الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
38/01/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
كان الكلام في وجه تقديم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم . قلنا أنّ الرأي المعروف والمشهور هو أنّ التقديم على أساس القرينية، فيتقدّم الدليل الحاكم باعتباره قرينة على بيان المراد من الدليل المحكوم، فيتقدّم على هذا الأساس، وهذا مبني كما هو واضح على ما افترضوه من كون الدليل الحاكم ناظراً إلى الدليل المحكوم ومتعرّضاً لبيان حاله . ولا إشكال أنّ الدليل عندما يكون بهذه المثابة يكون مقدّماً على الدليل المحكوم . بمعنى أننا نفهم الدليل المحكوم على ضوء الدليل المفسّر والمبيّن، وهذا هو معنى التقديم، فيتقدّم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم، من دون فرقٍ بين أن يكون هذا التفسير والبيان بالصراحة (أعني)، أو (أقصد) أو يكون بأن يقول(لا ربا بين الوالد والولد) وأمثال هذه التعبيرات التي فُرض فيها نظر هذا الدليل إلى دليل آخر، فيتقدّم بالقرينية . وبناءً على أنّ النكتة في التقديم في باب التخصيص هي قرينية أيضاً؛ حينئذٍ لا يبقى فرق من هذه الجهة بين الحاكم وبين المخصص، كلٌ منهما يتقدّم على ما يقابله بالقرينية، لكن لا يتقدّم على العام بالأظهرية الخاصة، ولا بالأخصّية ، وإنّما يتقدّم لكونه قرينة على المراد بالعام . بناءً على هذا؛ حينئذٍ لا يبقى فرق بين الحكومة والتخصيص من هذه الناحية، وإنّما يفترقان في شيءٍ آخر، وهو أنّ القرينية في باب الحكومة تكون بظهور لفظي في نفس الدليل، يعني الدليل الحاكم كأنّه ساقه المتكلّم لتفسير كلام آخر ودليل آخر، فالقرينية تكون ثابتة بظهور لفظي، بينما القرينية في باب التخصيص، لا يوجد ظهور لفظي في هذا المعنى، وإنّما تكون ثابتة بالسياق، بمعنى أنّ سياق الجملة المكوّنة من العام والخاص، العرف بلحاظ هذا السياق يعتبر الخاص قرينة على بيان المراد من العام، فيكون الفرق بينهما من هذه الجهة، أنّ القرينية في باب الحكومة هي قرينة ناشئة من ظهور الدليل، بينما القرينة في باب التخصيص تكون قرينة سياقية .
هذا الاتجاه في توجيه تقديم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم يتشعب إلى اتجاهين:
الاتجاه الأوّل: المعروف الذي يلتزم به المحقق النائيني(قدّس سرّه) والسيد الخوئي (قدّس سرّه) وغيرهما، هو يرى أنّ تقدّم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم بالقرينية، ويكون الفرق بينه وبين التخصيص هو أنّه في باب التخصيص يتقدّم الدليل المخصص على العام على أساس القرينية أيضاً . غاية الأمر هو يرى أنّ قرينية الخاص بالنسبة إلى العام لا تختص بفرض الاتصال، وإنّما تكون ثابتة حتى في فرض الانفصال. هذا الكلام يقال في من يؤمن بأنّ السر في تقديم الخاص على العام هو القرينية أيضاً، لكن قرينية الخاص على رأيهم هي قرينية ثابتة حتى في حال الانفصال عن العام، غاية الأمر أنّ الخاص في حال الاتصال يهدم أصل الظهور بينما الخاص في حال الانفصال يهدّم حجّية الظهور، لكن بالتالي هو يتقدّم على العام . في كلا الفرضين ـــــــ الاتصال والانفصال ـــــــ الخاص يتقدّم على العام، إمّا بهدم أصل ظهور العام، وإمّا بإسقاط حجيته في العموم والإطلاق . هذا المعنى نفسه يثبت في الحاكم، إذا كان الملاك في تقدّم الحاكم على الدليل المحكوم هو القرينية أيضاً يثبت له هذا، بمعنى أنّ الدليل الحاكم يتقدّم على الدليل المحكوم مطلقاً، يعني سواء كان متصلاً بالدليل المحكوم، أو كان منفصلاً عنه . أيضاً يقال: غاية الأمر إذا كان متصلاً يهدم أصل الظهور، وإذا كان منفصلاً يهدم حجية الظهور، والوجه في أنه يهدم حجّية الظهور باعتبار أنّ الدليل على حجّية ذي القرينة الذي هو الدليل المحكوم في باب الحكومة، أو العام في باب التخصيص، الدليل على حجية ظهور المحكوم أو العام هو السيرة العقلائية . السيرة العقلائية لم تنعقد على حجّية ذي القرينة مطلقاً، حتى لو كان المخصص منفصلاً؛ بل البناء على سقوط حجّية ذي القرينة بوجود القرينة، سواء كانت متصلة أو منفصلة ، فحتى القرينة المنفصلة تهدم حجّية ظهور العام؛ لأنّه لا توجد سيرة عقلائية منعقدة على حجّية العام بالرغم من وجود قرينة، سواء كانت متصلة أو منفصلة، لا توجد هكذا سيرة عقلائية على البناء على حجّية العام؛ ولذا الحاكم أو المخصص يكون موجباً لإسقاط حجّية الظهور؛ بل أصل الظهور في حالة الاتصال، ويكون موجباً لسقوطه عن الحجّية في حالة الانفصال . يعني لا يفرّقون بين الحاكم والمخصص من هذه الجهة . بعد البناء على أنّ ملاك التقديم فيهما هو القرينية .
الاتجاه الثاني يقول: بالرغم من أنّ الملاك في تقديم الحاكم هو القرينية، والملاك في تقديم المخصص هو القرينية، لكننا لا نلتزم بهذه النتائج التي ذكرت، ونفرّق بين الحاكم وبين المخصص بلحاظ ما ذكرناه من أنّ قرينية الحاكم قرينية ناشئة من ظهور الدليل . الدليل الحاكم له ظهور مُعدّ من قبل الشخص نفسه كقرينة تفسّر كلامه، فله ظهور لفظي ناشئ من الظهور اللّفظي للدليل الحاكم، ومن هنا تكون القرينة أشبه بالشيء الذاتي للدليل الحاكم الذي لا يتخلّف عنه . هذا يكون قرينة على الدليل المحكوم وعلى المراد من الدليل المحكوم . هذه القرينة لا تتأثر بالاتصال والانفصال، على كل حال هي قرينة، سواء كانت متصلّة، أو كانت منفصلّة . هذا بالنسبة للدليل الحاكم . في حال الاتصال هي تكون قرينة وتهدم أصل الظهور، فضلاً عن حجيته، وفي حال الانفصال تهدم الحجية لا تهدم أصل الظهور، لكن كون الحاكم قرينة لا يمنع منه الانفصال؛ لأنّ قرينيته ناشئة من الظهور اللّفظي للدليل الحاكم، ومن الواضح أنّ هذا الظهور اللّفظي ثابت حتى إذا انفصل عن المحكوم. هذا الظهور ثابت سواء اتصل الحاكم بالمحكوم، أو أنفصل عنه، الظهور موجود ومفسّر للمراد بالدليل المحكوم، فلا يتأثر بالانفصال، وهذه القرينية تثبت للدليل الحاكم على كلا التقديرين وإن كان يُفرّق بينهما في أنّه في حال الاتصال تهدم أصل الظهور، لكن في حال الانفصال تهدم حجّية الظهور . هذا بالنسبة إلى الحاكم .
بالنسبة إلى المخصص الأمر يختلف خلافاً للاتجاه الأول؛ لأنّ قرينية المخصص ليست ناشئة من ظهور لفظي في الدليل الخاص؛ لأنّ الخاص ليس فيه هكذا ظهور؛ ولذا هو لا يُفهم منه التعرّض لحال دليلٍ آخر، ولا يُفهم منه النظر لدليل آخر، بحسب الظهور اللّفظي لا يوجد مثل هذا الظهور في المخصص، وإنّما القرينية في المخصص إذا قلنا بها في باب التخصيص هي تنشأ من السياق، بمعنى أنّ سياق هذا الكلام المجموع المؤلّف من العام والخاص، هذا السياق يجعل الخاص بنظر العرف قرينة لبيان المراد من العام، فيكون الخاص قرينة بهذا الظهور السياقي وليس بالظهور اللّفظي للسياق الخاص، وإنّما بظهور سياقي ، وهذا السياق هو عبارة عن السياق الذي ينعقد لمجموع الكلام المؤلّف من العام والخاص. إذا كان كذلك؛ حينئذٍ لابدّ أنّ نفرّق بين حالة الاتصال بالعام وبين حالة الانفصال عن العام؛ لأنّ هذا الظهور السياقي يكون محفوظاً في فرض الاتصال بالعام، فيقال أنّ سياق هذا الكلام يجعل الخاص قرينة لبيان المراد من العام، لكن عندما ينفصل الخاص عن العام لا يكون السياق محفوظاً، السياق متقوّم بالاتصال كما هو واضح، أمّا مع الانفصال، إذا انفصل الخاص عن العام، الظهور السياقي يذهب ولا يبقى محفوظاً، وهذا معنى أننا سوف لن نستطيع أن نجعل الخاص المنفصل عن العام قرينة على المراد من العام؛ لأنّ قرينيته قرينية سياقية، ومع الانفصال لا يبقى هذا السياق محفوظاً، وإذا لم يُحفظ السياق لا يكون قرينة، وهذا معناه أننّا إذا عجزنا عن إيجاد وجهٍ آخر لتقديم الخاص المنفصل، ولو بلحاظ الحجّية؛ لأنّ غاية ما يقال في الخاص المنفصل أنّه يهدم الحجّية، وإلا هو لا يهدم أصل الظهور . تقديم الخاص على العام، وكونه موجباً لسقوط حجّية العام مع الانفصال يحتاج إلى وجهٍ آخر غير مسألة القرينية؛ لأنّ القرينية في باب التخصيص قرينية سياقية، ولا يكون السياق محفوظاً في حال الانفصال . فإّن: الخاص المنفصل عن العام لا يكون قرينة على العام، فلا يمكن أن يُقدّم عليه على أساس القرينية، وإذا التزمنا بالتقديم لابدّ أن نلتمس وجهاً آخر لتقديم الخاص على العام . هذا الاتجاه الثاني .
بالنسبة إلى هذا الوجه، وهو كون التقديم في باب الحكومة على ملاك القرينية واضح أنه يتوقف على ما قلناه من أنّ الدليل الحاكم ناظر إلى الدليل المحكوم، متعرّض ــــــ كما عبّروا ــــــ إلى حال الدليل المحكوم . هذا النظر والتعرّض في الدليل الحاكم هو السبب في ما ذكروه من أنّ الدليل الحاكم يعتبر قرينة ويتقدّم تقدّم القرينة على ذي القرينة، باعتبار أنّه ناظر إلى الدليل المحكوم ومفسّر للدليل المحكوم ومتعرّض لبيان حاله، العرف يعتبره قرينة وهذا شيء واضح، لكن موقوف على افتراض أنّ ملاك الحكومة هو النظر والتعرّض لحال دليلٍ آخر .
هذا الأمر قد يُستشكل فيه بأنّه هل صحيح ما انتقش في أذهاننا من أنّ الملاك في باب الحكومة هو النظر ؟ أن يكون الدليل الحاكم ناظراً إلى الدليل الآخر ؟ بحيث إذا لم يكن هناك نظر إلى الدليل الآخر لا تكون هناك حكومة، يعني ملاك الحكومة هو النظر . قد يُناقش في ذلك ويُقال: في بعض أقسام الحكومة هذا الكلام يكون مقبولاً وواضح كما هو في الدليل الحاكم المتكفّل لنفي الحكم في الدليل المحكوم، قد يكون هذا واضحاً كما إذا قال(أكرم العلماء)، ثم قال(وجوب إكرام العالم ليس ثابتاً في العالم الفاسق)، نظر هذا الدليل الذي هو عام أو مطلق واضح في هذا القسم من أقسام الحكومة. وأمّا في القسم الآخر من أقسام الحكومة الذي يكون الحاكم فيه متعرّضاً لنفي الموضوع في الدليل المحكوم، أو إثبات الموضوع لا فرق بينهما، الموسّعة أو المُضيّقة، هذا الدليل الحاكم متعرّض لنفي الموضوع في دليلٍ آخر، يعني نفيه عن فردٍ من أفراد الموضوع حقيقة، لكن نفيه بالتنزيل، أو إثبات الموضوع الذي هذا الفرد خارج عنه حقيقة، لكن يُثبت فيه الموضوع أيضاً بالتنزيل . هذه الحكومة التي تعتمد على لسان التنزيل من قبيل(أكرم العلماء) والدليل الثاني لا يقول(لا تكرم زيد) حتى يكون تخصيصاً، ولا يقول(وجوب إكرام العلماء ليس ثابتاً في زيد) حتى يكون من قبيل القسم السابق من الحكومة، وإنّما يقول(العالم الفاسق ليس عالماً)، هو عالم لكنّه ينزّله منزلة غير العالم، ويكون الغرض الحقيقي من ذلك هو نفي الحكم عنه؛ لأنه ليس بعالم . مثل هذا الدليل، فضلاً عن(لا ربا بين الوالد والولد) وأمثاله ، هل يمكن أن نقول بأنّ هذا فيه ملاك الحكومة الذي ذكروه، وهو النظر، أو لا ؟ بعد الفراغ عن أنّ هذا من باب الحكومة، بلا إشكال أنّ هذا لسان التنزيل من ألسنة الحكومة، يعني لا يمكن الشك بأنّ هذا من باب الحكومة، وإنّما الكلام في أنّ الملاك الذي ذكروه للحكومة، وهو مسألة النظر، هل هو موجود في هذا، أو غير موجود ؟ إذا فرضنا أنّه غير موجود في مثل هذا اللّسان من ألسنة التنزيل، هذا معناه وجود خلل في الملاك الذي اخترناه للحكومة وهو النظر؛ لأنّ هذا لا إشكال في كونه من باب الحكومة ولا يوجد فيه نظر.
فإذن: لنبحث عن ملاك آخر للحكومة غير مسألة النظر . الوجه الذي يقال في أنّ هذا ليس له نظر إلى الدليل الآخر، هذا الدليل يقول(العالم الفاسق ليس عالماً). المناقشة تقول: إنّ هذا ليس له نظر إلى دليل(أكرم العالم)، باعتبار أنّ هذا لسان التنزيل(العالم الفاسق ليس عالماً) لا يقتضي النظر إلى دليلٍ آخر، لا بالمطابقة كما هو واضح، ولا بالالتزام، أيضاً لا يقتضي النظر إلى دليلٍ آخر؛ لأن ّدلالة هذا الدليل على النظر إلى دليلٍ آخر بالالتزام إنّما تتم لو كانت صحّة هذا اللّسان لغة، أو من ناحية بلاغية تقتضي نظره إلى دليلٍ آخر، بحيث أنّ هذا الكلام ـــــــ الدليل الحاكم ـــــــ (العالم الفاسق ليس عالماً) صحّته، والتقبّل العرفي له من ناحية لغوية، أو من ناحية بلاغية تقتضي أن يكون ناظراً إلى دليلٍ آخر؛ حينئذٍ يكون دالاً على النظر بالالتزام. وأمّا إذا فرضنا أنّ صحّته، وتقبّله العرفي لا يتوقف، لا من ناحية لغوية ولا من ناحية بلاغية، على أن يكون ناظراً إلى دليلٍ آخر؛ بل يمكننا أن نفترض صحّة هذا الكلام لغوياً وبلاغياً مع افتراض عدم وجود دليلٍ آخر من عموم، أو إطلاقٍ، أو نحوهما، مع ذلك هذا الكلام يكون صحيحاً لغوياً، وبلاغياً . هذا معناه أنّ هذا حاكم، وحكومته لا تتوقف على نظره إلى دليلٍ آخر من إطلاق أو عموم؛ ولذا قد نفترض أنّ الدليل قد يكون حاكماً وثابتاً ولا يوجد في مقابله دليلٌ آخر، مع افتراض عدم وجود دليلٍ آخر مع ذلك التقبّل العرفي لهذا الدليل في بعض الأحيان يكون صحيحاً، ويُحكم بصحّة هذا الكلام من ناحية لغوية ومن ناحية بلاغية؛ لأنّ دلالته عليه بالالتزام إنّما تتم لو كان صحّة هذا الكلام لغة، أو بلاغة تقتضي نظره إلى دليلٍ آخر، وليس الأمر كذلك، فإنّ صحّة هذا اللسان ــــــ لسان التنزيل (العالم الفاسق ليس عالماً) ـــــــ لغة، المقصود بالمصحح اللّغوي هو أن يكون هناك تناسب بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، يعني بين المعنى الاستعمالي الذي هو المعنى الحقيقي، وبين المعنى الجدّي التفهيمي الذي هو المعنى المجازي، كما لو قال(زيد أسد) لابدّ أن يكون هناك تشابه بين المعنى الحقيقي للأسد وبين المعنى الذي يُراد تفهيمه وهو الرجل الشجاع. هذا هو المصحح للاستعمال اللّغوي.
فإذن: من ناحية لغوية لا يتوقف افتراض صحة الكلام لغوياً على أن يكون ناظراً إلى دليلٍ آخر، وإنّما يتوقف على أن تكون هناك مشابهة بين المراد الاستعمالي وبين المراد التفهيمي، وهنا المقصود بالمصحح البلاغي هو النكتة التي على أساسها عدل المتكلم عن الكلام الصريح الفصيح إلى هذا الأسلوب، لابدّ أن تكون هناك نكتة بلاغية استوجبت هذا العدول، يعني بدلاً من أن يقول(لا تكرم العالم الفاسق) هذا كلام صريح وفصيح وواضح يُبيّن مراده التفهيمي بشكل صريح، عدل عن هذا إلى هذا الأسلوب، أسلوب التنزيل(العالم الفاسق ليس عالماً) هذا لابدّ أن يكون مصححاً بلاغياً له، الوجه في عدول المتكلّم عن الكلام الصريح إلى هذا الكلام الذي فيه نوع من الالتواء، الوجه في هذا هو الحذر من مواجهة أحساسات المخاطبات الذي يكون ثبوت الحكم لموضوعه بنحو عام أمراً مركوزاً في ذهنه، عندما يكون ثبوت الحكم لموضوعه بنحو عام، هذا أمر مركوز في ذهنه، هذا إذا أردت أن تواجه إحساساته تقول له(لا تكرم زيد العالم) ألاً يصطدم بهذا؛ لأنّ هذا مركوز في ذهنه أنّ كل عالم يجب إكرامه، فإذا قلت له(لا تكرم زيد العالم) فهذا اصطدام مع إحساساته، الطريقة الأمثل لعدم الاصطدام مع إحساساته هو هذا الالتفاف الذي يستعمله لسان التنزيل، لا نقول له(لا تكرم العالم الفاسق) وإنّما نقول له(العالم الفاسق ليس بعالم) فتخفف عنه الصدمة، يعني هذا إخراج الفرد من الموضوع، وإن كان الغرض منه بالنهاية هو إخراجه من الحكم، لكن بلسان يُراعى فيه إحساسات المخاطب . هذا هو المصحح البلاغي لهذا الاستعمال للسان التنزيل، ولا يتوقف هذا على افتراض وجود دليل ونظر هذا الدليل الحاكم إلى دليلٍ آخر، سواء كان هناك دليل ، أو لم يكن هناك دليل، المهم هو أنّ هذا المعنى مرتكز في ذهن المخاطب، أو لا ؟ إذا كان مرتكزاً في ذهن المخاطب، ولو من دون دليل، هذا يكون مصححاً بلاغياً لهذا الاستعمال.
إذن: بالنتيجة صحّة الكلام لغة، وصحّة الكلام بلاغة لا تتوقف على افتراض نظر الدليل الحاكم في محل الكلام إلى دليلٍ آخر .