الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
37/12/01
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
كان الكلام في شمول قاعدة لا ضرر للأضرار الاعتبارية المتجددة بعد زمان الشارع بعد الفراغ عن شمولها للأضرار الاعتبارية الموجودة في زمان الشارع بالتقريبين السابقين، الإطلاق المقامي والإطلاق اللفظي . بعد الفراغ عن ذلك يقع الكلام في أنّه هل تشمل الأضرار المتجددة بعد زمان الشارع أو لا ؟
تقدّم في الدرس السابق فرض أنّ فردية الفرد للعنوان على أساس الارتكاز وعلى أساس العناية العرفية يمكن تصوّرها بنحوين:
النحو الأوّل: أن نفترض أنّ فردية الفرد، وارتكاز فردية الفرد للعنوان هي بسبب الإنشاء والجعل من قبل العرف والعقلاء، فهو فرد جعلي، يوجد العرف فرداً للعنوان بالإنشاء، هذا يكون في الأمور القابلة للجعل بالإنشاء، فيكون هذا فرداً للعنوان، لكن بالجعل والإنشاء، فكأنّ العرف يوجد فرداً للعنوان بالإنشاء . في النحو الأول نفترض أنّ إيجاد فردٍ للعنوان، وإن كان قد يُفرض كونه في عرفٍ خاص، لكن ثبوت فردية الفرد للعنوان يكون ثبوتاً مطلقاً، وليس ثبوتاً نسبياً، وهذا ما تقدّم تطبيقه على عنوان التعظيم، وكذلك على عنوان الدلالة في باب دلالة الألفاظ على المعاني، نفترض أنّ اللفظ وضع بإزاء معنىً معيّن، الدلالة تكون ثابتة عند أهل تلك اللّغة وعند غير أهل تلك اللّغة، عند الجميع تكون الدلالة ثابتة، فالتعظيم في مثال القيام، والدلالة في باب الألفاظ تكون ثابتة ثبوتاً مطلقاً، تكون الدلالة ثابتة عند الجميع، والتعظيم أيضاً يكون ثابتاً إذا قام شخص من أهل ذاك العرف لشخصٍ آخر، يصدق التعظيم حتى عند غير أهل ذلك العرف.
في هذا النحو الأول: بالنسبة للجواب عن السؤال المطروح في المقام تقدّم أنّه يشمل الأفراد المتجددة بعد زمان الشارع، ولا داعي لتخصيصه بخصوص الأفراد الموجودة في زمان الشارع، باعتبار أنّ هذا فرد حقيقي للتعظيم، فإذا ورد التعظيم في دليل شرعي ورُتب عليه اثر يكون هذا الدليل شاملاً للقيام باعتباره تعظيم حقيقة وواقعاً، فيشمله الدليل، حتى إذا فرضنا أنّ كونه تعظيماً، والجعل والعناية كانت موجودة بعد زمان الشارع، مع ذلك يشمله الدليل، فيقال: هذا تعظيم حقيقة، وإذا صار تعظيماً حقيقة، يشمله الدليل ويترتب عليه الأثر، وهنا لا ينبغي التوقف في الشمول في مثل هذا النحو الأوّل، وإنّما الكلام يقع في النحو الثاني.
النحو الثاني: أن نفترض أنّ ارتكازية فردية الفرد للعنوان أيضاً من باب الإنشاء كما في النحو الأول، لكن الذي يميّز هذا النحو عن النحو الثاني هو أنّ هذا الجعل والإيجاد من قِبل العرف حتى إذا فُرض اختصاصه بعرفٍ خاص هنا في هذه الحالة يكون ثبوت هذه الفردية للعنوان ثبوتاً نسبياً وليس ثبوتاً مطلقاً، فيقال: أنّ هذا (كذا) العنوان الذي ينطبق عليه، لكن بمنظار أهل ذلك العرف لا مطلقاً، عند أهل هذا العرف وبمنظارهم يكون هذا منطبقاً عليه العنوان وصادقاً عليه، أمّا عند أهل عرفٍ آخر لا يوجد عندهم ذلك المنظار، ينظرون إلى القضية بمنظارٍ آخر لا يكون هذا منطبقاً عليه العنوان، فالثبوت ثبوتاً نسبياً وليس مطلقاً كما في النحو الأول . السيد الشهيد(قدّس سرّه) يريد تطبيق هذا على محل الكلام، يعني يريد تطبيقه على الضرر والنقص الذي هو محل الكلام . يقول : أنّ الضرر له مصداق حقيقي أولي وهو قطع اليد ـــــ مثلاً ـــــ هذا ضرر حقيقة بقطع النظر عن الاعتبار والعناية العرفية، لكن له مصاديق اعتبارية هي في طول الجعل والعناية العرفية، الذي قلنا أنّه معنى الضرر الاعتباري، الضرر الارتكازي، أنّها أضرار لكن في طول الجعل والاعتبار والارتكاز، فهذه أفراد اعتبارية للضرر. هذه الأفراد الاعتبارية للضرر إنّما تكون ثابتة ثبوتاً نسبياً، مثلاً: أخذ مال زيد من زيد يعتبر ضرراً، لكنه ليس ضرراً حقيقياً أولياً، وإنّما ضرر عرفي ارتكازي؛ لأنّه في طول اعتبار ملكية زيد لذلك الشيء، وإلاّ لو لم يكن العرف يعتبر أنّ زيداً مالك لذلك الشيء لما كان أخذه منه ضرراً، ولا نقصاً يلحقه؛ لأنّه ليس مالكاً لذلك الشيء . إذن: أخذ شيءٍ من زيد هو في طول اعتبار ملكية زيد لذلك الشيء، فإن أعتبر زيد مالكاً لذلك الشيء اعتبرت ملكيته لذلك الشيء؛ حينئذٍ يقال: بهذا المنظار، بمنظار أنّ زيداً مالك لذلك الشيء يكون أخذه منه ضرراً ونقصاً يلحقه، فيصدق عنوان الضرر، لكن واضح أنّ صدق عنوان الضرر في هذه الحالة إنّما هو بمنظار العرف الذي يعتبر الملكية في مرحلة سابقة، وإلاّ من لا يعتبر الملكية ولا يرى زيداً مالكاً لذلك الشيء لا يرى صدق الضرر، لا يرى بأنّ أخذه منه ضرر عليه، وإلحاق نقصٍ به؛ لأنّه لا يراه مالكاً، فرضاً في مجتمعٍ من المجتمعات لا يرون البنت ترث الأب، فلا يرون البنت تملك هذا المال، أخذه منها بمنظارهم لا يكون ضرراً ولا نقصاً؛ لأنّ افتراض الملكية واعتبارها يختص بحالة دون حالة، وبعرفٍ دون عرفٍ آخر، فانطباق الضرر على الفرد العنائي لا على الفرد الحقيقي كنقص المال فرع البناء على الملكية، فإذا فرضنا أنّ الذي يبني على ملكية زيد على ذلك الشيء هو عرفٌ خاص يرى أنّ زيداً مالك لهذا المال، عرفٌ آخر لا يرى أنّ زيداً مالك لهذا المال؛ حينئذٍ هنا تظهر النسبية، أنّ كون أخذ المال من زيد ضرراً وفرداً من أفراد الضرر من وجهة نظر خاصة وبمنظار خاص، يعني يكون ضرراً ومصداقاً للضرر عند من يعتبر ملكية زيد لذلك الشيء؛ يكون حينئذٍ ضرراً . وأمّا من لا يعتبر ملكية زيد لذلك الشيء، أخذ المال منه ليس ضرراً، ولا يرى صدق الضرر والنقص، لم ينقص شيء من زيد ولم يتضرر، فبالنتيجة الكل يعترفون بأنّ زيد تضرر، لكن الكل يعترفون بأنّه تضرر بمنظارٍ خاص، ولم يتضرر بمنظارٍ آخر، يعترفون بأنّ زيداً تضرر، لكن من وجهة النظر التي ترى بأنّ زيداً مالك لذلك الشيء، والبناء على أنّ زيداً مالك لذلك الشيء يصدق حينئذٍ الضرر على أخذ ذلك الشيء منه . وأمّا من وجهة نظرٍ أخرى، وبناءً على عرف آخر لا يرى الملكية لزيد، لم يتضرر زيد ، الكل يعترفون بأنّه بناءً على وجهة النظر هذه زيد ليس متضرراً بأخذ الشيء منه، فهذا معناه أنّ القضية نسبية، ثبوت فردية الفرد للعنوان، هنا يكون ثبوتاً نسبياً وليس ثبوتاً مطلقاً . هذا النحو الثاني قلنا أنّه طبّقه على عنوان الضرر والنقص في محل الكلام .
نأتي الآن إلى السؤال المطروح: وهو أنّ هذا الضرر العنائي العرفي الذي هو في طول الاعتبار والارتكاز، هذا الضرر هل يشمل الأضرار والأفراد المتجددة منه بعد زمان الشارع، أو أنّه يختص بخصوص الأضرار الموجودة في زمان الشارع ؟ لو فرضنا أنّ اعتبار ملكية زيدٍ للمال في المثال السابق، كان موجود في زمان الشارع، هنا لا مشكلة في شمول الدليل له؛ لأنّ هذا ضرر في زمان الشارع، فالشارع عندما يستعمل كلمة (الضرر) في قوله: لا ضرر ولا ضرار ، هذا الحديث الشريف يشمل الضرر العنائي العرفي من هذا القبيل؛ إمّا باعتبار ما تقدّم، نستخدم الطريقين السابقين، إمّا يشمله بالإطلاق اللفظي، أو بالإطلاق المقامي، بالإطلاق اللفظي باعتبار أنّ مراد الشارع من الضرر هو المعنى العرفي بمقتضى الإطلاق؛ لأنّه هو عرفي يخاطب العرف ويتكلّم بلغة العرف، فتكون الألفاظ الواردة في كلامه، يكون المراد منها ما هو معناه عرفاً وما يُفهم منها عرفاً كسائر الألفاظ الأخرى الواردة في كلامه، والمفروض أننا فرغنا عن أنّ الضرر عرفاً يشمل هذا الفرد العنائي من الضرر الذي هو في طول الاعتبار والارتكاز الموجود في زمان الشارع، فإذن: لا مشكلة في شمول الدليل لهذا الفرد . أو بالإطلاق المقامي بنفس التقريب السابق، يعني عندما نفترض أنّ مراد الشارع من الضرر في الدليل ليس هو المعنى العرفي ، وإنّما هو المعنى الشرعي، يعني مراده من الضرر ما هو ضرر شرعاً، أي ما هو ضرر عند الشارع ، ونحن لا نعلم ما هو مراد الشارع من الضرر، لا نعلم أنّ مراده هل هو خصوص الضرر الحقيقي كقطع اليد ؟ أو ما يشمل هذا الفرد العنائي من الضرر ؟ إذا شككنا في ذلك؛ حينئذٍ نقول كما تقدّم مقتضى الإطلاق المقامي، باعتبار أنّ المتكلّم في مقام البيان، ولم يبيّن ما هو مراده من الضرر كما هو المفروض، قال(لا ضرر ولا ضرار) وسكت ولم يبيّن ما هو مراده بالضرر، وهو في مقام البيان، مقتضى الإطلاق المقامي في حالة من هذا القبيل، هو أنّه أحال ذلك إلى الفهم العرفي، بمعنى أنه أكتفى في مقام بيان مراده من الضرر في الحديث بما يفهمه العرف من الضرر ، والمفروض أنّنا فرغنا عن أنّ العرف يرى أنّ الضرر يصدق على الفرد العنائي كما يصدق على الفرد الحقيقي . هذا بالنسبة إلى الضرر الموجود في زمان الشارع. يعني الضرر الذي هو في طول الجعل والاعتبار والعناية المتحققة في زمان الشارع.
الآن نأتي إلى الأفراد المتجددة من الضرر: التي تحدث بعد زمان الشارع . لو فرضنا أنّ ملكية زيد لذلك الشيء لم تكن معتبرة في نظر العرف في زمان الشارع، وإنّما اعتبرت بعد ذلك؛ فعندما يحصل اعتبار الملكية لزيد لذلك الشيء بعد زمان الشارع، بعد زمان الشارع يصدق عرفاً الضرر على سلبها منه، كلامنا ليس في ما يراه العرف ضرراً، وإنّما كلامنا في شمول الحديث الشريف لمثل هذا الضرر المتجدد بعد زمان الشارع . هذا الآن ضرر عرفاً بلا إشكال؛ لأننا افترضنا أنّ العرف اعتبر الملكية بعد زمان الشارع، يرى أنّ زيداً مالك لهذا الشيء، إذن: هو يرى أنّ أخذه منه ضرر. إذن: هذا ضرر بنظر العرف بلا إشكال . لكن الكلام في أنّ الحديث الشريف هل يشمل هذا الضرر المتجدد بعد زمانه، أو لا يشمله ؟
السيد الشهيد(قدّس سرّه)[1] يقول أنّ الصحيح هو أنّه لا يشمل الأفراد المتجددة من الضرر بعد زمان الشارع . ويستدل على ذلك بأنّه لا يمكن في المقام التمسك بالإطلاق اللفظي لإثبات الشمول ولا بالإطلاق المقامي لإثبات الشمول، وهما التقريبان المتقدّمان اللذان استدل بهما على إثبات الشمول للضرر الموجود في زمان الشارع. هنا يقول: لا الإطلاق اللفظي يمكن التمسك به بالنسبة إلى هذه الأفراد المتجددة بعد زمان الشارع، ولا الإطلاق المقامي يمكن التمسك به في محل الكلام . أمّا بالنسبة إلى الإطلاق اللّفظي، فيقول : أساساً الإطلاق اللّفظي كان قائماً على أساس أنّ الفهم العرفي للدليل يشكل قرينة متصلة على صرف الكلام إلى المعنى المراد في هذا الدليل وفي هذا الحديث ، الذي يكون قرينة متصلة تعيّن ما هو المراد بالحديث هو الفهم العرفي المعاصر للنص، أمّا الفهم العرفي المتأخر عن زمان النص كما هو محل الكلام، لا يمكن أن يشكّل قرينة متصلة على دليلٍ ورد قبله، ومعيّن للظهور، الذي يمكن أن يكون قرينة متصلة موجبة لصرف الظهور إلى الفهم العرفي ومعيّنة بالتالي لظهور الكلام هو الفهم العرفي المعاصر للنص، الشارع يقول(لا ضرر ولا ضرار) الفهم العرفي المعاصر للنص الذي يفهم أنّ الضرر ليس هو خصوص الضرر الحقيقي الأولي، وإنّما ما يشمل الضرر العنائي، لأنّ العرف يرى وجود هذه العناية، يعتبر الملكية لزيد ، إذن: يرى أنّ سلب الشيء عنه هو ضرر، ويصدق الضرر، هذا الفهم العرفي يشكل قرينة متصلة على أنّ المقصود بالضرر في هذا الحديث الشريف هو المعنى العرفي . أمّا الفهم العرفي المتأخر الغير موجود في زمان النص، الشارع قال(لا ضرر ولا ضرار) ولا يوجد هكذا فهم عرفي، وإنّما تجدد الفهم العرفي بعد قرون من الزمان، فصار أخذ ذلك الشيء من زيد ضرراً؛ لأنّ العرف اعتبر ملكية زيد لذلك الشيء، هذا لا يشكل قرينة متصلة معيّنة للظهور في ذلك الكلام.
إذن: لا يمكن الاستناد إلى الإطلاق اللّفظي لإثبات أنّ المعنى العرفي هو المراد من الحديث الشريف على نحوٍ يكون شاملاً للأفراد المتجددة من الضرر ، في زمان النص لا يوجد فرد من أفراد الضرر إلاّ الفرد الحقيقي الأولي ، تجدد فرد آخر بعد زمان الشارع . مثل هذا لا يشمله الدليل.
وبالنسبة للإطلاق المقامي أيضاً يقول: في المقام أيضاً لا يمكن التمسك بالإطلاق المقامي لإثبات شمول الحديث للفرد المتجدد بعد زمان الشارع؛ لأننا قلنا أنّ الإطلاق المقامي إنما تصل النوبة إليه إذا فرضنا أنّ المراد بالضرر في الحديث الشريف هو الضرر عند الشارع وليس الضرر عرفاً، فإذا شككنا في أنّ مراد الشارع من الضرر في المقام هل هو خصوص الضرر الحقيقي الأولي، أو الأعم منه والضرر العنائي المتجدد بعد زمان الشارع، هنا لا يمكن التمسك بالإطلاق المقامي . عندما كنّا نشك في أنّ مراد الشارع هل هو الضرر الحقيقي الأولي، أو الضرر الموجود في زمان الشارع ؟ قلنا يمكن التمسك بالإطلاق المقامي لإثبات الأعم، وأنّ مراد الشارع هو الأعم، فيشمل الضرر الفرد الموجود في زمان الشارع؛ بالبيان السابق؛ لأنّ الشارع في مقام البيان، ولم يبيّن ما هو مراده من الضرر، هل هو الأعم، أو خصوص الضرر الموجود في زمانه ؟ كنا نتمسّك بالإطلاق المقامي ونقول: أنّ مقتضى الإطلاق المقامي هو أنّ ما يريده الشارع من الضرر هو ما يفهمه العرف من الضرر، فأحاله على العرف؛ لأنّه في مقام البيان ولم يبيّن، فيُفهم منه أنّه أحاله على العرف. هذا سابقاً، أمّا في المقام عندما يدور الأمر بين أن يكون مراد الشارع من الضرر هو خصوص الضرر الحقيقي الأولي كقطع اليد ، أو الأعم منه ومن الضرر المتجدد بعد زمان الشارع، هنا لا يأتي الإطلاق المقامي، بأن نقول أنّ المتكلّم في مقام البيان، ولم يبيّن مراده . إذن: هو اعتمد .... اعتمد على ماذا ؟ بإمكانه أن يعتمد على الفهم العرفي المعاصر، فيقول أنّ مرادي هو ما يفهمه العرف . أمّا الفهم المتأخر عنه بقرون فلا معنى لأن نقول أنه اعتمد في مقام بيان مراده من الضرر على ذلك الفهم المتأخر؛ ولذا لا يتم الإطلاق المقامي؛ فحينئذٍ القدر المتيقن هو أن نقتصر على خصوص الضرر الحقيقي الواقعي والموجود في زمانه بناءً على إمكان إجراء الإطلاق المقامي أو اللفظي لإثبات ذلك، أمّات الفرد المتجدد، فلا يمكن التمسك لا بالإطلاق اللفظي ولا بالإطلاق المقامي لإثبات شمول الحديث له .
بناءً على هذا الكلام؛ حينئذٍ النتيجة عملاً في ما هو محل الابتلاء من قبيل حقوق الطبع وحقوق النشر، وفي ما يخص برامج الكومبيوتر وهذه الأمور كلّها هي حقوق متجددة بلا إشكال، فالضرر أيضاً يكون حادثاً بعد زمان الشارع؛ لأننا قلنا أنّ هذا الضرر ضرر اعتباري يعني هو في طول وجود حق، وارتكازية حق، هذا الحق لم يكن موجوداً في زمان الشارع بلا إشكال، وإنّما ثبت بعد ذلك، فإذن: هو حق متجدد وضرر متجدد . بناءً على هذا الكلام؛ حينئذٍ لا يمكن أن نلتزم بشمول حديث لا ضرر .
لكنه يستدرك ويقول: لا تظن أنّ هذا الكلام كلام حدّي، ويثبت هذه النتيجة التي بيّناها أنّ حديث لا ضرر يشمل الأفراد العرفية العنائية الموجودة فقط في زمان الشارع ولا يشمل الأفراد العرفية العنائية الموجودة بعد زمان الشارع، كنتيجة نهائية . يقول: هناك أمران ينبغي الالتفات إليهما قد يوجبان تغيير النتيجة في محل الكلام:
الأمر الأول : هو مسألة الالتفات إلى النكتة الحقيقية التي يقوم على أساسها الارتكاز أو العناية في كون هذا فرداً للعنوان، بمعنى أنّه في بعض الأحيان نجد أنّ فرداً من أفراد العنوان غير موجود في زمان الشارع، كحق الطبع والنشر والضرر الذي يترتب على سلب هذا الحق، هذا الفرد من العنوان غير موجود في زمان الشارع بشخصه، لكنّه قد يُدعى أنّه موجود بنكتته، أنّ النكتة التي على أساسها ثبت حق الطبع وحق النشر، وبالتالي ثبت أنّ سلبه عن الشخص يعتبر ضرراً، النكتة موجودة في زمان الشارع، بمعنى أنّ العرف والعقلاء في ذاك الوقت وإن كانوا لا يلتفتون إلى هذا الفرد لعدم وجوده في زمانهم، لكنّهم يرون النكتة ويبنون على النكتة التي تشمل هذا الفرد، وإن لم يكون موجوداً في زمانهم، بمعنى أنّه لو التفت العرف والعقلاء في زمان الشارع إلى هذا الفرد لحكموا بأنّ النكتة تشمله ولا فرق بينه وبين سائر الأفراد العنائية؛ لأنّ النكتة أمر ارتكازي وموجود عند العرف، هذه النكتة إذا ثبت وجودها في زمان الشارع يقول : أنّ هذا يكفي للتعميم ولإثبات شمول الحديث للأفراد المتجددة بعد زمان الشارع . على كل حال. العبرة بسعة النكتة وضيقها وليست بالمصداق الفعلي لذلك العنوان، بحيث يكون الميزان هو أنّ المصداق موجود في زمان الشارع، فيشمله الحديث، وإذا لم يكن موجوداً لا يشمله الحديث . العبرة ليس بذلك، وإنّما بسعة النكتة وضيقها، إذا كانت النكتة لا تشمل إلا الأفراد الموجودة في زمان الشارع؛ حينئذٍ الحديث لا يشمل الأفراد المتجددة.