الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
38/03/20
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) في الدليل الثالث، ما ذهب إليه من عدم شمول القاعدة لعدم الحكم، واختصاصها بالحكم الضرري . الدليل الثالث كان مسألة أنه لو قلنا بذلك يلزم تأسيس فقهٍ جديد .
الجواب الصحيح: هو أن يقال لا يلزم تأسيس فقه جديد؛ لأنّ هذا يعني أن يكون هناك فقه جديد غير الفقه الذي نحن عليه الآن، واضح عدم لزوم ذلك؛ لقلة المسائل التي تكون من هذا القبيل، هي مسائل محدودة، حتى لو التزمنا فيها بشمول الحديث لها لا يلزم تأسيس فقه جديد، تأسيس فقه جديد شيء آخر غير أن يُلتزَم ببعض الفتاوى التي ــــــ مثلاً ــــــ لا يُلتزَم بها في فروع معينة محصورة ، على كل حال لا يلزم تأسيس فقه جديد ، على أنّه أوضح مثالٍ ذكره هو لتأسيس فقه جديد هو مسألة طلاق الزوجة، وأنّه لو قلنا بالشمول لكان اللازم أن نعطي ولاية الطلاق بيد الحاكم الشرعي؛ لأنّ عدم طلاق الزوجة في الظروف التي ذكرناها ضرري، فلو كان الحديث يشمل عدم الحكم لنفيه، ونفي النفي إثبات، فيثبت الطلاق بيد الحاكم وبيد الزوجة . هذا المثال الذي ذكره، وقال لا يمكن الالتزام به، التزم به الكثير من الفقهاء، وذهبوا إلى أنّ الزوج إذا كان ممتنعاً عن الإنفاق ـــــــ وهذا هو القدر المتيقن ـــــــ مع تمكّنه من ذلك، هناك سلسلة خطوات تتخذ، والنتيجة هي إعطاء ولاية الطلاق بيد الحاكم الشرعي، والتزم به جماعة من الفقهاء، ودلّت عليه نصوص متعددة، دل أكثر من نصٍ على أنه في حالة امتناع الزوج عن الإنفاق تكون ولاية الطلاق بيد الحاكم الشرعي، فلا يلزم تأسيس فقهٍ جديد بهذا المعنى . هذه تمام الأدلة الثلاثة التي تستفاد من كلمات المحقق النائيني(قدّس سرّه) تبين أنها غير ناهضة لإثبات الشمول .
هناك دليل آخر غير مذكور في كلامه ، ذكره بعض المحققين، نذكره . حاصل هذا الدليل يقول: بأنّ الضرر المنفي في حديث لا ضرر هو خصوص الضرر المستند إلى الشارع ، وهذا بنفسه يقتضي تخصيص الحديث بخصوص الضرر الذي يترتب على الحكم، بمعنى تخصيص الحديث بما إذا كان الحكم الشرعي ضررياً ولا يشمل عدم الحكم إذا كان ضررياً؛ لأنّه عندما يكون الحكم ضررياً كوجوب الوضوء ووجوب الغسل، ووجوب القيام في الصلاة إذا كان ضررياً؛ حينئذٍ يكون الضرر الحاصل، على تقدير حصوله نتيجة الوضوء أو الغسل، أو القيام يكون مستنداً إلى الشارع، كأنّ الشارع هو الذي سبب الضرر؛ لأنّ الشارع حكم بوجوب الوضوء على المريض وهو ضرر له، وإضرار به؛ وحينئذٍ يكون الضرر مستنداً إلى الشارع، فيكون مشمولاً لحديث لا ضرر ؛ لأنّ حديث لا ضرر ينفي الضرر المستند إلى الشارع، فالشمول يكون واضحاً . وأمّا عدم الحكم إذا كان ضررياً، فهذا لا يصحح إسناد الضرر إلى الشارع، الشارع عندما يحكم بحكم يوقع المكلف في الضرر ، فالإسناد يكون واضحاً، فيشمله الحديث، أمّا عندما لا يحكم الشارع بشيء، ويكون عدم الحكم ضررياً، هنا لا يصح إسناد هذا الضرر إلى الشارع . صحيح أنّ الشارع كان بإمكانه أن يحكم بذلك الحكم النافي للضرر، لكنّ عدم حكمه بذلك لا يصحح إسناد الضرر إليه بحيث يقال أنّ الشارع أوقع المكلف في الضرر، إنّما يصح أن يقال ذلك عندما يحكم بحكمٍ ضرري، مثلاً: في مثال حبس الحر الكسوب وتفويت عمله عليه، مجرّد أنّ الشارع لم يحكم بالضمان مع قدرته على الحكم بالضمان ومنع تحقق الضرر بالنسبة إلى المحبوس، أو يتدارك الضرر على الأقل، لكن مع ذلك، مجرّد عدم حكمه بالضمان لا يعني أنّ الضرر على تقدير حصوله يكون منتسباً إلى الشارع . هذا نظير ما إذا فرضنا أنّ إنساناً رأى سيلاً متوجهاً إلى دار زيدٍ، وكان هذا السيل مضراً بدار زيدٍ ويوجب هدم داره وكان هذا الشخص قادراً على منع تحقق هذا الضرر بأن يوجّه السيل باتجاه آخر، إذا لم يفعل وحصل الضرر، هنا لا يصح أن يُسند هذا الضرر إلى هذا الشخص لمجرّد أنه كان قادراً على منع الضرر عن زيد، مجرّد قدرة الإنسان على منع الضرر المتوجّه إلى شخصٍ لا يصحح إسناد الضرر إليه بحيث يقال أنّ هذا أضرّ بزيدٍ؛ لأنه امتنع عن منع هذا الضرر عن زيد مع قدرته على ذلك. يقول: ما نحن فيه من هذا القبيل، في ما نحن فيه شخص حبس حراَ، ففوت عليه عمله، والشارع كان بإمكانه أن يحكم بالضمان ويكون هذا الضمان نفياً للضرر أو تداركاً له، لكنّه لم يحكم بالضمان، هل مجرّد عدم حكم الشارع بالضمان يصحح إسناد الضرر على تقدير حصوله إلى الشارع بحيث يقال: أنّ الشارع لأنه لم يحكم بالضمان قد أوقع المكلّف في الضرر ، هل يصح هذا، أو ؟ هو يقول لا يصح إسناد الضرر إلى الشارع لمجرّد أنه لم يحكم بحكمٍ يوجب نفي الضرر أو تدارك الضرر، فيكون حاله حال ذاك الرجل الذي رأى سيلاً متوجهاً إلى دار زيد، وكان بإمكانه أن يمنع ذلك، لكنّه لم يمنع منه، فكما أنه هناك لا يصح إسناد الضرر إلى هذا ارجل، في محل الكلام لا يصح إسناد الضرر إلى الشارع المقدّس، وإنّما يصح الإسناد في صورة واحدة وهي صورة ما إذا صدر من الشارع شيء يستلزم إيقاع المكلّف في الضرر، كما إذا حكم بوجوب الوضوء على المريض، هذا حكم هو الذي أوقع المكلف في الضرر، فيستند الضرر إلى الشارع ويكون مشمولاً بالحديث ويكون مفاد الحديث نفي وجوب الوضوء الضرري، وأمّا عدم الحكم بالضمان، فلا يشمله الحديث، وإن كان ضررياً، لكن الضرر لا يستند إلى الشارع، وإن تضرر المكلف، لكنه لا يكون مشمولاً بالحديث، وبالتالي لا يمكن نفي عدم الضمان بالحديث لإثبات الضمان .هذا هو الوجه الرابع لاختصاص الحديث بخصوص الأحكام الضررية وعدم شموله لعدم الحكم إذا كان ضررياً .
يُفهم من كلام السيد الخوئي(قدّس سرّه) ما يكون جواباً عن هذا الوجه: السيد الخوئي(قدّس سرّه) في بعض كلماته [1] يقول أنّ عدم الحكم من قِبل الشارع في موردٍ قابلٍ للحكم يُعد حكماً بالعدم، وإذا كان حكماً من قِبل الشارع بالعدم، وكان ضررياً كما هو المفروض، شمله الحديث بلا إشكال؛ لأنه حكم بالعدم، وأيّ فرقٍ بين حكمٍ بوجوب الوضوء وبين أن يحكم الشارع بعدم الضمان ؟! في كلامنا نحن لا نتكلم عن حكم الشارع بالعدم، وإنما نتكلم عن عدم الحكم، وهناك فرق بين عدم الحكم وبين الحكم بالعدم، وكلامنا ليس في الحكم بالعدم، ولا يبعُد أنه لا نزاع ولا خلاف في شمول الحديث للحكم بالعدم كما هو الحكم بالوجود، كما أنّ الحكم بالوجوب يكون مشمولاً بالحديث، الحكم بعدم الوجوب أيضاً يكون مشمولاً بالحديث، الظاهر عدم النزاع في هذا، الكلام في عدم الحكم، اي أنّ الشارع لم يحكم بشيء وليس حكم بعدم الضمان، فوقع المكلف في الضرر، كلامنا هو في أنّ هذا يشمله الحديث لنفي هذا العدم وإثبات الضمان، أو لا يشمله الحديث ؟ السيد الخوئي(قدّس سرّه) يقول: بإنّ عدم حكم الشارع بالضمان ـــــــ مثلاً ـــــــ في هذا المثال مع قابلية الحكم بالضمان يُعدّ حكماً بالعدم، وإذا كان حكماً بالعدم يشمله الحديث، والظاهر أنه لا نزاع في ذلك، لكن هذا خروج عن محل الكلام، فنحن لا نتكلّم في الأحكام العدمية، وإن كان وارداً في بعض التعبيرات (الأحكام العدمية) الصحيح أن يقال: نحن نتكلّم عن الاعدام الضررية، كلامنا في العدم الضرري وليس في الحكم العدمي، فالحكم العدمي يعني حكماً بالعدم، والحكم بالعدم كالحكم في الوجود لا فرق بينهما، كل منهما يكون مشمولاً للحديث إذا كان ضررياً، كلامنا في الاعدام الضررية، أي، عدم الحكم عندما يكون ضررياً، هل يكون مشمولاً للحديث أو لا ؟ وصاحب هذا الوجه الرابع يقول أنّ عدم الحكم من قِبل الشارع حتى مع تمكّنه من الحكم ودفع الضرر به لا يوجب انتساب الضرر إليه، بخلاف الحكم الضرري، فإنّ هذا الحكم يُسبب وقوع المكلف في الضرر، وبالتالي ينتسب وقوع الضرر إلى الشارع، والضرر المنفي في الحديث هو الضرر المنتسب إلى الشارع، في الحكم الضرري الضرر ينتسب إلى الشارع، فيشمله الحديث، في عدم الحكم لا ينتسب الضرر إلى الشارع، الشارع لم يحكم، ولا نستطيع أن نقول أنّ الضرر على تقدير حصوله ينتسب إلى الشارع .
قلنا أنه يُفهم من كلمات السيد الخوئي(قدّس سرّه) أنّ عدم الحكم هنا مرجعه إلى الحكم بالعدم . لكن هذا ليس واضحاً أنّ مرجعه إلى الحكم بالعدم، وإنما هو عدم حكم، هو لم يحكم بالضمان لا أنه حكم بعدم الضمان، ليس لدينا دليل على أنّ الشارع إذا لم يحكم بالضمام، فهذا يعني أنه حكم بعدم الضمان، فلا نستطيع الالتزام بذلك، على أنه خروج عن محل الكلام كما قلنا، نحن نتكلّم عن الاعدام الضررية وليس عن الأحكام العدمية عندما تكون ضررية .
الصحيح في الجواب عن هذا الوجه الرابع أن نشكك في عدم صحة الانتساب إلى الشارع، ليس واضحاً أنه لا يصح نسبة الضرر إلى الشارع؛ بل يمكن أن قال أنّ النسبة أيضاً تكون صحيحة، فينتسب الضرر إلى الشارع؛ لأنّ عدم الحكم يمكن نسبته إلى الشارع بأن نقول أنّ الشارع لم يحكم بالضمان، نسبة عدم الحكم إلى الشارع مع افتراض أنه شارع مقدّس مسئول عن المكلف، وعن تحديد الوظيفة للمكلف، عندما لا يحكم بالضمان هذا يكفي لنسبة الضرر على تقدير حصوله إليه، نحن لا نتكلّم عن إنسانٍ عادي، لا نتكلّم عن الشخص الذي ذكره في المثال، شخص رأى سيلاً متوجّهاً إلى دار زيد؛ لأنّ هذا الشخص ليس له علاقة بزيد، وليس مسئولاً عنه، ولا مطلوب منه أن يعيّن له وظيفته، وكان قادراً على منع السيل من التوجّه إلى دار زيد، ولكنّه لم يمنعه، هنا صحيح أنّ الضرر على تقدير حصوله لا ينتسب إلى هذا الشخص، لكن لا يمكن أن نقيس الشارع على شخصٍ عادي من هذا القبيل، الشارع يختلف؛ لأنّ الشارع مشرّع ومسئول عن تحديد وبيان الوظيفة للمكلّف، في حالة من هذا القبيل عندما لا يصدر منه الحكم بالضمان في هذه المسألة، وكما قلنا يمكن أن ننسب عدم الحكم إليه . إذن: الشارع لم يحكم بالضمان في هذه المسألة مع فرض مسئوليته عن بيان الوظيفة والتوجيه الصحيح للمكلّف في المسائل، عندما لا يحكم بالضمان، هذا وحده يصحح نسبة الضرر على تقدير حصوله إليه . لا نريد أن نقول أنّ عدم الحكم هو حكم بالعدم كما يقول السيد الخوئي(قدّس سرّه)، لكن نقول بأنّ المسئولية الموجودة بالنسبة للشارع تجاه المكلّف، مسئول عن بيان وظيفته العملية في المسائل التي تعرض عليه، فعندما يُستفتى الشارع ولا يحكم بالضمان؛ فحينئذٍ يمكن نسبة الضرر الذي يحصل اليه؛ لأنه لم يحكم بالضمان؛ ولذا يصح لنا أن نقول بأنّ الشارع إذا حكم بالضمان لا يقع المكلف المحبوس في الضرر، لكن إذا لم يحكم بالضمان يتضرر المحبوس، ويمكن نسبة تضرره إلى الشارع؛ لأنه لم يحكم بالضمان مع قدرته على الحكم بالضمان، وهذا يمكن تعميمه لكل مشرّع وليس مخصوصاً بالشارع المقدّس، كل مشرّع أو مقننٍ عندما لا يحكم بشيءٍ ويقع المكلف في الضرر نتيجة لذلك، فهذا الضرر يمكن نسبته بشكلٍ ما إلى ذاك المشرع. حتى الأب بالنسبة إلى أولاده عندما نفترض أنّ الأب لا يمنع ولده من مصاحبة رفقاء السوء ــــــ مثلاً ــــــ يقال أنه هو صار سبباً في انحراف ولده؛ لأنه كان قادراً على منع ولده من مصاحبة رفقاء السوء، فلم يفعل، فعندما يقع في الانحراف يمكن نسبة ذلك إلى الأب. هذه القضية لا تختص بالشارع المقدّس، وإنما تشمل كل من له مسئولية تجاه الآخرين، كل من له مسئولية تجاه الآخرين يمكن أن يُدّعى فيه ذلك، فيقال بأنّ عدم حكمه في بعض الموارد يكون مصححاً لنسبة الضرر على تقدير حصوله، إلى ذلك المشرّع، ومن هنا لا يمكن أن نقيس الشارع على ما ذُكر في مثال السيل في الوجه الرابع، هذا قياس مع الفارق.
ومن هنا يظهر أنّ الصحيح في المقام هو ما ذهب إليه جملة من الأعلام من شمول الحديث للاعدام الضررية، كما يشمل الحديث الحكم الضرري، كذلك يشمل عدم الحكم إذا كان ضررياً. غاية الأمر أنّ الفرق واضح بينهما، شموله للحكم الضرري ينتج نفي ذلك الحكم، وشموله لعدم الحكم عندما يكون ضررياً ينتج إثبات ذلك الحكم؛ لأنّ نفي النفي إثبات . يؤيد هذه النتيجة الروايات السابقة الواردة في الشفعة، والواردة في منع فضل الماء ليمنع فضل الكلأ . الظاهر من هذه الروايات على تقدير تماميتها سنداً ـــــــ وتقدّم الحديث عن ذلك ـــــــ لأنّ الإمام(عليه السلام)في هذه الروايات طبّق حديث لا ضرر على هذه المسائل وذلك بافتراض أنّ عدم الشفعة ضرري، وبتطبيق الحديث على ذلك نفى الضرر، عدم الشفعة ضرر على الشريك، هذا العدم ينتفي بحديث لا ضرر، فتثبت الشفعة للشريك، فأثبت الشفعة بالرواية تطبيقاً لحديث لا ضرر، والظاهر من الرواية كما قلنا أنّ تطبيقها باعتبار أنّ عدم الشفعة أمر ضرري يلحق الشريك، وهكذا في منع فضل الماء، الإمام(عليه السلام) طبّق نفس القاعدة، نفس الحديث الشريف؛ لأنّ عدم منع فضل الماء أمر ضرري؛ فحينئذٍ طبّق الإمام(عليه السلام) الحديث على ذلك لإثبات المنع؛ ولذا منع من أن يحبس الإنسان فضل مائه ليمنع من فضل الكلأ، وهو أمر عدمي . يؤيد هذه النتيجة التي وصلنا إليها الأحاديث الواردة في باب الشفعة، وفي باب منع فضل الماء. بناءً على تماميتها سنداً، لكن تقدّم سابقاً أنها غير تامّة سنداً .
في ذيل هذا التنبيه تعرّض إلى مطلب ذكره المحقق الأصفهاني(قدّس سرّه) وحاصل هذا المطلب أنّ المحقق الأصفهاني(قدّس سرّه) يرى أنّ تطبيق الحديث في باب الضمان لإثبات الضمان، في مسألة من أتلف مال الغير سهواً، هل يكون ضامناً، أو لا ؟
قد يقال: أننا نتمسك بحديث لا ضرر لإثبات الضمان في هذه المسألة، باعتبار أنّ عدم الضمان ضرري بالنسبة إلى من تلف ماله، فنطبّق الحديث وننفي عدم الضمان ونثبت الضمان. المحقق الأصفهاني(قدّس سرّه) يقول بأن تطبيق الحديث في هذه المسألة لإثبات الضمان غير صحيح، هنا لا يمكن تطبيق الحديث لإثبات الضمان في هذا المثال، بأن يقال أنّ عدم الحكم بالضمان ضرر على ذلك الغير، فيُنفى هذا العدم بالحديث، ويثبت الضمان. وعدم صحة هذا التطبيق، باعتبار أنّ القاعدة ناظرة إلى الأحكام المجعولة في الشريعة، ومقتضى إطلاق هذه الأحكام المجعولة في الشريعة أنّ هذه الأحكام ثابتة في كلتا حالتي الضرر وعدمه، من قبيل وجوب الوضوء، فهو حكم ثابت في الشريعة بالآية القرآنية والروايات، ومقتضى إطلاق الآية والروايات هو أنه يجب الوضوء مطلقاً، يعني سواء لزم منه الضرر، أو لم يلزم منه الضرر . حديث لا ضرر يرفع وجوب الوضوء في حالة كونه ضررياً، وهذا يوجب تخصيص الأدلة بغير حالة الضرر؛ لأنّه إذا كان ضررياً، فلا ضرر تنفي الوجوب الضرري، فيختص الوجوب لا محالة بما إذا كان لا يلزم من الوضوء الضرر . هذا التطبيق الطبيعي للقاعدة.[2]