الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
37/11/25
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
قلنا في الدرس السابق أنّ المحقق العراقي(قدّس سرّه) يستشكل في كون (لا ضرر ولا ضرار) قاعدة عامّة يمكن استنباط الأحكام الشرعية منها، ويقول أنّ موارد تطبيق هذه القاعدة المذكورة في كلمات الفقهاء، وإن ذكروا هذه القاعدة فيها كمستندٍ لما توصلّوا إليه في تلك الموارد من أحكام ، لكنّ الظاهر أنّ مستندهم في تلك الأحكام ليس هو هذه القاعدة، وإنّما مستندهم هو قواعد أخرى يشير إليها في هذه الموارد، وبالتالي، فهذه القاعدة ليست من القواعد العامّة التي يمكن أن نطبقها في موارد أخرى . خالية من تلك القواعد التي اعتمد عليها كما يقول الفقهاء في تطبيقات معينة، لا يمكن أن نستند إلى هذه القاعدة لنفي الأحكام الضررية في موارد أخرى غير هذه الموارد. ذكرنا في مسألة حكم تطبيق القاعدة على الوضوء الضرري، أو الغسل الضرري أنّه ذكر قرائن على أنّ الفقهاء وإن ذكروا هذه القاعدة كمستندٍ، لكن في الواقع هذه القاعدة ليست هي المستند، وذكر قرائن على ذلك، وانتهى الكلام إلى القرينة الثالثة . [1]
القرينة الثالثة: أنّ المكلّف في صورة علمه بالضرر وجهله بالحكم الشرعي، كما لو كان جاهلاً بوجوب الوضوء ـــــ مثلاً ـــــ أو بوجوب الغسل، لكنه يعلم بأنّ الوضوء يضرّه . في هذه الحالة يقول : لو كان المستند للفقهاء في هذا المورد هو قاعدة نفي الضرر، فلابدّ حينئذٍ من الالتزام بصحة الوضوء في محل الكلام . إذا فرضنا أنّه أمكن المكلّف أن يأتي بالوضوء مع علمه بالضرر، ولو من باب الرجاء والاحتمال، لو كان المدرك لهم هو قاعدة نفي الضرر لكان اللازم هو أن يلتزموا بصحة الوضوء في صورة الجهل بالحكم؛ باعتبار أنّ القاعدة لا تجري في صورة الجهل بالحكم؛ لأنّه في صورة الجهل بالحكم لا يكون الحكم منجزاً للجهل به، وفي صورة عدم الحكم لا تجري القاعدة؛ لأنّ القاعدة إنما تنفي الحكم عند نشوء الضرر منه، وأمّا إذا فرضنا أنّ الحكم لا ينشأ منه الضرر، فالقاعدة لا تشمله، ومن الواضح أنّ الحكم الغير المنجز على المكلّف، كما لو كان مجهولاً، كما في فرض المسألة، لا ينشأ منه الضرر، لعدم تنجّزه، والقاعدة إنّما تنفي الحكم المنجّز الذي ينشأ منه الضرر . أمّا الحكم الغير منجز، فلا ينشأ منه الضرر، وبالتالي لا تشمله القاعدة .
إذن: القاعدة لا تشمل الجاهل بالحكم لنفي وجوب الوضوء . نعم، إذا كان عالماً بالحكم يتنجّز عليه الحكم؛ حينئذٍ تشمله القاعدة؛ لأنّ هذا الحكم بعد تنجّزه ينشأ منه الضرر فتشمله القاعدة. إذن: القاعدة تشمل العالم ولا تشمل الجاهل، فلو كانت هي المدرك في حكم الفقهاء بالبطلان في الوضوء الضرري، لكان اللازم أن يفصّلوا بين حالة العلم وحالة الجهل، فيلتزمون بالصحّة في حالة الجهل بالحكم، لعدم شمول قاعدة لا ضرر لهذه الحالة؛ لأنّ الحكم غير منجز، والحكم الغير منجّز لا ينشأ منه الضرر، وبالتالي لا تشمله القاعدة، وبين صورة العلم بالحكم، في هذه الحالة القاعدة تشمله، فيمكن أن يستدل بها على البطلان، فيفصّلوا بين الصورتين بلحاظ البطلان والصحة . هذا هو اللازم لو كان المستند هو قاعدة لا ضرر، بينما نجدهم فتوائياً لا يلتزمون بهذا التفصيل، وإنّما يلتزمون بالبطلان مطلقاً في صورة العلم وفي صورة الجهل، سواء كان عالماً بالحكم، أو كان جاهلاً به يلتزمون بالبطلان . يقول: هذا قرينة أخرى على أنّ مستندهم للحكم في هذا المورد ليس هو القاعدة، وإنّما مستندهم هو شيء آخر ينتج هذه النتيجة، وهي الالتزام بالبطلان مطلقاً، والذي يصلح لأن يكون منتجاً لهذه النتيجة هو ما أشار إليه من أنّ مستندهم هو حرمة الإضرار بالنفس . هذه الحرمة تثبت البطلان من دون فرق بين أن يكون عالماً بوجوب الوضوء، أو جاهلاً بوجوب الوضوء، على كلا التقديرين هي تدل على حرمة هذا الوضوء، فيبطل لو صدر من المكلّف، سواء كان عالماً بوجوبه أو كان جاهلاً بوجوبه .
أورِد على هذه القرينة :
أولاً: نفس الملاحظة العامّة التي أوردت على القرائن السابقة، وهي أنّه لا مانع من أنّهم يستندون إلى القاعدة في نفي الوجوب، لكنّهم يستندون ـــــ مثلاً ـــــ إلى حرمة الإضرار بالنفس في إثبات البطلان، ولا يوجد تنافٍ بينهما، يستندون إلى القاعدة في نفي الوجوب، أمّا البطلان فيستندون فيه إلى حرمة الإضرار بالنفس؛ لأنها تنتج البطلان بلا إشكال، ولا منافاة بينهما، وهذا يعني أنّ الأصحاب لم يهملوا هذه القاعدة، وإنّما استدلوا بها، واستندوا إليها، واعتمدوا عليها، لكن في نفي وجوب الوضوء عندما يكون ضررياً، أمّا بطلان الوضوء، حيث أنّ القاعدة تعجز عن إثباته كما قال؛ حينئذٍ يمكن افتراض أنّهم يستندون في ذلك إلى ما دلّ على حرمة الإضرار بالنفس، وعندما يكون الإضرار بالنفس، وهذا الفعل ضرري ويكون حراماً؛ فحينئذٍ يقع هذا الفعل باطلاً، فيحكمون بالبطلان استناداً إلى ذلك .
ثانياً: مسألة دعوى أنّ القاعدة لا تجري في صورة الجهل بالحكم، وإنّما تجري في صورة العلم بالحكم، هذا معناه أنّ العالم بوجوب الوضوء تجري في حقه القاعدة ويُنفى عنه الوجوب إذا كان الوضوء ضررياً، ونستفيد من القاعدة البطلان كما هو المنسوب إلى الأصحاب . وأمّا إذا كان جاهلاً بوجوب الوضوء، فلا تجري القاعدة ، ومعنى عدم جريان القاعدة هو أننا لا يمكن أن ننفي وجوب الوضوء بالقاعدة . إذن: لا دليل على نفي وجوب الوضوء، فيكون وجوب الوضوء ثابتاً في حق الجاهل بالحكم، ولا يكون ثابتاً في حق العالم بالحكم . بمعنى أنّ المكلّف إذا كان الوضوء ضررياً في حقه، إذا كان عالماً بوجوب الوضوء فلا وجوب للوضوء عليه بقاعدة نفي الضرر . أمّا إذا كان جاهلاً بوجوب الوضوء، يقال يجب عليه الوضوء؛ لأننا لا يمكن أن ننفي وجوب الوضوء بالقاعدة؛ لأنّ القاعدة لا تجري في صورة الجهل بالحكم، بالنكتة التي ذكرها وهي نكتة أنّ القاعدة إنّما تجري في الحكم عند نشوء الضرر منه، والحكم الذي ينشأ منه الضرر هو خصوص الحكم المنجّز المعلوم . أمّا الحكم المجهول الذي لا يكون منجّزاً، فلا ينشأ منه الضرر ولا تشمله القاعدة.
إذن: لازم هذا الكلام هو الالتزام بأنّ العالم بوجوب الوضوء لا يجب عليه الوضوء إذا كان ضررياً، بينما الجاهل بوجوب الوضوء، يجب عليه الوضوء، وإن كان ضررياً، وهذا أقل ما يقال فيه أنّه غير عرفي وغير مقبول، ومن هنا لابدّ من الالتزام بأنّ القاعدة لا يختص جريانها لكي تنفي الوجوب بصورة العلم، وإنّما كما تجري في صورة العلم كذلك تجري في صورة الجهل .
هذا ما ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه) من قرائن، والأجوبة عليها المستفادة من كلمات السيد الشهيد(قدّس سرّه) .
المورد الثاني الذي ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه) في المقام وهو مسألة الخيارات، ذكر بأنّ الأصحاب طبّقوا قاعدة لا ضرر على جملة من الخيارات، الخيارات التي استندوا لإثباتها إلى قاعدة نفي الضرر ، كخيار الغبن، وخيار العيب، وخيار تبعّض الصفقة، كما هو واضح من المكاسب للشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) وغيرها، وفي كلام للشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) أنه لا مستند لخيار الغبن إلا قاعدة نفي الضرر ، وطبّقوها على هذه الموارد، باعتبار أنّ عدم إعطاء الخيار للمشتري ـــــ فرضاً ـــــ في مسألة تبعّض الصفقة عليه يكون إضراراً به، فيكون منفياً، وهذا يكفي لإثبات خيار تبعّض الصفقة، وهكذا خيار الغبن، وهكذا غيره من الخيارات التي استندوا فيها إلى قاعدة نفي الضرر .
المحقق العراقي(قدّس سرّه) يقول: يبدو أنّ مدرك الأصحاب لإثبات الخيار في هذه الموارد ليس هو قاعدة لا ضرر، وإن ذُكرت في كلماتهم، لكن ليست هي المدرك لإثبات الخيار في هذه الموارد، وإنّما هو شيء آخر من قبيل التسالم على الخيار وأمثاله في هذه الموارد، وذكرهم للقاعدة في هذه المجال لا يعني أنهم يستندون إليها، وإنّما هذا أشبه بالتعليل بعد الوقوع، يعني بعد أن ثبت الخيار بأدلة أخرى، كالتسالم، أو الإجماع، أو غيره ـــــ مثلاً ـــــ ذكروا هذه القاعدة في مقام تعليل ثبوت الخيار، فيكون أشبه بالتعليل بعد الوقوع، والدليل على ذلك يقول ـــــ مثلاً ـــــ تبعّض الصفقة ليس فيه ضرر مالي على المشتري حتى نطبّق القاعدة بلحاظه، وإنّما تبعّضت عليه الصفقة، فأُرجع له جزء من المبيع، والجزء الآخر أُعطي بدله الذي رضي به، وهذا ليس فيه ضرر مالي على المشتري، وإنّما أقصى ما يمكن أن يقال أنّه عندما يتعلّق غرض المشتري بمجموع المبيع؛ حينئذٍ سوف يتخلّف الغرض، هو عندما أقدم على هذه الصفقة غرضه يتعلّق بمجموع المبيع، هذا الغرض تخلّف؛ لأنّ الصفقة تبعضت عليه، هذا الذي يحصل أمّا الضرر المالي، فهو غير موجود في محل الكلام ، وإنّما في المقام ينتفي الغرض والداعي عندما يفترض تعلّق الغرض والداعي بمجموع الصفقة، تخلّف الغرض والداعي قضية متعارفة ولا تستلزم إعطاء الخيار للمشتري الذي تخلّف غرضه وداعيه من دون أن يكون هناك غرض مالي، لا داعي لإعطائه خيار تبعّض الصفقة مع أنه لم يتضرر مالياً بذلك، وإنّما تخلّف عنده الغرض، وهذا أمر لا يوجب إعطاءه الخيار، كثيراً ما تتخلف الأغراض عند البيوع ولا يُعطى الخيار، فمن تخلّف غرضه لا يُعطى الخيار، وإنّما الذي يوجب إعطاء الخيار هو الضرر المالي، وهو في تبعّض الصفقة غير موجود، وإنّما الموجود هو تخلّف الغرض والداعي وهو لا يوجب إعطاء الخيار . هذا من جهة .
من جهة أخرى يقول : إنّ قاعدة لا ضرر إذا أردنا إجراءها في هذه الموارد، فغاية ما تقتضيه هو نفي اللّزوم الذي يستوجب الضرر؛ لأنّ لزوم هذه المعاملة على المشتري يلزم منه الضرر، فتجري القاعدة وتنفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر الذي هو لزوم المعاملة، لكن نفي لزوم المعاملة لا يثبت ما أثبتوه، هم أثبتوا الخيار بحيثيات لا يمكن إثباتها بقاعدة لا ضرر، اثبتوا الخيار للمشتري وذكروا أنّ هذا الخيار قابل للإسقاط، وأنّ هذا الخيار إذا مات صاحبه ينتقل إلى الورثة، هذا الإسقاط والإرث حيثيات في الخيار بعد نفي اللّزوم بالقاعدة لا يمكن إثباتها بقاعدة نفي الضرر ؛ لأنّ قاعدة نفي الضرر تنفي اللّزوم، ولنقل أنّ معنى ذلك هو ثبوت الخيار له، لكن الخصوصيات التي التزموا بها في هذا الخيار لا يكاد يمكن إثباتها بقاعدة نفي الضرر، فمن هنا يقول لابدّ أن يكون هناك شيء آخر هو المستند له في إثبات الخيار بهذه الخصوصيات في محل الكلام، وهو شيء آخر غير قاعدة نفي الضرر .
الملاحظات التي ذُكرت على هذا الكلام : لنسلّم عدم وجود ضرر مالي في خيار تبعّض الصفقة، لا يبعُد أنه ليس فيه ضرر مالي، لكن هل يمنع هذا من التمسّك بقاعدة لا ضرر ؟ يعني هل يكون قرينة على أنّ مستندهم في المقام ليس هو قاعدة لا ضرر؛ لأنّ تبعّض الصفقة ليس فيه ضرر مالي، هذا الكلام الذي يقوله المحقق العراقي(قدّس سرّه) مبني على افتراض أنّ الضرر في القاعدة يُراد به خصوص الضرر المالي، إذا بنينا على هذا، فالكلام تام، القاعدة إنّما تنفي الضرر المالي، أي الضرر في المال، والضرر في النفس وفي الاعضاء، في هذه الأمور يكون الضرر، الذي هو الضرر الحقيقي؛ حينئذٍ يقال في تبعّض الصفقة لا يوجد ضرر؛ فحينئذٍ لا تجري القاعدة، فإذن: لا يمكن أن يكون مستندهم قاعدة نفي الضرر؛ لأنّها إنّما تجري في الأضرار المالية، وهذا ليس ضرراً مالياً .
أمّا إذا قلنا أنّ الضرر في القاعدة لا يُراد به خصوص الضرر المالي، وإنّما يراد به مطلق الضرر الأعم من الضرر المالي والضرر الذي تقدّم سابقاً والذي ذكره السيد الشهيد (قدّس سرّه)،وهو الضرر العقلائي، يعني الضرر الذي يكون في طول ثبوت الحق عقلائياً وفي الارتكازات العقلائية؛ لأنّه بعد فرض ثبوت الحق بحسب المرتكزات العقلائية يكون سلبه سلباً للحق وإضراراً، فيثبت الضرر. بناءً على هذا التعميم للضرر؛ حينئذٍ لا مشكلة في أن يكون مستندهم في المقام في إثبات الخيار في محل الكلام هو قاعدة نفي الضرر، ليس هناك مشكلة في ذلك كما هو الحال في خيار الغبن، حيث في خيار الغبن عدم إعطاء الخيار للمغبون فيه إضرار بالنسبة إليه؛ وحينئذٍ تشمله القاعدة، بناء على التعميم وعدم اختصاص الضرر بالضرر المالي في القاعدة، فهي تشمل محل الكلام؛ لأنّه في تبعّض الصفقة صحيح ليس هناك ضرر مالي، لكن هناك ضرر ثابت بحسب المرتكزات العقلائية؛ لأنّ هذا من حقّه أن يحافظ على غرضه وعلى ما دعاه إلى إجراء هذه الصفقة، وبحسب الفرض غرضه يتعلّق بمجموع الصفقة، هذا حق له، فسلب هذا الحق منه يعتبر إضراراً به، وإذا كان إضراراً به، فالقاعدة تشمله. إذن: كلامه كأنه مبني على افتراض أنّ الضرر في القاعدة يختص بالضرر المالي، وحيث لا ضرر مالي في مسألة تبعّض الصفقة، فالقاعدة لا تجري، فلا يكون مستندهم في هذا المورد هو القاعدة، ولابدّ أن يكون له مستند آخر . بينما بناءً على التعميم وإمكان تصوير ثبوت حق في محل الكلام، ولو كان هذا الحق ثابتاً بحسب المرتكزات العقلائية؛ حينئذٍ سلب هذا الحق يعتبر إضراراً بالمشتري، فتشمله القاعدة.
الأمر الآخر هو أنّه ذكر أنه لو سلّمنا وجود الضرر في تبعّض الصفقة، أو في خيار الغبن، فتشمله القاعدة، لكن غاية ما تقتضيه القاعدة هو سلب اللّزوم، باعتباره حكماً ضررياً، سلب اللّزوم لا ينتج إلاّ ثبوت الخيار، أمّا الحيثيات الخاصة بالخيار من الإسقاط والإرث لا يمكن إثباتها بقاعدة لا ضرر .
يمكن أن يقال أنّ هذه الحيثيات هناك طريق آخر لإثباتها، نحن لا نريد إثباتها بقاعدة لا ضرر حتى يقال أنهم لا يريدون إثبات هذه الحيثيات بقاعدة لا ضرر حتى يقال أنّ القاعدة لا تثبت هذه الحيثيات، وإنّما تثبت أصل نفي اللّزوم الذي يستلزم ثبوت الخيار، كلا، الأصحاب لا يثبتون هذه الحيثيات بالقاعدة حتى يرِد هذا الإشكال، وإنّما هناك طريق لإثبات هذه الحيثيات، بالنسبة إلى الإسقاط، يقولون أنّ هذا الخيار الذي نعطيه للمشتري تطبيقاً لقاعدة لا ضرر التي تنفي اللّزوم هذا الخيار قابل للإسقاط، هذا لا يثبتوه بقاعدة لا ضرر، وإنّما يثبتوه باعتبار أنّ الإسقاط يعني رضا المشترى بلزوم المعاملة، هو لديه خيار، وهو يسقط خياره، فإذا أسقط خياره معناه أنه يرضى بلزوم المعاملة، فيكون حاله حال من أقدم على البيع مع علمه بالغبن في مسألة الغبن، هذا معناه أنّه هو أقدم على الضرر، قاعدة لا ضرر لا تشمل المقدِم على الضرر، وسيأتي بحثه، مسألة الغبن لا تشملها القاعدة ؛ لأنه هو أقدم على الضرر؛ لذا لا يُعطى الخيار، في محل كلامنا عندما نفترض أنّ هذا الشخص هو أسقط الخيار، يعني رضي بلزوم المعاملة، يعني هو أقدم على الضرر باختياره إذا كان هناك ضرر، هو أسقط خياره ورضي بلزوم المعاملة، فلو كان هناك ضرر هو أقدم على هذا الضرر، ومثله لا تشمله قاعدة لا ضرر كما سيأتي، وهذا معناه أنّه ليس مستندهم في إثبات حق الإسقاط للمشتري هو قاعدة لا ضرر حتى يقال أنّ القاعدة لا يمكن أن يثبت بها هذه الحيثية.
وبعبارة أخرى: القاعدة ليست هي المثبتة للإسقاط ؛ لأنّ الإسقاط يعني الإقدام على الضرر ومع الإقدام على الضرر لا تجري القاعدة.
إذن: ليس المستند فيه هو القاعدة حتى يقول المحقق العراقي(قدّس سرّه) بأنّ القاعدة لا يمكن أن نثبت بها حيثية الإسقاط .