الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
37/12/05
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
كان الكلام في وجه تقديم قاعدة لا ضرر على الأدلة المثبتة للأحكام بعد الفراغ عن التقديم؛ إذ لا إشكال عندهم في تقديم القاعدة على تلك الأدلة .
الوجه الأول: كان هو التقديم بالشهرة، وتقدّم الجواب عنه .
الوجه الثاني: هذا الوجه ذكرناه كتتمة للوجه الأول، لكن ينبغي فصله عنه، وهو وجه مستقل . وهو أنّه لنفترض أنّهما تعارضا بنحو العموم والخصوص من وجهٍ، ونفترض أنّه لا يوجد مرجح؛ حينئذٍ يتساقطان وفي هذه الحالة يُرجع إلى الأصول، وأي أصل نرجع إليه سوف يُثبت لنا نفس النتيجة التي تثبت على تقدير تقديم قاعدة لا ضرر على أدلة الأحكام الأولية؛ لأنّه بعد فرض التعارض والتساقط؛ حينئذٍ نشك في التكليف بوجوب الوضوء الضرري الذي هو مادة الاجتماع على ما قلنا، لا يمكن العمل بالأدلة العامة الدالة على هذا الوجوب، ولا بقاعدة لا ضرر النافية لهذا الوجوب، فيتساقطان، فيحصل الشك في الوجوب، فنرجع إلى البراءة، أو يُرجع إلى أصالة العدم النافية لوجوب الوضوء الضرري، وبذلك نصل إلى نفس النتيجة التي نصل إليها على تقدير تقديم قاعدة لا ضرر على ادلة الأحكام الأولية
أجيب عن هذا الوجه بأنّ هذا صحيح على فرض التعارض والتساقط، لكنه سوف لن نصل إلى النتيجة التي نريد الوصول إليها؛ لأننا بتقديم قاعدة لا ضرر سوف نصل إلى إسقاط وجوب الوضوء ونفي الوجوب الضرري، وأيضاً نثبت بذلك وجوب التيمم، لا فقط نسقِط عن هذا المكلّف وجوب الوضوء إذا كان ضررياً، وإنّما نثبت عليه وجوب التيمم، هذا يثبت بتقديم القاعدة؛ لأنّه على تقدير التساقط والرجوع إلى البراءة لا يثبت بالبراءة إلا انتفاء الوجوب الضرري، ولا يمكن أن نثبت بها وجوب التيمم...وهكذا في سائر الموارد، مثل وجوب القيام في الصلاة عندما يكون ضررياً، أيضاً إذا رجعنا إلى البراءة مع افتراض التعارض والتساقط سوف ننفي فقط وجوب الصلاة من قيام، أمّا وجوب الصلاة من جلوس، فلا يمكن إثباته من خلال البراءة، وإنّما يمكن إثباته بإجراء قاعدة لا ضرر. فإذن: لا نصل إلى نفس النتيجة التي نريدها على تقدير تقديم قاعدة لا ضرر على ادلة الأحكام الأولية .
من الواضح أنّ هذا الجواب مبني على أنّ وجوب التيمم بعد نفي وجوب الوضوء الضرري إنّما يثبت إذا نفينا هذا الوجوب بالقاعدة؛ حينئذٍ يمكن إثبات وجوب التيمم، وأمّا إذا نفينا وجوب الوضوء الضرري بالبراءة وأمثالها، فلا يمكن إثبات وجوب التيمم، فأصالة البراءة لا يثبت بها وجوب التيمم؛ والتفرقة بينهما قائمة على أساس أنّ البراءة لا تنفي وجوب الوضوء الضرري نفياً واقعياً، وإنّما تنفيه نفياً ظاهرياً، بخلاف قاعدة لا ضرر، فإنّها على تقدير جريانها ونفيها لوجوب الوضوء الضرري هي تنفيه واقعا، وهذا الذي ذُكر يترتب على ذلك؛ لأنّ القاعدة إذا نفت وجوب الوضوء الضرري واقعاً يثبت التيمم قهراً؛ لأنّه لا يوجد احتمال ثالث تشمله الأدلة وتدل على وجوب التيمم، بعد نفي وجوب الوضوء الضرري واقعاً؛ حينئذٍ يثبت التيمم . أمّا أصالة البراءة عندما تجري وتنفي وجوب الوضوء الضرري عند الشك فيه، وهذا معناه أنّ احتمال وجوب الوضوء الضرري يبقى موجوداً ويبقى قائماً، وإنّما هي تنفيه نفياً ظاهرياً، بقاء احتمال وجوب الوضوء الضرري معناه أنّ المكلّف يتشكّل لديه علم إجمالي بأنّه يجب عليه إمّا أن يكون الحكم الثابت عليه هو وجوب الوضوء الضرري، أو وجوب التيمم، وهذا علم إجمالي يقتضي من المكلّف الاحتياط، فلا نصل إلى إثبات وجوب التيمم كما هو الحال لو نفينا وجوب الوضوء الضرري بالقاعدة؛ لأنّ القاعدة تنفي وجوب الوضوء الضرري واقعاً، فيثبت التيمم، بينما البراءة وأمثالها لا تنفي وجوب الوضوء الضرري إلا ظاهراً، نفياً ظاهرياً الغرض منه التأمين من ناحية الوجوب، هي لا تتحدث عن الواقع، ولا تنفيه واقعاً، فيبقى احتماله قائماً، وإذا بقي احتماله قائماً، واحتمال التيمم قائم، فهذا يعني أنّه صار لدينا علم إجمالي، فيجري الاحتياط، ولا يكون نتيجة ذلك هو إثبات وجوب التيمم كما هو الحال لو نفينا وجوب الوضوء الضرري بقاعدة لا ضرر. هذا هو الذي يدّعى .
هذا الجواب بعد توجيهه بهذا التوجيه، يمكن أن يلاحظ عليه: بأنّه كما أنّ إثبات وجوب التيمم بنفي وجوب الوضوء الضرري بالقاعدة أمر ممكن، كذلك يمكن إثبات وجوب التيمم بإجراء البراءة، وذلك لأنّه كما قلنا يتشكل لدينا علم إجمالي، إمّا بوجوب الوضوء الضرري، وإمّا بوجوب التيمم؛ لأنّ البراءة لا تنفي وجوب الوضوء الضرري واقعاً، فيبقى احتماله قائماً، ويتشكل علم إجمالي على هذا الأساس كما ذكرنا، ومقتضى هذا العلم الإجمالي هو التنجيز ووجوب الاحتياط بالإتيان بكلا الطرفين، هذا مقتضى العلم الإجمالي، يعني يتوضأ الوضوء الضرري، ويضم إليه التيمم. وجوب الاحتياط من ناحية الوضوء الضرري يمكن نفيه بقاعدة لا ضرر؛ إذ لا مانع من نفي وجوب الاحتياط بلحاظ الوضوء الضرري؛ لأنّ وجوب الاحتياط بلحاظ الوضوء الضرري ضرر على المكلف، فيكون منفياً بالقاعدة، بينما وجوب الاحتياط الذي اقتضاه العلم الإجمالي بلحاظ التيمم يبقى على حاله لأنه ليس ضررياً، فلا يمكن نفيه بالقاعدة.
إذن: نستطيع بعد تشكيل العلم الإجمالي نفي وجوب الاحتياط بلحاظ الوضوء الضرري، لكونه ضررياً، فيبقى وجوب الاحتياط بلحاظ التيمم على حاله، وبذلك نصل إلى نفس النتيجة، وهي أننا بإجراء البراءة لنفي وجوب الوضوء الضرري تشكّل لدينا علم إجمالي، ومقتضى العلم الإجمالي التنجيز والاحتياط بلحاظ كلا الطرفين، نفينا وجوب الاحتياط بلحاظ الوضوء الضرري، فيبقى وجوب الاحتياط بلحاظ التيمم على حاله، نفي وجوب الاحتياط بلحاظ الوضوء الضرري لا مانع منه، لا مانع من إجراء لا ضرر بلحاظ وجوب الاحتياط بلحاظ الوضوء الضرري؛ لأنّ وجوب الاحتياط في موارد العلم الإجمالي لا دليل عليه شرعاً حتى يقال إنّ إطلاق دليل لا ضرر لوجوب الاحتياط بلحاظ الوضوء الضرري معارض بالدليل الدال على وجوب الاحتياط في هذا المورد، يبتلى بالمعارضة كما هو الحال بلحاظ أصل وجوب الوضوء، أصل وجوب الوضوء المفروض أنّ إطلاق دليل لا ضرر لوجوب الوضوء مبتلى بالمعارض الذي هو الدليل المثبت لوجوب الوضوء، دليل شرعي، هناك دليل يدل على وجوب الوضوء مطلقاً حتى في حال الضرر، هذا يعارض دليل لا ضرر بنحو العموم والخصوص من وجه، المفروض في محل الكلام هو هذا ؛ ولذا لا يمكن إجراء لا ضرر بلحاظ وجوب الوضوء الضرري؛ لأنّه مبتلى بالمعارض، لكن إجراء لا ضرر بلحاظ وجوب الاحتياط بالنسبة إلى الوضوء الضرري لا معارض له، ليس لدينا دليل شرعي يقول يجب عليك الاحتياط حتى نقول أنّ إطلاق لا ضرر بلحاظ وجوب الاحتياط بالنسبة إلى الوضوء الضرري مبتلى بالمعارض . ليس له معارض، العقل هو الذي يحكم بوجوب الاحتياط في موارد العلم الإجمالي، وليس هناك دليل شرعي يدل على وجوب الاحتياط في موارد العلم الإجمالي حتى يكون معارض لإطلاق قاعدة لا ضرر بالنسبة إلى وجوب الاحتياط بلحاظ الوضوء الضرري؛ ولذا لا مانع من إجراء قاعدة لا ضرر لنفي وجوب الاحتياط بلحاظ الوضوء الضرري؛ لأنّه ليس معارض، فينفي وجوب الاحتياط بلحاظ الوضوء الضرري، فيبقى وجوب الاحتياط بلحاظ التيمم على حاله وبذلك نصل إلى نفس النتيجة التي نصل إليها على تقدير تقديم لا ضرر على أدلة الأحكام الأولية، وهي أن نثبت بذلك نفي وجوب الوضوء الضرري وإثبات وجوب التيمم احتياطاً، وهذه نتيجة مشابهة للنتيجة التي نصل إليها على تقدير تقديم قاعدة لا ضرر على ادلة الأحكام الأولية . إذن: هذا الجواب الذي ذُكر عن الوجه الثاني، وهو أنّه بعد فرض التساقط والرجوع إلى البراءة إلى نفس النتائج التي نصل إليها على تقدير تقديم قاعدة لا ضرر؛ لأننا لا نستطيع أن نثبت بإجراء البراءة وجوب التيمم بالبيان الذي قلناه . هذا الكلام تبيّن أنه غير تام؛ وذلك لأننا نصل إلى نفس النتائج وليست هناك مشكلة من هذه الجهة، نستطيع أن ننفي وجوب الوضوء الضرري ونثبت وجوب التيمم احتياطاً بالبيان الذي ذكرناه.
قلنا أنّ هذا الجواب عن هذا الوجه الثاني غير تام، أمّا الجواب التام عنه، فهو أن يقال: أنّ النوبة لا تصل إلى تساقط الدليلين؛ لأنّه سيأتي في بعض الوجوه الآتية بإمكان الجمع بين ادلة الأحكام الأولية المثبتة للحكم مطلقاً في حال الضرر وغيره، وبين قاعدة لا ضرر الدالة على نفي الحكم إذا كان ضررياً مطلقاً، يعني أي حكمٍ كان، سواء كان وجوب الوضوء، أو وجوب الغسل، أو لزوم البيع .....الخ ، يمكن الجمع بينهما كما سيأتي في الوجوه الآتية، جمعاً عرفياً، فلا تصل النوبة إلى التساقط، والرجوع إلى الأصل الذي هو البراءة وأمثال البراءة .
الوجه الثالث: دليل لا ضرر إذا لاحظناه مع كل واحدٍ واحدٍ من الأدلة المثبتة للأحكام الأولية، فسوف نجد كما قلتم أنّ النسبة بينهما هي نسبة العموم والخصوص من وجه، لكن إذا لاحظنا دليل لا ضرر مع مجموع الأدلة المثبتة للأحكام والتكاليف، فسوف نجد أنّ نسبة لا ضرر إلى مجموع هذه الأدلة هي نسبة الخاص إلى العام، فيتقدّم عليها على اساس الأخصّية، وليست النسبة هي نسبة العموم والخصوص من وجه حتى يقال لا وجه لتقديم لا ضرر على ادلة الأحكام الأولية . يبقى أن نعرف ما هو الوجه في ملاحظة مجموع الأدلة مع قاعدة لا ضرر وملاحظة النسبة بينهما، والادعاء أنّ النسبة هي نسبة العموم والخصوص المطلق لا نسبة العموم والخصوص من وجه. قد يُذكر هذا الوجه في مقام تقريب هذا المعنى، وهو أن يقال أنّ حديث لا ضرر مفاده نفي الحكم الضرري، لكن من دون أن تكون خصوصية لذلك الحكم، تمام مفاده هو أنّ الحكم، أي شيءٍ كان هذا الحكم، وجوب وضوء، أو وجوب غُسل، لزوم البيع، وجوب القيام في الصلاة.....الخ، ليس له خصوصية، وإنّما مفاده هو أنّ الحكم الضرري يكون منفياً، مفاده هو نفي الحكم الضرري بدون عنوان وبدون خصوصية، ومن دون فرق بين أن يكون الحكم الضرري وجوب وضوء، أو وجوب غُسل، لزوم البيع، وجوب القيام في الصلاة.....الخ، كل هذه العناوين تكون ملغاة ولا أثر لها ولا خصوصية لها؛ وحينئذٍ يكون المنفي هو واقع الحكم الضرري بلا أي عنوانٍ. بناءً على هذا؛ حينئذٍ يقال: في هذه الحالة لابدّ أن تُلحظ النسبة بين حديث لا ضرر بالنسبة إلى إطلاق طبيعي الدليل المثبت للحكم الضرري بإطلاقه، إلى طبيعي الدليل، وليس إلى هذا الدليل وإلى هذا الدليل ..وهكذا، وإنّما طبيعي الدليل الجامع بين هذه الأدلة كلها وتكون حينئذٍ النسبة هي نسبة الخاص إلى العام؛ لأنّ نسبة العموم والخصوص من وجه المقررة سابقاً كانت على أساس أنّ قاعدة لا ضرر وتشمل الوضوء الضرري، والغسل الضرري .....الخ . بينما فرضاً الدليل الدال على وجوب الوضوء الضرري لا يشمل وجوب الغسل الضرري، وإنّما يختص بخصوص الوضوء، ولا يشمل الغسل ولا القيام في الصلاة، فمن هنا تكون هناك جهة أخصية في ذاك الدليل، وجهة أخصية في لا ضرر، وجهة الأخصية في لا ضرر هي اختصاصه بالضرر، وجهة الأخصية في دليل الوضوء هي أنّه مختص بالوضوء ولا يشمل الغسل، ومطلق من ناحية الضرر؛ لأنّه يثبت وجوب الوضوء مطلقاً، سواء كان ضررياً أو لم يكن ضررياً، ومن هنا تكون النسبة هي العموم والخصوص من وجه . أمّا إذا لاحظنا النسبة بين دليل لا ضرر وبين الجامع بين هذه الأدلة الذي تُلغى فيه خصوصيات الأفراد، سوف يكون لا ضرر حينئذٍ أخص منه مطلقاً، يعني أنّ النسبة هي نسبة العموم والخصوص المطلق لا نسبة العموم والخصوص من وجه، فتتقدم القاعدة على أساس الأخصية .
أجيب عن هذا الوجه الثالث: بأننا نتعامل مع الأدلة الواردة في لسان الشريعة ونلاحظ النسبة بين الأدلة، الثابت عندنا هو أنّ لدينا دليل يدل على وجوب الوضوء، ودليل يدل على وجوب الغسل ....الخ. فلابدّ أن نلحظ النسبة بين دليل لا ضرر كدليلٍ، وبين هذا الدليل، وقلنا أن النسبة بينهما هي نسبة العموم والخصوص من وجه، ليس لدينا دليل نسمّيه بمجموع الأدلة، مجموع الأدلة ليس دليلاً وارداً في الشريعة حتى نوقع التعارض بينه كدليلٍ وبين لا ضرر كدليل، فلابدّ من ملاحظة النسبة بينه وبين قاعدة لا ضرر .
وأمّا مسألة هذا الجامع ومجموع الأدلّة، ممكن هذا ألذي ذُكر، بمعنى أنّ القاعدة تنفي واقع الحكم الضرري، وليس هناك خصوصية للوضوء، والغسل ....الخ، لكن هذا لا يعني أن يحصل لدينا دليل في قِبال قاعدة لا ضرر، ونعبّر عنه بمجموع الأدلة، أو الجامع بين الأدلة المثبتة للأحكام الأولية . هذا شيء غير صحيح وبحسب القواعد لابدّ أن نلحظ الأدلة المستقلة الواردة في الشريعة، فتكون النسبة باقية على حالها ، وهي نسبة العموم والخصوص من وجه . وهذا لا يكون جواباً ولا يصلح أن يكون وجهاً للتقديم .
الوجه الرابع: لنفترض أنّ النسبة بينهما هي نسبة العموم والخصوص من وجه، تقديم القاعدة على دليل وجوب الوضوء ، وعلى دليل وجوب الغسل.....وهكذا سائر الأدلة المثبتة للأحكام . تقديم القاعدة على تلك الأدلة ليس فيه محذور؛ إذ لا يلزم من ذلك إلاّ تخصيص تلك الأدلة بحالة عدم الضرر، أي نقيد تلك الأدلة بأن لا يكون الوضوء ضررياً، وأن لا يكون الغسل ضررياً، الأدلة تدل على وجوب الوضوء مطلقاً، قاعدة لا ضرر تخصصها وتخرج منها ما إذا كان الوضوء ضررياً، فتبقى الأدلة شاملة للوضوء غير الضرري، وكذلك دليل وجوب الغسل يبقى شاملاً للغسل غير الضرري .....وهكذا، فلا مشكلة إلاّ التخصيص، يعني لا يلزم من تقديم القاعدة على ادلة الأحكام الأولية، إلاّ التخصيص وهو ليس بمحذور. بينما إذا فرضنا العكس سوف نقع في محذورٍ هو إلغاء قاعدة لا ضرر بالمرة؛ لأنّها سوف تكون بلا فائدة، إذا قدمنا الأدلة المثبتة للأحكام الأولية والتزمنا بوجوب الوضوء مطلقاً، ضررياً كان، أو لا؛ حيث أنّ معنى تقديم الأدلة المثبتة للأحكام الأولية على قاعدة لا ضرر، يعني لا نعمل بلا ضرر، وإنّما نعمل بإطلاق ذلك الدليل، فيلزم منه هذا المحذور الذي هو إلغاء الدليل الآخر ، وعندهم لا إشكال في أنّه إذا تعارض العامّان من وجه، وكان يلزم من تقديم أحدهما على الآخر إلغاء الدليل الآخر ، دون العكس، بمعنى أنّه لو قدمنا الدليل الآخر على الأول لا يلزم منه الإلغاء، وإنّما يلزم منه التخصيص وتبقى هناك موارد للدليل الآخر يشملها الدليل الآخر، فلا يلزم منه الإلغاء وتجريده عن كل موارده؛ في هذه الحالة حينئذٍ لابدّ من تقديم الدليل الذي لا يلزم من تقديمه الإلغاء، وإنّما يلزم منه التخصيص فقط، وهو في محل الكلام قاعدة لا ضرر . هذا وجه ٌ سيّال يُذكر في جملة من الموارد والظاهر أنّ الجماعة يلتزمون به، أنّه إذا دار الأمر بين العامّين من وجه فلابدّ من تقديم الدليل الذي لا يلزم من تقديمه إلغاء الدليل الآخر . في هذه الحالة يقدّم هذا الدليل، وهو في محل الكلام لا ضرر .
إذن : هذا هو الذي يكون دليلاً على تقديم دليل قاعدة لا ضرر على ادلة الأحكام الأولية، والالتزام بالتخصيص ونفي الحكم الضرري، وإن كانت النسبة بينهما هي وهي نسبة العموم والخصوص من وجه