلزمة للإضرار بالغير، دليل السلطنة قاصر عن الشمول لمحل الكلام . بناءً على هذا ؛ حينئذٍ لا يمكن جريان الوجه الثالث الذي يمنع من التمسّك بقاعدة لا ضرر، باعتبار أنّ القاعدة في المقام تجري فقط لنفي حرمة الإضرار بالغير، حرمة الإضرار بالغير هو حكم ضرري بالنسبة إلى المالك، فيرتفع بلا ضرر، حيث أنّ حرمة الإضرار معناها أن نمنع المالك من التصرّف، والمفروض أنّ منع المالك من التصرف في أرضه ضرر عليه، فحرمة الإضرار تنتفي بقاعدة لا ضرر، ولا تجري القاعدة حينئذٍ في جواز التصرّف للمالك باعتباره ضرراً على الجار؛ لأنّ الجواز غير ثابت؛ لأننا فرضنا عدم الإطلاق في دليل السلطنة الذي يثبت الجواز، وإنّما يثبت الجواز في الجملة على نحو لا يشمل محل الكلام، يعني لا يشمل التصرّف الذي فيه إضرار بالغير، وقاعدة فلا نستطيع أن نقول أنّ الجواز فيه إضرار بالغير، فيُنفى بقاعدة السلطنة، فيقع التعارض؛ لأنّ الحرمة فيها إضرار بالمالك، والجواز فيه إضرار بالجار، فيتعارضان، فيأتي الوجه السابق . هنا لا يوجد جواز حتى يُنفى بقاعدة لا ضرر ؛ لأنّ الجواز فرع إطلاق دليل السلطنة، وقد فرضنا عدم الإطلاق في دليل السلطنة، وإنّما دليل السلطنة يدل على السلطنة وجواز التصرّف في الجملة على نحوٍ لا يشمل محل الكلام، يعني لا يشمل التصرف في الملك الذي يوجب الإضرار بالغير. إذن: هذا التصرف المضر بالغير ليس جائزاً ولم يدل دليل على جوازه حتى نقوا أن هذا الجواز ضرري بالنسبة إلى الجار، فيُنفى بقاعد لا ضرر، فيقع التعارض الداخلي في القاعدة كما تقدّم . موجود عندنا حكم واحد دلّت عليه الأدلة وهو حرمة الإضرار بالغير يُخاطب بها المالك، لكن عندما تكون هذه الحرمة ضررية حالها حال حرمة شرب الكذا .....عندما تكون ضررية ترتفع بقاعدة لا ضرر، فإذا ارتفعت حرمة الإضرار يثبت جواز تصرّف المالك، وإن كان تصرّفه مستلزماً للإضرار بالغير، ولا يجري الوجه الثالث المتقدم وهو مسألة تعارض الضررين . قد يقال في محل الكلام أنّ النتيجة تكون بهذا الشكل .

لكن يمكن أن يقال في المقام: أنّ نفي الحرمة ضرري بالنسبة إلى الجار، سابقاً للمعارضة كنّا نفترض حرمة التصرّف وجواز التصرّف، كلٌ منهما حكم شرعي، وكلٌ منهما ضرري، حرمة التصرّف ضررية بالنسبة إلى المالك، وقلنا بعدم وجود دليل على جواز التصرّف لعدم الإطلاق في دليل السلطنة، لكن نفي الحرمة ضرر على الجار، كما أنّ الحرمة ضرر على المالك، نفي الحرمة أيضاً يكون ضرراً على الجار، والمفروض ــــــــ بقطع النظر عن الاستحالة ـــــــ أنّ لا ضرر يشمل كلاً منهما بناءً على ما تقدّم من أنّ قاعدة لا ضرر لا تختص بالأحكام الوجودية، وإنّما تشمل حتى الأحكام العدمية، تشمل الحكم وعدم الحكم، تشمل الحرمة ونفي الحرمة ، الحرمة إذا كانت ضررية فالقاعدة تشملها، فتنفي الحرمة، نفي الحرمة إذا كان ضرريا، أيضاً القاعدة تشمله، في المقام الحرمة مشمولة للقاعدة، باعتبار أنّها ضررية بالنسبة إلى المالك عدم الحرمة ضرر على الجار، والقاعدة تشمل الأحكام العدمية . بناءً على هذا لا يمكن أن نلتزم بجريان القاعدة في كلٍ منهما؛ لأنّه يستحيل أن تجري القاعدة لنفي الحرمة ونفي نفي الحرمة؛ لأنّ هذا يستلزم ارتفاع النقيضين. وبناءً على ذلك لابدّ من الالتزام بعدم جريان قاعدة لا ضرر لنفي حرمة الإضرار بالغير؛ لأنّ جريانها لنفي حرمة الإضرار بالغير معارض بجريانها لنفي عدم حرمة الإضرار بالغير . حرمة الإضرار بالغير فيها ضرر على المالك ، ونفي حرمة الإضرار بالغير فيها ضرر على الجار، وهي تشمل كل منهما؛ فحينئذٍ لا يمكن أن تكون هذه القاعدة شاملة لحرمة الإضرار بالغير، فإذا لم تكن شاملة لحرمة الإضرار بالغير، إذن: لا مانع من التمسّك بأدلّة حرمة اَلإضرار بالغير لإثبات حرمة الإضرار بالغير؛ لأنّ المانع من التمسّك هو حكومة لا ضرر على حرمة الإضرار بالغير، عندما تكون لا ضرر حاكمة على حرمة الإضرار، هي ترفع حرمة الإضرار باعتباره ضرراً علي المالك، لكن إذا قلنا بأنّ حكومة لا ضرر، وشمول لا ضرر لحرمة الإضرار معارض بشمول لا ضرر لنفي حرمة الإضرار؛ حينئذٍ القاعدة تعجز عن الشمول للمقام، هي لا تشمل كلاً منهما؛ لأنّ شمولها لحرمة الإضرار دون نفي الإضرار ترجيح بلا مرجّح . إذن: هي لا تشمل حرمة الإضرار، ولا يمكن التمسك بها لنفي حرمة الإضرار كما قيل؛ وحينئذٍ لا مانع من التمسّك بحرمة الإضرار، والدليل يدل عليها، وهي لا ضرار نفسها تدل على حرمة الإضرار بالغير، فيمكن التمسّك بالفقرة الثانية لإثبات حرمة الإضرار بالغير، لا كما قيل حيث تصوّرنا في البداية أنّ لدينا حكم واحد لا حكمين حتى تأتي قضية المعارضة، ليس لدينا حرمة وجواز؛ لأنّ الجواز مبني على إطلاق قاعدة السلطنة، وقد فرضنا عدم الإطلاق فيها . إذن: ليس لدينا جواز، وإنّما لدينا فقط حرمة الإضرار بالغير، تأتي لا ضرر وتكون رافعة لهذه الحرمة، فيثبت جواز التصرف . هذا بناءً على شمول القاعدة للأحكام العدمية، وإلاّ إذا منعنا من شمول قاعدة لا ضرر للأحكام العدمية؛ فحينئذٍ لا يرِد هذا الكلام؛ لأنّه ليس لدينا إلاّ حكم واحد هو حرمة الإضرار، فتجري فيه القاعدة وتنتفي الحرمة ويثبت الجواز كما ذُكر في أصل الوجه فيما تقدّم ، لكن بناءً على ما تقدّم من شمول القاعدة للأحكام العدمية، فحتى لو فرضنا لا يوجد جواز، لكن نفي الحرمة ضرري بالنسبة إلى الجار؛ حينئذٍ القاعدة أيضاً تكون فيها معارضة وتبتلي بالمعارضة الداخلية، فلا يمكن التمسك بلا ضرر لنفي حرمة الإضرار ؛ لأنّ هذا معارض بجريان القاعدة في نفي هذه الحرمة، باعتباره ضرراً على الجار . إذا كان لا يمكن أن تكون قاعدة لا ضرر جارية في المقام لنفي حرمة الإضرار. إذن: لا مانع من إثبات حرمة الإضرار تمسكاً بأدلّتها وأحد أدلتها هو قوله(لا ضرار) في نفس القاعدة؛ لأنّ مفاد لا ضرار هو حرمة الإضرار بالغير، فيثبت في المقام حرمة الإضرار بالغير .

في تقريرات السيد الخوئي(قدّس سرّه) كأنه افترض وقوع التعارض في محل الكلام بين الذيل والصدر، يعني في نفس القاعدة توجد فقرة في صدر القاعدة هي(لا ضرر)، وأيضاً هناك فقرة أخرى في ذيلها ، هي (لا ضرار)، ويقع التعارض بين الصدر والذيل، وبالتالي لا يمكن التمسّك بالقاعدة في المقام لوجود التعارض بين الصدر والذيل، باعتبار أنّ مقتضى لا ضرر الذي هو الصدر هو عدم حرمة التصرّف في الملك؛ لكونه ضرراً على المالك . أما مقتضى الذيل ـــــــ لا ضرار ـــــــ فهو حرمة الإضرار بالغير؛ فحينئذٍ يقع التعارض بين الصدر والذيل. إذا أخذنا وعملنا بالصدر، فلابدّ أن نلتزم بعدم حرمة التصرّف المضّر بالغير لكونه ضرراً على المالك، وإذا أخذنا بالذيل، فالذيل يقول: يحرم الإضرار بالغير؛ وحينئذٍ يقع التهافت في نفس الدليل بين صدره وذيله، الذيل يقتضي حرمة التصرّف، بينما الذيل يقتضي، فيحصل تهافت بين الصدر والذيل، وبالتالي لا يمكن التمسّك بالقاعدة في محل الكلام .

ويُلاحظ على هذا الكلام : نحن إمّا أن نبني على أنّ قاعدة لا ضرر تختص بالأحكام الوجودية، أو نبني على أنّها تعمَ الأحكام الوجودية والعدمية . إذا بنينا على أنها تختص بالأحكام الوجودية، فليس لدينا إلاّ حرمة التصرّف وحرمة الإضرار بالغير، هذا حكم وجودي وقاعدة لا ضرر تكون نافية لهذه الحرمة، باعتبار أنّ هذه الحرمة فيها ضرر على المالك، فتأتي لا ضرر وتنفي هذه الحرمة، وتحكم على (لا ضرار) يعني أنّ لا ضرر تكون حاكمة على لا ضرار؛ لأنها تجري لنفي الحرمة؛ وحينئذٍ بناءً على هذا الكلام لا يكون هناك تنافٍ بين صدر القاعدة وذيلها، أو فلنقل لا يوجد تنافٍ بين الدليل الحاكم والدليل المحكوم؛ بل بينهما تمام الموافقة، كما أنّه ليس هناك تعارض بين لا ضرر وأدلة الأحكام الأولية. إذا بنينا على اختصاص القاعدة بالأحكام الوجودية، فليس هناك إلا أن يكون لا ضرر حاكماً على لا ضرار؛ لأنّ لا ضرار تثبت حرمة الإضرار بالغير، لكن حيث أنّ هذه الحرمة ضررية بالنسبة إلى المالك تأتي لا ضرر وتحكم على دليلها، فتنفي هذه الحرمة بالحكومة، فتكون لا ضرر حاكمة على لا ضرار كما تكون لا ضرر حاكمة على دليل وجوب الوضوء، تكون لا ضرر حاكمة على دليل حرمة الإضرار بالغير الذي هو لا ضرار . ما معنى أنّ بين لا ضرر ولا ضرار تهافت وتعارض ؟ مع أنّ هذا حاكم وهذا محكوم ولا يوجد بين الحاكم والمحكوم أي تعارض أو تهافت .

أمّا إذا قلنا أنّ حديث لا ضرر لا يختص بالأحكام الوجودية، وإنّما يشمل الأحكام الوجودية والأحكام العدمية، ولا فرق بين الحكم وبين نفي الحكم إذا كان ضررياً . إذا قلنا بهذا؛ فحينئذٍ نرجع إلى ما قناه سابقاً وهو أنّه يستحيل شمول القاعدة لكلٍ منهما، لا يمكن للقاعدة أن تشمل حرمة الإضرار بالغير ونفي حرمة الإضرار؛ لأنّ هذا يستلزم ارتفاع النقيضين، حرمة الإضرار باعتبارها ضررية على المالك، ونفي حرمة الإضرار ضررية على الجار، شمولها لكلٍ منهما محال؛ لأنه لا يمكن نفي الحرمة، ونفي عدم الحرمة في آنٍ واحد، هذا غير معقول .

إذن: القاعدة لا تشمل حرمة الإضرار، فإذا لم تشمل القاعدة حرمة الإضرار، ولم يمكن نفي حرمة الإضرار بلا ضرار؛ حينئذٍ لا مانع من إثبات الحرمة تمسكاً بدليل حرمة الإضرار؛ لأنّ المانع من التمسّك بدليل حرمة الإضرار هو حكومة لا ضرر عليها، فإذا قلنا أنّ لا ضرر يستحيل أن تكون حاكمة عليها لهذا المحذور الذي قلناه؛ فحينئذٍ لا مانع من التمسّك بدليل حرمة الإضرار لإثبات حرمة الإضرار في محل الكلام . نكتفي بهذا المقدار وننتقل إلى البحث الآخر الذي هو الضمان.

ما تكلّمنا عنه في مسألتنا هو بالنسبة للحكم التكليفي، يجوز التصرّف، أو يحرم التصرّف، أنّ التصرّف إذا كان مضراً بالجار فهل هو جائز تكليفاً، أو حرام تكليفاً ؟ الآن نتكلّم عن الحكم الوضعي، تصرّف المالك في ملكه بحفر بالوعة ــــــ مثلاً ـــــــ هل يوجب الضمان عندما يكون مضراً بالآخرين، أو لا يكون موجباً للضمان ؟ الظاهر أنه يكون موجباً للضمان عندما يكون موجباً لنقصٍ في مال الغير وإتلافٍ لماله، باعتبار شمول أدلة الضمان له من دون فرقٍ بين أن نقول أنّ هذا التصرّف جائز أو حرام . حتى إذا قلنا أنه جائز، لا تنافي بين جواز التصرّف شرعاً وبين ترتب الضمان فيما إذا لزم من هذا التصرّف إلحاق الضرر بالغير، فيكون ضامناً؛ لأنّه أتلف مال غيره، فيكون مشمولاً لأدلة الضمان، وكونه يجوز له التصرّف لا ينفي موضوع أدلة الضمان(الإتلاف) . فلا منافاة بين جواز التصرّف تكليفاً وبين ثبوت الضمان . لكن هذا يُلتزم به عندما يصدق الإتلاف، وعندما يصدق النقص في مال الغير، إمّا ذاتاً أو وصفاً، مرّة يتلف مال غيره تلفاً حقيقياً، ومرّة يُغيّر صفة من صفاته، هذا أيضاً إتلاف ويكون موجباً للضمان؛ لأنّ الأدلة دلّت على أنّ النقص الذي يحصل في مال الغير، إمّا ذاتاً أو وصفاً يكون موجباً للضمان، فإذا حفر بالوعة في داره وأوجب تلف بئر الجار، أو لم تتلف بئر الجار، لكن ذهبت صفة من صفات هذا البئر بأن تغيّرت رائحة البئر ، أو لون الماء، أو طعمه في البئر، بحيث أوجب هذا ذهاب ماليته، في هذه الحالة يثبت هناك ضمان؛ لأنّ أدلة الضمان تقول أي تغيير يكون حادثاً في مال الغير بسبب فعل الشخص، يكون هذا الشخص ضامناً للنقص الذي يحدث في هذا المال، النقص لا يقتصر فقط على النقص في العين، وإنّما عيناً أو صفة، فصفة العين إذا نقصت أيضاً هذا يكون موجباً للضمان .

الظاهر أنّ هذا لا كلام فيه بينهم، وإنّما الكلام يقع في شيءٍ آخر، فيما إذا فرضنا أنّ تصرّف المالك في أرضه بحفر البالوعة لم يوجب نقصاً في مال الغير، لا عيناً ولا صفة، وإنّما أوجب نوعاً من تنفّر الطبع ـــــــ مثلاً ـــــــ الذي يكون سببه هو قرب البالوعة من البئر، وهذا التنفّر في الطبع باعتبار قرب البالوعة من البئر يوجب حتى نقصاناً في المالية، يعني نقصاناً في الرغبة في هذا الماء، ويوجب قلّة في الرغبة العقلائية في هذا الماء، ولو لم يكن سببه تغيّر الصفة في الماء، لكن قربه من البالوعة يوجب نوعاً من التنفّر من هذا الماء . الكلام في أنّ مثل هذا الشيء هل يكون موجباً للضمان، أو لا ؟ يعني تصرّف المالك في ملكه إذا لم يوجب نقصاً في مال الغير، والمال كما هو في السابق لم يتغيّر أصلاً، لا ذاتاً ولا صفة، وإنّما أوجب نقصاً في المالية فقط، بأن قلّت قيمة الشيء نتيجة هذا التصرّف، هذا هل يكون مضموناً ؟ هل المالية مضمونة وتشملها الأدلة، أم فقط المال يكون مضموناً ؟