الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
37/11/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
التنبيه الرابع: نتكلّم في هذا التنبيه عن إشكالٍ أثير يرتبط بتطبيقات القاعدة المذكورة في كلمات الفقهاء، الفقهاء طبّقوا القاعدة في جملة من الموارد في مختلف أبواب الفقه، هذا الإشكال يرتبط بهذه التطبيقات، وخلاصة هذا الإشكال هو أنّ القاعدة لا تنطبق على تلك التطبيقات المذكورة في كلمات الفقهاء كتطبيقات للقاعدة، في كلمات الفقهاء ذُكرت هذه التطبيقات كتطبيقات للقاعدة ، لكننا نجد أنّ القاعدة لا تنطبق على تلك الموارد والتطبيقات ، ومن هنا قد يُستظهر من ذلك أنّ القاعدة وإن ذُكرت في كلمات الفقهاء كمستند في تلك التطبيقات ، لكن الظاهر أنّ المستند والمدرك لهم في الأحكام التي ذكروها في تلك التطبيقات ليس هو القاعدة ، وإنّما هو قواعد أخرى ثابتة في مراحل أخرى سابقة على قاعدة لا ضرر، وإنّما ذكروا قاعدة لا ضرر وظاهر كلامهم وذكرهم لها هو أنّهم يستندون إليها ، لكن في الواقع ليست هي المستند لهم في هذه الأحكام في تلك التطبيقات ، وإنّما ذكروها لمجرّد الاستئناس ونحوه ، والمدرك في الحقيقة هو قواعد أخرى ، فلا يمكن أن نلتزم أنّ الفقهاء استندوا إلى هذه القاعدة في أحكامهم التي اثبتوها في تلك الموارد ، وإن ذكروا القاعدة .
والدليل على ذلك هو : أننا نرى في تلك التطبيقات في تلك الموارد التي ظاهر كلام الفقهاء هو تطبيق القاعدة عليها أنّهم في تلك التطبيقات، الحكم المذكور فيها بحسب ما ذكره الفقهاء نجده إمّا أوسع ممّا تقتضيه القاعدة، أو أضيق ممّا تقتضيه القاعدة، وعلى كلا التقديرين يظهر أنّ المدرك في تلك الموارد ليس هو القاعدة، وإنّما المدرك شيء آخر ، وذلك الشيء الآخر وتلك القاعدة الأخرى هي التي تقتضي الحكم الذي ذكروه في تلك الموارد .
المحقق العراقي الذي أثار هذا الإشكال ذكر جملة من الموارد التي يمكن تطبيق هذه الفكرة عليها ويُستدل بالحكم الذي ذكره الفقهاء في تلك الموارد والذي لا تقتضيه قاعدة لا ضرر ، نستكشف من ذلك أنّ الفقهاء لم يعتمدوا على نلك القاعدة في تلك التطبيقات .[1]
المورد الأوّل الذي يقع فيه الكلام الذي ذكره المحقق العراقي : هو مسألة الوضوء الضرري . الوضوء إذا كان ضررياً ، هنا التزم الفقهاء ببطلان الوضوء الضرري مستندين إلى قاعدة لا ضرر ، في كلماتهم يحكمون أنّ الوضوء إذا كان ضررياً يحكم ببطلانه . مستندين في ذلك إلى قاعدة لا ضرر . يُلاحظ على كلمات الفقهاء بأنهم لم يقتصروا في الحكم على سقوط الوجوب ، وإنّما حكموا بالبطلان ، بينما قاعدة لا ضرر لا تقتضي الحكم بالبطلان ، وإنّما غاية ما تقتضيه هو سقوط الوجوب ، البطلان لا يمكن أن يُستفاد من قاعدة لا ضرر ، قاعدة لا ضرر تنفي الحكم الضرري ، والحكم الضرري هو وجوب الوضوء ، وإلزام المكلّف بالوضوء ضرر عليه في بعض الحالات ، فالقاعدة إذا جرت في المقام تقتضي نفي الوجوب لا إثبات البطلان ـ ومن هنا يظهر أنّ المدرك لهم في إثبات البطلان في هذا المورد ليس هو قاعدة لا ضرر ؛ لأنّها لا تقتضي البطلان ، وإن استندوا في حكمهم بالبطلان إلى القاعدة ، لكن يبدو أنّ المدرك ليس هو القاعدة ، وإنّما المدرك لابدّ أن يدخل في مسألة أخرى ، وهي مسألة اجتماع الأمر والنهي وتقديم جانب النهي ؛ حينئذٍ يكون الحكم بالبطلان وارداً وصحيحاً بحسب هذا المستند ؛ لأننا إذا أدخلنا المسألة في باب اجتماع الأمر والنهي الذي هو في الحقيقة يدخل في باب التزاحم ، أدخلناه في باب اجتماع الأمر والنهي ، الأمر بالوضوء أو الأمر بالصلاة مع النهي عن الإضرار بالنفس ، المكلّف إمّا أن يمتثل وجوب الوضوء ، فيقع في الضرر ، أو يمتثل حرمة الإضرار فيترك الوضوء ، فاجتماع الأمر والنهي ، وتقديم جانب النهي ، يعني تقديم جانب حرمة الإضرار بالنفس ؛ حينئذٍ يكون الحكم بالبطلان على القاعدة ؛ لأنّ الإضرار بالنفس المتمثل بالوضوء يكون محرّماً ومنهياً عنه ومع حرمته والنهي عنه لا يقع صحيحاً . فالحكم ببطلان الوضوء الضرري يستند إلى قاعدة اجتماع الأمر والنهي ، وتقديم جانب النهي ، لا أنه يستند إلى قاعدة لا ضرر ؛ لأنّ لا ضرر لا تنفي إلا وجوب الوضوء ، باعتباره حكماً ضررياً . هذه هي القرينة الأولى التي ذكرها فثبات أنّ مستندهم في هذا المورد ليس هو قاعدة لا ضرر ؛ لأنّ قاعدة لا ضرر لو كانت هي المستند لا يمكن أن يثبت بها بطلان الوضوء . قاعدة لا ضرر تنفي الوجوب ، لكنها لا تنفي الملاك حتى نقول لا يوجد ملاك في الوضوء ، وعلى ضوء عدم الملاك يُحكم بالبطلان ؛ فحينئذٍ الملاك باقٍ لو كان المستند هو القاعدة ؛ وحينئذٍ لا موجب للحكم بالبطلان ، وإنّما غاية ما نحكم به هو نفي الوجوب ، الحكم بالبطلان لابدّ أن يستند إلى اجتماع الأمر والنهي وتقديم جانب النهي .
يُلاحظ على هذه القرينة :
أولاً: لو سلّمنا أنّ الفتوى بالبطلان في كلمات الفقهاء تستند إلى مسألة اجتماع الأمر والنهي وحرمة الإَضرار بالنفس ، لكن هذا لا ينافي استناد الفقهاء في نفي الوجوب إلى قاعدة لا ضرر ، بالإمكان افتراض أخذاً بظاهر كلامهم ؛ لأنّ المفروض أنّ كلماتهم ظاهرة في الاستاد إلى القاعدة ، فيحتمل في كلماتهم أنّهم يستندون في إثبات البطلان إلى مسألة حرمة الإضرار بالنفس وتقديمها على الأمر وفي نفي الوجوب يستندون إلى قاعدة لا ضرر أخذاً بظاهر كلامهم ، ولا مشكلة في هذا ، أن يكون هناك دليلان على نفي الوجوب ، أحدهما قاعدة لا ضرر ، والآخر هو حرمة الإضرار بالنفس ، وحرمة الإضرار بالنفس كما تنفي الوجوب كذلك هي تقتضي البطلان ، فيلتزمون بنفي الوجوب والبطلان استناداً إلى هاتين القاعدتين ، وهذا معناه أنهم استندوا إلى قاعدة لا ضرر لا أنهم لم يستندوا إليها وإنّما ذكروها لمجرّد الاستئناس . لا منافاة بينهما .
ثانياً: أنّ التزامهم ببطلان الوضوء الضرري لا يكشف بشكل واضح عن أنّ مستندهم في ذلك هو حرمة الإضرار بالنفس بعد أن قدّموها على الأمر ، لكون المسألة داخلة في باب اجتماع الأمر والنهي ، الحكم بالبطلان في الوضوء الضرري لا يكشف عن كون مستندهم في ذلك هو شيء آخر غير قاعدة نفي الضرر ؛ بل من الممكن افتراض أنّهم حكموا ببطلان الوضوء الضرري باعتبار أنّهم لا يحزون وجود الملاك لا من باب أنهم يحرزون وجود الملاك ؛ لأنّ المفروض أنّ قاعدة نفي ضرر تنفي الحكم(الوجوب) ومع انتفاء الحكم وانتفاء الخطاب لا يمكن إحراز بقاء الملاك في الوضوء الضرري حتى يحكم بصحته لاحتمال أن يكون انتفاء الخطاب وانتفاء الحكم موجباً لانتفاء الملاك ، فعدم الحكم بالصحة في الوضوء الضرري لا يعني بالضرورة أنهم استندوا إلى قاعدة أخرى ، ما يذكرونه من مدرك هو القاعدة فقط ، والقاعدة بحسبها تنفي وجوب الوضوء ، والتزموا بنفي الوجوب بلا إشكال في الوضوء الضرري ، وإنّما حكموا بالبطلان ، باعتبار أنه بعد نفي الوجوب وانتفاء الخطاب لا محرز لبقاء الملاك حتى يحكم بالصحة ؛ ولذا يقولون نحن لا نحكم بالصحة ، يعني يحكمون بالبطلان ، فبالتالي الحكم بالبطلان يمكن أن يكون قائماً على هذا الأساس ، صحيح أنّ هناك كلاماً طويلاً في إمكانية إحراز الملاك بعد انتفاء الخطاب وارتفاع الحكم ، هناك وجوه تذكر لإثبات بقاء الملاك ، لكن ما يدرينا أنّ هؤلاء يذهبون إلى ذلك ، لعلّهم يناقشون كما ناقشوا في هذه الوجوه التي ذُكرت لإحراز بقاء الملاك بعد انتفاء الخطاب ، لعلّهم لا يرتضون هذه الوجوه ويرون أنّه لا طريق لإحراز بقاء الملاك ؛ ولذا لا يحكمون بالصحة . من هذه الجهة ، لا أنّهم يستندون إلى قاعدة اجتماع الأمر والنهي .
القرينة الثانية التي ذكرها المحقق العراقي : أنّ الفقهاء نلاحظهم في هذا المورد، في الوضوء الضرري، فرّقوا بين ما إذا كان المكلّف عالماً بالضرر، وبين ما إذا كان جاهلاً بالضرر، فحكموا بأنّ المكلّف إذا كان عالماً بالضرر، هنا حكموا ببطلان وضوئه إذا توضأ، بينما إذا كان جاهلاً بالضرر حكموا بصحة وضوئه، ففرّقوا بين الصورتين، هذا التفريق بين الصورتين بلحاظ الصحة والبطلان، يتلاءم مع كون المدرك للبطلان في صورة العلم هو مسألة اجتماع الأمر والنهي وحرمة الإضرار بالنفس؛ لأنّ هذه المسألة تقتضي هذا التفصيل بين صورة العلم بالضرر وبين صورة الجهل بالضرر، باعتبار أنّ ما يُذكر في محله من أنّ البطلان الذي يستند إلى حرمة الإضرار بالنفس بعد تقديمها على وجوب الوضوء، حرمة الإضرار بالنفس إنّما تقتضي البطلان في صورة العلم بالضرر؛ لأنّه في هذه الحالة يقال كيف يحكم بالصحة والحال أنّ المكلّف عالم بالضرر، ومنهي عن الوضوء باعتباره مضراً به ؟! فيتعيّن القول ببطلان الوضوء إذا كان المستند هو حرمة الإضرار بالنفس. وأمّا في صورة الجهل عندما يكون المكلّف جاهلاً بالضرر ، ويعتقد بأنّ هذا الوضوء ليس مضراً له، في هذه الحالة يحكم بالصحة ، باعتبار عدم فعلية النهي في حقه ، وبالتالي لا يكون ذلك موجباً للبطلان ؛ لأنّه جاهل بالضرر، وإذا كان جاهلاً بالضرر لا يكون النهي فعلياً في حقّه، فيمكن أن يُحكم بصحة عمله . وهذا نظير ما ذكروه من الصلاة في الأرض المغصوبة، هناك أيضاً فرّقوا بين صورة العلم بالغصبية والجهل بالغصبية، فإذا كان عالماً بالغصبية تبطل صلاته أمّا إذا كان جاهلاً بالغصبية يحكم بصحة صلاته ، ما نحن فيه من هذا القبيل، هنا إذا كان عالناً بالضرر يُحكم ببطلان صلاته، وإذا كان جاهلاً بالضرر يُحكم بصحة صلاته، هذا التفصيل يتلاءم وينسجم مع كون المدرك هو حرمة الإضرار بالنفس كما أنّ المدرك في مثال الصلاة في الأرض المغصوبة هو حرمة الغصب، فإذا كان عالماً بالغصب تتنجّز عليه الحرمة، فلا يمكن تصحيح صلاته؛ لأنّ الغصب يتمثّل بالحركات الصلاتية، وإذا كان جاهلاً بالغصب لا يكون النهي فعلياً في حقه، فيمكن تصحيح صلاته، وأمّا إذا كان المدرك للحكم بالبطلان في صورة العلم هو قاعدة لا ضرر؛ فلا يختص جريانها بصورة العلم، هي تجري في صورة العلم بالضرر، وتجري في صورة الجهل بالضرر. فإذا صح الاستدلال بالقاعدة على البطلان، فلابدّ من إثبات البطلان في كلتا الصورتين بلا تفريق بين صورة العلم وصورة الجهل . ما هو الوجه في أننا إذا قلنا أنّ المدرك هو حرمة الإضرار بالنفس، فنقول بالتفصيل ، يتّجه التفصيل ؟ وإذا قلنا بأنّ المدرك هو قاعدة لا ضرر، فلا يتجه التفصيل ؟ الوجه في ذلك هو أنّ قاعدة لا ضرر ناظرة إلى الأحكام الواقعية وتدل على نفي الأحكام الواقعية إذا كانت ضررية، ومن هنا لا يفرّق بين علم المكلّف بالضرر وبين جهله به، على كلا التقديرين هي تجري . فإذا كانت دالة على البطلان، فلابدّ أن يُلتزم بالبطلان في كلٍ منهما لا أن يُفرّق بينهما، وهذا بخلاف مسألة اجتماع الأمر والنهي، وتقديم جانب النهي، المسألة هي أننا إذا قدّمنا جانب النهي لا يتأتى من المكلّف قصد التقرّب إذا كان عالماً بالضرر، وكذلك إذا كان عالماً بالغصبية، أمّا إذا كان جاهلاً بالغصبية، فيتأتى منه قصد التقرّب، فلابدّ من التفصيل، عندما يكون المستند مسألة اجتماع الأمر والنهي وتقديم جانب النهي، والالتزام بحرمة الإضرار بالنفس؛ حينئذٍ نقول أنّ هذا المكلّف العالم بالضرر وبهذا النهي لا يتأتى منه قصد التقرّب؛ لأنّه عالم بأنّه منهي عن الوضوء لأنه مضر، والإضرار بالنفس حرام، فلا يتأتى منه قصد التقّرب؛ ولذا في صورة العلم يحكم بالبطلان . أمّا في صورة الجهل، فيتأتى منه قصد القربة، فلا مشكلة في صحة صلاته إذا كان جاهلاً بالغصب، وصحّة وضوئه إذا كان جاهلاً بالضرر في محل الكلام .
يقول: أنّ هذه قرينة أخرى على أنّ مستندهم في الحكم بالبطلان في خصوص صورة العلم بالضرر، وحكمهم بالصحة في خصوص صورة الجهل بالضرر ، دليل وقرينة على أنّ مستندهم ليس هو القاعدة، وإنّما مستندهم هو مسألة اجتماع الأمر والنهي وحرمة الإضرار بالنفس .
يُلاحظ على هذه القرينة:
أولاً: الأمر الأول الذي تقدّم كملاحظة على القرينة الأولى، وهي أنّ غاية ما يثبت بهذا الكلام هو أنّ حكمهم بالبطلان في صورة العلم يستند إلى مسألة الاجتماع وحرمة الإضرار، هذا لا ينفي أنهم يستندون في نفي الوجوب إلى قاعدة لا ضرر، لكن مسألة الصحة والبطلان شيء آخر غير نفي الوجوب، في مسألة الصحة والبطلان استندوا إلى حرمة الإضرار بالنفس التي تقتضي التفصيل كما ذُكر بين صورة العلم فيُحكم بالبطلان، وبين صورة الجهل فيُحكم بالصحة . هذا لا ينافي أنهم استندوا في نفي الوجوب أخذاً بظاهر كلامهم، إلى قاعدة لا ضرر.
ثانياً: من قال أنّ الأصحاب يرون أنّ القاعدة تشمل صورة العلم وصورة الجهل حتى يرد هذا الإشكال بأنّ المستند لو كان هو القاعدة لقالوا بالشمول، ولما فرقوا بين الصورتين . هذا مبني على افتراض أنّ الاستناد لو كان للقاعدة فلابدّ من تعميم الحكم بالبطلان . الجواب: هو أنّه من قال أنّهم يرون الشمول في القاعدة لصورتي العلم والجهل ؟ فلعلّهم يرون اختصاص قاعدة لا ضرر بصورة العلم بالضرر، فإذا دلّت على البطلان، فهي تدل عليه فقط في صورة العلم بالضرر . الوجه في احتمال أنهم يرون اختصاص القاعدة بصورة العلم بالضرر هو أنّ الحديث وارد مورد الامتنان، والغرض منه هو التسهيل على المكلّف . بناءً على أنّ الحديث امتناني، والغرض منه هو التسهيل على المكلّف؛ حينئذٍ مقتضى هذا أن يكون مفاد الحديث تسهيلاً على المكلّف ، مفاد الحديث بناءً على ما تقدّم هو نفي الحكم الضرري، لابدّ أن يكون نفي الحكم الضرري فيه تسهيل على المكلّف، وفيه امتنان عليه . ومن الواضح أنّه إنما يكون كذلك إذا كان هذا النفي يساوق ارتفاع الضرر عن المكلف خارجاً، حتى يتحقق الامتنان فيكون مشمولاً للحديث، هذا المعنى إنّما يعقل تصوّره عندما يكون المكلّف عالماً بالضرر، نفي الحكم الضرري في حالة العلم بالضرر يساوق ارتفاع الضرر، يعني يساوق ترك المكلّف لهذا الوضوء الضرري، وضوء فيه ضرر، والشارع قال أنّه ليس واجباً عليك، فالمكلّف سوف يتركه بطبيعة الحال، فيكون نفي الوجوب مساوقاً لارتفاع الضرر عن المكلّف عندما يكون المكلّف عالماً بالضرر . أمّا الجاهل بالضرر الذي يرى أنّ الوضوء ليس فيه ضرر عليه، لا يكون نفي الوجوب عنه مساوقاً لارتفاع الضرر عنه ؛ لأنّه جاهل بالضرر؛ بل معتقد بعدم وجود الضرر. إذن: هو سوف يرتكب الفعل سواءً نُفي عنه الوجوب، أو لم يُنفَ عنه . إذن: نفي الوجوب عنه كأنه لا فائدة فيه، ولا يكون مساوقاً لارتفاع الضرر عنه، إنّما يكون مساوقاً لارتفاع الضرر عنه، وبالتالي يكون فيه امتنان وتسهيل على المكلّف عندما يكون المكلّف عالماً بالضرر؛ حينئذٍ هذا سوف يؤدي لا محالة إلى ترك الفعل الضرري، فيقال: أنّ نفي الوجوب أدّى إلى ارتفاع الضرر عن المكلّف وفي هذا تسهيل وامتنان عليه . ومن هنا يمكن أن نفترض أنّ الأصحاب لا يرون أنّ القاعدة تشمل العالم والجاهل؛ بل يفرّقون بينهما ، ولعلّهم فرّقوا بينهما بناءً على تصوراتهم من أنّ القاعدة تدل على البطلان، وحيث أنّ القاعدة تجري في حق العالم، فالتزموا بالبطلان في صورة العلم بالضرر، ولا تجري في حق الجاهل ، فالتزموا بعدم البطلان في صورة الجهل بالضرر .