الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

37/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

 

كان الكلام في الاجتمال الثالث وهو أنّ مفاد الحديث هو نفي الحكم الضرري، ذكرنا التقريبات الاربعة المقدمة لهذا الاحتمال، وحيث أنّ التقريب الثالث الذي ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) بعد ان اختار هذا القول، هو أهم التقريبات؛ ولذا صار الحديث عن هذا الاحتمال بتقريبه الثالث الذي تبنّاه المحقق النائيني(قدّس سرّه)، هو يقول : أنّ الضرر يصدق حقيقةً على الحكم الشرعي كصدق الإحراق على الإلقاء في النار، كما أنّ الإلقاء في النار الذي هو سبب، يصدق عليه المسبب الإحراق، فيقال للإلقاء هذا إحراق كذلك في محل الكلام يصدق على الحكم الشرعي المسبب للضرر أنه ضرر، فالحكم الشرعي الذي يكون سبباً للضرر يصدق عليه أنه ضرر؛ حينئذٍ الحديث الشريف ينفي الضرر، ومراده هو نفي الحكم الضرري، باعتبار أنّ الحكم هو سبب الضرر، ويصح إطلاق الضرر على الحكم الشرعي كما يصح إطلاق الإحراق على الإلقاء؛ فحينئذٍ ليس هناك تجوّز في الكلمة ولا حذف، والمراد بالضرر هو معناه الحقيقي وليس شيئاً آخر، لكن علاقة السببية والمسببية التوليدية كأنّها خلقت مصداقاً عرفياً للمسبب، وصار للمسبب، أي الإحراق مصداقان، الإحراق الموجود في الخارج، والإلقاء، فصار الإلقاء مصداقاً عرفياً للإحراق، فيصح إطلاق الإحراق على الإلقاء إطلاقاً حقيقياً ولا محذور فيه.

في المقام أيضاً هكذا يقال: أنّ الضرر صار له مصداقان، الضرر الموجود في الخارج، والمصداق الآخر هو سبب الضرر التوليدي الذي هو الحكم الشرعي، فيكون الحكم الشرعي مصداقاً للضرر عرفاً. نعم، هو ليس مصداقاً حقيقياً، لكنّه مصداقٌ للضر عرفاً، فيصح إطلاق الضرر عليه بلا مسامحة.

فإذن: نستطيع أن نقول أنّ الحديث الشريف ينفي الحكم الضرري بهذا الاعتبار.

الظاهر أنّ هذا الاحتمال لا يُفرّق بين ما إذا كان الضرر ناشئاً من نفس الحكم وبين ما إذا كان الضرر ناشئاً من متعلق الحكم. ناشئاً من نفس الحكم كما في موارد الحكم بلزوم المعاملة كالمعاملة الغبنية في موارد الغبن، الحكم باللّزوم، أي نفس الحكم بلزوم المعاملة هو الذي يكون ضررياً؛ فحينئذٍ يُنفى اللّزوم بلا ضرر، أو يكون الضرر بعض الأحيان ناشئاً من الفعل وليس من الحكم، من قبيل الوضوء الذي يلزم منه الضرر في بعض الأحيان، فالضرر لا ينشأ من الحكم، وإنّما ينشأ من الوضوء، هنا أيضاً يقال أنّ القاعدة تجري وتنفي الوجوب، يعني تنفي وجوب الوضوء، الضرر في الخارج ينشأ من الوضوء، أي من متعلّق الحكم، هم عممّوا هذا الكلام ـــــ وهذا مطلب سيأتي الكلام فيه ـــــ فحينئذٍ القاعدة كما تنفي اللّزوم في موارد الضرر، كذلك تنفي الوجوب في موارد ما إذا لزم الضرر من متعلّق الوجوب، بنفس التقريب، في التقريب الذي يذكروه الحكم بنفسه يكون ضررياً، أي أنّ الضرر يصدق على نفس الحكم الشرعي، وهذا الحكم الشرعي مرّة يكون هو اللّزوم، ومرة أخرى وجوب الوضوء الذي يترتب عليه الضرر. هذا بالنسبة إلى أصل الاحتمال.

العمدة في هذا الاحتمال كما قلنا هو التقريب الثالث، اعتُرض على هذا الاحتمال بتقريبه الثالث، التقريب الأول، والتقريب الثاني لم يأخذ مساحة من الاهتمام به في كلامهم، باعتبار وضوح أنّه تجوّز صارخ، والحذف أيضاً تجوّز صارخ، والمجاز في الكلمة أيضاً واضح ويحتاج إلى قرينة، لا يمكن الالتزام به إلاّ إذا اضطررنا وبطلت كل الاحتمالات الأخرى وتعذّر الحمل على المعنى الحقيقي؛ حينئذٍ قد نضطر إليه، لكن عندما تكون الاحتمالات الأخرى ممكنة؛ فحينئذٍ لا يمكن الالتزام به بهذه التقريبات؛ ولذا كان التقريب المهم هو التقريب الثالث.

اعتُرض على هذا الاحتمال بتقريبه الثالث باعتراضات عديدة:

الاعتراض الأوّل: لعلّنا أشرنا إلى هذا الاعتراض بشكلٍ مختصر في الدرس السابق، وحاصله هو أنّ إطلاق المسبب على السبب وإن كان أمراً متعارفاً ومتداولاً ولا إشكال فيه، لكنّه إنما يصح في خصوص الأسباب والمسببات التوليدية من قبيل الإحراق بالنسبة إلى الإلقاء، فالإحراق يُطلق على الإلقاء؛ لأنّ الإلقاء سبب توليدي للإحراق، وهكذا الرمي بالنسبة إلى القتل؛ لأنّ الرمي وإطلاق الرصاصة سبب توليدي للقتل، فيُطلق القتل على الرمي ويقال(هذا قتل)، ففي الأسباب والمسببات التوليدية هذا الإطلاق يكون تامّاً وصحيحاً، ولكن في غير ذلك، يعني في المقدمات الإعدادية عندما لا يكون السبب سبباً توليدياً، وإنما هو مقدمة اعدادية فقط، في هذه الحالة لا يصح إطلاق المسبب على السبب. من يبيع السلاح للشخص لا يمكن أن نقول أنّه إذا باع السلاح على شخص، وهذا الشخص أخذ السلاح وقتل به شخصاً، لا يمكن أن نقول أنه يصدق على ذاك البيع أنه قتل؛ لأنّ بيعه السلاح مجرّد مقدمة إعدادية ليس سبباً توليدياً يترتب عليه القتل والمسبب من دون توسط إرادة ومقدّمات أخرى في البين، ليس هكذا، وإنما هو مجرّد مُعِد، عرفاً لا يصح إطلاق المسبب على المُعِد، وإنّما يصح إطلاقه فقط على السبب التوليدي. إذا جئنا إلى محل الكلام، ما هي العلاقة بين الضرر وبين الحكم الشرعي ؟ هل هي علاقة المسبب بسببه التوليدي، أو هي علاقة المسبب بالمُعِد له، الاعتراض الأول يقول أنّ العلاقة هي علاقة المسبب بالمعد، ليست علاقة المسبب بسببه التوليدي؛ وذلك لوضوح أنّ الحكم الشرعي مهما كان هو حكم شرعي حكم به الشارع، لكن بالنتيجة لا يكون هو العلّة التامّة لتحقق الضرر في الخارج، فرضاً حكم الشارع بوجوب القيام في الصلاة حتى في هذه الحالة الخاصة، ليس الحكم الشرعي هو العلّة التامّة لتحقق الضرر في الخارج، بأن يقوم هذا يتوضأ فيقع في الضرر، وإنّما هو قام وتوضأ بمحض اختياره.

إذن: بين الحكم الشرعي وبين الضرر توسّطت إرادة واختيار من قِبل هذا المكلف، مثل هذا السبب لا يكون سبباً توليدياً، وإنما يدخل في باب المُعِد؛ وحينئذٍ نقول لا يصح في هذه الحالة إطلاق المسبب على السبب، لا يصح أن يقال أنّ هذا ضرر؛ لأنّ هذا مُعد وليس من قبيل السبب التوليدي، فإذن: لا يصح أن يقال للحكم أنه ضرر لمجرّد أنه يترتب عليه الضرر، حتى لو فرضنا ترتب الضرر عليه، لكن ليس كل ما يترتب عليه الضرر يصح إطلاق الضرر عليه، وإنّما بشكلٍ خاصٍ إذا كان يترتب عليه الضرر من دون توسط إرادة ومقدّمات وأمور أخرى؛ حينئذٍ يطلق عليه الضرر، وإلاّ فلا يصح إطلاق الضرر عليه، وبناءً على هذه الحالة تبطل دعوى أنّ المراد بحديث نفي الضرر هو نفي الحكم الضرري بالتقريب الثالث.

المحقق النائيني(قدّس سرّه) ملتفت إلى هذا الاعتراض وأجاب عنه، وحاصل ما ذكره كجواب هو، قال: نحن نعترف بأنّ ترتب الضرر على الحكم يكون بتوسّط الإرادة والاختيار، وليس من قبيل إطلاق الرصاصة والقتل، أو الإلقاء والإحراق، وإنّما تتوسط الإرادة والاختيار من قِبل العبد بين الحكم الشرعي وبين الضرر، لكن إرادة المكلّف في مثل هذه الحالة، إرادة المكلّف حيث أنّها إرادة مقهورة في عالم التشريع للجعل الشرعي وللحكم الشرعي فبالنتيجة ينتهي الضرر الذي يحصل إلى الجعل؛ لأنّ إرادة العبد إرادة مقهورة، فكأنّه لا يتوسط بين الإرادة التشريعية للمولى وبين تحقق الضرر شيء؛ لأنّ إرادة العبد وإن كانت هي في الواقع تتوسط بينهما، لكنها لمّا كانت إرادة ضعيفة مقهورة، فكأنّه يريد أن يقول هي بحكم العدم، وبالتالي يكون ترتب الضرر يترتب مباشرة على الإرادة التشريعية للمولى، يعني على الحكم الشرعي، فكأنّ الحكم الشرعي صار سبباً توليدياً للضرر، فيصح إطلاق الضرر عليه، يقول: لا نستطيع أن نقول أنّ الضرر ينتهي إلى الحكم الشرعي كانتهاء المسبب إلى المعد له، في محل الكلام الضرر ينتهي إلى الحكم الشرعي كانتهاء المسبب إلى سببه التوليدي، لكن بهذه العناية، هو ليس من قبيل المعد، هناك فرق كبير جداً بين ما نحن فيه وبين المعد، في مثال المعد يُمصّل بهذا المثال: سقي الزارع لزرعه، حرثه لأرضه، هذا معد لحصول النتيجة؛ لأنّ هناك أمور تتوسط بينهما من قبيل النمو وانعقاد الحبة وأمثال هذه الأمور، وهي أمور ليست اختيارية للزارع، فإذن: يتوسط بين الحرث والسقي الذي هو العمل الذي يصدر من الزارع، وبين حصول السنبل، تتوسط أمور خارجة عن قدرة واختيار هذا الزارع؛ ولذا لا نستطيع أن نقول أنّ حرثه وسقيه هو سبب توليدي، وإنّما هو مجرّد معد. بينما في محل كلامنا إرادة العبد واختياره هي إرادة واختيار بلا إشكال، لكن هي ــــــ حسب تعبيره ـــــ في عين كونها اختيارية هي مقهورة لإرادته(سبحانه وتعالى)، والعبد ملزم عقلاً ومجبور شرعاً على الإتيان بالفعل المأمور به، على أن يتوضأ، لمّا كانت إرادة العبد مقهورة فكأنّ العلّة التامة للضرر هو الحكم الشرعي، فتدخل في باب الأسباب والمسببات التوليدية.

أورد على هذا الجواب بهذا الإيراد:

قيل بأنّ مجرّد كون إرادة العبد مقهورة لإرادته(سبحانه وتعالى) لا يجعلها من قبيل الأسباب والمسببات التوليدية موضوعاً، ولا يُلحقها بها حكماً، هذا لا يكفي. مضافاً إلى ذلك أنّ هذا إنّما يتأتى في إرادة العبد المطيع، وأمّا إذا كان العبد عاصياً؛ فحينئذٍ لا يتأتى هذا الكلام؛ لأنّه عبد عاصٍ فلا تكون إرادته مقهورة لإرادة المولى؛ لأنّ إرادة المولى ليست إرادة تكوينية، والمفروض أنّ قاعدة نفي الضرر تشمل المطيعين والعاصين.

إذن: هذا الوجه من ناحية هو مجرّد كون إرادة العبد مقهورة حتى لو فرضناه مطيعاً، هذا لا يُدخِل المقام في باب الأسباب والمسببات التوليدية موضوعاً ولا يُلحقه بها حكماً، مضافاً إلى أنه يختص بما إذا كان العبد مطيعاً.

هذا الرد لجواب المحقق النائيني(قدّس سرّه) عن الاعتراض يمكن للإنسان أن يدافع عن المحقق النائيني(قدّس سرّه)، بأن نقول أنّ مراده هو أنّ إرادة العبد تكون ضعيفة، فتكون بحكم العدم، وهذا له نظائر، الحاكم الظالم عندما يأمر حاجبه بأن يقتل زيداً ـــــ مثلاً ـــــ يصح أن يقال أنّه قتله، في حين أنه لم يقتله، وإنّما هو أمر بالقتل، لكن يصح أن يُطلق على هذا الأمر أنّه قتل لفلان، مع أنّه يتوسط بين أمره وبين تحقق القتل في الخارج إرادة هذا الحاجب واختياره، لكن مع ذلك لمّا كانت هذه الإرادة إرادة بحكم العدم، هذا الحاجب لا إرادة له أمام إرادة السلطان؛ فحينئذٍ في هذه الحالة كأنّ هذه الإرادة المتوسطة بحكم العدم، ويكون الأمر الصادر منه بمثابة السبب التوليدي لتحقق القتل في الخارج. هو يريد أن يقول أنّ إرادة العبد إرادة ضعيفة أمام إرادة المولى(سبحانه وتعالى) ولمّا كانت إرادته ضعيفة، فهي بحكم العدم، وإذا كانت بحكم العدم؛ فحينئذٍ يصح أن نقول أنّ هذا يُلحقها على الأقل حكماً بالأسباب والمسببات التوليدية، ما نحن فيه أيضاً هو من هذا القبيل.

بعبارةٍ أخرى: يريد أن يقول أنّ حديث نفي الضرر الملحوظ فيه عند نفي الضرر هو مقام الإطاعة والامتثال، وإذا كان الملحوظ هو مقام الإطاعة والامتثال لا إشكال في أنّ الجزء الأخير لتحرّك العبد والإتيان بالفعل في الخارج هو عبارة عن الأمر الشرعي، فيكون الأمر الشرعي بمثابة الأسباب التوليدية. هذا هو الذي يدّعيه المحقق النائيني(قدّس سرّه).

الاعتراض الثاني على المحقق النائيني(قدّس سرّه): هذا الاعتراض منقول عن المحقق الأصفهاني(قدّس سرّه)، والناقل يقول في حاشيته على الكفاية ، لكنني راجعت على عجالة ولم أعثر عليه، حاصل ما يقوله المحقق الأصفهاني(قدّس سرّه) هو: أنّ ما يقوله المحقق النائيني(قدّس سرّه) من أنّ المسبب التوليدي ينطبق على سببه إنّما يصح هذا الكلام إذا كان المسبب التوليدي بمثابة المعنى المصدري الذي يحكي عن المبدأ بملاحظة جهة الصدور، ولا يصح هذا الكلام إذا كان المسبب معنى اسم مصدري يحكي عن المبدأ فقط من دون ملاحظة جهة الصدور. قبل أن نطبّق هذه الفكرة على محل الكلام نطبّقها على مثال الاحتراق والإلقاء، الذي يصدق على الإلقاء كما تقدّم هو الإلقاء وليس الإحراق؛ لأنّ الإلقاء ملحوظ فيه جهة الصدور، فهو معنى مصدري لوحظت فيه جهة الصدور، لكن الاحتراق اسم معنى مصدري لم تلحظ فيه جهة الصدور، فلا يصح أن يقال للإلقاء أنه احتراق، لكن يصح أن يقال أنّه إحراقٌ، نفس هذه الفكرة يطبّقها في محل الكلام، يقول: الذي يصح إطلاقه على الحكم الشرعي بهذا البيان الذي ذُكر هو الإضرار، فيقال أنّ الحكم الشرعي إضرار، هذا الذي يستبطن الإشارة إلى المبدأ، لكن بملاحظة جهة الصدور، لكن لا يصح أن يطلق عليه الضرر، الضرر ـــــ على ما تقدّم ــــــ هو اسم مصدر، واسم المصدر هو النتيجة الذي لا تلحظ فيه جهة الصدور؛ فحينئذٍ لا يصح إطلاق الضرر على الحكم الشرعي، وإنما الذي يصح إطلاقه هو الضرار، أو الإضرار، فيقال هذا الحكم ضرار، أو إضرار، لكن لا يصح أن يقال أنّه ضرر؛ لأنّ الضرر لا يلحظ فيه إلاّ المبدأ من دون لحاظ جهة الصدور؛ ولذا في محل الكلام ما اتعب المحقق النائيني(قدّس سرّه) نفسه به لإثبات صحة إطلاق الضرر على الحكم الشرعي، فقوله لا ضرر يُراد به نفي الحكم الذي يكون سبباً في الضرر، هذا لا يكون صحيحاً ولا يكون تامّاً؛ لأنّنا لا نستطيع أن نفسّر لا ضرر بنفي الحكم الضرري بناءً على هذا التقريب. هذا الاعتراض الثاني على المحقق النائيني(قدّس سرّه).

هل يمكن دفع هذا الاعتراض أو لا ؟ هذا الاعتراض على التقريب الثالث للاحتمال الثاني، الظاهر أنه وارد، لكن إذا استعنّا في تقريب أصل الاحتمال بالرابع، لا يلزم هذا الاعتراض؛ لأنّ التقريب الرابع ليس فيه إطلاق الضرر على الحكم حتى نقول كيف يصح إطلاق الضرر على الحكم وما هي العلاقة المصححة لهذا الإطلاق، التي هي علاقة سببية ومسببية توليدية، ليست هكذا ، هذا كلّه يرتبط بدعوى إطلاق الضرر على الحكم الشرعي، بينما التقريب الرابع لا يقول بهذا، وإنما يقول: الضرر لا يراد به الحكم الشرعي، الضرر مستعمل في معناه الحقيقي، والنفي أيضاً مستعمل في معناه الحقيقي، لكن المراد الجدّي للمتكلّم هو نفي الحكم الضرري، لا يوجد إرادة الحكم من الضرر، وإنما يريد الضرر نفسه، لكن المقصود الأصلي ليس هو نفي الضرر، وإنما هو لازمه، لازم كثرة الرماد هو الكرم، فهو يريد أن يخبر عن الكرم، لكن باعتبار أنّ الكرم لازم لهذا الشيء، فهو إخبار عن اللازم ببيان الملزوم، في محل الكلام هو يخبر عن نفي الضرر وغرضه هو نفي اللازم الذي هو الحكم الشرعي الذي يكون سبباً في الضرر، فالغرض والمقصود الأصلي هو نفي الحكم الشرعي؛ وحينئذٍ لا يرِد عليه هذا الإيراد .