الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
37/12/04
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
بالنسبة إلى ما ذكرناه في الدرس السابق، نعيد بيانه بشكلٍ آخر : كلامنا في ما إذا كانت فردية الفرد للعنوان حاصلة بالإيجاد والإنشاء، وكلامنا في ما إذا كان ثبوتها بالإيجاد ثبوتاً نسبياً لا ثبوتاً مطلقاً؛ ولذا تم التفريق سابقاً بين مثل عنوان التعظيم وبين مثل عنوان الضرر، أو شيء آخر حتى الملكية، وسلب المال من زيد الذي هو ضرر عليه . والمثال لما إذا كان ثبوت فردية الفرد للعنوان ثبوتاً نسبياً هو الضرر، ومثاله أخذ المال من زيد، فأنّه ضرر عليه، لكن هذا الضرر في طول ثبوت الملكية، وفي طول ثبوت حق لزيد في ذلك المال، وإلاّ لو لم تثبت الملكية، ولم يكن له حقٌ في ذلك المال، فلا إشكال أنّ سلبه منه لا يُعد ضرراً، لكن هذا الثبوت ليس ثبوتاً مطلقاً، وإنّما ثبوت نسبي، بمعنى أنّ أخذ المال من زيد يُعتبر إضراراً بزيد عند من يرى أنّ زيداً مالكٌ لذلك المال، يعني بمنظار أنّ زيداً له ملكية لذلك المال، فيُعتبر سلبه منه ضرراً ونقصاً يرِد عليه . هنا تقدّم أنّ العنوان في الدليل في محل الكلام يشمل الأفراد العنائية الموجودة في عصر الشارع، ولا يشمل الأفراد العنائية المتجددة بعد عصر الشارع، واستُدل على عدم الشمول بأنّ الإطلاق اللّفظي والإطلاق المقامي لا يجري لإثبات هذا الشمول، وإن كان يجري لإثبات الشمول للأفراد العنائية الموجودة في زمان الشارع، هناك يجري الإطلاق اللّفظي والإطلاق المقامي لكي يشمل الحديث ليس فقط الضرر الحقيقي الأصلي، وإنّما يشمل الضرر العنائي الذي هو في طول ثبوت حق، لكن الضرر العنائي الموجود في زمان الشارع .
ثمّ بعد ذلك ذُكرت نكتتان بدعوى أنّ هاتين النكتتين تقتضيان التوسعة، وتغيران النتيجة التي وصلنا إليها، وهي المنع من شمول الحديث الشريف للأضرار المتجددة :
النكتة الأولى: إذا فرضنا أنّ نكتة الفرد المتجدد من الضرر، كانت أمراً ثابتاً في زمان الشارع، فهذا الضرر المتجدد بشخصه ليس موجوداً في زمان الشارع، لكن إذا فرضنا أنّ نكتته كانت أمراً مركوزاً في أذهان العرف والعقلاء في زمان الشارع، قيل أنّ هذا يكفي لإثبات شمول الحديث للضرر المتجدد فيما إذا كانت نكتته وكبراه موجودة وثابتة في زمان الشارع، وأنّ هذا يكفي لذلك الفرد من الضرر المتجدد . هذا الكلام يعني أنّ المفروض في مثال الضرر ـــــ الذي هو محل كلامنا ـــــ هو أنّ نفترض ثبوت هذا الحق والضرر في الزمان المتأخر عن الشارع وعدم ثبوته في زمان الشارع ، ونتكلّم في أنّ الدليل(لا ضرر) هل يشمل مثل هذا الضرر والحق المتجدد بعد زمان الشارع غير الثابت في زمان الشارع، أو لا ؟ وليس المفروض في محل الكلام أن نفترض أنّ العقلاء والعرف في زمان الشارع لا يرون هذا الحق، خلافاً للعرف المتأخر الذي يرى ثبوت هذا الحق، هذا ليس مفروضاً في محل كلامنا، أن نفترض أنّ العرف والعقلاء في زمان الشارع لا يرون ثبوت هذا الحق بحيث لو كان موضوع هذا الحق موجوداً في زمانهم، مع ذلك يقولون ليس للمؤلف حق النشر والطبع ــــ مثلاً ــــ لم نفترض هذا في محل الكلام، أو لا ينبغي فرضه في محل الكلام، الذي نفترضه في المثال هو مجرّد عدم ثبوت هذا الحق والضرر في زمان الشارع؛ لعدم تحقق موضوعه ليس إلا، حيث لم يكن الطبع والنشر موجوداً في ذلك الزمان، فعدم ثبوته لعدم تحقق موضوعه، وليس أنّ العرف والعقلاء في زمان الشارع لا يرون ثبوت هذا الحق لو التفتوا إلى ذلك، ولو فُرض تحقق موضوع هذا الحق في زمانهم، هذا ليس مفروضاً في محل الكلام . إذن: المفروض في محل الكلام هو عدم وجود هذا الحق والضرر في زمان الشارع لعدم تحقق موضوعه . وأمّا أنّ العرف والعقلاء هل يرون ثبوت هذا الحق على تقدير التفاتهم، وعلى فرض تحقق موضوعه في زمانهم، أو لا يرون ثبوت هذا الحق، فهذا شيء غير معلوم، لا نفترض الثبوت ولا عدمه، وإنما الذي نفرضه فقط هو عدم ثبوت الحق في زمانهم لعدم تحقق موضوعه، ولعلّ النكتة الأولى التي ذُكرت هي مؤيدة لهذا الكلام؛ لأنّه إذا فرضنا أنّ العقلاء في ذاك الزمان كانوا يرون عدم ثبوت هذا الحق . إذن: لا معنى للنكتة الأولى بأنّ نفترض أنّ هذا الفرد من الضرر وإن كان غير موجود بشخصه في زمان الشارع، لكنّه موجود بنكتته وكبراه، إذا فرضنا أنّ محل الكلام هو الحق الثابت بعد زمان الشارع، وغير الثابت في زمان الشارع، بمعنى أنّ العقلاء والعرف لا يرون هذا الحق؛ فحينئذٍ لا معنى لأن نقول أنّ النكتة الثانية تقتضي التعميم وتقتضي التوسعة، بمعنى أنه قد نفترض أنّ هذا الحق المتأخر زماناً غير موجود بشخصه في زمان الشارع، لكنه موجود بنكته وكبراه، كيف يكون موجوداً بنكتته وكبراه في زمان الشارع والحال أنّ المفروض أنّ العرف والعقلاء في زمان الشارع لا يرون ثبوت هذا الحق ؟ حتى لو فُرض تحقق موضوعه في زمانهم . هذا مؤشر على ما نقوله من أنّ محل الكلام هو مجرّد فرض أنّ هذا الحق المتجدد غير ثابت في زمان الشارع بسبب عدم تحقق موضوعه . وأمّا أنّ عدم ثبوته؛ لأجل أنّ العقلاء لا يرون ثبوت هذا الحق، فهذا شيء غير مفروض في محل الكلام، وإنّما نحن نريد أن نتكلّم كيف يمكن إثبات شمول الحديث لمثل هذا الضرر المتجدد بعد زمان الشارع .
إذا اتضح هذا؛ حينئذٍ نقول : يمكن إثبات شمول الحديث للضرر المتجدد بعد زمان الشارع وغير الثابت في زمان الشارع بسبب عدم تحقق موضوعه، تمسكاً بالإطلاق اللفظي، أو بالإطلاق المقامي، كما هو الحال بالنسبة إلى الأفراد العنائية من الضرر الحقّي الموجودة في زمان الشارع، كما أننا تمسكنا بالإطلاق اللفظي، وبالإطلاق المقامي لإثبات شمول الحديث لها مع أنّها أفراد عنائية، كذلك يمكن التمسّك بهما لإثبات الشمول للأفراد العنائية المتجددة بعد زمان الشارع:
أمّا الإطلاق اللفظي، فنكتته هي عبارة عن أنّ الشارع من أفراد العرف، ويتكلّم بلسان العرف، ويخاطب العرف، وهذا معناه أنّه يقصد بالضرر في كلامه ما يفهمه العرف، يعني الضرر العرفي ، والضرر العرفي مطلق، ولا يختص بالضرر الحقيقي الأصلي كقطع اليد، وإنّما كما يشمل الضرر الحقيقي الأصلي، كذلك يشمل الضرر العنائي الحقّي الذي يكون في طول ثبوت الحق، وهذا معناه أنّ الفرد الثاني للضرر الذي يبني العرف على أنّه ضرر هو الضرر الحقّي العنائي، يعني الضرر الثابت في طول ثبوت حقٍ، وهذا معنى عام لا يتحدد بخصوص الأفراد والمصاديق الموجودة في زمان الشارع للضرر، الضرر هو مطلق النقص، ولو كان في الحقوق، ومعناه أنّه كلّما ثبت حقٌ لشخص فسلبه عنه بنظر العرف ضرر، هذا معنى عام لا داعي لتقييده بخصوص الأضرار العرفية العنائية الموجودة في زمان الشارع؛ بل هذا المعنى كما يشمل هذه الأفراد، يشمل كل ضرر يتحقق ولو بعد زمان الشارع، كلّما ثبت حق لشخص، فسلبه عنه يعتبر ضرراً بنظر العرف. إذا كان مقتضى الإطلاق اللفظي في الحديث هو أنّ الضرر لا يختص بالضرر الحقيقي الأصلي، وإنّما يشمل حتى الضرر العنائي الحقّي، مقتضى هذا الإطلاق أيضاً عدم الاقتصار على خصوص الأضرار العنائية الحقّية الموجودة في زمان الشارع؛ بل مقتضى الإطلاق هو شموله حتى للأضرار العنائية الموجودة بعد زمانه؛ لأنّ المراد بالضرر في كلام الشارع بمقتضى هذا البيان هو الضرر العرفي، كل ما يكون ضرراً عرفياً ويصدق عليه أنّه ضرر عرفي يكون مشمولاً بالدليل ومقصوداً به، العرف لا يفرّق بين الضرر الموجود في زمانه، والضرر الموجود بعد زمانه، ملاك ونكتة إطلاق الضرر في نظر العرف هو ثبوت الحق، فإذا ثبت لشخصٍ حق كان سلبه ضرراً، وثبوت الحق في نظر العرف لا يُفرّق فيه بين أن يكون الحق ثابتاً في زمان الشارع أو ثابتاً بعده، ولا موجب لتحديد المعنى العرفي للضرر بخصوص الأفراد الموجودة في زمان الشارع من الأضرار العنائية . هذا الإطلاق اللفظي في دليل لا ضرر يثبت به أنّ الضرر المقصود في حديث لا ضرر هو ما يراه العرف ضرراً، أي الضرر العرفي، وهو كما قلنا مطلق، فكما يشمل الضرر العرفي العنائي الموجود في زمان الشارع كذلك يشمل بمقتضى الإطلاق الضرر العرفي العنائي الموجود بعد زمانه. هذا بالنسبة إلى الإطلاق اللفظي .
بالنسبة إلى الإطلاق المقامي أيضاً نفس البيان، باعتبار أنّنا في الإطلاق المقامي أثبتنا أنّ الشارع في مقام بيان مراده من الضرر في الدليل بعد فرض أنّ المراد بالضرر في الحديث هو المعنى الشرعي، لكن الشارع لم يبين معنى الضرر، فمقتضى سكوته وعدم بيانه وكونه في مقام البيان الذي هو الإطلاق المقامي، هو أعتمد على الفهم العرفي، وبيّنا أنّ المعنى العرفي للضرر هو معنى عام ووسيع، وليس معناه هو خصوص هذا الفرد الموجود في زمان الشارع، وإنّما معناه عام وهو سلب الحق عن ذي الحق، وهذا في نظر العرف ضرر سواء كان الحق ثابتاً في زمان الشارع، أو متجدداً بعد زمان الشارع؛ لأنّ الشارع أحال على الفهم العرفي، وقلنا أنّه لا مانع من أن يحيل الشارع بيان مراده ومقصوده بالألفاظ على الفهم العرفي الموجود في زمانه والمتجدد، المانع إنّما يمنع من أن يحيل على الفهم العرفي المتأخر زماناً عن زمانه، أمّا أن يحيل على الفهم العرفي مطلقاً، فلا يوجد مانع من ذلك .
وبناءً عليه: يبدو أنه لا مانع من افتراض شمول الحديث للأضرار المتجددة بعد زمان الشارع، مع افتراض أنّ هذا الحق ليس موجوداً في زمان الشارع، لكنّه ضرر عرفي، والعرف يراه ضرراً؛ وحينئذٍ يمكن التمسك بإطلاق الدليل اللّفظي والمقامي إذا وصلت النوبة إليه لإثبات شمول الحديث لمثل هذا الضرر . وهنا نؤكد على أنّ هذا مع افتراض أنّ العرف في زماننا يرى أنّ سلب حق الطبع وحق النشر وأمثالهما يراه ضرراً . تارة يُشكَّك في هذه القضية؛ وحينئذٍ يكون خارجاً عن محل كلامنا، لكن بعد افتراض أنّ العرف يراه ضرراً الآن يمكن إثبات شمول الحديث له تمسّكاً بهذا الإطلاق . هذا ما يمكن أن يقال في هذا التنبيه، ننتقل بعد ذلك إلى التنبيه السادس .
التنبيه السادس: ويقع الكلام فيه في نسبة دليل لا ضرر إلى الأدلة الأولية . هذا محل كلام بينهم . لا حظوا أنّ النسبة بين دليل لا ضرر وبين كل واحدٍ من الأدلة المثبتة للأحكام هي نسبة العموم والخصوص من وجه، باعتبار الدليل المثبت للحكم، ولنفترض أنّه دليل وجوب الوضوء، مقتضى إطلاق هذا الدليل هو وجوب الوضوء سواء كان ضررياً، أو لم يكن ضررياً. إذن: هذا دليل مختصٌ بالوضوء ومطلق من ناحية الضرر . أمّا دليل لا ضرر، فيدلّ على عدم وجوب الوضوء في حال الضرر، لكنّه لا يدل على وجوب خصوص الوضوء في حال الضرر، فيشمل وجوب الوضوء، ويشمل وجوب الغسل، ويشمل لزوم البيع، ويشمل الكثير من الموارد، فإذن: هو فيه جهة عموم من جهة شموله لغير مسألة الوضوء، وفيه جهة خصوص من جهة اختصاصه بحال الضرر، فتكون النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه، ومادة الاجتماع هي الوضوء الضرري . مقتضى إطلاق دليل وجوب الوضوء هو وجوب الوضوء الضرري، بينما مقتضى إطلاق لا ضرر الشامل للوضوء الضرري بالإطلاق هو عدم وجوب الوضوء الضرري، فيتعارضان في مادة الاجتماع، ومقتضى القواعد هو أنّه ينبغي علاج هذا التعارض الذي هو بين المطلقين الذين تكون النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه، لكن الملاحظ عند الفقهاء هو أنّهم لا يطبّقون قواعد باب التعارض في هذا المجال، وإنما مباشرة يقدّمون لا ضرر على دليل الحكم المثبت للتكليف، وفي مادة الاجتماع يلتزمون بعدم الوجوب الضرري، هذا معناه أنّهم قدّموا لا ضرر على دليل وجوب الوضوء الذي يشمل الوجوب الضرري بإطلاقه . من هنا يقع الكلام في وجه هذا التقديم . لماذا يقدّم لا ضرر على الدليل المثبت للحكم، مع أنّ النسبة بينهما هي عموم وخصوص من وجه ؟
هنا ذُكرت في كلماتهم وجوه لتخريج هذا التقديم :
الوجه الأول : دعوى أنّ سبب التقديم هو عمل المشهور، يعني نجد أنّ المشهور يعمل بلا ضرر ، فيلتزم في الوضوء الضرري بعدم الوجوب، وفي مسألة البيع إذا كان لزومه ضرري، فيلتزم بعدم لزومه، وفي مسألة وجوب الغسل، إذا كان وجوبه ضررياً، يلتزمون بعدم وجوب الغسل . إذن: المرجّح لدليل لا ضرر على الدليل المثبت للحكم هو فتوى المشهور، وكأنّ فتوى المشهور من المرجّحات .
ثمّ ذُكر في هذا الوجه بأنّه بقطع النظر عن الشهرة والترجيح بالشهرة ، لو فرضنا أنّه لا يمكن ترجيح (لا ضرر) على دليل الحكم الأولي، فيتعارضان بنحو العموم والخصوص من وجه، ويتساقطان، فتصل النوبة إلى الأصل، والأصل الجاري في المقام هو البراءة، أو أصالة العدم ....الخ، كل الأصول التي يمكن تصوّر جريانها في المقام تؤدي إلى نتيجة عدم وجوب الوضوء، وهذه النتيجة مساوقة إلى النتيجة التي نصل إليها إذا قدّمنا حديث لا ضرر .
إذن: كأنّه على كل حال يريد أن يقول: سواء رجّحنا حديث لا ضرر بالشهرة، أو لم نرجح حديث لا ضرر بالشهرة، ووصلنا إلى التساقط، على كل حال نصل إلى نفس النتيجة، وهي عدم وجوب الوضوء الضرري، وهكذا في سائر الموارد، عدم وجوب الغسل الضرري، وعدم لزوم البيع الضرري ....وهكذا .
الجواب عن هذا الوجه واضح، حيث ذكروا أنّ الشهرة الفتوائية ليست من المرجّحات في باب التعارض، وليس هناك دليل على الترجيح بالشهرة الفتوائية. نعم، هناك دليل على الترجيح بالشهرة الروائية . وأمّا مسألة التساقط والرجوع إلى الأصل بعد افتراض عدم الترجيح، لو سلّمنا أنّ النوبة وصلت إلى هذا، لكن لا تصل النوبة كما سيأتي، وعلى فرض التسليم بوصول النوبة إلى التساقط، وسقط كلا الدليلين، ورجعنا إلى الأصل، والأصل يقول بعدم وجوب الوضوء الضرري، لكن هذا هل يكفي في المقام في مثل الوضوء ومثل الغسل، نحن في الحقيقة لا نريد أن نثبت تقديم لا ضرر فقط سقوط الوجوب، وإنّما يثبتون بتقديم لا ضرر، سقوط وجوب الوضوء وإثبات وجوب التيمم، أو إثبات وجوب البدل، بإجراء الأصل لإسقاط وجوب الوضوء بعد التساقط لا نستطيع أن نثبت إلاّ سقوط الوجوب، أمّا إثبات وجوب التيمم، فهذا الوجه يعجز عن إثباته، وكأنّ المفروض في المقام هو أننا كما نريد أن ننفي وجوب الوضوء يُراد بنفس حديث لا ضرر بعد تقديمه على دليل الحكم الأولي، مضافاً إلى سقوط الوجوب إثبات وجوب التيمم. وهذا ما يعجز عنه ما ذُكر من الرجوع إلى الأصل بعد التساقط .
الوجه الثاني: ما ذُكر من أنّ النسبة بينهما هي نسبة العموم والخصوص من وجهٍ، صحيح لو لاحظنا كل واحد من الأدلة المثبتة للتكليف، وأمّا إذا لاحظنا نسبة حديث لا ضرر إلى مجموع هذه الأدلة المثبتة للأحكام ونعتبرها كأنها دليل واحد، إذا لاحظنا هذه الأدلة مع حديث لا ضرر لا تكون النسبة حينئذٍ هي نسبة العموم والخصوص من وجه، وإنّما تكون النسبة هي نسبة العموم والخصوص المطلق؛ وحينئذٍ يكون تقديم حديث لا ضرر على القاعدة؛ لأنّه يكون أخص منها مطلقاً، فيتقدّم عليها .