الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
37/06/05
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
الأمر الثاني الذي ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) في مقام بيان أرجحية النقيصة من احتمال الزيادة في خصوص محل الكلام، هو مناسبة الزيادة مع القاعدة، أنّ قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) حيث أنّها قاعدة امتنانية، فزيادة (على مؤمن) تناسبها، قاعدة امتنانية رحمة من الله(سبحانه وتعالى) والرحمة لا تناسب أن تكون على غير المؤمنين، وإنما تناسب أن تكون للمؤمنين، فتختص بالمؤمنين ولأجل ذلك أضاف الراوي هذه الزيادة، وإلا هذه الزيادة ليست موجودة، فيّرجح جانب النقيصة، أي عدم وجود الزيادة، وأنّ الزيادة هي إضافة من قبل الراوي لمناسبة هذه الإضافة مع قاعدة (لا ضرر ولا ضرار).
ما هو المقصود بهذه المناسبة بين القاعدة وبين الزيادة (على مؤمن) بحيث تكون موجبة لسبق اللّسان ؟ بحيث تكون الإضافة إضافة ليست عمدية وإنّما هي من باب سبق اللّسان، سبق لسانه فذكر هذه الكلمة، والوجه في ذلك هو مناسبة كلمة (على مؤمن) مع قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، باعتبار أنّها قاعدة امتنانية.
إذا كان هذا هو المقصود بحيث أنّ الإضافة تكون من باب سبق اللّسان باعتبار هذه المناسبة، فهذا يمكن التوقف فيه والاعتراض عليه، بأنّ المفروض في المقام ما يدعيه المحقق النائيني(قدّس سرّه) هي مناسبة معنوية، يعني مناسبة بين قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) من حيث كونها قاعدة امتنانية وبين إضافة على مؤمن، والمناسبة التي تقتضي سبق اللّسان هي مناسبة بين لفظين، يعني التقارن الأكيد بين لفظين هو الذي يوجب سبق اللّسان، فيذكر هذا لوجود مناسبة بين هذه الكلمة وهذه الكلمة، باعتبار وجود تقارن أكيد في الذكر، وهذا التقارن الأكيد بين الكلمتين يوجب تعوّد اللّسان على ذكر الكلمة الثانية عندما تُذكر الكلمة الأولى. هذه هي المناسبة التي توجب سبق اللّسان، فإذا ذكر الكلمة الأولى يسبق لسانه فيذكر الكلمة الثانية باعتبار تعودّه على ذكر الكلمة الثانية كلّما ذكر الكلمة الأولى، لكن هذه المناسبة هي بين لفظين، وهذا غير موجود في المقام، حيث أننا لا نريد أن نقول بوجود مناسبة بين لفظ (لا ضرر ولا ضرار) وبين لفظ (على مؤمن)، وإنما المناسبة المقصودة للمحقق النائيني(قدّس سرّه) هي المناسبة المعنوية، بحسب المعنى كلمة (على مؤمن) تناسب قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) باعتبارها قاعدة امتنانية، وهذا لا يوجب سبق اللّسان بحيث نفسّر هذه الزيادة مع عدم وجودها أساساً على أساس سبق اللّسان، فلا يمكن تفسير كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه) بهذا التفسير.
والمناسب هو أن يقال في تفسيره: أن المحقق النائيني(قدّس سرّه) يريد أن يقول أنّ المناسبة المعنوية هي مناسبة أكيدة وشديدة وواصلة إلى درجة بحيث أنّ الراوي لو كان هو المشرّع لهذه القاعدة لذكر هذا القيد، وهذا التقارن والأُنس الذهني بين القاعدة وهذا القيد قد يبلغ إلى درجة بحيث يوجب اشتباهه وتخيّله أنّ التشريع الصادر من النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) اساساً كان بهذا النحو، يعني أنّ أصل التشريع كان يختص بــ (على مؤمن)، فيُضيف هذه الكلمة من عنده وهي غير موجودة لهذا السبب.
من مجموع هذه الأمور التي ذكرها المحقق النائيني(قدّس سرّه) إن حصل الوثوق بترجيح جانب النقيصة، فنعمل على ذلك، فيتقدّم جانب النقيصة على جانب الزيادة. أمّا إذا لم يحصل من ذلك إلاّ الاحتمال والظن، وقلنا سابقاً أنّه لا دليل على حجية الظن في هذا المقام، فلابدّ من الرجوع إلى القواعد العامّة في أمثال هذا الباب، وقد عرفنا أنّ القواعد العامة في هذا الباب تقتضي أنه مع عدم وجود مرّجح لأحد الاحتمالين على الاحتمال الآخر يُحكم بالتساقط وعدم ثبوت كلٍ من الزيادة والنقيصة، فإذا كانت هناك آثار تترتب على الزيادة لا يمكن ترتيبها، وإذا كانت هناك آثار تترتب على النقيصة أيضاً لا يمكن ترتيبها لعدم المرجّح، وإنّما تثبت القضية المهملة، فلا نستطيع القول أنّ فيها زيادة، ولا نقيصة، ونرتّب الآثار على هذه القضية المهملة.
إلى هنا الكلام كلّه كان في الطائفة الأولى من الأخبار، والنتيجة التي وصلنا إليها هي أنّ روايات الطائفة الأولى التي تتحدث عن قصة سمُرة بن جندب لا يوجد فيها تهافت، إمّا لعدم ثبوت ما عدا الرواية الأولى التي يرويها ابن بكير عن زرارة، سنداً، إذا أردنا تطبيق قوانين تصحيح السند، وهذا معنى أنّ التعويل يكون على هذه الرواية وما يُفهم من هذه الرواية هو الذي نثبته في هذه القاعدة، فلا معنى حينئذٍ للتهافت. كما أنّه إذا قلنا بحصول التواتر الإجمالي والوثوق الإجمالي على ما تقدّم سابقاً؛ حينئذٍ لا نلحظ سند الأخبار، بناءً على هذا قلنا أنّ مقتضى القاعدة هو الاقتصار على المقدار المتيقن من هذه الروايات، فإذا شككنا في شمول القاعدة لموردٍ لا يمكن إثبات مفاد القاعدة في ذلك المورد؛ لأنّه ليس لدينا إطلاق، وإنّما لدينا تواتر إجمالي الذي يُقتصر فيه على المقدار المتيقن، ولا إشكال أنّ المقدار المتيقن غير هذا المورد الذي نشك في شمول القاعدة له، فلا يمكن إثبات مفاد القاعدة في ذلك المورد المشكوك. كما أنّه إذا دار أمر مدلول القاعدة بين شيئين متباينين هنا أيضاً لا يمكن إلاّ أن نثبت أحد هذين الشيئين على الإجمال لا أكثر من هذا، فلو فرضنا أنّ مدلول القاعدة دار بين حرمة الإضرار تكليفاً أو يكون هو عبارة عن نفي الحكم الضرري، ما يمكننا إثباته هو أحد هذين الأمرين على الإجمال إذا كان هناك أثر يترتب على ثبوت أحد المفادين على الإجمال نرتبه، أمّا الأثر الذي يترتب على خصوص هذا الفرد، أو خصوص ذاك الفرد، فلا يمكن ترتيبه.
وأمّا إذا قلنا بصحة سند الروايات المتقدّمة بشكلٍ من إشكال تصحيح السند لو تنزلنا وقلنا بذلك، يعني توسعنا في قوانين تصحيح السند كما لو بنينا على أنّ من يقع في أسانيد كامل الزيارات فهو ثقة، أو أنّ من يكون شيخ إجازة فهو ثقة. بناءً على هذا التوسع قد تثبت حجّية جميع الأخبار المتقدّمة. بناءً على هذا هال هناك تهافت، أو لا ؟ تبيّن من البحث السابق أنّه حتى لو وصلت النوبة إلى هذا لا يوجد تهافت؛ لأننا قلنا أنّ هناك وجوهاً أربعة لدعوى التهافت في هذه الروايات، وقد تبين أنّ الوجوه الثلاثة الأولى لا يوجد تهافت بين الروايات بلحاظها. والوجه الرابع كان هو بلحاظ إضافة قيد (على مؤمن) في بعض الروايات وعدم وجوده في الروايات الأخرى من هذه الطائفة، وأيضاً تبيّن أنّه لا يوجد تهافت حتى بلحاظ كلمة (على مؤمن) بناءً على تقديم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة؛ لثبوت الزيادة حينئذٍ. كما أنّه بناء على أننا لا نقبل تقديم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة كما هو الصحيح؛ حينئذٍ إذا كانت هناك قرائن تقتضي تقديم وأرجحية جانب الزيادة على جانب النقيصة، أو جانب النقيصة على جانب الزيادة عملنا بهذه القرائن إذا أوجبت الوثوق والاطمئنان؛ وحينئذٍ أيضاً لا يوجد تهافت؛ لأنّه إمّا تثبت الزيادة، أو يثبت عدمها، وعلى كلا التقديرين لا يوجد تهافت. وأمّا إذا فرضنا عدم وجود مرجّح لجانب الزيادة، ولا لجانب النقيصة فهنا القاعدة تقتضي التساقط وعدم ثبوت أيٍ من الزيادة والنقيصة. هذا ما يتلخّص من البحث السابق.
روايات الطائفة الثانية: وقد تقدم أنّها عبارة عن اربع روايات لا تتحدث عن قصة سمُرة بن جندب، وإنما تتحدث عن بعض أقضية رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الشفعة وفي منع فضل الماء...وأمثال هذه الروايات التي تتحدث عن القضاء المنقول عن النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهي عبارة عن اربع روايات، ثلاثة منها ترتبط بباب الشفعة، ويظهر منها أنها تطبيق للقاعدة على باب الشفعة، وواحدة من هذه الروايات الأربعة يرتبط بمنع فضل الماء.
روايات الشفعة: وهي ثلاث روايات من الطائفة الثانية، وهي عبارة عن
الرواية الأولى: ما رواه الشيخ الكليني(قدّس سرّه) بسنده ، عن محمد بن عبد الله بن هلال، عن عقبة بن خالد.[1]
الرواية الثانية: ما رواه الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) بسنده، عن عقبة بن خالد.[2]
الرواية الثالثة: ما رواه الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) في التهذيب بسنده، عن محمد بن عبد الله بن هلال، عن عقبة بن خالد.[3]
تقدّم سابقاً أنّ هذه الروايات غير تامّة سنداً من جهة محمد بن عبد الله بن هلال؛ بل حتى من جهة عقبة بن خالد، حيث لم تثبت وثاقتهما، وكل منهما موجود في سند كل هذه الروايات، فالرواية غير تامة سنداً. وكون الروايات التي تتحدث عن الشفعة ثلاثة أو أقل هذا بحث مبني على أنّ الرواية التي ينقلها الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) في التهذيب هل هي رواية مستقلة وليس لها علاقة بما يرويه الشيخ الكليني(قدّس سرّه) في الكافي، أو هي عبارة عن نفس الرواية ؟ أي هل الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) نقل هذه الرواية من الكافي ؟ أو أنّه روى الرواية بسنده الخاص ولم يأخذها من الكافي ؟ إذا قلنا بأنّه أخذها من الكافي، وإن بدأ السند بمحمد بن يحيى لا بمحمد بن يعقوب، أي الشيخ الكليني، والشيخ الطوسي(قدّس سرّه) تعهّد في مقدّمة كتابه بأنّه عندما يبدأ السند بشخص فأنّه يأخذ الرواية من كتاب ذلك الشخص، فعندما يذكر محمد بن يحيى، فأنه أخذ الرواية من كتابه لا أنه أخذها من الكافي للشيخ الكليني(قدّس سرّه)، إذا قلنا هكذا؛ فحينئذٍ تكون الروايات ثلاثة لا اثنان، يعني نستطيع أن نقول أنّ هذه الروايات رواها المشايخ الثلاثة، الشيخ الكليني(قدّس سرّه)، والشيخ الصدوق(قدّس سرّه)، والشيخ الطوسي(قدّس سرّه)، أمّا إذا قلنا أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) صحيح هو يبدأ السند بمن أخذ الرواية من كتابه، لكن في خصوص ما إذا بدأ السند بمشايخ الشيخ الكليني(قدّس سرّه)، فهذا معناه أنّ÷ أخذ الرواية من كتاب الكافي للشيخ الكليني(قدّس سرّه). إذا ثبت هذا؛ فحينئذٍ تكون الروايات عبارة عن روايتين، رواية الشيخ الكليني(قدّس سرّه)، ورواية الشيخ الصدوق(قدّس سرّه)، أمّا رواية الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) فهي عبارة عن نفس رواية الشيخ الكليني(قدّس سرّه).
في خصوص البحث السندي في هذه الروايات قد يقال: رواية الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) في الفقيه يذكرها بسنده عن عقبة بن خالد. الإشكال في هذه الرواية أنّ الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) لم يذكر طريقاً له إلى عقبة بن خالد في المشيخة؛ فحينئذٍ تكون الرواية مرسلة، فتسقط على أساس الإرسال لعدم معرفتنا بطريق الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) إلى عقبة بن خالد.
قد يُحاول تصحيح سند الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) وإخراج الرواية عن حدّ الإرسال، وذلك بأن يقال: أنّ الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) لم يذكر طريقاً إلى عقبة بن خالد في المشيخة، لكن يمكن العثور على طريقٍ له إلى عقبة بن خالد وذلك بالالتفات إلى أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) في الفهرست ذكر طريقه إلى عقبة بن خالد، والشيخ الصدوق(قدّس سرّه) وقع في هذا الطريق، ذكر الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) في الفهرست تحت عنوان عقبة بن خالد، قال:
(له كتاب أخبرنا به عدّة من أصحابنا، عن محمد بن علي بن الحسين ــــــ الذي هو الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) ــــــ عن أبيه، ومحمد بن الحسن ـــــــ ابن الوليد ــــــ عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين ـــــــ ابن أبي الخطاب ـــــــ عن محمد بن عبد الله بن هلال، عن عقبة بن خالد). [4]
فيقال عثرنا على طريقٍ للشيخ الصدوق(قدّس سرّه) إلى كتاب عقبة بن خالد، والذي هو الشيخ الصدوق(قدّس سرّه)، عن ابيه، ومحمد بن الحسن .....الخ. فالرواية التي يرويها في الفقيه ويبدأها بعقبة بن خالد له طريق إلى كتاب عقبة بن خالد وهو عبارة عن هذا الطريق الذي استكشفناه من طريق الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) في الفهرست.
لكن هذا على تقدير الإيمان بكبرى التعويض بهذا الشكل، وهو غير واضح، المشكلة الموجودة في سائر أسانيد هذه الروايات موجودة في هذا الطريق أيضاً، وهو محمد بن عبد الله بن هلال، وعقبة بن خالد، كل منهما كما قلنا لم تثبت وثاقته؛ فحينئذٍ حتى لو استكشفنا هذا الطريق للشيخ الصدوق(قدّس سرّه)، مع ذلك هذا لا ينفعنا. نعم، إذا تمّت الكبرى، قد يُخرج الرواية عن حدّ الإرسال، لكن السند ضعيف بمحمد بن عبد الله بن هلال وهكذا عقبة بن خالد؛ لعدم ثبوت وثاقة كل واحد منهما، على أنّ أصل التعويض بهذا الشكل غير واضح باعتبار عدم وضوح نقل الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) للرواية من كتاب عقبة بن خالد. الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) استفدنا منه في كتاب الفهرست أنّ الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) يملك طريق إلى كتاب عقبة بن خالد، لكن نحن لا نعلم أنّ الرواية التي يرويها في الفقيه هل هي مأخوذة من كتاب عقبة بن خالد ؟ وهذا بحث مبني على أنّ الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) ليس كالشيخ الطوسي(قدّس سرّه)، حيث يلتزم الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) بأن يبدأ السند بصاحب الكتاب الذي أخذ الرواية منه، بينما لم يثبت أنّ الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) يلتزم بذلك بحيث إذا بدأ السند بعقبة بن خالد معناه أنّ الرواية التي يذكرها في الفقيه أخذها من كتابه، إذا قلنا بذلك؛ فحينئذٍ تكون هذه مشكلة أخرى في هذا التعويض؛ لأنّ هذا لا يستطيع أن يثبت أنّ طريق الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) إلى الرواية التي يرويها في الفقيه هو الطريق الذي استكشفناه من ما ذكره الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) في الفهرست. هذه محاولة أيضاً ليست تامة، فالظاهر أنّ روايات الطائفة الثانية كلّها غير تامّة سنداً.
البحث الذي وقع في هذه الطائفة، وبالخصوص الروايات التي ترتبط بباب الشفعة والتي قلنا أنّها ثلاث روايات، أو روايتين، أنّه هل هناك ارتباط بين قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) المذكورة في هذه الأحاديث وبين الحكم بالشفعة بين الشركاء الموجود في هذه الروايات ؟ أو ليس هناك ارتباط، وقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) ذُكرت كشيءٍ مستقل وليس مرتبطاً بالحكم بالشفعة بين الشركاء. هذا بحث طُرح في كلمات المتأخرين والسبب في طرحه هو أنّ بعض المحققين أصر على أنّ مفاد قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) هو الحكم التكليفي التحريمي ليس إلاّ، مفادها هو حرمة الإضرار على حدّ حرمة الغيبة وحرمة الزنا وأمثالها، ولا يستفاد من هذه القاعدة إلاّ الحرمة التكليفية فقط. هذا الرأي لا يناسب أن يقال أنّ هذه الروايات ظاهرة في الارتباط بين القاعدة وبين الحكم بثبوت الشفعة للشركاء؛ لأنّ هذا الارتباط يعني تطبيق قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) على هذه المسألة وانتزاع الحكم المناسب من ثبوت حق الشفعة للشركاء؛ لأنّ عدم إعطائهم حق الشفعة فيه ضرر عليهم، فمقتضى تطبيق قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) هو انتفاء حكم ضرري، أو ثبوت حكم يناسب هذه القاعدة، هذا هو مقتضى الارتباط؛ لأنّه يطبق هذه الكبرى على هذا المورد حيث أثبت حق الشفعة للشركاء، وكأنه يقول أنّ القاعدة هي التي يُستدل بها على ثبوت حق الشفعة للشركاء، وهذا معناه أننا لا نستطيع تفسير القاعدة بأنّ المراد بها فقط الحرمة التكليفية، وإنّما نفهم منها شيء آخر غير الحرمة التكليفية بناءً على وجود ارتباط بين القاعدة وبين الحكم بثبوت حق الشفعة للشركاء. ومن هنا حاول صاحب هذا الرأي(المحقق شيخ الشريعة الأصفهاني) أن يفك الارتباط بينهما في هذه الروايات ويثبت أن قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) المذكورة في هذه الروايات هي قاعدة مستقلة ولا علاقة لها بالحكم بالشفعة بين الشركاء، وكأنه ورد أمران، عبّر عنه بـــ(الجمع في الرواية لا الجمع في المروي) يعني كأنه لدينا كلام يرتبط بباب الشفعة، ولدينا شيء آخر مستقل وهو (لا ضرر ولا ضرار)، الراوي جمع بينهما في رواية واحدة، وإلا أساساً لا يوجد ارتباط في ما بينهما. عندما تحرر من مسألة الارتباط؛ حينئذٍ بإمكانه أن يدّعي أنّ المراد بـــ (لا ضرر ولا ضرار) هو فقط الحرمة التكليفية، فبذل جهداً في فك هذا الارتباط في ما بينهما مع أنّه لأول وهلة يبدو خلاف الظاهر جداً، والظاهر من الروايات هو وجود ارتباط بين القاعدة وبين الحكم بثبوت حق الشفعة للشركاء.