الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
38/02/05
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
كان الكلام في وجه آخر في الجواب عن الإشكال الوارد في مسألة الغبن، وكان حاصل هذا الجواب هو أن يقال: هناك شرط ضمني ارتكازي بنا عليه العقلاء في كل معاملة، وهذا الشرط هو انحفاظ مالية المال بالنسبة إلى كلٍ من البائع والمشتري؛ وحينئذٍ يقال هذا الشرط الضمني موجود في كل معاملةٍ ليست مبنية على التسامح والمحاباة؛ وحينئذٍ إذا تخلّف هذا الشرط الضمني الارتكازي يثبت الخيار . هذا في ما يرتبط بالبحث السابق يقال إنّما يكون هذا الخيار ثابتاً في صورة جهل المغبون بالغبن أعم من أن يكون بائعاً أو مشترياً. وأمّا إذا فرضنا أنّ المغبون كان عالماً بالغبن، وأقدم على الغبن، في هذه الحالة هذا يكون بمثابة من أسقط شرطه، فإذا أسقط هذا الشرط لا يثبت له هذا الخيار، وبهذا يتّجه تفصيل المشهور بين العلم بالغبن، فلا يثبت الخيار، وبين الجهل بالغبن، فيثبت الخيار .
ما يريد إثباته هذا الوجه هو حق الخيار، هذا الحق الذي هو قابل للإسقاط وللانتقال وقابل للإرث، يريد إثبات حق الخيار بمعنى حق فسخ المعاملة. الكلام في كيفية تخريج دلالة تخلّف الشرط على ثبوت الخيار، كيف يكون تخلّف الشرط مثبتاً للخيار ؟ هل يترتب الخيار على تخلّف الشرط بنفسه بلا ضميمة ؟ أو أنّ الخيار يترتب على تخلّف الشرط بتوسط شيء ؟ ومن هنا هناك ثلاثة وجوه لتخريج دلالة تخلّف الشرط في هذا الوجه على ثبوت الخيار :
الوجه الأول: الذي يبني عليه المحقق النائيني(قدّس سرّه) ، وخلاصة كلامه أنه يرجع خيار الغبن إلى خيار تخلف الشرط، وهو يُرجع خيار تخلف الشرط إلى شرط الخيار، بمعنى أنه يقول عندما ـــــــ مثلاً ـــــــ المشتري يشترط في المبيع شرطاً معيناً، بأن يكون على صفة كذا ـــــــ مثلاً ــــــ كأن يكون العبد كاتباً ــــــــ مثلاً ـــــــــ يقول: هذا الشرط في روحه يرجع إلى جعل الخيار لنفسه عند تخلف هذا الشرط، فكأنما من يشترط أن يكون المبيع كاتباً، هو يجعل لنفسه الخيار عند تخلف الشرط، فمآله إلى جعل الخيار، يعني هو يرجع خيار تخلف الشرط إلى جعل الخيار لنفسه عند تخلف الشرط الذي يُعبر عنه (شرط الخيار)، هو يرى أنّ هذا الشرط الضمني موجود، واشتراط هذا ولو ضمناً، ولو لم يكن بالتصريح، هذا معناه أنّ الخيار يكون خيار تخلف الشرط، وخيار تخلف الشرط راجع إلى شرط الخيار وجعل الخيار لنفسه، كما في مثال أن يكون العبد كاتباً، يقول: هذا معناه ومآله إلى أني أجعل لنفسي الخيار عند تخلف الشرط الذي اشترطته؛ فحينئذٍ يثبت الخيار باعتباره مشروطاً في نفس المعاملة، كأي شرطٍ آخر، بلا إشكال شرط الخيار في المعاملة يكون نافذاً ويكون موجباً لثبوت الخيار إذا اشتُرط الخيار في المعاملة، باعه داراً وجعل لنفسه الخيار إلى مدة معينة، تمضي هذه المعاملة ويثبت له الخيار. هنا في محل الكلام أيضاً كل من المتعاملين على أساس هذا الشرط الضمني كأنه يجعل لنفسه الخيار عند تخلف هذا الشرط، فإذا تخلف الشرط يثبت الخيار، باعتبار أنّه جعل الخيار لنفسه في هذه المعاملة، فيثبت له الخيار عند تخلف الشرط. هذا وجه لتخريج كيفية ترتب ثبوت الخيار على تخلف الشرط، ومرجعه في الحقيقة إلى اشتراط الخيار في المعاملة .
الوجه الثاني: يسلّم بأن البيع يشتمل على هذا الشرط الضمني الارتكازي وانحفاظ مالية المال كما هو الحال في الوجه السابق، والإضافة فيه هي أنّه يدّعي أنّ العقلاء العرف يرون أن فوات هذا الشرط يوجب ضمان هذا الشرط وتداركه، وأنّ تدارك وضمان هذا الشرط عند فوته يكون بالخيار. فالخيار عبارة عن تدارك الشرط الفائت؛ لأنّه يكون مضموناً، وضمانه يكون بالخيار، فيثبت الخيار باعتباره تداركاً لفوات الشرط؛ فيثبت الخيار حينئذٍ لكن بتوسيط مسألة الضمان، وإنّما يكون الخيار تداركاً باعتبار أنّ المغبون إذا فسخ يعود إليه ماله وتنحفظ المالية، فإذا كان المغبون هو المشتري يعود إليه تمام الثمن الذي دفعه في مقابل سلعة هي أقل قيمة مما دفعه من حيث القيمة السوقية، فإذا فسخ يعود إليه ماله، فإذا كان البائع هو المغبون، إذا فسخ أيضاً يعود إليه ماله مع حفظه على المالية، فيكون تداركاً لهذا الشرط الفائت، فتداركه وضمانه يكون بالخيار، فيثبت الخيار على هذا الأساس .
الوجه الثالث: وهو نفس الكلام، أيضاً يرى أنّ هناك شرطاً ضمنياً ارتكازياً وهو انحفاظ المالية، ويرى أنّ تخلف الشرط بنفسه مباشرة، وبلا توسيط أي شيء يكون في نظر العقلاء موجباً لثبوت الخيار للمغبون، من دون توسيط مسألة الضمان، ومن دون إرجاعه إلى شرط الخيار كما يقول المحقق النائيني(قدّس سرّه) .
هذه هي الوجوه الثلاثة لتخريج كيفية ترتب الخيار على تخلف الشرط بعد الاعتراف بأنّ هناك شرطاً ضمنياً في كل معاملة مفادها هو اشتراط انحفاظ مالية المال. وبعبارة أخرى: كأنّ الشرط يرجع إلى أن لا يكون هناك غبن لا بالنسبة للبائع ولا بالنسبة إلى المشتري.
أقرب هذه الوجوه هو الوجه الثالث الأخير الذي يرى أنّ الخيار يترتب على تخلف الشرط مباشرةً بلا توسيط شيء وبلا إرجاعه إلى شرط الخيار، وذلك باعتبار أنّ الوجه الأول وكذا الوجه الثاني يحتاج إلى عناية زائدة ولا قرينة على هذه العناية الزائدة إذا أمكننا تخريج ثبوت الخيار وترتبه على تخلف الشرط مباشرة كما في الوجه الثالث، إذا أمكن ذلك فالوجهين الأول والثاني فيهما عناية، أمّا الوجه الأول ففيه عناية؛ لأنّه يُرجع هذا الخيار إلى شرط الخيار، فكأنه بالاشتراط، ولو كان اشتراطاً ضمنياً ارتكازياً، كأنه يقول(أنا أجعل لي الخيار عند تخلف الشرط) وهذه عناية زائدة بحاجة إلى مثبت وقرينة. أمّا الوجه الثاني، فكذلك فيه عناية؛ لأنه يوسّط مسألة الضمان؛ لأنه يدّعي أنّ العرف يرى أنّ الشرط الفائت مضمون، وضمانه يكون بالخيار. إذا أمكن تخريج ترتب الخيار على تخلّف الشرط مباشرة بلا توسيط هذه الأمور بوجهٍ عرفي عقلائي؛ حينئذٍ يكون هو الأقرب، وهذا ما يتكفّل به الوجه الثالث، باعتبار أن الوجه الثالث كأنه يقول: بعد فرض أنّ انحفاظ المالية هو شرط ضمني موجود في كل معاملة؛ حينئذٍ كل شرط في معاملة، سواء كان شرطاً مصرّحاً به في المعاملة، أو كان ضمنياً ارتكازياً، كل شرطٍ في المعاملة مرجعه إلى أنّ الذي يشترط هذا الشرط يُعلّق التزامه بالمعاملة على تحقق ذلك الشرط، وأنه إذا لم يتحقق ذلك الشرط فأنا ليس لي التزام بهذه المعاملة. وبعبارة أخرى: أنّه في باب الاشتراط تارةً البائع يُنشئ المعاملة بلا اشتراط، معناه أنه أنشأ الالتزام مطلقاً غير منوطٍ بشيء، لكن عندما يُنشئ المعاملة ويشترط فيها شرطاً، هذا معناه أنه قيّد وجعل التزامه بالمعاملة منوطاً بتحقق ذلك الشرط الذي اشترطه، فإذا لم يتحقق الشرط، فمعناه أنه ليس له التزام بتلك المعاملة، و(عدم التزامه بالمعاملة عند تخلّف الشرط وعدم تحققه) هو معناه الخيار، يعني أنه ليس ملزماً بالمعاملة، ومعناه أنّ له الحق بفسخ تلك المعاملة، وهذا هو معنى الخيار.
إذن: بناءً على هذا، الخيار يترتب على مجرّد تخلف الشرط من دون توسيط الضمان، ومن دون إدخاله في باب شرط الخيار، وإنّما يثبت الخيار بنفس تخلف الشرط؛ لأنّ في باب الاشتراط التزام الشخص المتعامل بالمعاملة يكون مشروطاً ومنوطاً بتحقق الشرط وفي حالة عدم تحققه، لا التزام بالمعاملة، وليس هناك شيء يلزمه بقبول هذه المعاملة، فيثبت له حق الفسخ، وهذا هو معنى أنه لا ملزم له بقبول المعاملة، وهذا هو المقصود في المقام، وهو أنّ هذا الحق يثبت له وهو حق الخيار وحق فسخ المعاملة، فيترتب على تخلف الشرط مباشرةً بلا حاجةٍ إلى توسيط ما ذُكر في الوجه الأول، أو ما ذُكر في الوجه الثاني .
هذا أيضاً وجه ذُكر في مسألة الغبن، وبناءً على هذا الوجه إذا تم؛ حينئذٍ حتى نربطها بأصل المسألة، فيقال: أنّ المشهور عندما فرّق بين صورة العلم بالغبن وصورة الجهل بالغبن، فحكم بثبوت الخيار في صورة الجهل بالغبن، وعدم ثبوته في صورة العلم بالغبن، هذا يمكن تخريجه حتى على افتراض أنّ خيار الغبن ليس مستنداً إلى قاعدة لا ضرر، كما في الوجه الثاني الذي يقول أنّ الخيار لا يستند إلى قاعدة لا ضرر، وإنّما مرجعه إلى وجود شرطٍ ضمني ارتكازي، فإذا تخلف هذا الشرط الضمني الارتكازي يثبت الخيار، إمّا بالوجه الأول، أو بالوجه الثاني، أو بالوجه الثالث، حتى لو كان المشهور يثبت خيار الغبن في المعاملة الغبنية استناداً إلى هذا الشرط الضمني الارتكازي، يمكن أيضاً أن يُفرَق بين صورة العلم وصورة الجهل باعتبار ما ذكرناه من أنّ العالم بالغبن إذا أقدم على المعاملة الغبنية كأنه أسقط هذا الشرط الضمني؛ وحينئذٍ لا يثبت له الخيار، فيُفرّق بين العالم بالغبن، فلا يثبت له الخيار، وبين الجاهل بالغبن، فيثبت له الخيار، وهي فتوى المشهور .
هناك مسألة ثالثة غير مسألة الوضوء وغير مسألة الغبن أيضاً المشهور عنده رأي فيها، وهي مسألة (ما إذا أجنب الإنسان نفسه عمداً) وفُرض بأنّ الغُسل كان ضرراً عليه . هنا ذهب المشهور إلى انتقاله إلى التيمم، ولم يُفرّقوا في الحكم بالتيمم بين ما إذا كان عالماً بالضرر، أو كان جاهلاً بالضرر، يعني حتى مع علمه بأنّ الغُسل يضرّه، مع ذلك إذا أقدم على الجنابة عالماً عامداً بضرر الغُسل عليه، مع ذلك يكون حكمه هو التيمم، ومع افتراض أنّ المدرك هو قاعدة لا ضرر، هذا معناه كأنّ المشهور يرى أنّ قاعدة لا ضرر في هذه المسألة تجري في حق الجاهل والعالم، العالم بضرر الغسل وأجنب عامداً تجري في حقه قاعدة لا ضرر، وتنفي عنه وجوب الغُسل، باعتباره ضررياً، فيكون حكمه هو التيمم، كما أنّ الجاهل بالضرر تجري القاعدة في حقه وتنفي عنه وجوب الغسل لكونه ضررياً، وينتقل حكمه إلى التيمم، كذلك العالم بالضرر أيضاً حكمه ذلك . لم يُفرّق بين الصورتين في هذه المسألة.
ومن هنا يقع التساؤل: بأنّ هذا كأنه يعتبر نوعاً من التنافي عند المشهور بين المسألتين لماذا يفرّق بين المسألتين ؟ في مسألة الغبن اشترط الجهل وقال بأنّ العالم بالغبن لأنه أقدم على الغبن لا تجري في حقه قاعدة لا ضرر ـــــــ بناءً على الوجه الأول ـــــــ فلا يمكن نفي اللّزوم عنه وإثبات الخيار؛ ولذا لا يثبت الخيار في حق العالم بالغبن؛ لأنّ قاعدة لا ضرر لا تجري لنفي اللّزوم وإثبات الخيار، بينما في مسألة الجنابة يقول أنّ قاعدة لا ضرر تجري فلا يكون حكمه هو وجوب الغُسل، وإنّما ينتقل حكمه إلى التيمم، فيقع السؤال: ما هو الفرق بينهما ؟ فقاعدة لا ضرر إمّا أن تجري مع العمد، أو لا تجري مع العمد ؟ إذ كانت تجري مع العمد، فينبغي أن تجري في كلتا المسألتين، كما نجريها في مسألة الجنابة وننفي وجوب الغسل عنه، وينتقل حكمه إلى التيمم ينبغي إجراءها أيضاً في مسألة الغبن، فنجريها لنفي اللزوم عن المعاملة بالنسبة إلى العالم المقدِم على الضرر وإثبات الخيار له؛ لأنّ القاعدة تجري مع العمد .
وإذا كانت القاعدة لا تجري مع العمد، فينبغي الالتزام بعدم جريانها في كلٍ منهما، فكما لا تجري في مسألة الغبن كما قالوا؛ ولذا لا يثبت الخيار للعالم العامد، ينبغي أن لا تجري أيضاً في مسألة الجنابة وأن لا تجري في حقه، فلا يمكن نفي وجوب الغسل عنه والانتقال إلى التيمم؛ لأنّ قاعدة لا ضرر لا تجري في صورة العمد . فلماذا هذا التفريق بين المسألتين ؟ هذا أيضاً سؤال طُرح في المقام، وينبغي التفتيش عن جوابه .
هناك جواب عن هذا التساؤل، وحاصله أن يقال: أنّ هناك فرق بين المسألتين، وهذا الفرق يكمن في أنّه في المعاملة الغبنية يعتبر نفس المعاملة هي ضرر، البيع الغبني هو الضرر بالنسبة إلى الشخص المغبون، والمفروض أنّه أقدم على المعاملة الغبنية، إذن هو أقدم على الضرر، والمفروض أنّ قاعدة لا ضرر لا تجري في هكذا حالة؛ لأنّ جريان قاعدة لا ضرر مشروط بعدم الإقدام على الضرر ــــــــ على ضوء ما تقدّم ــــــــ وهذا أقدم على الضرر؛ لأنّ الضرر يتمثّل في هذه المسألة بنفس البيع الغبني، وهو أقدم عليه، فلا تجري قاعدة لا ضرر في حقه لنفي اللزوم وإثبات الخيار . هذا هو الوجه في عدم جريان قاعدة لا ضرر في مسألة الغبن.
وأمّا مسألة الجنابة، فالضرر ليس هو الجنابة التي أقدم عليها، وإنّما الضرر في هذه المسألة يتمثّل بإيجاب الغسل عليه. فما أقدم عليه، وهو الجنابة، ليس ضرراً، والضرر الذي هو إيجاب الغسل عليه، هو لم يُقدِم عليه، فكأنه في مسألة الجنابة لا يوجد إقدام على الضرر، فلا مانع من جريان قاعدة لا ضرر؛ لأنّها مشروطة بعدم الإقدام، وهذا لم يقدم على الضرر، فتجري القاعدة وتنفي وجوب الغسل عنه؛ لكونه ضررياً، فينتقل حكمه إلى التيمم . وهذا هو الفارق بين المسألتين .
قد يقال: كيف أنّ هذا في مسألة الجنابة لم يُقدِم على الضرر ؟ سلّمنا أنّ الجنابة بنفسها ليست ضرراً، والضرر هو عبارة عن الحكم بإيجاب الغسل عليه، لكن هذا ألم يُقدِم على هذا الحكم ؟ يعني من يُقدِم على الموضوع مع علمه بترتب الحكم عليه، أليس هذا مقدماً على الحكم ؟! والمفروض أنّ هذا عالم بأنّ حكم الجنابة هو وجوب الغسل، إذا كان حكم الجنابة هو وجوب الغسل، فإقدامه على الجنابة هو إقدام على حكم الجنابة؛ لأنّ من يُقدم على موضوع الحكم يكون مُقدماً على حكم ذلك الموضوع، فبالتالي قد يقال بأنّه في مسألة الجنابة أيضاً هناك إقدام على الضرر، وإن كانت الجنابة ليست ضرراً ولا يتمثّل بها الضرر، لكن إقدامه على الجنابة يستلزم الإقدام على حكم الجنابة الذي هو ضرري، فيتحقق الإقدام في كلٍ منهما . فقد يُقال لماذا نفرّق بينهما بهذا الشكل، ونفترض تحقق الإقدام على الضرر في باب المعاملة الغبنية وعدم تحققه في محل الكلام.
لكن من الواضح أنّ من يُقدِم على الجنابة يكون مقدماً على حكم الجنابة، هذا يتوقف على افتراض أنّ هذه الجنابة حكمها وجوب الغسل. ونستطيع أن نقول أنّ حكم هذه الجنابة هو وجوب الغسل إذا لم تجرِ قاعدة لا ضرر ؛ لأنّه إذا جرت قاعدة لا ضرر فلا يكون حكم هذه الجنابة هو الغسل، وإنّما يكون حكمها هو التيمم؛ لأنّ قاعدة لا ضرر تجري وتنفي وجوب الغسل الضرري وتقول أنّ حكمه هو التيمم . إذن: كون حكم هذه الجنابة هو وجوب الغسل موقوف على عدم جريان قاعدة لا ضرر، وإلاّ لو جرت قاعدة لا ضرر لما كان حكم هذه الجنابة هو وجوب الغسل، وعدم جريان قاعدة لا ضرر موقوف على افتراض الإقدام، وإلاّ لولا الإقدام لجرت قاعدة لا ضرر، فإقدام المكلّف على الضرر هو الذي يكون مانعاً من جريان قاعدة لا ضرر، وبهذا صوّروا لنا لزوم الدور في محل الكلام؛ لأنّ افتراض الإقدام على الضرر موقوف على أن يكون حكم الجنابة هو وجوب الغسل، وهذا التوقف واضح، وإلاّ لو لم يكن حكم الجنابة هو وجوب الغسل لما كان هناك إقدام على الضرر، إنما هو يُقدِم على الضرر بإقدامه على الجنابة؛ لأنّ حكم الجنابة هو وجوب الغسل الضرري . إذن: إقدامه على الضرر موقوف على أن يكون حكم هذه الجنابة هو وجوب الغسل. وكون حكم هذه الجنابة هو وجوب الغسل موقوف على عدم جريان قاعدة لا ضرر؛ لأنّه إذا جرت قاعدة لا ضرر لا يكون حكم هذه الجنابة هو وجوب الغسل، وإنّما يكون حكمه هو التيمم. إذن: كون حكم هذه الجنابة هو وجوب الغسل موقوف على عدم جريان قاعدة لا ضرر، وعدم جريان قاعدة لا ضرر في محل الكلام موقوف على الإقدام على الضرر، فيكون الإقدام على الضرر موقوفاً على الإقدام ، وهذا دور ، وبالتالي لا يوجد إقدام على الضرر، ويُفرّق بين المسألتين، في باب الغبن يوجد إقدام على الضرر عند إقدامه على البيع الغبني، وفي محل الكلام لا يوجد إقدام على الضرر، ويصح التفريق بينهما ويوجّه قول المشهور .