الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

38/01/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

ندخل في تنبيه جديد من التنبيهات المرتبطة بقاعدة لا ضرر. هذا التنبيه تعرّضنا إلى قسم منه في بحثٍ سابق في مقام مناقشة المحقق العراقي(قدّس سرّه).....تعرّضتا إلى قسمٍ منه، ولكن المناسب ان نتعرض إلى أصل التنبيه .

هذا التنبيه معقود لبيان وجه حكم الفقهاء بالصحة في باب الوضوء مع كونه ضررياً، لكن في حال الجهل بالضرر. ما هو الوجه في هذا التقييد ؟ كذلك حكمهم في مسألة الغبن، بجريان قاعدة لا ضرر لإثبات الخيار للمغبون، لكن مقيداً بالجهل بالغبن، أمّا إذا كان عالماً بالغبن، كأنّه لا تجري القاعدة ولا يمكن إثبات الخيار بها . أساساً نقتضى القواعد الأولية ومقتضى الكلام هو أنّ لفظ (الضرر) المذكور في القاعدة موضوع للضرر الواقعي كما هو الحال في جميع الألفاظ التي ترِد في جميع الروايات التي يترتب الحكم عليها، الأصل فيها أن تكون موضوعة لمعانيها الواقعية لا لمعانيها المعلومة أو المجهولة، وإنّما اللفظ يكون موضوعاً للمعنى الواقعي، سواء علِم به المكلف أو لم يعلم به؛ وحينئذٍ الحكم في ذاك الدليل يترتب على الموضوع الواقعي، سواء علم به المكلف، أو لم يعلم به. نعم، قد يكون الجاهل معذوراً في حالات معينة، لكن هذا لا يعني عدم ترتب الحكم؛ بل الحكم يثبت في حال العلم بالموضوع، وفي حال الجهل به؛ لأنّ الموضوع في الدليل يُراد به المعنى الواقعي، فإذا كان ثابتاً واقعاً يترتب الحكم، علم به المكلف، أو لم يعلم به .

بناءً على هذا في محل الكلام بالنسبة إلى قاعدة لا ضرر يكون المعيار في قاعدة لا ضرر في رفع الحكم هو كون الحكم ضررياً واقعاً، سواء علم المكلف بالضرر، أو جهل به، هذا لا يؤثر؛ لأنّ القاعدة تنفي الحكم إذا كان ضررياً، والضرر ظاهر في الضرر الواقعي، فكلما كان الضرر واقعياً يكون منفياً بالقاعدة، علم به المكلف، أو لم يعلم به المكلف . ولنسمّي هذا بمقتضى الأصل الأولي، أو (مقتضى القاعدة) لكن يظهر من الفقهاء خلاف ذلك في موردين، هذا التنبيه معقود لبيان وجه المخالفة في هذين الموردين، وهل يمكن رفع هذه المخالفة بناءً على هذا الأصل الذي ذكرناه، أو لا ؟ وهذين الموردين هما :

المورد الأول: في باب الوضوء . اشترط جماعة من الفقهاء علم المكلف بكون الوضوء ضررياً في جريان القاعدة، قاعدة لا ضرر إنما تجري في الوضوء الضرري وتنفي وجوبه وصحته ـــــــ مثلاً ـــــــ لكن بشرط علم المكلف بكونه ضررياً . ما هو وجه اشتراط العلم في نفي الحكم بالقاعدة ؟ مع أنّه بناءً على ما ذكرناه لا نشترط العلم؛ لأننا نفترض أنّ الوضوء ضرري في الواقع، يترتب عليه الضرر واقعاً، المفروض أنّ القاعدة تنفي الحكم الذي يترتب عليه الضرر واقعاً، علم به المكلف، أو لم يعلم به، بينما هؤلاء اشترطوا في جريان قاعدة لا ضرر علم المكلف بكون الوضوء ضررياً؛ ولذا قالوا: إذا فرضنا أن المكلف كان جاهلاً بكون الوضوء ضررياً، كما لو فرضنا أنه توضأ مع اعتقاد عدم الضرر، ثمّ بعد ذلك في الواقع تبيّن أنه كان ضررياً . قالو: هنا يُحكم بصحة الوضوء في حالة الجهل، وهذا معناه عدم جريان القاعدة؛ لأن القاعدة لو جرت لنفت الوجوب ونفت الصحّة، فلابدّ أن يحكم ببطلانه، هم فرّقوا بين علم المكلف بالضرر وبين جهله به، في صورة علمه بالضرر تجري القاعدة ويحكم بالبطلان، وفي صورة جهل المكلف بالضرر لا تجري القاعدة؛ ولذا حكموا بصحة الوضوء .

وهذا معناه كأنّهم يفترضون أنّ الضرر في القاعدة لا يُراد به الضرر الواقعي، وإنّما المراد به الضرر المعلوم، وفي حال الجهل لا يكون الضرر معلوماً، فلا تجري القاعدة، وإنّما تجري القاعدة عندما يكون الضرر معلوماً، فتجري القاعدة، فتنفي الوجوب، وبالتالي تنفي الصحّة على ما ذكروا .

إذن: ما هو الوجه في أخذ قيد العلم في جريان قاعدة لا ضرر لنفي وجوب الوضوء الضرري ؟

المورد الثاني: في المعاملة الغبنية. حيث أشترط أيضاً جماعة من الفقهاء الجهل بالغبن في جريان قاعدة لا ضرر لإثبات الخيار للمغبون، المغبون يتضرر، لكن إنّما يمكن جريان القاعدة لإثبات الخيار له، باعتبار أنّ اللّزوم ضرري إذا كان جاهلاً بالغبن، أمّا إذا كان عالماً بالغبن، فلا تجري القاعدة لنفي اللّزوم وإثبات الخيار له رغم وجود الضرر واقعاً؛ لأنّهم قيّدوا جريان القاعدة لإثبات الخيار في مسألة الغبن بجهل المغبون بالغبن، فتجري القاعدة وتنفي اللّزوم وتثبت الخيار، هذا التقييد بالجهل كالتقييد بالعلم في المسألة السابقة، هذا لا وجه له بناءً على الأصل الذي استفدناه؛ لأنّه بالنتيجة الضرر يراد به الضرر الواقعي، متى ما فرضنا الضرر موجوداً واقعاً لابدّ من فرض جريان القاعدة في باب الوضوء، وفي باب الغبن وفي جميع المسائل الأخرى. وفي غير هذين الموردين بنوا على الأصل، يعني افترضوا أنّ الضرر هو الضرر الواقعي، فمتى ما كان هناك ضرر واقعي تجري القاعدة لنفي الحكم سواء كان المكلف عالماً بالضرر، أو كان جاهلاً به .

من هنا يظهر أنّ ما بنوا عليه في الموارد الأخرى غير هذين الموردين هو الصحيح، وهو مقتضى القاعدة، وإنّما الإشكال يكون في ما ذكروه في باب الوضوء وفي باب الغبن من اشتراط العلم في المسألة الأولى، واشتراط الجهل في المسألة الثانية، ما هو الوجه في ذلك ؟ ولذا لابدّ أن نتكلّم عن هاتين المسألتين تبعاً لعلمائنا(رضوان الله عليهم) .

أمّا مسألة الوضوء: السيد الخوئي(قدّس سرّه) يدّعي في مسألة الوضوء تسالم الفقهاء على صحّة الوضوء مع جهل المكلّف بكونه ضررياً، وهذا معناه أنّ القاعدة لا تجري مع الجهل، ويشترط في جريانها علم المكلف بكون الوضوء ضررياً حتى تجري القاعدة وتنفي الوجوب والصحة، فيُحكم بالبطلان في حالة العلم، أمّا في حالة الجهل، فلا يُحكم بالبطلان؛ لأنّ القاعدة لا تجري لنفي الوجوب ونفي الصحّة فيُحكم بالصحة في حالة الجهل، مع أنّه بمقتضى القاعدة لا يجوز أن نحكم بصحة الوضوء في حالة الجهل؛ لأنّ الموضوع في القاعدة هو الضرر الواقعي، وقد فرضنا وجوده، أنّ الضرر موجود واقعاً، ويترتب عليه الأثر واقعاً، غاية الأمر أنّ المكلف يجهل ذلك، فإذا كان المناط على الضرر الواقعي، فالضرر الواقعي موجود، والمفروض أنّ القاعدة تجري حتى في حالة الجهل وترفع الوجوب وتنفي الصحة، ولابدّ من الحكم البطلان، فما هو الوجه في الحكم بالصحة ؟

هذا الإشكال في هذا المورد تصدى الجماعة للإجابة عنه بوجوه ، ويجمع هذه الوجوه كلها هو أنّهم يدّعون أنّ الحكم بصحة الوضوء في حال الجهل بالضرر ليس معناه أنّ الضرر في القاعدة لا يُراد به الضرر الواقعي، هم يريدون كما هو مقتضى القاعدة بالضرر في الحديث هو الضرر الواقعي وليس الضرر المعلوم، وإنّما يشترطون يحكمون بالصحة من جهات أخرى ووجوه أخرى، هذه الوجوه هي التي تقتضي أن يحكموا بصحة الوضوء حال الجهل بالضرر، كل هذه الوجوه تشترك في هذا المعنى، ليس الوجه في حكمهم بالصحة في حالة الجهل هو أنّ الضرر في القاعدة يراد به الضرر المعلوم؛ بل هناك وجوه أخرى لا تنافي أن يراد بالضرر في القاعدة الضرر الواقعي، لكن إنّما يُحكم بالصحة لنكتةٍ ووجهٍ خاص سنذكرهم في هذه الوجوه:

الوجه الأول: ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه)،[1] وهو أن يقال أنّ قاعدة لا ضرر ترفع الحكم لكي يرتفع الضرر، وهذا المعنى إنما يُعقل في صورة العلم بالضرر، عندما يكون المكلف عالماً بالضرر؛ حينئذٍ يكون رفع الحكم يُقصد به رفع الضرر عن المكلف، أمّا عندما يكون المكلف جاهلاً بالضرر لا يكون رفع الحكم موجباً لرفع الضرر عن المكلف؛ لأنّ المفروض أنّه جاهل بالضرر، ومعنى أنه جاهل بالضرر يعني يعتقد أنّ وظيفته الفعلية هي الوضوء، وهذا معناه أنّه على كل حال سيتوضأ ويقع في الضرر، سواء نفى الشارع الحكم، أو لم ينفِ الحكم، أي أنّ نفي الحكم الضرري في صورة الجهل لا يكون رافعاً للضرر عن المكلف . نعم، في صورة العلم يكون رافعاً للضرر عن المكلف؛ لأنّ المكلف عالم بالضرر، فإذا كان الوجوب باقياً سوف يقع في الضرر، أمّا إذا ارتفع عنه الوجوب، فسوف لا يأتي بالوضوء عالماً بالضرر ويذهب إلى الطريق الآخر وهو التيمّم، فيكون الحكم حينئذٍ نفي الوجوب في حالة كون الوضوء ضررياً موجباً لعدم وقوع المكلف في الضرر، فيكون هذا النفي معقولاً ويشمله الدليل .

يمكن صياغة هذا الوجه بعبارة أخرى: بأن يقال أنّ الحديث إنما يرفع الحكم إذا كان موجباً للضرر، يعني يستند وقوع المكلف في الضرر إليه، ويكون هو المنشأ لوقوع المكلف في الضرر، هكذا حكم يكون الحديث رافعاً له . هذا ليس موجوداً في الحكم في صورة الجهل بالضرر، في صورة الجهل بالضرر لا يستند الضرر إلى الحكم بوجوب الوضوء، وإنّما وقوع المكلف في الضرر يستند إلى جهله بالضرر؛ لأنه جاهل بالضرر، فسوف يرتكب الضرر على كل حال لا أنّ الوقوع في الضرر يستند إلى حكم الشارع بوجوب الوضوء، بدليل أنّ الشارع سواء حكم بوجوب الوضوء الضرري، أو نفى الوجوب الضرري، المكلف يقع في الضرر ، هذا معناه أنّ وقوع المكلف في الضرر لا يستند إلى الحكم بوجوب الوضوء . مثل هذا الحكم الذي لا يستند إليه وقوع المكلف في الضرر لا يشمله الحديث، فإذا لم يشمله الحديث، إذن: لا يمكننا أن ننفي الوجوب ولا الصحة بالحديث؛ ولذا حكموا بصحة الوضوء في حالة الجهل. أمّا في صورة العلم، فوقوع المكلف في الضرر يستند إلى بقاء الحكم وعدم رفعه، فيكون هذا الحكم بوجوب الوضوء مع علم المكلف بكونه ضررياً؛ حينئذٍ هو الذي يوقع المكلف في الضرر بحيث أنّ وقوع المكلف في الضرر يستند إلى بقاء الحكم، هذا الحكم الذي يكون منشئاً لوقوع المكلف في الضرر هو الذي ترفعه القاعدة .

إذن: هذا هو الوجه في حكمهم بصحة الوضوء في حالة الجهل بكونه مضرّاً وليس الوجه في ذلك هو كون الضرر في القاعدة لا يُراد به الضرر الواقعي، وإنّما يراد به الضرر المعلوم ، كلا المراد هو الضرر الواقعي، لكن هناك خصوصية في المقام تمنع من جريان الحديث في صورة الجهل، فلا يمكن التمسك بالحديث في صورة الجهل، بينما يمكن التمسك بالحديث في صورة العلم، ومعنى التمسك بالحديث في صورة العلم هو نفي الوجوب ونفي الصحة، فيثبت البطلان في صورة العلم .

اعترض السيد الخوئي(قدّس سرّه) على هذا الوجه بما حاصله: مفاد حديث لا ضرر يرتبط بنفس الحكم، بمعنى أنّ المناط فيه هو الحكم نفسه، فلابدّ أن نلاحظ الحكم، إذا كان الحكم ضررياً؛ فحينئذٍ تشمله القاعدة، وإن كان الحكم ليس ضررياً لا تشمله القاعدة، فالاعتبار في قاعدة لا ضرر بنفس الحكم ، وحديث لا ضرر لا ينظر إلى الضرر المتحقق في الخارج، وأنه هل نشأ بسبب الجهل، أو نشأ بسببٍ آخر، أو لا ؟ المدار على نفس الحكم، أي نقصر النظر على نفس الحكم، إذا كان الحكم، بقطع النظر عن الضرر الذي يتحقق في الخارج وما هي مناشئه، هذا الحكم في نفسه إذا كان حكماً ضررياً ويترتب عليه الضرر، تشمله القاعدة، وإذا لم يكن ضررياً لا تشمله القاعدة . هذا هو المعيار. يقول: ومن الواضح أنّ الوضوء في حالة الجهل ــــــ التي هي محل كلامنا ــــــ مع كونه ضررياً كما هو المفروض في الواقع، لو كان واجباً في الشريعة لصحّ لنا أن نقول أنّ هناك أحكاماً ضررية في الشريعة، حديث لا ضرر ينفي هذا الحكم؛ لأنّ المعيار فيه ملاحظة الحكم نفسه، هذا الحكم بوجوب الوضوء مع كونه ضررياً ــــــ بحسب الفرض ــــــ لو كان ثابتاً في الشريعة؛ حينئذٍ معنى هذا أنّ الشريعة تشتمل على أحكام ضررية، وهذا ما تنفيه القاعدة . [2]

إذن: القاعدة بحسب هذا المعيار تجري في وجوب الوضوء حتى في حال الجهل ولا تختص بحال العلم . حتى في حال جهل المكلف بالضرر، هذا معناه أنّ هذا الحكم إذا قصرنا النظر عليه، وهو وجوب الوضوء، وجوب الوضوء المفروض كونه ضررياً في الواقع هو حكم ضرري يترتب عليه الضرر، فبالتالي هذا هو المعيار، فإذا كان هذا هو المعيار؛ حينئذٍ تكون القاعدة شامله له، ونافية لوجوبه، وبالتالي نافية لصحته، فيثبت البطلان . المعيار على ملاحظة الحكم في حدّ نفسه، وأنه ضرري أو غير ضرري، وفي محل كلامنا (في صورة الجهل) الحكم في حدّ نفسه ضرري حتى إذا كان المكلف جاهلاً، ولا يمكن أن نصحح الوضوء في حال الجهل بدعوى عدم جريان القاعدة؛ لأنّ القاعدة تجري وتنفي الصحة وتثبت البطلان حتى في صورة الجهل، فضلاً عن صورة العلم . هذا ما يُفهم من كلام السيد الخوئي(قدّس سرّه) .

يمكن التأمّل في هذا الكلام، باعتبار أنّه لا يظهر من المحقق النائيني(قدّس سرّه) أنّه ينظر إلى الضرر المتحقق في الخارج، فلنفترض كما يقول أنّه يجعل المعيار هو الحكم في نفسه، لكن هو يقول أنّ القاعدة إنما تنفي الحكم الموجب لوقوع المكلف في الضرر، هذه القاعدة تنفي مثل هذا الحكم في الشريعة؛ حينئذٍ نسأل: أنّ الحكم بوجوب الوضوء في حال الجهل بالضرر هل يوقع المكلف في الضرر، أو لا ؟ المحقق النائيني(قدّس سرّه) يقول لا يوقعه في الضرر؛ لأنّه واقع في الضرر على كل حال لأجل جهله بالضرر واعتقاده بأنّ وظيفته هي الوضوء . إذن: سوف يتوضأ على كل حال، سواء كان الحكم موجوداً وثابتاً، أو كان منفياً . حتى مع فرض عدم ثبوت الحكم هو يقع في الضرر على كل حال؛ لأنّه يعتقد أنّ حكمه الوضوء، فسواء كان الحكم بوجوب الوضوء ثابتاً، أو منفياً، هذا المكلف يقع في الضرر في صورة الجهل، ولا يمكننا أن نغض النظر عن فرض الجهل؛ لأننا نتكلّم في هذه الحالة . المحقق النائيني(قدّس سرّه) يقول بأنّ مفاد الحديث هو رفع الحكم الذي يوقع المكلف في الضرر، بحيث أنّ الضرر يستند إليه، بحيث بإمكانه أن يقول أنا وقعت في الضرر لأنّ الشارع أوجب عليّ الوضوء مع كونه مضرّاً، وهذا إنّما يُتصوّر في حالة العلم ؛ لأنّ المكلّف العالم بالضرر إنّما يأتي بالوضوء مع كونه مضراً به إذا وجب عليه الوضوء، وحينما يُسأل: لماذا وقعت في الضرر ؟ يستند ذلك إلى الحكم الشرعي. يقول أنّ القاعدة تنفي الحكم إذا كان من هذا القبيل، وهذا مختص بصورة العلم . أمّا في صورة الجهل، فالوقوع في الضرر مترتب على كل حال، وسوف يقع هو في الضرر على كل حال، سواء كان الحكم ثابتاً، أو لم يكن ثابتاً .

إذن: لا يمكن أن نقول كما قال السيد الخوئي(قدّس سرّه) في عبارته بأنّ الوضوء مع كونه ضررياً لو كان واجباً في الشريعة يصدق أنّ الحكم الضرري مجعول في الشريعة. المحقق النائيني(قدّس سرّه) يقول: كلا، الحكم الضرري غير مجعول في الشريعة؛ لأنّ الحكم الذي لا يكون ثابتاً في الشريعة هو الحكم الذي يترتب عليه وقوع المكلف في الضرر، بحيث يستند وقوع المكلف في الضرر إلى الحكم، مثل هذا الحكم لا وجود له في الشريعة، ووجوب الوضوء في حال الجهل ليس من هذا القبيل؛ لأنّه حكم لا يترتب عليه وقوع المكلف في الضرر، فلا يمكننا أن نقول أنّ الحكم الضرري موجود في الشريعة ، الحكم الذي يترتب عليه الضرر لا وجود له في الشريعة. أمّا وجوب الوضوء في حال الجهل، فموجود في الشريعة، يعني لا تنفيه قاعدة لا ضرر، لكنه ليس حكماً يترتب عليه وقوع المكلف في الضرر، وإنّما هو يقع في الضرر على كل حال ولا يستند وقوعه في الضرر إلى الحكم، حتى يقال: كيف يكون هذا الحكم ثابتاً في الشريعة مع كونه ضررياً ؟ فليكن ضررياً واقعاً، لكن هذا الحكم لا يترتب عليه وقوع المكلف في الضرر.

فإذن: المسألة هي ماذا نستفيد من القاعدة ؟ إذا كنّا نستفيد منها نفي الأحكام الضررية ـــــــ بحسب الفرض ـــــــ كما يبني عليه المحقق النائيني(قدّس سرّه) ويبني عليه السيد الخوئي(قدّس سرّه) وهو الصحيح كما مر، ومعنى نفي الأحكام الضررية هو نفي الحكم الذي يترتب عليه الضرر. الحكم في حال الجهل ليس هكذا ؛ ولذا لا تكون القاعدة شاملة له، فهي لا تنفي وجوبه، وبالتالي لا تنفي صحته، فيمكن تخريج حكمهم وفتواهم بصحة الوضوء في حال الجهل على هذا الأساس .


[1] منية الطالب، تقرير بحث المحقق النائيني للشيخ موسى الخوانساري، ج3، ص410 ــ 411.
[2] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد الواعظ الحسيني، ج2، ص545.