الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

37/08/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

 

في الدرس السابق ذكرنا أنّ مفاد (لا ضرر) إذا فرضنا أنه كان هو بيان عدم تحقق الضرر خارجاً مع كون المقصود الأصلي هو بيان عدم تحقق أحد أجزاء علّته، أو بعبارةٍ أخرى: يكون المقصود الأصلي هو بيان تصدّي الشارع إلى لازم عدم تحقق الضرر خارجاً الذي هو نفي الحكم الضرري من جهة، وإيجاد المانع من الضرر الذي هو عبارة عن وتحريم الضرر، إذا فرضنا هذا حينئذٍ يكون مقتضى إطلاق النفي (لا ضرر) هو ثبوت كلا هذين الّلازمين(نفي المقتضي، وإيجاد المانع) ولا يلزم من ذلك استعمال اللّفظ في أكثر من معنى، هذا لا يتوهّم في المقام؛ لأنّ المفروض أنّ المراد الاستعمالي واحد لم يتغيّر، استعملنا الجملة التركيبية(لا ضرر) في معنى واحد وهو نفي الضرر حقيقة وخارجاً، لكن المقصود الأصلي لذلك يختلف، ولا مشكلة في أن يتعدد ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

يتبيّن مما تقدّم أنّ النكتة التي اعتمد عليها صاحب الوجه الثاني لمنع استفادة النهي من فقرة(لا ضرر)، هو يقول أنّ مفاد (لا ضرر) هو فقط ما يقوله المحقق النائيني(قدّس سرّه) وهو نفي الأحكام الضررية ولا يستفاد منها المنع من الضرر وتحريمه.

أقول: إنّ النكتة التي اعتمد عليها لمنع استفادة النهي عن الضرر من فقرة(لا ضرر) هي كون الضرر ــــــ الذي هو معنى اسم مصدري ــــــ أمراً مرغوباً عنه لا يتحمله المكلف إلاّ بتحميلٍ من الشارع؛ ولذا قال: أنّ نفي الضرر في مقام التشريع يكون ضاهراً في نفي التحميل، أي يكون ظاهراً في نفي الحكم المسبب للضرر.

وأمّا مسألة أنّ الضرر لا يحتوي ولا يتضمّن نسبة صدورية، الظاهر أنّ هذا ليس دخيلاً في المنع من استفادة تحريم الضرر من فقرة(لا ضرر)، وإنما المانع هو أنّ الضرر أمر مرغوب عنه لا يصدر من المكلف إلا بتحميلٍ من الشارع، وإلا لو كانت النكتة التي يعتمد عليها لنفي استفادة التحريم والنهي من فقرة(لا ضرر) هي أنّ الضرر معنى اسم مصدري لا يستبطن النسبة الصدورية؛ حينئذٍ لا داعي للتركيز على أنّ الضرر أمر مرغوب عنه؛ بل لا داعي لذكره؛ لأنه على كل حال الضرر المعنى الاسم المصدري لا يستبطن نسبة صدورية وهو يأبى من النهي عنه، ويمنع من تعلّق النهي به، وكما ذكرنا في الدرس السابق لا معنى لأن يُنهى عن المرض، الضرر كمعنى اسم مصدري يُراد به المنقصة التي تحل بالمتضرر، مثل المرض ينزل بالمتضرر، لا معنى للنهي عن المرض، إذا كان هذا هو المانع؛ فحينئذٍ لا داعي لذكر أنّه أمر مرغوب عنه، سواء كان أمراً مرغوباً عنه، أو كان مرغوباً فيه، على كل حال هو لا يقبل النهي؛ لأنه لا يستبطن النسبة الصدورية، هناك فرقٌ بين الإضرار، وبين الضرر كمعنى اسم مصدري، ذاك يستبطن نسبة صدورية، ويُعقل تعلّق النهي به، بينما هذا لا يستبطن النسبة الصدورية ولا يُعقل تعلق النهي به، لو كان هذا هو المانع، لا داعي للتركيز على نكتة أنه أمر مرغوب عنه؛ لأنه سواء كان مرغوباً عنه، أو كان مرغوباً فيه، على كل حال هو لا يستبطن نسبة صدورية، وهذا يمنع من استفادة النهي من الفقرة.

ما أريد قوله هو : أنّ النكتة التي يعتمد عليها هي كون الضرر مرغوب عنه لا يتحمّله المكلف إلا بتحميلٍ من الشارع، وقد تقدّم في الدرس السابق أنّ هذه النكتة لا تمنع من استفادة النهي من فقرة(لا ضرر)، مضافاً إلى ذلك كون الضرر لا يستبطن نسبة صدورية لا تصلح للمنع من استفادة النهي عن الضرر من فقرة(لا ضرر)؛ وذلك لما قلناه في الدرس السابق من أنّ المقصود بالنهي عن الضرر المستفاد من فقرة(لا ضرر) ــــــ لو استفدناها ــــــ النهي ليس عن الضرر، النهي ليس عن هذا المعنى الاسم المصدري، وإنما النهي عن ما يؤدي إليه، وهذا واضح والقضية عرفية، كما هو الحال في النواهي التي تتعلق ببعض المعاني المجرّدة، المقصود بها هو النهي عن ما يؤدي إلى ذلك الشيء. فرضاً القتل بالمعنى الاسم المصدري، يعني المقصود هو النهي عن ما يؤدي إلى ذلك، فليس المقصود بالنهي عن الضرر، لو استفدناه، النهي عن الضرر بما هو معنى اسم مصدري حتى يقال أنّ هذا لا يستبطن نسبة صدورية ولا معنى للنهي عنه، وإنّما المقصود هو النهي عن الفعل الذي يؤدي إليه، فليس فيه مشكلة ولا يصلح أن يكون مانعاً في الحقيقة. النكتة التي ذكرها هي أنّ هذا أمرٌ مرغوبٌ عنه، وإذا كان أمراً مرغوباً عنه؛ حينئذٍ تكون هذه النكتة موجبة للمنع من استفادة النهي عن الضرر من فقرة(لا ضرر)، لكن أيضاً تقدم سابقاً، وقلنا أكثر من مرة أنّ هذا وإن كان صحيحاً، الضرر أمر مرغوب عنه بلا إشكال، والمقصود بالضرر هو إضرار الفرد بنفسه، فالضرر، أو المنقصة، أو المرض أمر مرغوب عنه، لكن لا مانع من افتراض أنّه في بعض الأحيان قد يُقدم المكلف على الضرر لدواعٍ مختلفة ذكرناها في الدرس السابق، وهذا أمر موجود وواقع في الخارج ونلاحظه خارجاً، لا يكفي في نفي الضرر خارجاً مجرّد نفي الحكم الموجب للضرر؛ لأنّ المكلّف إذا قلت له لا يجب عليك الغسل الضرري، قد يغتسل ويتحمل الضرر لدواعٍ خاصة، فإذا كان كذلك؛ حينئذٍ هذا في حد نفسه يستوجب تشريع ما يمنع من تحقق الضرر وهو الحرمة، مضافاً إلى نفي الحكم الضرري، ولا يُكتفى بنفي الحكم الضرري؛ بل لابدّ أن يُضم إلى ذلك تحريم الضرر تكليفاً.

نفس هذا البيان الذي قلناه استخدمه صاحب الوجه الثاني، لكن في فقرة (لا ضرار)، في فقرة(لا ضرار) ذكر أنّ (لا ضرار) هي نفيٌ للضرار خارجاً من قِبل الشارع، وقال: أنّ هذا ظاهر في التسبيب الشرعي إلى عدمه والتصدّي من قِبل الشارع إلى عدم تحقق الضرار في الخارج، وهذا يقتضي وجود تشريعين:

التشريع الأول: تحريم الضرار تكليفاً.

التشريع الثاني: اتخاذ وسائل إجرائية ضد تحقق الضرار، من قبيل قلع نخلة سمرة بن جندب؛ لأنّ مجرّد التحريم القانوني من دون اتخاذ الوسائل الإجرائية لا يستوجب انتفاء الطبيعة ولا يصحح نفيها خارجاً، فكأنه كل ما يستوجب انتفاء الطبيعة ويصحح نفيها خارجاً، لابدّ منه في مقام التشريع.

نافس هذا الكلام نستطيع أن نطبّقه في محل الكلام، فنقول: في محل الكلام نفي الحكم الضرري لا يكفي لمنع تحقق الضرر في الخارج، منع تحقق الضرر في الخارج، وتصحيح النفي يتوقف على أن يُضم إلى نفي الحكم الضرري تحريم الضرر حتى لا يتحقق الضرر في الخارج، على الأقل من جانب الشارع، والشارع من جانبه أعمل ما في وسعه لكي يمنع من تحقق الضرر في الخارج، فنفى الحكم الضرري وحرّم الضرر، وبهذا من ناحيته هو ضمن عدم تحقق الضرر في الخارج. أمّا إذا اكتفى بنفي الحكم الضرري، هذا لا يكون كافياً لمنع تحقق الطبيعة في الخارج وتصحيح نفيها في حديث (لا ضرر ولا ضرار).

من هنا يظهر عدم تمامية ما يقال من أنّه بناءً على تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري، يعني التزمنا بما يقوله المحقق النائيني(قدّس سرّه). لا يدل الحديث على تحريم الضرر والإضرار بالنفس، باعتبار أنّ جواز الإضرار بالنفس لا يُعتبر حكماً ضررياً؛ لأنّه حكم غير اقتضائي، فالجواز والإباحة هي أحكام غير اقتضائية، الوجوب والتحريم هي أحكام اقتضائية، فالمكلّف أمام الجواز والإباحة لا يكون مكتوف اليد وليس بوسعه إلاّ تحمّل الضرر، كلا هو ليس هكذا أمام الجواز، بينما أمام الوجوب يكون المكلّف مكتوف اليد، ليس بوسعه إلا تحمّل الضرر إذا وجب، لكن عندما يقال له يجوز لك الإضرار بالغير، وهناك فرق بين أن يقال للمكلّف يجب عليك الإضرار بالغير، هذا تحميل للمكلف، وهو يقف مكتوف اليد أمامه ليس بوسعه إلا أن يقدم على هذا العمل، بينما جواز الإضرار لا يعتبر حكماً ضررياً؛ ولذا لو وقع الإضرار في الخارج لا يستند هذا الإضرار إلى الجواز، يعني إلى الحكم الشرعي، وإنّما يستند إلى إرادة المكلّف واختياره؛ لأنّ الجواز لا اقتضائي، لا يقول للمكلف أفعل هذا الفعل حتى يكون الحكم مسنداً إلى الحكم الشرعي، فيقال أنّ هذا الحكم الشرعي ضرري، فيُنفى بلا ضرر، لكن الجواز والإباحة ليس هذا شأنهما؛ لذا لو صدر الفعل، أي الإضرار من المكلف، فجواز الإضرار لا يتحمّل المسئولية، بمعنى أنّ الضرر المتحقق في الخارج لا يُسند إلى الحكم الشرعي، وإنّما يُسند إلى إرادة المكلف واختياره؛ فلذا لا يعتبر الحكم وهو جواز الإضرار حكماً ضررياً، فإذا لم يكن حكماً ضررياً، فلا نستطيع أن ننفيه بلا ضرر، إذا استطعنا أن ننفيه بلا ضرر يثبت حرمة الإضرار؛ لأننا نفينا جواز الإضرار فتثبت حرمة الإضرار، لكن يقول لا نستطيع أن ننفي جواز الإضرار؛ لأنّه لا يعتبر حكماً ضررياً حتى يُنفى بلا ضرر بناءً على أنّ مفادها نفي الحكم الضرري. نعم، وجوب الإضرار حكم ضرري، لكن جواز الإضرار ليس حكماً ضررياً، ولو اضرّ المكلّف الغير لا يسند هذا الإضرار إلى الحكم الشرعي، وإنّما يسند إلى إرادة المكلّف واختياره؛ ولذا لا يكون الجواز حكماً ضررياً، فإذا لم يكن حكماً ضررياً، فلا يمكن إثبات حرمة الإضرار بالنفس تمسّكاً بلا ضرر بناءً على أنّ مفادها هو نفي الحكم الضرري؛ لأنّ جواز الإضرار بالنفس ليس حكماً ضررياً، بخلاف الإضرار بالغير، يمكن أن نلتزم بتحريم الإضرار بالغير استناداً إلى لا ضرر بناءً على مبنى المحقق النائيني(قدّس سرّه)؛ لأنّ إضرار الغير غير إضرار النفس، جواز الإضرار بالغير يعني استناد الضرر فيما لو استند المضار إلى هذا الجواز، الضرر سوف يستند إلى الحكم الشرعي لا إلى إرادة المكلف واختياره؛ لأنّه في هذه الحالة، الطرف الآخر الذي نزل به الضرر ليس أمامه إلا التسليم أمام الضرر النازل به؛ فحينئذٍ ليس لديه إرادة واختيار في دفع هذا الضرر؛ لأنّ الغير أضر به، فينزل به الضرر، إذا استند المضار ــــــ فرضاً ــــــ إلى جواز الإضرار بالغير؛ حينئذٍ يكون الإضرار الحاصل مستنداً إلى نفس الجواز، فيكون الجواز حكماً ضررياً، فيمكن نفيه بحديث لا ضرر بناءً على هذا المعنى.

أقول: هذا الكلام، وهو عدم إمكان إثبات حرمة الإضرار بالنفس ـــــــ التي عبّرنا عنها بحرمة الضرر ـــــــ بناءً على المسلك الثالث الذي هو أنّ مفاد الحديث نفي الأحكام الضررية، هنا لا يمكننا أن نثبت تحريم الإضرار بالنفس؛ لأنّ جواز الإضرار بالنفس ليس حكماً ضررياً، فلا يمكن نفيه لإثبات التحريم. هذا الكلام يظهر ما فيه مما تقدم، في ما تقدم ليس المدّعى إثبات تحريم الإضرار بالنفس بمبنى المحقق النائيني(قدّس سرّه). يعني لا نريد أن نطبق ما استفاده المحقق النائيني(قدّس سرّه) وهو نفي الأحكام الضررية، نطبّقها على جواز الضرر والإضرار بالنفس حتى يقال أنّ جواز الإضرار بالنفس ليس حكماً ضررياً، فلا يمكن تطبيق ذلك عليها لإثبات التحريم، هذا الإشكال لا يرد على ما تقدّم، ما تقدّم يقول أنّه يستفاد من حديث نفي الضرر أمران لازمان لنفي الضرر في الخارج، أحدهما نفي الأحكام الضررية. والآخر تحريم الضرر هو تحريم الإضرار بالنفس لا أنّ تحريم الإضرار بالنفس هو تطبيق للأمر الأول، لا يقول هذا، وإنّما يقول هما أمران يستفادان من الحديث، باعتبار النكتة المتقدّمة وهي أنّ نفي الضرر خارجاً وعدم تحققه خارجاً، وتصحيح النفي يتوقف على كلا الأمرين ولا يكفي فيه نفي الأحكام الضررية؛ بل نفي الأحكام الضررية وتحريم الضرر وتحريم الإضرار بالنفس، ليس من باب تطبيق الأمر الأول على محل الكلام لينتج تحريم الضرر وتحريم الإضرار بالنفس، ليس من هذا الباب حتى يرِد هذا الإشكال الذي هو أنّ جواز الإضرار بالنفس لا اقتضاء، فلا يكون الحكم ضررياً، ولو تحقق الضرر في الخارج لا يسند إلى الجواز، وإنّما يُسند إلى إرادة المكلف واختياره، لا يجري هذا الكلام، وإنّما يجري هذا الكلام لو أردنا إثبات حرمة الإضرار بالنفس كتطبيق لما يقوله المحقق النائيني(قدّس سرّه)، فإذا قلنا أنه تطبيق للأمر الأول؛ حينئذٍ يرِد هذا الإشكال، لكن المدّعى في المقام ليس هذا، المدّعى أنّ نفي الضرر في الخارج، تصحيح النفي يتوقف على أنّ الشارع يشرّع كل الأمور التي تضمن له من ناحيته على الأقل، عدم تحقق الضرر في الخارج، وهذا يستدعي أمرين، الأول هو نفي الأحكام الضررية، والثاني هو تحريم الضرر؛ حينئذٍ لا يرِد الإشكال السابق.

نعم، ما ذُكر يمكن تطبيقه على نفي الضرار بأن يقال: إذا أردنا إثبات تحريم الضرار يمكن تطبيق المعنى الذي يستفيده المحقق النائيني(قدّس سرّه) عليه لإثبات تحريم الضرار؛ لأنّ الضرار يعني إنزال الضرر بالغير وتحميل الضرر للغير وفي هذه الحالة لا يستند الضرر إلى إرادة المكلّف واختياره، الذي نزل به الضرر يكون مسلوب الإرادة، في الحالة الأولى الذي نزل به الضرر هو مختار، فيستند الضرر إليه لا إلى الجواز الشرعي، بينما في الحالة الثانية الذي نزل به الضرر أضرّه الغير، أنزل الغير به الضرر، فلا يستند الضرر إلى إرادة المكلف واختياره، وإنّما يستند إلى الحكم الشرعي، يعني إلى الجواز الشرعي، ومن هنا إذا فرضنا أنّ المضار اعتمد على هذا الجواز، في هذه الحالة يكون الضرر مستنداً إلى هذا الجواز الشرعي، فيكون هذا الجواز حكماً ضررياً، فيمكن تطبيق هذه الفكرة عليه ويُنفى الجواز باعتباره حكماً ضررياً، فيثبت حينئذٍ تحريم الإضرار استناداً إلى هذه الفكرة، وهي أنّه لا داعي لأن نستفيد كلا الأمرين نفي الحكم الضرري والتحريم؛ بل يكفي نفي الحكم الضرري وحده لإثبات تحريم الإضرار، لكنّه لا يكفي لإثبات تحريم الضرر بناءً على هذا الكلام.

ومن هنا يظهر أنّ إثبات تحريم الإضرار بالغير يكفي فيه استفادة نفي الحكم المسبب للضرر شرعاً من لا ضرر ولا يتوقف على وجود فقرة(لا ضرار) فحتى لو فرضنا عدم وجود فقرة(لا ضرار)، استفدنا من (لا ضرر) ما يقوله المحقق النائيني(قدّس سرّه) نفي الحكم الضرري، نستطيع أن نستفيد منها تحريم الضرار بناءً على هذا الكلام؛ لأنّ جواز الضرار يعني جواز إنزال الضرر بالغير حكم ضرري، فأنّ الضرر إذا حصل يستند إلى الجواز الإضرار بالغير، فيكون حكماً ضررياً، فينفى بلا ضرر، ويثبت مكانه تحريم الضرار وتحريم الإضرار بالغير، فيمكن إثبات تحريم الضرار وتحريم الإضرار بالغير بفقرة(لا ضرر) بناءً على ما يقوله المحقق النائيني(قدّس سرّه)، ولعلّه لذلك كان التركيز في كلمات الأعلام على فقرة(لا ضرر)؛ لأنه يُستفاد من فقرة(لا ضرر) نفي الأحكام الشرعية المسببة للضرر كما يقول المحقق النائيني(قدّس سرّه)، وبتطبيق هذا المفاد على جواز الإضرار بالغير يمكن إثبات تحريم الإضرار بالغير، فكل منهما، يعني تحريم الإضرار بالغير ونفي الأحكام الضررية يمكن إثباتهما بفقرة(لا ضرر)، والثاني متفرّع على الأول، يعني تحريم الإضرار بالغير هو تطبيق لفكرة نفي الأحكام الضررية، فيثبت حرمة الإضرار بالغير. وبناءً على هذا قد يقال: لا يستفاد من (لا ضرار) المذكورة في الحديث شيء لا يُستفاد من (لا ضرر)؛ لأنه قد يقال أننا لا نستفيد من (لا ضرار) إلا تحريم الضرار ، وهذا يمكن أن يُستفاد من (لا ضرر) بتطبيق نفي الأحكام الضررية على جواز الإضرار بالغير لنفي الجواز وإثبات التحريم، ولعلّه أيضاً لذلك حملوها على التأكيد، يعني لا يُستفاد منها شيئاً أكثر مما يمكن أن يُستفاد من فقرة(لا ضرر). مضافاً إلى نفي الأحكام الضررية وحرمة الإضرار بالغير كتطبيق لنفي الأحكام الضررية صاحب الوجه الأول يستفيد شيئاً آخراً وهو حرمة الضرر يعني حرمة الإضرار بالنفس وليس فقط حرمة الإضرار بالغير، باعتبار النكتة السابقة، وهي أنّ تصحيح النفي ونفي الضرر في الخارج يتوقف على نفي الأحكام الضررية وتحريم الضرر ولا يكفي في نفيه خارجاً وتصحيح هذا النفي مجرّد نفي الأحكام الضررية لكي يضمن عدم تحقق الضرر في الخارج؛ بل لابدّ من أن يضم إليه تحريم الضرر، يعني تحريم الإضرار بالنفس، هذا الكلام إذا تمّ سوف ينتج أنّ لا ضرر يُستفاد منها كل هذه الأحكام، فيستفاد منها نفي الأحكام الضررية، ويستفاد منها حرمة الإضرار بالنفس، ويُستفاد منها حرمة الإضرار بالغير، غاية الأمر أنّ حرمة الإضرار بالنفس تستفاد من (لا ضرر) في عرض استفادة نفي الأحكام الضررية، بينما تحريم الإضرار بالغير يستفاد كتطبيق لنفي الأحكام الضررية؛ وحينئذٍ لا داعي لكلمة (لا ضرار) ويمكن الاستغناء عنها ولا نستفيد منها فائدة جديد. هل هذا الكلام تام أو لا ؟ يأتي التعليق عليه في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.