الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

37/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

 

كان الكلام في الوجه الرابع من الوجوه المذكورة لتفسير الحديث وكان هو الالتزام بأنّ مفاد الحديث هو النهي، لكن النهي ليس نهياً إلهياً، وإنما هو نهي ولايتي، أو نهي سلطاني. الدليل الثالث الذي ذكره كان هو الرواية الصحيحة الواردة التي تنقل لنا هذا الحديث ورد فيها تعليل الأمر بقلع الشجرة بلا ضرر ولا ضرار، صاحب هذا الوجه يقول أنّ هذا لا ينسجم إلا مع حمل النهي على كونه نهياً سلطانياً صادراً من الرسول باعتباره الحاكم والسلطان والولي، باعتبار أننا إذا قلنا أنّ مفاد الحديث الشريف هو النهي الإلهي كما يقول شيخ الشريعة، أو قلنا بأنّ مفاد الحديث الشريف هو نفي الأحكام الضررية كما يقول معظم الباقين؛ حينئذٍ الحديث لا يصلح أن يكون علّة للأمر بقلع الشجرة، فغاية النهي الإلهي أنّ الإضرار بالغير حرام، وهذا لا ينتج الأمر بقلع الشجرة، وكذلك إذا قلنا أنّ مفاده هو نفي الأحكام الضررية، فأنّه ليس له علاقة بقلع الشجرة؛ لأنّه كما قلنا أنّ بقاء الشجرة في حائط الأنصاري ليس فيه ضرر على الأنصاري، وإنّما الضرر ينشأ من دخول سمرة بن جندب دار الأنصاري إلى عذقه بلا استئذان، فلا معنى لأن يقال أنّ لا ضرر يبرر بناءً على تفسيره بنفي الحكم الضرري، نفي الحكم الضرري يقول إذا كان هناك حكم يلزم منه الضرر، فأنه ينفى بالقاعدة، والحكم الذي يلزم منه الضرر مثلاً هو ثبوت حق لسمرة بن جندب بالدخول إلى عذقه بلا استئذان، هذا حكم ضرري، هذا الحق يرتفع، أو نستطيع أن نصوره تكليفي، جواز الدخول إلى عذقه بلا استئذان هو جواز ضرري، فيرتفع هذا الجواز، فيثبت عدم جواز الدخول لسمرة بلا استئذان، لكنّ قلع الشجرة مسألة أخرى؛ إذ ليس هي منشأ الضرر، بقاء النخلة في حائط الأنصاري ليس فيه ضرر عليه حتى يقال أنّ حق بقائها هو حق ضرري، فيرتفع بلا ضرر؛ لأنّ لا ضرر تنفي الأحكام التي تسبب الضرر، فيأمر بقلعها. كلا ، هذا لا يصح، بخلاف ما إذا قلنا بأنّ النهي نهيٌ سلطاني صادر من الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما هو رئيس سلطة وحاكم وسائس للعباد وأمثال هذه الأمور، في هذه الحالة يكون الأمر بقلع النخلة مبرراً جداً؛ لأنّه مسئول، عندما يقول لا ضرر ولا ضرار، وهذا صادر منه كحكم سلطاني وحكم ولايتي، في هذه الحالة هو مسئول عن تطبيقه، فلكي يحسم مادة الضرر والفساد يأمر بقلع النخلة.

قلنا في الدرس السابق ـــــ ولعلّه لم يكن واضحاً ـــــ أنّ هذا لا يبرر الأمر بقلع النخلة، النهي سواء كان إلهياً، أو كان ولايتياً هو لا يبرر الأمر بقلع النخلة؛ لأنّ النهي هو نهي، وبالنتيجة مفاده هو تحريم الضرر والضرار، أو إذا كان حكماً سلطانياً مفاده المنع من أعلى سلطة في البلد من الضرر والضرار، وليس فيه أكثر من هذا، النهي السلطاني معناه أنّ السلطة منعت من الضرر والإضرار. مجرّد المنع من الضرر والإضرار الصادر من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما هو حاكم، هل يصلح أن يكون علّة للأمر بقلع النخلة ؟ كلا لا يصلح أن يكون علةً كالنهي الإلهي بلا فرق بينهما؛ وحينئذٍ لا يفرّق مصدر النهي، مصدر النهي هو الشارع المقدس، أو الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلٌ منهما نهي، لا يبرر الأمر بقلع النخلة، نعم الذي يبرر الأمر بقلع النخلة هو أن يكون نفس الأمر بقلع النخلة أمراً سلطانياً، هذا مبرر معقول جداً، لا أن يُبرر الأمر بقلع النخلة بلا ضرر ولا ضرار بناءً على أنّه حكم سلطاني، كلامنا هو في التعليل وليس كلامنا في أنّ الأمر بقلع النخلة ما هو ؟ هذا سيأتي بحثه، وإنّما كلامنا هو في أنّه كيف جاز تعليل الأمر بقلع النخلة بكبرى لا ضرر ولا ضرار، كيف صار هذا التعليل ؟ وسيأتي بحث كيفية تخريج هذا التعليل مفصلاً، لكن الكلام مع صاحب هذا الوجه هو أنّ ما ذكره من أنّ هذا التعليل لا يكون له وجه إذا قلنا أنّ مفاد الحديث هو النهي الإلهي، ويكون مبرراً ومعقولاً ومقبولاً إذا قلنا أنّ مفاد الحديث هو النهي السلطاني. هذا الكلام غير واضح ولا يمكن قبوله؛ لأنّه على كل حال سواء كان النهي سلطاني، أو كان إلهي هو لا يخرج عن كونه نهياً ومنعاً عن الضرر والضرار، المنع عن الضرر والضرار كيف ينتج الأمر بقلع النخلة ؟

هذا مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال إذا فرضنا أنّ النهي سلطاني، يعني حملنا الرواية على الحكم السلطاني ينتج الأمر بقلع النخلة، الأمر الإلهي أيضاً ينتج الأمر بقلع النخلة، فالظاهر أنّ ما ذكره لا يكون تامّاً. هذه هي الملاحظات على الوجه الرابع، وبهذا ننتهي من البحث عن مدلول الهيئة التركيبية للا ضرر.

هناك بعض الأمور التي ترتبط بهذا البحث لابدّ من التعرض إليها، بعضها مجرّد توضيحات حتى يتضح المطلب أكثر، وبعضها إشكالات ترد لابدّ من التعرض لها والجواب عنها.

هناك مسألة ينبغي ذكرها، وهي أنّ الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) في الفقيه لديه عبارة يظهر منها أنّه يفترض أنّ سمرة بن جندب ليس له حق الاستطراق إلى عذقه، يقول أنّ سمرة يملك نخلة في حائط الأنصاري، لكن ليس له المرور والدخول إلى عذقه، ويقول في الفقيه الرواية التي نقلها سابقاً في الفقيه أنّ الذي يشتري نخلة في حائط فمن توابع النخلة حق المرور والدخول إليها، يقول أنّ هذا الحديث غير قضية سمرة، والظاهر من قضية سمرة أنّ سمرة لا يملك حق الدخول إلى عذقه، كان له نخلة ولم يكن له الممر إليها. هل القضية هكذا ؟ أي أنّ سمرة كان يملك النخلة فقط ولا يملك حق الدخول إليها ، فلابدّ أن يستأذن عندما يدخل.[1]

الظاهر أنّ القضية ليست بهذا الشكل، يعني أنّ سمرة كان له حق الدخول، وهذا واضح من احتجاجاته، فهو عندما يحتج، الظاهر أنّ له حق الاستطراق إلى عذقه، ويشهد لذلك أنّ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يمنعه من الدخول إلى عذقه، وإنّما منعه من أن يدخل بلا استئذان، فإنّ هذا فيه إضرار بالأنصاري، أمّا اصل دخوله إلى عذقه مع الأذن، فلم يمنعه منه. ومنع الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) سمرة من الدخول بلا الاستئذان هو على القاعدة، يعني يمكن تخريجه على أساس قاعدة لا ضرر ولا مشكلة فيه، بناءً على أنّ مفاد القاعدة هو نفي الأحكام الضررية، حق الدخول الثابت لسمرة إلى عذقه حيث يلزم منه الضرر يكون منفياً كسائر الأحكام الشرعية التي تكون مسببة للضرر تكون منفية بقاعدة لا ضرر، فيكون حق الدخول إلى عذقه بلا استئذان منفياً؛ ولذا أمره بالاستئذان عندما يريد الدخول، فيمكن تخريجه على اساس قاعدة لا ضرر، ولا داعي للقول أنّ سمرة لا يملك حق المرور إلى عذقه.

وهناك أمر آخر أيضاً يرتبط بما تقدّم، وهو أنه كيف يمكن تخريج الأمر بقلع النخلة؟ بناءً على ما قلناه قبل قليل في مناقشة الوجه الرابع، قلنا بأنّه لا يمكن تخريجه على اساس قاعدة لا ضرر، سواء قلنا أنّ مفاد القاعدة هو النهي الإلهي، أو قلنا أنّ مفادها هو النهي السلطاني، أو قلنا أنّ مفادها هو نفي الأحكام الضررية، على كل التقادير لا يمكن تخريج الأمر بقلع النخلة بقاعدة لا ضرر؛ النهي الإلهي الذي قلنا بعدم الفرق بينه وبين النهي السلطاني، كلٌ منهما مفاده تحريم الضرر والضرار، هذا حرام وممنوع، إمّا حرمة إلهية وإما حرمة سلطانية، هذا كيف ينتج الأمر بقلع النخلة ؟ حتى إذا كان سلطانياً، إذا قلنا أنّ مفاد الحديث هو نفي الأحكام الضررية أيضاً لا ينفعنا لإثبات الأمر بقلع النخلة؛ لما قلناه من أنّ بقاء النخلة في حائط الأنصاري ليس ضررياً حتى ننفيه بلا ضرر؛ لأنّ لا ضرر تنفي الأحكام الضررية، فنقول أنّه ليس له حق إبقاء النخلة في حائط الأنصاري، فيجوز قلعها، لو كان ضررياً؛ فحينئذٍ يمكن تعليله بلا ضرر، لكنه ليس ضررياً، وإنّما الضرر هو في الدخول بلا استئذان، وهذا يمكن أن نطبق عليه القاعدة ونلتزم بعدم جواز الدخول إلاّ بعد الاستئذان. إذن: كيف يمكن تخريج الأمر بقلع الشجرة ؟ مع وضوح عدم إمكان تخريجها بلا ضرر .

الجواب عن هذا هو: إمّا أن يتم تخريجها بفقرة(لا ضرار) بتقريبات سيأتي التعرض لها قريباً، بأن يقال أنّ فقرة(لا ضرار) دورها في حالات من هذا القبيل، وإلاّ فقرة(لا ضرر) ترفع كل الأمور السابقة، في هكذا حالة عندما يتوقف دفع الضرر على قلع مادة الضرر وأمثالها يأتي دور لا ضرار بتقريبات سيأتي التعرض لها كما قلنا. إمّا أن نخرّج الأمر بقلع النخلة تمسكاً بالقاعدة، لكن بلحاظ الفقرة الثانية منها وهي فقرة لا ضرار. إذا عجزنا عن ذلك، أو ناقشنا في هذه التقريبات التي سيأتي الحديث عنها؛ فحينئذٍ يمكن تخريجه على أنه حكم ولايتي، نفس الأمر بقلع النخلة هو حكم ولايتي، فصاحب السلطة من حقه في هكذا حالة إذا كان هذا موجباً للإضرار، وهذا كان مصراً على أن يدخل بلا استئذان، وفيه ضرر، في هذه الحالة من حق صاحب السلطة والحاكم في هذه الحالة أن يقلع وسيلة الإضرار، فهذه وسيلة الإضرار، ومن حقه أن يقلع، أو يعدم مادة الإضرار بالغير، وهذا يدخل في صلاحية الحاكم؛ لأنّه من الأمور العامّة التي هو يكون ولياً ومسئولاً عنها، لا أن نقول أننا نطبّق عليه قاعدة لا ضرر؛ لأنّ قاعدة لا ضرر هي التي تنتج الأمر بقلع النخلة، وإنّما إذا عجزنا عن تطبيق القاعدة نقول هو في نفسه حكم ولايتي صدر من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما هو صاحب سلطة وسائس للعباد.

الأمر المهم الذي يقع الكلام فيه هو مسألة التعليل، هناك رواية صحيحة السند واضحة الدلالة ولا ينبغي الشك في دلالتها على التعليل، يعني تعليل الأمر بقلع النخلة بقاعدة لا ضرر ولا ضرار(فأنّه لا ضرر ولا ضرار) وردت في مقام تعليل الأمر بقلع النخلة، هذا التعليل صار محل كلام، أنه كيف يمكن توجيه هذا التعليل ؟ مع أنّه كما قلنا قبل قليل أنّ قاعدة لا ضرر سواء قلنا أنّ مفادها النهي الإلهي أو النهي السلطاني أو أنّ مفادها هو نفي الأحكام الضررية لا تصلح تعليلاً للأمر بقلع النخلة. كيف طبّق الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذه الكبرى على هذا المورد ؟ والحال أنّ هذه الكبرى لا تنطبق على هذا المورد، ولا تصلح أن تكون علّة للأمر بقلع النخلة؛ لما قلناه من أنّه لا ربط للنهي عن الضرر والإضرار بقلع النخلة، أو نفي الأحكام الضررية بقلع النخلة؛ لأنّ بقاء النخلة ليس فيه ضرر على الأنصاري، وإنما الضرر ينشأ من دخوله بلا استئذان.

إذن: كيف يمكن علاج هذه المشكلة ؟ لأنّه إذا لم نوجّه هذا التطبيق ولم نعرف التعليل كيف تكون القاعدة علّة للأمر بقلع النخلة، وكان تطبيق الكبرى على هذا المورد مجملاً وليس واضحاً لدينا، فقد يُدّعى أنّ هذا الإجمال يسري إلى نفس الكبرى؛ وحينئذٍ لا يصح الاستدلال بالكبرى، فلا تبقى لدينا حينئذٍ قاعدة لا ضرر حتى يمكن التمسّك بها. هذه مشكلة تعرّض لها الجماعة ولهم وجوه في كيفية حل هذا الإشكال.

الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) في رسالته الخاصة بقاعدة لا ضرر، كأنّه اعترف بالإشكال وقال أنّ تطبيق المعصوم(عليه السلام) لهذه القاعدة على هذا المورد ـــــ أي الأمر بقلع النخلة ـــــ غير واضح ولا نعلم كيف طبّقها، فهناك إجمال من ناحية التطبيق، لكنّه قال أنّ هذا الإجمال من ناحية التطبيق لا يمنعنا من العمل بالكبرى، فحتى لو كان التطبيق مجملاً، لكن لا مشكلة من العمل بالكبرى، فكأنه يفترض أنّ هناك في الحديث الشريف أمران، مسألة ما هو الوجه في ما فعله الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من تطبيق الكبرى على هذا المورد ؟ هذه قضية مجهولة عندنا لم نهتدِ إلى معرفتها. نعم، إجمالاً نحن نعلم أنّ هناك وجهاً ونكتة صححت هذا التطبيق وصحّ على ضوئها التعليل، لكن نحن لا نعرف هذه النكتة، فيوجد إجمال من هذه الناحية.

وهناك شيء آخر، لدينا كبرى وردت بعنوان(لا ضرر ولا ضرار) هذه الكبرى ليس فيها إجمال، هي ظاهرة في معناها، أي شيءٍ نستظهره منها تكون ظاهرة في ذاك المعنى. يقول إنّ الإجمال في التطبيق لا يمنعنا من الأخذ بظهور الكبرى، فنعمل بالكبرى ونثبت بها القاعدة الكلية ونستدل بها في الموارد وإن كان التطبيق على المورد مجهولاً. هذا ما ذكره الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه).

من تأخر عن الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) لم يرتضوا بهذا الكلام؛ بل المحقق النائيني(قدّس سرّه) يتعجب من هذا الكلام، يقول كيف يصدر هذا الكلام من الشيخ (قدّس سرّه) ؟ كيف لا يكون الإجمال في التطبيق مضراً في التمسك بالكبرى مع أنّ الصحيح هو أنّ الإجمال يسري من التطبيق أيضاً إلى الكبرى، الكبرى أيضاً تكون مجملة؛ لأننا لا نعرف ما هي النكتة التي على أساسها طُبقت هذه الكبرى على هذا المورد؛ لعلّ هذه النكتة عندما تظهر لنا ونعرفها يتغير ما نفهمه من هذه الكبرى الكلية، لا يبقى ما نفهمه كما كنّا نفهمه مع الجهل بهذه النكتة أو عدم تطبيقها على هذا المورد، فالإجمال يسري من التطبيق إلى الكبرى، وهذا يؤثر على الاستدلال بالقاعدة والالتزام بوجود هذه الكبرى الكلّية.

نعم، يمكن أن يقال أنّه لو كان التطبيق وارداً في كلام آخر، يعني كلامان منفصلان، القاعدة وردت في كلام(لا ضرر ولا ضرار) وفي كلام آخر منفصل طُبقت هذه القاعدة على قلع النخلة، كما لو فرضنا أنه في نفس القضية فرضنا أنّ هناك رواية معتبرة صحيحة تنقل لنا كبرى(لا ضرر ولا ضرار) وهذه الروايات التي تنقل القاعدة مع تطبيقها على الأمر بقلع النخلة. في هكذا حالة نستطيع أن نقول أنّ الإجمال الموجود في هذا الكلام لا يسري إلى الكلام الآخر، فيبقى الكلام الآخر له ظهوره ولا يسري إليه الإجمال، فيمكن إثبات القاعدة بالرواية الأخرى وبالكلام الآخر المنفصل عن الرواية الأولى التي فيها القاعدة وفيها التطبيق، فيمكن التمسك بالحديث الذي ليس فيه تطبيق، فلا مشكلة.

لكن الأمر ليس هكذا؛ لعدم وجود رواية صحيحة تنقل لنا لا ضرر ولا ضرار خالية من التطبيق، الروايات الصحيحة كلّها تنقل قاعدة لا ضرر مقترنة بتطبيقها على قضية سمرة بن جندب، وفيها الأمر بقلع النخلة، وفيها تعليل الأمر بقلع النخلة بكبرى لا ضرر ولا ضرار.

إذن: هو كلام واحد، وفيه علّة ومعلول، فكيف نقول أنّ الإجمال في المعلول لا يسري إلى العلة ؟ هو كلام واحد، وهذا الكلام الواحد لا يستقر له ظهور إلاّ إذا لاحظنا كل أطراف القضية وكل ما ذكر في ذلك الكلام الواحد، فإذا كان هناك إجمال في بعضه، فهذا الإجمال يسري إلى الباقي، وليس لدينا كلامان منفصلان لا يؤثر أحدهما على الآخر، وإنّما هو كلام واحد والإجمال فيه يسري إلى الكبرى المذكورة؛ فحينئذٍ تكون الكبرى مجملة ومع إجمال الكبرى؛ حينئذٍ تقف المسألة ولا يمكننا أن نتمسك بهذا الحديث الشريف لإثبات هذه الكبرى والقاعدة الكلّية. وهذا هو الصحيح، أنّ هناك إجماعاً في القضية أنّه لا يمكن الالتزام بهذه القاعدة الكلية. هذا ما يُفهم من كلام الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه).

الآخرون اختلفوا في الجواب عن هذا الإشكال، المحقق النائيني(قدّس سرّه) يجيب عن هذا الإشكال ليس بأن يسلّم الإشكال ويجيب عنه؛ بل يقول أصلاً لا يوجد إشكال، وهناك اشتباه في الأمر، الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يعلل الأمر بقلع النخلة بقاعدة لا ضرر، قاعدة لا ضرر ذُكرت في الحديث الشريف، لكنّها لم تُذكر كعلّة للأمر بقلع النخلة، حيث أنّ منشأ الإشكال هو أنّ القاعدة ذُكرت كتعليلٍ للأمر بقلع النخلة، والحال أنّ القاعدة لا تنتج الأمر بقلع النخلة، هو يقول: أنّ القاعدة لم تُذكر في كلامه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتعليل للأمر بقلع النخلة، وإنّما ذُكرت في كلامه كتعليلٍ للمنع من دخول سمرة إلى حائط الأنصاري بلا استئذان، وهذا لا مشكلة فيه ويمكن تعليله بقاعدة لا ضرر ولا ضرار؛ لأننا قلنا أنّ جواز الدخول بلا استئذان ضرري، فيكون منفياً بلا ضرر بناءً على أنها تنفي الأحكام الضررية، فيرتفع هذا الحق، أو يرتفع جواز الدخول، فلابدّ من الاستئذان، تعليل طبيعي جداً وليس فيه أي مشكلة، والقاعدة لم ترد في الرواية بعنوان تعليل للأمر بقلع النخلة، فحلّ المشكلة بمنع أصل الإشكال.

 


[1] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص104.