الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

37/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

 

الوجه الرابع: يعتمد أيضاً على أن يكون التطبيق على المورد بلحاظ فقرة لا ضرار أيضاً كالوجه الثالث، ويقال في مقام بيانه أنّ الإشكال إنما نشأ بتخيّل أنّ التطبيق بلحاظ فقرة لا ضرر؛ لأنّ الإشكال كان يقول أنّ لا ضرر، سواء فسّرناها بالنهي تكليفاً عن الضرر، أو فسّرناها بنفي الأحكام الضررية، هي لا تستطيع أن تنتج الأمر بقلع النخلة؛ لأنّ بقاء النخلة ليس ضررياً، فلا يشمله النهي التكليفي إذا قلنا بإفادة الحديث للنهي التكليفي ولا يمكن نفيه باعتباره ضررياً؛ لأنّ حق بقاء النخلة ليس ضررياً حتى يُنفى بلا ضرر، فكيف طُبق الحديث على المورد ؟ فالإشكال نشأ من تخيّل أنّ التطبيق بلحاظ فقرة لا ضرر، بينما الصحيح أنّ التطبيق هو بلحاظ فقرة لا ضرار.

توضيح هذا الأمر هو أن يقال أنّ الحكم الشرعي له ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يكون بذاته حكماً ضررياً، ويُمثل لذلك بلزوم البيع الغبني، نفس الحكم بلزوم البيع الغبني هو حكم ضرري.

الحالة الثانية: أن يكون الحكم ضررياً بتوسط إرادة مقهورة ـــــــ كما يعبر صاحب هذا الوجه وهو السيد الشهيد "قدّس سرّه" ـــــــ الذي يعبّر عنه الآخرون بأنه يكون ضررياً بامتثاله من قبيل وجوب الوضوء، فإنّه في حدّ نفسه ليس ضررياً، لكن بامتثاله يكون ضررياً في حالاتٍ معينة، السيد الشهيد (قدّس سرّه) يعبّر عنه بأنه يكون ضررياً بتوسط إرادة مقهورة للحكم الشرعي وإرادة المولى.

الحالة الثالثة: أن يكون الحكم ضررياً بتوسط إرادة غير مقهورة، ومثاله ما نحن فيه(جواز دخول سمرة بن جندب إلى عذقه في حائط الأنصاري من دون استئذان) هذا الحكم الشرعي يكون ضررياً بتوسط إرادة غير مقهورة، باعتبار أنّ سمرة بن جندب يدخل على الأنصاري ولا يستأذن منه، فإرادته غير مقهورة لإرادة المولى التي تقول له شيء وهو يريد شيئاً آخراً، فيكون الحكم ضررياً بتوسط هذه الإرادة العير مقهورة.

يقول (قدّس سرّه): أنّ فقرة لا ضرر ترفع الحكم في كل هذه الحالات الثلاثة، فتنفي لزوم البيع الغبني، وتنفي وجوب الوضوء الضرري، وتنفي أيضاً حق الدخول بلا استئذان، إذا نفت حق الدخول بلا استئذان سوف يثبت تحريم الدخول بلا استئذان، فيكون الدخول بلا استئذان نتيجة نفي الجواز يكون محرّماً شرعاً، هذا تتكفّل به لا ضرر، لكن هذا المقدار من نفي الحكم لا يكفي لمنع سمرة بن جندب من الإضرار بالأنصاري، يبقى مصرّ؛ لأنه شخص معاند وعاصٍ، وباني على عدم امتثال هذا التكليف. هنا يصل دور لا ضرار لكي تمنع من تحقق الإضرار بالأنصاري مع افتراض بناء سمرة على ارتكاب الفعل المحرم الذي هو الدخول بلا استئذان، فدور لا ضرار هو أنها تنفي ما يوجب إمكانية الإضرار بالأنصاري، السبب الذي يكون هو الموجب للإضرار بالأنصاري والذي يتشبث به سمرة للإضرار بالأنصاري هي تأتي وترفعه والذي هو عبارة عن حق إبقاء النخلة في حائط الأنصاري، يعبّر هذا التعبير، يقول: لا ضرار تنفي الضرر الحرام بلحاظ ما في الشريعة لا أنها تنفي الضرر بلحاظ ما في الشريعة، نفي الضرر بلحاظ ما في الشريعة تتكفل به فقرة لا ضرر، يعني تنفي الضرر الناشئ من الشريعة، لا ضرار تنفي الضرر المقيد بأن يكون حراماً، نفي الضرر بقيد أن يكون حراماً يكون ظاهراً في نفي سبب وقوع هذا الضرر الحرام، والذي هو في محل الكلام حق إبقاء النخلة في حائط الأنصاري، فإذا نفت هذا الحق؛ حينئذٍ يجوز للأنصاري أن يقلع هذه النخلة ويرمي بها وجهه، ويصح تعليل الأمر بقلع النخلة بلا ضرر ولا ضرار على هذا الأساس. [1]

وجه آخر أيضاً يُستفاد من كلمات السيد الشهيد (قدّس سرّه) وهو أن يقال بما تقدم سابقاً من أنّ الإضرار والضرار مأخوذ فيه تعمّد الإضرار وتقصده، نكتة أخذ التعمد والتقصد في الضرار تعني أن يكون هدف الشخص هو الإضرار بالغير، يعني الفعل الذي يصدر من الإنسان هو يهدف به الإضرار بالغير، وهذا يُستفاد من بعض التعابير الواردة في الروايات، يعني عندما يقال في بعض الروايات أنّ فلاناً باع نصيبه من الدار، الجواب من قِبل الإمام(عليه السلام) يقول: إن كان مضارّاً، فعليه كذا، إن لم يكن مضاراً، فعليه كذا. واضح أنّ المقصود بالمضار هنا هو من يتعمد الإضرار، يعني بهذا الفعل الذي جاء به وهو حقٌ مشروع له أن يبيع نصيبه، إن كان قصد بهذا البيع التعسّف في تطبيق هذا الحق وقصد الإضرار بالغير هو يعتبر مضار، فينطبق عليه عنوان الضرار والإضرار، الإضرار مأخوذ فيه التعمّد والتقصد.

ومن هنا يظهر، بناءً على هذه النكتة أنّ النسبة بين لا ضرار ولا ضرار هي نسبة العموم من وجه؛ وذلك لأنه في بعض الأحيان يكون الحكم ضرري على الغير ويقصد به الشخص الإضرار به، هذا هو مادة الاجتماع بينهما، مثل هذا يمكن نفيه بلا ضرر ويمكن نفيه بلا ضرار؛ لأنّه أيضاً الحكم فيه ضرر على الغير، وقصد به الإضرار بالغير كما في جواز الدخول بلا استئذان، هذا الحكم ضرري على الشخص وهو الأنصاري، وسمرة قصد به الإضرار بالغير؛ حينئذٍ هذا يكون مادة الاجتماع ويمكن نفيه بكلٍ من الفقرتين، لا ضرر ويمكن نفيه بفقرة لا ضرار ، وقد يكون الحكم ضررياً، لكنّ الشخص لا يقصد إضرار الغير به، في هذه الحالة حينئذٍ يمكن نفيه بالفقرة الأولى دون الفقرة الثانية؛ لأنه لم يقصد الإضرار بالغير حتى يُنافى بلا ضرار، وإنما الحكم ضرري، فتشمله فقرة لا ضرر التي تقول أنّ الأحكام الضررية منفيّة على ما تقدم سابقاً، فينفى الحكم الضرري الذي لا يقصد الشخص به الإضرار بالغير دون فقرة لا ضرار. بعض الأحيان بالعكس، بمعنى أنّ الحكم ليس ضررياً، لكن الشخص يقصد به الإضرار بالغير، هنا يكون دور فقرة لا ضرار وهي التي تنفي هذا الضرر؛ لأنّ فيه تعمّد استخدام الحكم والتعسّف في استخدام الحكم أو الحق الذي هو أيضاً حكم شرعي، مثل هذا يُنفى بلا ضرار لا بلا ضرر؛ لأننا لا نستطيع أن ننفيه بلا ضرر؛ لأنّ الحكم ــــــ بحسب الفرض ــــــ ليس ضررياً، حق إبقاء النخلة في حائط الأنصاري ليس ضررياً. حق الطلاق بيد من أخذ بالساق، أي بيد الزوج، ليس ضرريا، لكن قد يتعسّف الزوج في استخدام هذا الحق، فيكون ضاراً بزوجته، ومانعاً لحقوقها ومؤذياً لها، هذا تعسف في استخدام الحق، ولا يمكن أن نطبق عليه لا ضرر؛ لأنّ أصل كون الطلاق بيد الزوج ليس ضررياً حتى يُنفى، وإنما هنا نحتاج إلى لا ضرار باعتبار أنّ هناك تعمّد الإضرار بالغير من دون أن يكون هناك حكم ضرري، فالحكم ليس ضررياً ولكنه تعمّد وتعسّف في استخدامه للإضرار بالغير، في هذه الحالة يمكن نفيه بلا ضرار ى بلا ضرر من جهة التعمّد، نكتة التعمّد هي إذا أخذنا التعمّد في مفاد الإضرار ومفاد الضرار، نكتة التعمّد هي التي تنتج هذا الشيء، باعتبار أنّ نكتة التعمد تعني في الحقيقة أنّ الشخص لا يبالي بحرمة الحرام، فهو يتعمّد الضرار، تشير إلى عدم مبالاة الشخص بصدور الحرام منه؛ فحينئذٍ عندما تأتي لا ضرار، كأنّها تريد أن تنفي سبب الضرر الحرام، وسبب الضرر الحرام هو وجود النخلة في حائط الأنصاري، فهي تنفي هذا السبب، فتنفي هذا الحق، وإذا انتفى هذا الحق؛ حينئذٍ يجوز للأنصاري أن يقلع هذه النخلة ويرميها بوجهه.


[1] مباحث الأصول، تقرير بحث الأصول للسيد محمد باقر الصدر للسيد كاظم الحائري، ج4، ص586.