الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
38/01/22
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
الكلام في وجه تقديم لا ضرر على أدلّة الأحكام الأولية .
ذكرنا سابقاً وجوهاً عديدة لتقديم قاعدة لا ضرر على أدلّة الأحكام الأولية، وانتهينا إلى الحكومة، وذكرنا في أثناء الحكومة ما هو ضابط تقديم الحاكم على المحكوم بشكلٍ عام. وأحد الوجوه هو(الحكومة) كما اختاره الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) وغيره. في الدرس السابق قلنا أنّ المحقق الخراساني(قدّس سرّه) كأنه في الكفاية لا يرضى بهذا الوجه، ويقول أنّ الحكومة في المقام غير ثابتة، وقلنا كأنّه فُهم من كلامه كما يظهر من المحقق النائيني(قدّس سرّه) أنه يشترط في الحكومة أن يكون النظر والتعرّض بالنصوصية، يعني بكلمة(أعني)، أو (أقصد) وما شابه ذلك . وأمّا إذا كان التعرّض والنظر بظهور عرفي، فهذا كأنه لا يعتبره حكومة؛ ولذا لم يختر أنّ الوجه في التقديم هو الحكومة . على تقدير صحّة هذا الفهم من عبارة صاحب الكفاية(قدّس سرّه)؛ حينئذٍ يكون جوابه ما تقدّم من منع الاختصاص، أنّ الحكومة لا تختص بخصوص ما إذا كان التعرّض والنظر بالنصوصية . المهم في الحكومة أن يكون الدليل متعرّضاً لحال دليلٍ آخر وفُرض فيه الفراغ عن وجود دليلٍ آخر، أعمّ من أن يكون التعرّض بالنصوصية، أو بظهور عرفي حالي . على كل حال، هذا هو الوجه في تقديم قاعدة لا ضرر على أدلة الأحكام الأولية .
بناءً على هذا الوجه؛ حينئذٍ لا يُفرّق بين أن نقول أنّ مفاد قاعدة لا ضرر هو نفي الأحكام الضررية، أو نفي الحكم الضرري كما هو المعروف، أو نقول أنّ مفاد القاعدة هو نفي الحكم بتوسط نفي الموضوع كما ينقل صاحب الكفاية(قدّس سرّه) لا فرق بينهما؛ لأنّ النظر على كلا التقديرين يكون ثابتاً، سواء كانت القاعدة مفادها نفي الحكم الضرري، فتكون ناظرة إلى الأدلة المثبتة لذلك الحكم، فيكون النظر ثابتاً فيها والحكومة ثابتة، أو قلنا أنّ مفاد القاعدة هو نفي الحكم بتوسط نفي الموضوع كما يقول صاحب الكفاية(قدّس سرّه)؛ وذلك لأنّ الدليل الذي ينفي الموضوع يكون متصرّفاً في موضوع الحكم في دليلٍ آخر، فيكون النظر موجوداً، وتكون الحكومة محرزة، والتعرّض أيضاً كذلك .
فإذن: لا فرق في الحكومة بين رأي صاحب الكفاية(قدّس سرّه) في تفسير القاعدة، وبين رأي المشهور.
نعم، قد يُشككّ في كون القاعدة ناظرة إلى أدلّة الأحكام الأولية بحيث تتقدّم عليها بالحكومة بأن يقال: بأنّ النظر، وبالتالي الحكومة يكون واضحاً جداً عندما يكون النفي في الدليل الحاكم نفياً تركيبياً، بأن يقول ــــــ مثلاً ــــــ في الدليل الحاكم: أنّ الأحكام التي جعلتها، أو أجعلها ــــــ مثلاً ــــــ لا تكون ضررية . لو فرضنا أنّ قاعدة لا ضرر بُيّنت بهذا اللّسان . هنا النظر واضح، والحكومة واضحة جداً؛ لأنّه يفترض وجود أحكام ووجود أدلة تدل على تلك الأحكام . إذن: هو حينما يقول(لا تكون ضررية) هو يفترض وجود أحكام في الشريعة، ويُفرِض عن هذه الأحكام التي افترض وجودها بأنّها لا تكون ضررية . هذا نهي تركيبي، وهو يحقق النظر والحكومة بلا إشكال . وأمّا إذا فرضنا أنّ مفاد النفي كان نفياً بسيطاً، ولم يكن نفياً تركيبياً كما إذا فرضنا أنه قال: (لا تصدر منّي أحكاماً ضررية) هذا نفي بسيط، وليس نفياً تركيبياً، هو ليس بصدد نفي أحكام ضررية عن أحكامٍ افترض وجودها، وإنّما هو رأساً ينفي وجود أحكام ضررية . مثل هذا النفي الذي يُعبّر عنه بالنفي البسيط ليس فيه نظر إلى الأحكام الأولية وأدلتها، ولا يُفرَض فيه الفراغ عن وجود أحكام أولية . هذا الإشكال يقتضي أن نقول: نحن في مقام إثبات حكومة قاعدة لا ضرر على أدلّة الأحكام الأولية لابدّ من إثبات أنّ النفي فيها نفي تركيبي، بمعنى أن نفهم من قاعدة لا ضرر هذا المفاد: (أنّ الأحكام التي جعلتها ليس فيها أحكام ضررية). لابدّ أن نفهم من القاعدة هذا المفاد حتى تكون ناظرة . أمّا إذا فهمنا من القاعدة مفاد النفي البسيط، أي (لا تصدر منّي أحكام ضررية) ليس فيه دلالة على أنه ناظر إلى أدلّة الأحكام الأولية .
إذن: لكي تثبت الحكومة لابدّ من أن نستفيد من قاعدة لا ضرر النافية للحكم أنّ النفي فيها نفي تركيبي حتى تكون ناظرة، وبالتالي تكون حاكمة . هذا النفي التركيبي عندما تتضمّن القاعدة كلمة(في الدين)، أو (في الإسلام) يكون واضحاً، قاعدة (لا حرج) النفي التركيبي فيها واضح، يقول: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾.[1] والمقصود بقوله: (في الدين) هو مجموعة الأحكام الشرعية، هو لم يجعل في ما شرّعه عليكم حرجاً، يعني ليس فيها حكم حرجي . هذا نفي تركيبي، يعني يفترض وجود دين، ووجود شريعة وأحكام، ويخبر بأنّه (في هذا الدين وهذه الشريعة أنا لا أجعل حكماً حرجياً)، فالنظر يكون واضحاً، فالحكومة بالتالي أيضاً تكون واضحة. أمّا في قاعدة لا ضرر، فالمشكلة أنه لا يوجد تعبير(في الدين) . نعم، يوجد تعبير(في الإسلام) في بعض نصوص قاعدة لا ضرر على ما تقدّم(لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) . لكن هذا النص الذي فيه هذه العبارة غير تام سنداً؛ ولذا ينبغي أن نتعامل مع هذا النص على أنه لا توجد فيه عبارة(في الإسلام) وإنّما القاعدة هي (لا ضرر)؛ وحينئذٍ ينبغي أن نلاحظ القاعدة، هل يُفهم منها النفي تركيبي حتى تكون ناظرة ؟ أو لا يُفهم منها النفي التركيبي ؟ ومن هنا قد يُشكك في كون الوجه في التقديم هو الحكومة، باعتبار إمّا دعوى ظهور القاعدة في النفي البسيط، بمعنى أنه ينفي أن يصدر منه حكماً ضررياً، هذا نفي بسيط . أو لا أقل لعدم ظهورها في النفي المركب؛ لأنّ أمر القاعدة حينئذٍ يدور بين النفي المركب والنفي البسيط، فلا يمكن إحراز النظر والحكومة، لعدم إحراز ما تتوقف عليه الحكومة من النظر التركيبي على ما ذكرناه، فسواء قلنا أنّ مفاد القاعدة هو النفي البسيط، أو قلنا بأنّها لا يظهر منها النفي المركب، على كلا التقديرين قد يشكك في كون الوجه في التقديم هو الحكومة في محل الكلام . ومن هنا لابدّ من بيان قرينة على أنّ النفي في القاعدة نفي تركيبي حتى يتم هذا الوجه الذي يقدّم القاعدة على أدلّة الأحكام الأولية على أساس الحكومة .
الوجه المقترح في المقام، والذي إذا ضممناه إلى القاعدة يثبت النظر وتثبت الحكومة. وبعبارة أخرى: يثبت أنّ مفاد القاعدة هو النفي التركيبي، الوجه هو مسألة الامتنان، بناءً على أنّ القاعدة قاعدة امتنانية، وأنّها تفيد الامتنان على الأمّة وعلى الناس بنفي الأحكام الموجبة للضرر عنهم، هذا نفسه يحقق قرينة على أنّ النفي في القاعدة نفي تركيبي لا نفياً بسيطاً، يعني يحقق قرينة على النظر في هذه القاعدة إلى أدلّة الأحكام الأولية، وقرينة على أنّ القاعدة فُرض فيها الفراغ عن وجود أدلّة على الأحكام الأولية، وذلك باعتبار أنّ هذا النفي حيث أنه امتناني ــــــ بحسب الفرض ــــــ الامتنان إنما يكون مقبولاً عرفاً عندما نفترض وجود المقتضى على الحكم؛ حينئذٍ يقال: الشارع يمنّ على الأمّة بالرغم من وجود المقتضي لثبوت الحكم، وينفي عنهم هذا الحكم؛ حينئذٍ يصح الامتنان . وأمّا إذا فرضنا عدم وجود الحكم في الشريعة أصلاً بحيث يكون عدمه من باب عدم المقتضي؛ حينئذٍ لا يُتصور معنىً للامتنان، وأيّ معنى في أن يمتن على الأمّة بنفي حكمٍ لا مقتضي له وغير ثابت أساساً ؟! هذا لا وجه له، الامتنان إنما يكون مقبولاً وصحيحاً عندما يُفترض وجود المقتضي للحكم والشارع يرفعه عنهم مع وجود المقتضي من باب الامتنان، أمّا مع عدم وجود المقتضي للحكم وعدم ثبوت الحكم في الشريعة أصلاً، فهو ينتفي عنهم من باب انتفاء المقتضي؛ ولأنّه ليس له ثبوت في الشريعة يرتفع عنهم، وهذا ليس فيه امتنان، وإنّما يكون هناك امتنان عندما يُفترض ثبوت الحكم في الشريعة ووجود المقتضي لثبوته، فيكون حينئذٍ رفعه عن الأمّة فيه نوعٌ من الامتنان، وهذا المعنى يقتضي أن يكون قد فُرض في قاعدة لا ضرر وجود المقتضي لثبوت الحكم الضرري، وأنّ الضرر بمنزلة المانع من ذلك المقتضي، وهذا هو النظر، فيثبت أنّ النفي نفي تركيبي، يعني أنّ الحكم الذي له مقتض، يعني الثابت في الشريعة، يقول: أنا أنفيه عنكم من باب الامتنان، فيتضمّن حديث لا ضرر افتراض وجود المقتضي ويفترض ثبوت هذا الحكم في الشريعة، ولو بإطلاق دليلٍ، فيكون حينئذٍ الدليل النافي لذلك الحكم الضرري، يكون ناظراً إلى ثبوت هذا الحكم الضرري في الشريعة ووجود المقتضي لثبوته، وهذا النفي حينئذٍ يكون نفياً تركيبياً، بمعنى أنّ هذا الحكم الثابت في الشريعة ينفيه عنهم، وهذا نفي تركيبي وليس نفياً بسيطاً .
إذن: يمكن الاستعانة بقرينة الامتنان لأثبات ظهور الدليل في الفراغ عن وجود الاقتضاء لتلك الأحكام الضررية . المقتضي لثبوت هذه الأحكام الضررية، لا يكون هذا الحكم الضرري ثابتاً إلا بعدم وجود المانع، الضرر يكون مانعاً من ثبوته، هذا يكون نظير أدلة المانعية بالنسبة إلى أدلة الحكم الممنوع وكيف تكون ناظرة إليه (لا تصلِ في ما لا يؤكل لحمه) ناظرة إلى أدلة أحكام الصلاة وتكون حاكمة عليها . أدلة المانعية تثبّت مانعية شيء، فتكون ناظرة إلى دليل الحكم الممنوع، وأنّ هذا الحكم الممنوع يثبت لولا هذا المانع، وهو كونه ممّا لا يؤكل لحمه، فهذا يمنع من صحة الصلاة. وما نحن فيه تماماً من هذا القبيل، الضرر مانع، وعندما يكون مانعاً، معناه أنه يفترض وجود مقتضِ لثبوت الحكم الممنوع الذي هو الحكم الضرري، فإذن: هناك اقتضاء لثبوت الحكم الضرري، وفُرض ذلك في نفس دليل لا ضرر بقرينة الامتنان . يمكن جعل هذا قرينة على أنّ القاعدة وإن لم تكن فيها عبارة(في الإسلام) لكن يمكن أن نفهم منها أنّ النفي فيها نفي تركيبي.
الوجه الآخر الذي ذُكر هو أن يقال: أننا نضم إلى قاعدة لا ضرر ارتكاز وجود شريعة عند المتكلّم، كأنّ هذا الارتكاز يكون بدلاً عن كلمة(في الإسلام) التي قلنا أنّها لم تثبت ثبوتاً صحيحاً في الروايات، فكأنّه (لا ضرر ولا ضرار) من جهة الشريعة؛ لأنّ هذا هو ارتكاز موجود يقترن بالحديث أنّ المتكلّم عندما يقول (لا ضرر) هو له أحكام وشريعة، وكأنّه هذا يجعله عوضاً عن كلمة(في الإسلام) ويكون مفاد الحديث هو(لا ضرر من ناحية الشريعة) . إذا افترضنا هذا؛ فحينئذٍ أيضاً يكون النفي فيها نفيّاً تركيبياً، يعني نفس هذا الدليل يفترض وجود شريعة ويقول: لا يوجد في هذه الشريعة أحكام ضررية، وهذا هو النفي التركيبي . بأحد هذين الوجهين، أو بكلٍ منهما؛ حينئذٍ يمكن التخلّص من هذا الإشكال .
نرجع إلى المحقق صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، حيث أنه بعد أن ناقش في كون الوجه في التقديم هو الحكومة بناءً منه على أنّ الحكومة تختص بما إذا كان الدليل الحاكم متعرّضاً بالنصوصية، والنصوصية مفقودة في قاعدة لا ضرر، وليس فيها(أعني) ولا (أقصد) ولا (أردت) وأمثالها؛ فلذا هو استشكل في كون التقديم من جهة الحكومة، وبعد أن استشكل ذكر وجهاً آخر لتقديم قاعدة لا ضرر على أدلّة الأحكام الأولية عبّر عنه بــــ (التوفيق العرفي). [2] وفي خلاصة التوفيق العرفي يقول: أنّ الذي يستفاد من حديث لا ضرر هو أنّ الضرر هو العلّة لنفي الحكم.
أو قل بعبارةٍ أخرى: إنّ الضرر مانع من ثبوت الحكم. يقول: إذا أفتهمنا من الدليل المانعية، أو العلّية بهذا المعنى، فإنّ العرف في حالةٍ من هذا القبيل يوفّق بين الدليلين، دليل لا ضرر الذي يقول أنّ الضرر مانع من ثبوت الحكم، وبين دليل الحكم الضرري، أي (أدلّة الأحكام الأولية) يوفق بينهما العرف بأن يحمل الحكم في دليل الحكم الضرري على أنه حكم اقتضائي، ويكون دليل لا ضرر الظاهر في النفي، يكون ظاهراً في الفعلية، فهو يحمل الدليل السابق على الاقتضاء، ويحمل الدليل الآخر على الفعلية، يقول: هذا توفيق عرفي بين الدليلين، وليس من جهة الحكومة، وإنّما هو توفيق عرفي بين دليلين، أحدهما: يكون في مقام بيان الحكم . وهذا الدليل لو بقي وحده، لكان ظاهر في الفعلية وليس الاقتضاء، لكن حينما يوجد في مقابله دليل يُبيّن أنّ الضرر علّة لنفي هذا الحكم، أو أنّ الضرر مانع من ثبوته؛ حينئذٍ يقول العرف أنّ ذاك الدليل الذي يثبت الحكم هو يثبت الحكم لولا المانع، وهذا هو مراده بالحكم الاقتضائي، أنّ الدليل الدال على الحكم الضرري يثبّت الحكم، لكن لولا المانع؛ لأنّ هذا توفيق بين هذا الدليل وبين الدليل الذي يقول أنّ الضرر مانع من ثبوت الحكم، فيوفّق العرف رأساً بينهما بحمل الأول على الاقتضاء، والثاني على الفعلية، فيُجمَع بينهما بهذا الشكل؛ وحينئذٍ لا إشكال في أنّ الدليل الدال على المانع يُقدّم على الدليل الاقتضائي، يعني الدليل الدال على الفعلية وأنّ النفي نفي فعلي يُقدّم على الدليل الدال على الاقتضاء، بلا إشكال؛ لأنّ ذاك الدليل بعد الحمل يكون مفاده هو ثبوت الحكم، لولا الضرر، فإذا كان ضررياً؛ فحينئذٍ لا إشكال في انتفاء هذا الحكم وعدم ثبوته؛ ويكون هذا جمعاً عرفياً بين هذا الدليل وذاك الدليل، ويقدّم هذا الدليل الدال على المانعية على ذاك الدليل . ويقول (قدّس سرّه) بأنّ هذا التوفيق بحمل أحد الدليلين على الاقتضاء، والآخر على الفعلية، ثابت في كثير من الموارد، أي في كل الأدلة التي تكون مثبتة أو نافية لحكم الفعل بعنوانٍ ثانوي مع الأدلة التي تثبت الحكم بعنوان أولي، الجمع بينهما هو بأن نحمل ما تكفّل إثبات الحكم بالعنوان الأولي على الاقتضاء . فرضاً: يوجد دليل يدلّ على استحباب الزيارة بالعنوان الأولي، وهناك دليل آخر يقول الزيارة ــــــ مثلاً ــــــ إذا نهى عنها الوالد تكون محرّمة، لكن الحرمة تثبت للفعل بالعنوان الثانوي، بعنوان أنه ممّا نهى عنه من تجب إطاعته شرعاً، العرف يوفّق بينهما بأن يحمل ذاك على الاقتضاء، ويقول: الدليل الدال على استحباب الزيارة ناظر إلى الزيارة بعنوانها الأولي، أمّا في حالة تعنونها بعنوان ثانوي، ويدلّ الدليل على أنّ هذا الفعل إذا تعنون بعنوان ثانوي يكون محرّماً، ذاك الحكم باستحباب الزيارة يكون حينئذٍ حكماً اقتضائياً، فالاستحباب يكون ثابتاً للزيارة بعنوانها الأولى، لولا قيام دليل على حرمتها بالعنوان الثانوي، فإذا صدق العنوان الثانوي؛ فحينئذٍ يكون الحكم بالاستحباب حكماً اقتضائياً، وإنّما يكون فعلياً مع عدم وجود هذا الدليل . ما نحن فيه أيضاً يكون من هذا القبيل، الدليل الدال على الحكم يُحمل على الاقتضاء بمعنى أنه يكون دالاً على ثبوت الحكم لولا المانع . هذا سمّاه بـــ (التوفيق العرفي). ويبدو واضحاً أنّ الذي دفعه لذلك هو المبنى الذي بنا عليه في أنّه يشترط في الحكومة أن يكون الدليل الحاكم متعرّضاً وناظراً بالنصوصية؛ لأنّه عندما نظر إلى قاعدة لا ضرر وجد أنّه ليس فيها نصوصية، فأنكر الحكومة، فذكر مسألة التوفيق العرفي بينهما. أمّا إذا قلنا أنّ الحكومة أعمّ من النصوصية وممّا إذا كان متعرّضاً لحال الدليل الآخر بالظهور العرفي وظهور الحال، هذا أيضاً يكون النظر متحققاً، والحكومة أيضاً متحققة؛ حينئذٍ هذا الشيء ذكره في المقام يمكن أن نلتزم فيه بالحكومة؛ بل أكثر من هذا يمكن أن يقال: بأنّ هذا التوفيق العرفي الذي ذكره هو في واقعه أيضاً يرجع إلى الحكومة؛ لأنّه هو يفترض أنّ قاعدة لا ضرر يُفهم منها كون الضرر علّة لنفي الحكم، أو كون الضرر مانعاً من ثبوت الحكم، هذا لوحده يكفي في نظر هذا الدليل إلى الدليل الآخر .