الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

37/11/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

 

ذكرنا الاتجاهات الأربعة لدفع الإشكال بالنسبة إلى الرواية التي ذُكر فيها حديث لا ضرر مع مسألة الشفعة. الآن نبيّن ما هو الصحيح في المقام ضمن النقاط التالية :

النقطة الأولى: الصحيح في المقام هو وجود ارتباط بين الحديثين الشريفين، لا يمكننا أن نقول لا ارتباط بين الحديثين الشريفين ، ما نستظهره هو وجود ارتباط بين الحديثين الشريفين المذكورين في هذه الرواية من دون فرقٍ بين أن يكون الجمع بين الحديثين صدر من النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو كان صادراً من الإمام الصادق(عليه السلام) الذي روى لنا ذلك . أمّا إذا كان الجمع صادراً من النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فواضح؛ لأنّ النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحسب الفرض هو الذي جمع بين الحديثين ، وهو الذي أثبت حق الشفعة وقال: (لا ضرر ولا ضرار) . هذا الجمع من النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) له ظهور في وجود ارتباط بين الحديثين لا أنّهما حديثان مستقلان لا علاقة لأحدهما بالآخر ، ونفس الكلام نقوله فيما لو كان الجمع من قِبل الإمام الصادق(عليه السلام)، بمعنى أنّ الحديثين كانا منفصلين عندما صدرا من النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال هذا في واقعة وفي زمان ،وقال الحديث الآخر في زمانٍ وواقعةٍ أخرى. لكن الإمام الصادق(عليه السلام) جمعا بينهما ، ونقل لنا ذلك هذا الراوي . هنا أيضاً نقول أنّ ظاهر ذلك هو وجود ارتباط بينهما ؛ لأنّ نفس تصدّي الإمام الصادق(عليه السلام) للجمع بين الحديثين ونقلهما لا يخلو من دلالة على وجود ارتباطٍ ما في ما بينهما . وأمّا احتمال أن يكون الجمع من قِبل الراوي، بمعنى أنّ الحديثين صدرا من النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) منفصلين مستقلّين في زمانين مختلفين، والإمام الصادق(عليه السلام) روى الحديثين كذلك، لكن الراوي عقبة بن خالد جمع بينهما . على هذا الاحتمال لا يكون هناك وجه لاستظهار الترابط بين الحديثين، لكن هذا الاحتمال في نفسه يعني في الحقيقة أنّ الراوي هو الذي جمع بين الحديثين مع كونهما منفصلين أساساً . هذا أيضاً يخالف ظهور تكرار الحديث بعد مسألة منع فضل الماء الآتية ؛ لأنّ الحديث كما تقدّم طُبّق على عدّة مسائل، منها مسألة الشفعة، ومنها مسألة منع فضل الماء . الراوي هنا كررّ نفس الحديث، يعني حديث (لا ضرر ولا ضرار) ، كما ذكره في مسألة الشفعة ذكره أيضاً في مسألة منع فضل الماء ، فإذا كان الراوي هو الذي ذكر هذا الحديث في مسألة الشفعة مع كونه حديثاً مستقلاً منفصلاً وقضاءً منفصلاً من قِبل الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم). يبقى هذا السؤال: لماذا كررّه بعد حديث منع فضل الماء ؟ لا وجه لهذا التكرار إذا كان الحديث الذي نقله الراوي حديثاً مستقلاً منفصلاً عن حديث الشفعة وليس له علاقه به، هو ذكره الآن كحديثٍ وقضاءٍ مستقل ومنفصل . إذن: لماذا كررّه بعد حديث منع فضل الماء ؟ هذا لا يخلو من مخالفة لهذا الظهور ، الظاهر من تكرار الحديث بعد حديث الشفعة ، وذكره بعد حديث منع فضل الماء أنّ هناك ارتباطاً بين حديث (لا ضرر ولا ضرار) وبين هذين الحديثين . إنكار الارتباط وادّعاء بأنّ الحديث مستقل هو خلاف ظاهر تكراره مرّتين بعد حديث الشفعة، وبعد حديث منع فضل الماء . ومن هنا بالإمكان أن نقول أنّ هذه الرواية التي جمعت بين حديث (لا ضرر ولا ضرار) وبين مسألة الشفعة ، لا تخلو من ظهورٍ في الارتباط ، وإنكار الارتباط بين الأمرين والادّعاء بأنّ حديث (لا ضرر ولا ضرار) لا علاقة له بمسألة الشفعة، وأنّه لم يؤتَ به لغرض تطبيقه على مسألة الشفعة هو خلاف الظاهر .

وأمّا ما استدل به الأعلام على إنكار الارتباط في محل الكلام، اعتقد أننا ذكرنا سابقاً ما يرد عليه . مثلاً : المحقق النائيني استدل على عدم الارتباط بين الحديثين بأنّ (لا ضرر ولا ضرار) إذا لم تكن مستقلة، وكان هناك ارتباط بينهما ، وكانت ذيلاً لمسألة الشفعة لزم خلو روايات عقبة بن خالد الواردة في أقضية النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من هذا القضاء الذي هو من أشهر قضاياه؛ لأنّه لم يذكر ذلك كقضاءٍ مستقل، وإنّما ذكره ذيلاً لمسألة الشفعة، وذيلاً لمسألة منع فضل الماء، ولم يذكره كقضاءٍ مستقل . وهذا إنّما يرِد إذا قلنا بالارتباط بين الحديث وبين مسألة الشفعة . أمّا إذا أنكرنا الارتباط ، وقلنا بأنّ (لا ضرر ولا ضرار) جملة مستقلة ومنفصلة وليس لها علاقة بمسألة الشفعة؛ حينئذٍ تكون روايات عقبة بن خالد شاملة ومحتوية لهذا القضاء المهم من أقضية الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .

تقدّم سابقاً أنّ هذا الكلام مبني على افتراض أنّ عقبة بن خالد روى جميع أقضية النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، أو معظمها ؛ حينئذٍ نقول إذا كان هو متصدياً لجمع جميع قضاء النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، إذن : لماذا تخلو رواياته من هذا القضاء المهم ؟ فيما لو جعلنا (لا ضرر ولا ضرار) ذيلاً لمسألة الشفعة ، فمعنى ذلك أنّ رواياته تخلو من هذا القضاء المهم، مع أنّه تصدّى لنقل جميع أقضية النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) .

لكن هذا ليس واضحاً ، ولم يثبت أنّ عقبة بن خالد في مقام نقل جميع أقضية النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) . هذا من جهة .

ومن جهة أخرى إنّ كون (لا ضرر ولا ضرار) من الأقضية المشهورة ومن أشهر أقضية النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، هذا أيضاً ليس واضحاً في زمان صدور النص ، في زمان عقبة بن خالد ، وإن كان قد يكون كذلك الآن بعد أن ذُكرت هذه القاعدة وتوسّعوا فيها وكتبوا فيها واستنبطوا منها أحكاماً ، لكن في زمان النص ليس من الواضح أنّها كانت من أشهر قضاياه ، بحيث إذا كانت روايات عقبة بن خالد خالية من هذا القضاء يلزم منه محذور ، ويلجأنا إلى الالتزام بإنكار الارتباط بين الجملتين في الرواية المتقدّمة .

السيد الخوئي أيضاً ممّن ينكر الارتباط ، يعني يختار الاتجاه الأول في دفع الإشكال ، واستدل على إنكار الارتباط بين الحديثين في الرواية بنفس الإشكال المتقدّم، يعني جعل الإشكال دليلاً على إنكار الارتباط ، وأنّ (لا ضرر ولا ضرار) في هذه الرواية منفصلة ومستقلة ، وليس لها علاقة بمسألة الشفعة؛ لأنّه يلزم من الارتباط بينهما الإشكال المتقدّم بكلا تقريبيه:

التقريب الأوّل: يقول أنّ النسبة بين ثبوت حق الشفعة وبين تضررّ الشريك بالبيع عموم وخصوص من وجه . يعني ليس دائماً في كل تضرر يثبت حق الشفعة ، في بعض الأحيان قد يثبت حق الشفعة وليس هناك ضرر ، وفي بعض الأحيان يكون هناك ضرر لكن لا يثبت حق الشفعة .

التقريب الثاني: لو كان هناك ارتباط بينهما ، فإنّ تطبيق (لا ضرر ولا ضرار) على مسألة الشفعة لا ينتج ثبوت حق الشفعة ، وإنّما ينتج إمّا بطلان البيع ، أو ثبوت الخيار ؛ لأنّ لا ضرر تنفي الحكم الضرري ، والضرر لو كان ناشئاً من صحة البيع ، فتنفي صحة البيع ويثبت الفساد ، وإن كان الضرر ناشئاً من لزوم البيع ، فينتفي اللّزوم ويثبت الخيار ، وأمّا إثبات حق الشفعة للشريك بمعنى أنّ له الولاية على تملّك الحصّة المشاعة المبيعة بالثمن المسمّى لا يمكن إثباته بلا ضرر بما لها من المفاد الذي يختاره . هو جعل هذا الإشكال بكلا تقريبيه دليلاً على عدم الارتباط .

من الواضح أنّ هذا الكلام إنّما قد نلجئ إلى دفع الإشكال برفع اليد عن ظاهر الرواية في الارتباط إذا اعترفنا بظهور الرواية في وجود ارتباطٍ بين الحديثين ، إنّما نلجئ إلى رفع اليد عن ظهور الرواية في الارتباط لأجل لزوم الإشكال المذكور بتقريبيه، إنّما نلجأ إلى ذلك عندما نعجز عن دفع الإشكال مع المحافظة على هذا الظهور ، ويتعيّن دفع الإشكال برفع اليد عن هذا الظهور قد نلجأ إليه لدفع الإشكال .

أمّا إذا فرضنا أنه أمكننا دفع الإشكال بأحد الوجوه الأخرى، وقلنا أنّ هناك وجوهاً أربعة لدفع الإشكال ، فإذا أمكن دفع الإشكال باختيار أحد الوجوه الأخرى ،والاعتراف بالارتباط والأخذ بظاهر الرواية في وجود ارتباط بين الحديثين ، فلا إشكال يكون هو المتعيّن ، ولا موجب لرفع اليد عن هذا الظهور بعد افتراضه لمجرّد لزوم الإشكال ، فإذا أمكن دفع هذا الإشكال بأحد الوجوه الآتية التي تعترف بوجود ارتباط ، فإذا تمّ أحد هذه الوجوه ؛ فحينئذٍ لا موجب لرفع اليد عن ظاهر الرواية وإنكار الارتباط لأجل هذا الإشكال مع إمكان دفعه .

نعم ، السيد الخوئي قد ينكر أصل الظهور في الارتباط ــــــ وإن كان خلاف ظاهر كلامه ـــــــ فهذه مسألة أخرى ، ظاهر كلامه كأنّه يسلّم وجود ظهور للرواية في الارتباط ، لكنّه كأنه يقول لابدّ من رفع اليد عن هذا الظهور وإنكار الارتباط ؛ لأنّه يلزم من الارتباط بين الجملتين هذا الإشكال بكلا تقريبيه .

ومن هنا يظهر بهذا البيان عدم تمامية الاتجاه الأول لدفع الإشكال والذي اختاره جملة من الأعلام ، الظاهر أنّه ليس تامّاً لدفع هذا الإشكال الذي يبتني على إنكار وجود ارتباط بين الجملتين في هذه الرواية .

والصحيح هو أنّ هناك ارتباطاً بين الجملتين في هذه الرواية . بعد استبعاد الاتجاه الأول ؛ حينئذٍ يدور الأمر بين باقي الوجوه المتقدّمة ، الثاني والثالث والرابع .

النقطة الثانية: تقدّم أنّ الإشكال له تقريبان : التقريب الأول هو أنّ الضرر ليس دائمياً ، وأنّ النسبة بينهما هي نسبة العموم والخصوص من وجه ، فإذن : لا يصلح تعليل ثبوت حق الشفعة للشريك بمسألة الضرر مع أنّ النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه ، بمعنى أنّه ينفكّ أحدهما عن الآخر ، يعني قد يثبت حق الشفعة من دون ضرر ، وقد يكون هناك ضرر من دون ثبوت حق الشفعة ، فما معنى الارتباط بينهما وتعليل ثبوت حق الشفعة بمسألة الضرر . والتقريب الثاني أيضاً ذكرناه وهو أنّ تطبيق قاعدة لا ضرر على مسألة الشفعة لا ينتج ثبوت حق الشفعة .

بالنسبة للتقريب الأول ، أنّ الضرر ليس دائمياً ، هذا الإشكال في الحقيقة مبني على افتراض أنّ الارتباط المدعى بين الجملتين في الرواية هو أنّ لا ضرر علّة لثبوت حق الشفعة للشريك؛ حينئذٍ يرِد الإشكال بالتقريب الأوّل ويقول : كيف يكون علّة ونحن نجد أنّ التخلّف واضح، حيث النسبة بينهما هي نسبة العموم والخصوص من وجه . وأمّا إذا تصوّرنا الارتباط بنحوٍ آخر ، أي لا بنحو العلّية ، وإنّما بنحو الحكمة ، بمعنى أنّ لا ضرر مسوقة لبيان حكمة تشريع ثبوت حق الشفعة وليس علّة لثبوته على غرار اختلاط المياه في باب العدّة ، من الواضح أنّ الحكمة والحكم الشرعي يمكن أن يتخلّف أحدهما عن الآخر، وبهذا يندفع الإشكال ، لتكن النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه . صحيح أنّ التضرر ليس دائمياً ، لكن هذا إنما يكون إشكالاً عندما نقول أنّ الضرر علّة لثبوت حق الشفعة ، أمّا عندما نقول أنّه مجرّد حكمة لثبوت حق الشفعة؛ حينئذٍ لا يرِد هذا الإشكال؛ لوضوح إمكان أن تنفّك الحكمة عن الحكم الشرعي الذي جُعلت هذه حكمة له ، فإذا قلنا أنّ لا ضرر في الرواية هي حكمة لثبوت حق الشفعة وليست علّة ؛ حينئذٍ يندفع هذا الإشكال .

قد يقال: سلّمنا أنّ هذه حكمة ، لكن حتى الحكمة حتى تكون حكمة للحكم إذا لم تكن دائمية ، على الأقل يعتبر فيها أن تكون غالبية لا أن تكون حالة نادرة ، والضرر في مسألة بيع الشريك لحصّته المشاعة هو حالة نادرة ، فكما لا يصح جعلها علّة لثبوت حق الشفعة ، كذلك لا يصح جعلها حكمة ؛ لأنّها حالة نادرة .

هذا الكلام يمكن أن يُدفع بإنكار أن يكون التضرر في بيع الشريك لحصّته المشاعة حالة نادرة شاذة ؛ بل هي حالة شائعة ، كما تقدّم سابقاً أنّ نفس وجود شريكٍ للإنسان في العين التي يملكها هي حالة لا تخلو من ضرر ، وليست حالة نادرة وشاذة ، وإنّما هي حالة شائعة ، وجعلها حكمة لا مشكلة فيه .

نعم ، أشكل بعض المحققين على هذا بأنّ هذا يوجب سلب أن تكون قاعدة لا ضرر قاعدة عامّة يمكن تطبيقها على موارد كثيرة كما يفعل المحققون ، حيث طبّقوها على كل الموارد ، كل حكم ينشأ منه الضرر يمكن نفيه بقاعدة لا ضرر ولا ضرار . كأنّه يرى أنّ افتراض أنّ القاعدة من القواعد الفقهية العامة مبني على افتراض أن تكون علّة لحديث الشفعة ، وعلّة لحديث منع فضل الماء كما سيأتي . وأمّا إذا فرضنا أنّها حكمة ؛ فحينئذٍ لا تكون من القواعد الفقهية العامّة التي يمكن الاستدلال بها في الموارد المختلفة إذا تحقق موضوعها .

يمكن الجواب عن هذا الاعتراض : بأنّه لا ضير في أن نجمع بينهما ، أن نفترض أنّ القاعدة قاعدة عامة ، ومن القواعد العامة التي يمكن تطبيقها في مختلف الموارد إذا تحقق موضوعها ، وبين جعلها حكمة في مسألة حق الشفعة ، ولا منافاة بينهما . هل جعل قاعدة عامّة حكمة في موارد خاص لا علة في مورد خاص ينافي كونها من القواعد العامة ؟ ليس هناك منافاة . قاعدة عامة لها عموم وشمول لجميع الموارد ، وهذه القاعدة العامّة تُجعل في هذا الحديث حكمة لثبوت حق الشفعة عندما يبيع الشريك حصّته المشاعة . لا يلزم من جعل لا ضرر في الحديث الشريف حكمة لا علّة أن تكون قاعدة لا ضرر ليست من القواعد العامة ؛ بل هي تبقى قاعدة عامّة تطبّق في سائر المجالات مع مراعاة الشروط المشروطة لتطبيقها ، لكن بالرغم من هذا نقول أنّها في هذه الرواية سيقت لبيان حكمة التشريع ، بمعنى أننا يمكننا أن نتصوّر التخلّف ، أن يثبت حق الشفعة في موردٍ وليس فيه ضرر ، أو يثبت الضرر في موردٍ وليس فيه حق الشفعة ، هذا لا ينافي كون القاعدة عامّة .

النقطة الثالثة: تبيّن ممّا تقدّم أنّ المهم في الإشكال هو التقريب الثاني ، يعني أنّ إشكال أنّ الضرر ليس دائمياً ، وأنّ النسبة هي العموم والخصوص من وجه ، يمكن تجاوزه بافتراض أنّ لا ضرر حكمة للتشريع وليست علّة للحكم . بالنسبة للتقريب الثاني للإشكال ، الوجوه المتقدّمة هي في الحقيقة ذُكرت لدفع هذا التقريب ، خصوصاً الوجه الثاني والوجه الرابع ؛ لأن ّهذا التقريب يقول أنّ تطبيق لا ضرر على مسألة الشفعة لا يُنتج حق الشفعة وإنّما ينتج كما تقدّم الحكم ببطلان البيع أو الحكم بالخيار . إذن: كيف يمكن افتراض أنّ القاعدة مسوقة للتطبيق ولتعليل هذا الحكم مع أنّ تطبيق القاعدة على هذه المسألة لا ينتج ما نريده .

بالنسبة إلى الوجوه الثلاثة الباقية لدفع هذا الإشكال، الوجه الأول استبعدناه ، فيدور الأمر بين الوجوه الثلاثة الباقية . الآن نريد أن نستبعد الوجه الثالث أيضاً ، حيث كان الوجه الثالث يعترف بالارتباط بين الجملتين ، لكن الارتباط بنحو معكوس ، فأنّ الترتّب ليس بالشكل الذي فهمتموه ، بمعنى أنّ حق الشفعة مترتب على لا ضرر ؛ بل على العكس ، حيث أنّ لا ضرر مترتب على ثبوت حق الشفعة ، وكأنّ مفاد الحديث هو (حيث أنّ حق الشفعة ثابت للشريك في الشريعة ، فلا ضرر ولا ضرار ، إذ لا إشكال أنّه عندما يثبت حق الشفعة للشريك لا يترتب الضرر ولا الضرار، فكأنّ الحديث مسوق لبيان هذا ، وبهذا نحافظ على الارتباط ، ويندفع الإشكال؛ لأنّ الإشكال مبني على الترتب بالمعنى السابق ، بمعنى أنّ حق الشفعة مترتب على لا ضرر ، وأنّ لا ضرر هي الدليل على ثبوت حق الشفعة، أو هي العلّة ، أو هي الحكمة ــــــ عبّر ما شئت ـــــــ لثبوت حق الشفعة ، فيقال تطبيق هذه القاعدة على مسألة حق الشفعة لا ينتج ثبوت حق الشفعة ، وإنّما ينتج بطلان البيع ، أو ثبوت الخيار . أمّا إذا قلنا أنّ الرواية ليست بهذا الصدد ، هي تقول أنّ حق الشفعة ثابت بدليله ، ويترتب على ثبوت حق الشفعة للشريك عدم ترتب الضرر والضرار ، فيندفع الإشكال .

هذا الاتجاه الثالث خلاف ظاهر الرواية ، كيف نفهم هذا الترتب العكسي ، يعني الرواية تقول أنّ حق الشفعة يثبت في المساكن وكذا.. ، ثمّ تقول لا ضرر ولا ضرار ، الظاهر منها أنّ الترتب بهذا الشكل ، بمعنى أنّ القضية قضية تطبيق لا ضرر على هذا المورد، أو الاستدلال بلا ضرر على ثبوت حق الشفعة في هذا المورد وأمثال هذه العبارات التي تعني الترتب بالمعنى الذي فهمناه ، أمّا الترتب العكسي بالشكل الذي ذُكر في هذا الاتجاه، فهو خلاف ظاهر الرواية . مضافاً إلى ذلك أنّ هذا الوجه يُسقط الحديث عن قابلية الاستدلال به على كلٍ من حق الشفعة وقاعدة لا ضرر، معناه أننا لابدّ أن نجرّد الحديث، لا يمكن أن نستدل به على حق الشفعة، ولا يمكن الاستدلال به على قاعدة لا ضرر؛ لأنّ الحديث سوف يكون مفاده كأنّه مسوق لبيان ماذا يترتب على ثبوت حق الشفعة الثابتة بدليلها في الشريعة ؟ يقول يترتب عليه عدم الضرر والضرار، حيث أنّ حق الشفعة ثابت للشريك في الشريعة؛ حينئذٍ لا يترتب الضرر والضرار، وهذا لا نستدل به على حق الشفعة؛ لأنّ حق الشفعة يثبت بدليله، ولا يثبت بهذا الحديث، كما أنّه لا يمكن الاستدلال به على قاعدة نفي الضرر، ليس في مقام بيان قاعدة، والاستدلال بقاعدة لثبوت حق الشفعة في هذا المورد، وإنّما هو في مقام بيان عدم ترتب الضرر على ثبوت حق الشفعة. يعني الحديث حينئذٍ يسقط عن قابلية الاستدلال به لا على حق الشفعة، ولا على قاعدة نفي الضرر. هذه مؤاخذة على هذا الاتجاه الذي يفترض هذا المعنى .

إذا استبعدنا هذا الاحتمال الثالث، فالأمر يدور بين الوجه الثاني والوجه الرابع. علينا أن نوازن بينهما لنرى أيّهما هو الأرجح .