الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
37/04/20
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية
كان الكلام في احتمال أن يكون وجوب التعلّم وجوباً غيرياً مقدّمياً، اعتُرض على ذلك كما تقدّم نقله عن المحقق النائيني(قدّس سرّه) بأنه لا مجال لكون وجوب التعلّم وجوباً غيرياً مقدّمياً باعتبار عدم وجود ملاك التوقف الذي هو ملاك الوجوب الغيري؛ لأنّ فعل الواجبات وترك المحرّمات لا يتوقف على التعلّم؛ وذلك لإمكان الإتيان بذلك عن طريق الاحتياط. في المقابل قيل بأنّ هذا يصح في بعض الحالات لا في جميعها، هذا يصح في ما إذا كان ترك التعلّم لا يؤدي إلى الغفلة؛ بل يبقى المكلف ملتفتاً إلى صورة الفعل وإلى حكمه، لكن لا يعلم ما هو الحكم، في هذه الحالة يتأتى منه الاحتياط ويقال بأنّ فعل الواجبات وترك المحرّمات لا يتوقف على التعلّم، فلا يكون فيه ملاك الوجوب الغيري. وأمّا إذا أدّى إلى الغفلة، ففي هذه الحالة يكون التوقف واضحاً؛ لأنّ الإتيان بالواجبات وترك المحرّمات في حالة الغفلة يتوقف على التعلم، فيوجد فيه ملاك الوجوب الغيري، فينبغي أن يُلتزم بالوجوب الغيري في هذه الحالات. وذكرنا في الدرس السابق أنّه تضاف إلى هذه الحالات حالة ما إذا كان الواجب عبادي، وقلنا بأنّ الامتثال التفصيلي معتبر في العبادات، ففي هذه الحالة حتى مع الالتفات وعدم الغفلة الامتثال التفصيلي يتوقف على التعلم، فأنّه بالاحتياط لا يكون الامتثال تفصيلياً، وإنّما يكون الامتثال إجمالياً، فإذا اشترطنا الامتثال التفصيلي في العبادات؛ حينئذٍ يتوقف الإتيان بالواجب بتمام ما هو معتبر فيه حتى الامتثال التفصيلي يتوقف على التعلم؛ فحينئذٍ يوجد ملاك الوجوب الغيري في هذه الحالة أيضاً. هذا الإشكال الذي تقدّم في الدرس السابق.
بالنسبة إلى موارد الغفلة فيما إذا كان ترك التعلم يؤدي إلى الغفلة، في هذه الحالة يمكن أن يُعترض على ذلك بما حاصله أنّ في حالة ما إذا كان ترك التعلم موجباً إلى الغفلة عن الواجب، وبالتالي يكون موجباً لفوات الواجب، فيكون الإتيان بالواجب موقوفاً على التعلم كما قيل، في هذه الحالة الالتزام بالوجوب الغيري للتعلم لا يخلو عن إشكال، حاصله: في هذه الحالة يكون التعلم في الحقيقة ليس من مقدّمات الواجب حتى يقال بوجوبه الغيري لتوقف الواجب عليه في حالة الغفلة، وإنما يكون التعلّم مقدّمة للتحفظ ولعدم الغفلة لا أنّه مقدّمة للواجب، يعني المكلف بالتعلم لا يقع في الغفلة، عدم الغفلة يترتب عليه الإتيان بالواجب، لكن ما يترتب على التعلم هو التحفظ وعدم الوقوع في الغفلة، فيكون مقدّمة لعدم الغفلة، وهذا واضح باعتبار أنّ التعلم يؤدي إلى عدم الغفلة، فإذا لم يكن غافلاً؛ حينئذٍ يتمكن من الإتيان بالواجب وترك الحرام.
حينئذٍ، هل التحفظ واجب، حتى يكون التعلّم الذي هو مقدّمة له واجباً بالوجوب الغيري ؟ وفيه ملاك الوجوب الغيري، أو أنّ التحفظ ليس واجباً ؟ إذا قلنا أنّ التحفظ ليس واجباً؛ لأنّ من جملة ما يرفع حديث الرفع يرفع النسيان، ويُفسّر رفع النسيان بأنّ تحفظ الإنسان من أن يقع في النسيان ليس واجباً، فإذا لم يكن التحفظ واجباً وكان التعلّم مقدمة للتحفظ، فهذا معناه أنّ التعلم ليس فيه ملاك الوجوب الغيري؛ لأنّه مقدّمة للتحفظ وفرضنا أنّ التحفظ ليس من الواجبات الشرعية؛ بل الشارع ألغى وجوبه، والمستفاد من فقرة رفع النسيان في حديث الرفع أنّ المقصود برفع النسيان هو عدم إيجاب التحفظ، أي أنّ التحفظ الذي يكون مانعاً من النسيان ليس واجباً على المكلّف، فيجوز للمكلف أن لا يتحفظ، فإذا لم يكن التحفظ واجباً، فلا يكون التعلم الذي هو مقدمة للتحفظ واجباً بالوجوب الغيري ولا يوجد فيه ملاك الوجوب الغيري. التعلم ليس مقدمة للإتيان بالواجب وترك الحرام حتى يقال بوجوبه الغيري. هذا بالنسبة إلى ما إذا كان ترك التعلم يؤدي إلى الوقوع في الغفلة، اتصاف التعلم بالوجوب الغيري في هذه الحالة يواجه هذه المشكلة.
أمّا إذا كان الواجب من العبادات، بناءً على اعتبار الامتثال التفصيلي في العبادات، هنا قيل بأنّ التوقف يكون ثابتاً؛ لأنّ الإتيان بالواجب بتمام ما يُعتبر فيه ومنه الامتثال التفصيلي يتوقف على التعلم؛ لأنّ المكلّف من دون تعلم الحكم لا يتمكن من الامتثال التفصيلي، ولا يتمكن من الإتيان بالواجب مع تمام ما يعتبر فيه، فيحصل التوقف ويكون فيه ملاك التوقف.
الجواب عن هذا المطلب جواب مبنائي، وهو أنّنا لا نسلّم اعتبار الامتثال التفصيلي في العبادات، فإذاً: بالنسبة إلى من لا يقول باعتبار الامتثال التفصيلي في العبادات لا يكون هناك توقف على التعلم حتى يتصف التعلم بالوجوب الغيري. ومن هنا يمكن أن يقال: أنّ افتراض أنّ وجوب التعلّم وجوب غيري بملاك المقدمية والتوقف كما هو الحال في سائر المقدمات التي يتوقف عليها الواجب، هذا غير متحقق في محل الكلام. هذا بالنسبة إلى الوجوب الغيري.
يبقى من الاحتمالات المتقدمة غير الاحتمالات التي تقدّم التعرض لها احتمال الوجوب الإرشادي والوجوب الطريقي، فإذا تم ما تقدّم ونفينا الاحتمالات السابقة فالأمر حينئذٍ يدور بين الوجوب الطريقي والوجوب الإرشادي. المحقق العراقي(قدّس سرّه) ذهب إلى أنّ الوجوب في المقام إرشادي[1] ونفى كون الوجوب وجوباً طريقياً، وذكر في مقام الاستدلال على ذلك بأنّ سياق أخبار التعلّم أنّها ظاهرة في أنّها للإرشاد، والمقصود بالإرشاد هو أنّها في مقام الإرشاد إلى حكم العقل بوجوب الفحص وعدم جواز إجراء البراءة قبل الفحص في الشبهات الحكمية، إمّا لأجل العلم الإجمالي بوجود تكاليف شرعية إلزامية في ضمن المشتبهات، بحكم العقل ينجّز عليه تلك التكاليف الواقعية الموجودة في ضمن المشتبهات ويمنع من إجراء البراءة في كل مشتبه قبل الفحص، وإمّا من جهة أن يقال: اساساً العقل يحكم بأنّ احتمال التكليف قبل الفحص يكون منجزاً، وقالوا : بأنّ مناط حكم العقل بتنجيز الاحتمال قبل الفحص في الشبهات الحكمية هو دفع الضرر؛ لأنّه يحتمل الضرر، فيحكم بوجوب الفحص دفعاً للضرر المحتمل. هذا إنّما يقال مع فرض أنّ أدلة البراءة الشرعية لا يوجد فيها إطلاق يشمل حالة ما قبل الفحص، وإلاّ لو كانت أدلة البراءة الشرعية مطلقة لحالة ما قبل الفحص، فأنها تكون هي بنفسها مؤمّنة من العقاب ومن الضرر.
وبعبارة أخرى: تقدّم سابقاً أنّ ديدن الشارع ليس هو إيصال التكاليف إلى يد المكلف، وإنّما ديدنه هو أن يجعل التكاليف في معرض الوصول، في هذه الحالة العقل يحكم بوجوب الفحص على المكلّف ولا يجوز له إجراء البراءة قبل الفحص؛ لأنّ الشارع حينما وضع تكاليفه في موضع معيّن، على المكلف أن يسعى ويفحص لكي يصل إلى ذلك الموضع المعيّن ويعلّم بأنّ ذلك التكليف المشكوك ثابت أو ليس ثابتاً ؟
على كل حال، إمّا للعلم الإجمالي، أو لدعوى أنّ العقل يحكم بمنجزية احتمال التكليف في الشبهات الحكمية قبل الفحص ولو لم ننظر إلى العلم الإجمالي، هذا يكون هو حكم العقل الذي ترشد إليه أخبار وجوب التعلّم، فهي إرشاد إلى ما يحكم به العقل من عدم جواز إجراء البراءة قبل الفحص. ثمّ ذكر بأنّه لا مجال أصلاً لحمل أخبار وجوب التعلّم على أنّ الواجب واجب طريقي؛ بل لا يصح ذلك؛ لأنّه يبني على أنّ المعتبر في كون الأمر أمراً طريقياً والوجوب وجوباً طريقياً أن يتحد الأمر الطريقي مع الأمر الواقعي، وموضوع الأمر الطريقي مع موضوع الأمر الواقعي بحيث يُعد امتثال الأمر الطريقي امتثالاً للأمر الواقعي، هذا هو الشرط في صحة كون الأمر أمراً طريقياً، يقول: هذا الشرط متحقق في مثل إيجاب الاحتياط، وفي مثل وجوب تصديق العادل في باب الإمارات ـــــــ مثلاً ـــــــ ومن هنا يمكن أن نقول أنّ الحجّية ووجوب تصديق العادل في باب الإمارات وجوبه وجوب طريقي والأمر به طريقياً، وهكذا الحال في وجوب الاحتياط، إيجاب الاحتياط يمكن أن نقول أنّه وجوب طريقي والأمر به أمر طريقي؛ لأنّ الأمر بالاحتياط هو عين الأمر بالتكليف الواقعي على تقدير الموافقة، وموضوعهما واحد، وامتثال الأمر بالاحتياط هو عبارة أخرى عن امتثال التكليف الواقعي الذي ينجزه الأمر بالاحتياط، أو الأمر بتصديق العادل، في هذه الحالة عندما يكون هو عينه، بمعنى أنّ المكلف إذا احتاط يعني أنّه امتثل التكليف الواقعي، وإذا صدّق العادل وعمل بخبره على فرض الموافقة يعني عمل بالتكليف الواقعي، ليس بين امتثال هذا وامتثال ذاك مباينة، امتثال هذا هو عين امتثال الأمر الواقعي المنجز بهذا الأمر الطريقي وليس شيئاً آخر، في هذه الحالة يقول: نلتزم بأنّ الأمر أمر طريقي والوجوب وجوب طريقي. يقول: هذا الشرط غير متوفر في محل الكلام، أي في وجوب التعلّم المستفاد من أخبار وجوب التعلّم؛ ولذا لا يجوز لنا أن نقول أنّ وجوبه وجوب طريقي؛ لوضوح أنّ الأمر بتعلّم الحكم بوجوب الصلاة ــــــ مثلاً ــــــ هو غير الأمر بالصلاة وموضوعهما مختلف، ومتعلقهما مختلف، هذا الأمر يتعلق بالصلاة، وذاك الأمر يتعلق بتعلم حكم الصلاة، فلا يُعد امتثال هذا امتثالاً لذاك، فامتثال الأمر بالتعلم ليس امتثالاً للأمر بوجوب الصلاة، هو غيره ومباين له، ومن هنا يقول: لا مجال لأن نقول بأنّ وجوب التعلّم وجوب طريقي؛ لأنّ الشرط عنده في كون الوجوب طريقي وفي كون الأمر طريقي هو ما ذكرناه وهو غير متوفّر في مسألة التعلم؛ ولذا انتهى إلى أنّ وجوب التعلّم ليس وجوباً طريقياً، خلافاً لما هو المعروف، وإنّما وجوبه وجوب إرشادي إلى حكم العقل بوجوب الفحص وعدم جواز إجراء البراءة قبل الفحص.
من الواضح أنّ الذي دعاه إلى الالتزام ـــــ حسب ظاهر كلامه ــــــ بالوجوب الإرشادي لا بالوجوب الطريقي هو مسألة أنه يرى عدم وجود ارتباط بين الواقع وبين وجوب التعلّم، بعكس وجوب الاحتياط بالنسبة إلى التكليف الواقعي حيث يوجد ارتباط بينهما وموضوعهما متحد كما قال، وامتثال هذا هو امتثال للتكليف الواقعي، فبينهما ارتباط كامل، فيمكن أن يكون امتثال وجوب الاحتياط وجوباً طريقياً، بمعنى أنّ الشارع يجعل وجوب الاحتياط بداعي تنجيز الواقع؛ لأنّ امتثال الأمر بالاحتياط هو امتثال للواقع، فإذاً: بالإمكان أن ينجز الواقع عن طريق إيجاب الاحتياط، بينما إذا فرضنا عدم وجود ارتباط بين الأمرين؛ حينئذٍ لا يكون مقبولاً أن يقال أنّ هذا الوجوب وجوب طريقي، وأنّ الشارع جعله بداعي تنجيز الواقع؛ لعدم الارتباط بينهما، امتثال هذا ليس امتثالاً لذاك، فكيف يكون إيجاب التعلم منجّزاً للتكليف الواقعي بحيث يكون وجوبه وجوباً طريقياً يُراد به تنجيز الواقع ؟ يقول: هذا يصح في وجوب الاحتياط ولا يصح في وجوب التعلّم لعدم وجود ارتباط بين الواقع وبين وجوب التعلّم. هذا من جهة.
من جهة أخرى: يؤكد ما يقوله المحقق العراقي(قدّس سرّه) من عدم وجود ارتباط، أننا لو فرضنا أنّ الواقع تنجّز على المكلّف، هل من آثار تنجّز الواقع وجوب التعلّم حتى يقال أنّ إيجاب التعلم يقتضي تنجيز الواقع باعتبار هذه الملازمة الموجودة بينهما ؟ لأنّه لو فُرض أنّ الواقع منجّز، فمن آثار تنجيز الواقع وجوب التعلّم، فالدليل الذي يدل على وجوب التعلّم؛ حينئذٍ يمكن أن يكون جُعل بداعي تنجيز الواقع؛ لأنّه من آثار تنجيز الواقع، فيوجب التعلم بداعي تنجيز الواقع، لكن الكلام في أنّ وجوب التعلّم هل هو من آثار تنجيز الواقع، أو لا ؟ يمكن أن يقال أنّه ليس من آثاره وجوب التعلم، لو فُرض أنّ الواقع تنجز على المكلف لكان مقتضياً لوجوب الاحتياط لا لوجوب التعلّم، هذا يكشف عن أنّ وجوب التعلّم ليس من آثار تنجيز الواقع حتى يكون الغرض من إيجاب التعلم وجعله بداعي تنجيز الواقع فيكون وجوبه وجوباً طريقياً. هذا كله معناه هو ما ركّز عليه المحقق العراقي(قدّس سرّه)، حيث يقول لا يوجد ارتباط بين وجوب التعلّم وبين الواقع، فلا مجال لأن يكون إيجاب التعلّم في هذه الأدلة منجزاً للواقع حتى يكون وجوبه وجوباً طريقياً. هذا ما يركز عليه المحقق العراقي(قدّس سرّه) والذي دعاه لأن ينكر كون وجوب التعلّم وجوباً طريقياً ويذهب إلى أنّ وجوبه وجوب إرشادي.
قد يجاب عن هذا الكلام: لو سلّمنا هذا الكلام وآمنا بعدم وجود ارتباط بين وجوب التعلّم وبين الواقع، فلا يصلح وجوب التعلّم لكي يكون منجزاً للواقع لعدم الارتباط بينهما بخلاف إيجاب الاحتياط، لكن الكلام في أنّه لماذا نشترط في الوجوب الطريقي أن يكون بينه وبين الواقع ارتباط مباشر ؟ بمعنى أن يكون وجوب التعلّم من آثار تنجيز الواقع ويكون تنجيز الواقع مقتضياً لإيجاب التعلم في حدّ نفسه وباعثاً نحوه حتى يمكن أن يكون وجوب التعلّم وجوباً مجعولاً بداعي تنجيز الواقع، فيكون وجوبه وجوباً طريقياً، لماذا نشترط هذا الشيء في الوجوب الطريقي ؟ إلا يمكن أن نقول أنّ الوجوب الطريقي لا يُشترط فيه ذلك فقط؛ بل يمكن أن يقال أنّ الوجوب الطريقي يمكن أن يكون معقولاً حتى إذا كان منجزاً للواقع ومرتبطاً بالواقع بالواسطة، لا مباشرةً، وعلى هذا الأساس تُطرح فكرة أنّ وجوب التعلّم ينجز الطريق الذي يكون هو في الواقع منجزاً للواقع، أيّ ضيرٍ في أن نقول أنّ وجوب التعلّم يكون منجزاً للطريق الذي يكون طريقاً للحكم الشرعي، ويكون منجزاً للتكليف الواقعي ؟ هنا لا يمكن أن ننكر وجود ارتباط بين وجوب التعلّم وبين الطريق على التكليف الشرعي فيما إذا آمنا ـــــ كما تقدّم ــــــ بأنّ الشارع جعل طرقاً للتكاليف الشرعية موصلة إليها، لكن جعلها هذه الطرق في معرض الوصول، بمعنى أنّ هذه الطرق على التكاليف الشرعية بوجودها الواقعي لا تكون منجزة للتكليف الواقعي، وإنّما تكون منجزة للتكليف الواقعي إذا كانت في معرض الوصول؛ حينئذٍ يقال أنّ المكلف إذا احتمل وجود طريق في معرض الوصول واحتمل كونه منجزاً للتكليف الواقعي بأن كان يتضمن حكماً إلزامياً وأمثال هذا؛ حينئذٍ يكون وجوب التعلّم من آثار وجود طريقٍ في معرض الوصول منجزاً للحكم الواقعي وللتكليف الواقعي، فأنّه إذا كان هناك طريق موضوع في مكانٍ معيّن ينجز التكليف الواقعي، النتيجة القهرية لذلك هي وجوب التعلّم على المكلّف، ويجب عليه أن يفحص في ذلك الموضع المعيّن أنّه هل هناك طريق منجز للتكليف الواقعي، أو لا ؟ حينئذٍ يكون الارتباط بينهما واضحاً؛ لأنّه إذا كان هناك طريق محتمل موجود في معرض الوصول بحيث أنّ المكلف إذا فحص لعثر عليه، هذا يجعل احتمال وجود ذلك الطريق المنجز للتكليف الواقعي مقتضياً وباعثاً نحو التعلم.
فإذاً: من الممكن افتراض أنّ الشارع يجعل إيجاب التعلّم بداعي تنجيز ذاك الطريق، ويجب على المكلف أن يفحص عن الطريق، فأنّ الطريق لا يصل إليه وإنّما هو موجود في معرض الوصول، فيجب عليه الفحص والتعلم حتى يصل إلى ذاك المكان المعيّن، فإمّا أن يثبت وجود طريق ينجّز التكليف، وإمّا أن ينفي ذلك، لكن يجب عليه الفحص والتعلم.
وبعبارةٍ أخرى: لو فُرض وجود طريقٍ في معرض الوصول ينجز التكليف الواقعي، لكان هذا مقتضياً لإيجاب التعلم، كما قلنا أنّ تنجيز الواقع على فرض أن يكون هناك تكليف واقعي منجز هو يدعو ويقتضي وجوب الاحتياط، هنا نقول على فرض أن يكون هناك طريق في معرض الوصول بحيث لو فحص عنه المكلّف لعثر عليه، ينجز التكليف الواقعي، لكان مقتضياً وباعثاً نحو التعلم، في هذه الحالة لا يجوز للمكلف أن يترك الفحص والتعلم مع أنّه يحتمل وجود طريق في معرض الوصول يكون منجزاً للتكليف الواقعي.
فإذاً: الارتباط بين وجوب التعلم وبين الواقع موجود لكن بواسطة الطريق، بمعنى أنّ وجوب التعلّم ينجز الطريق، وهذا الطريق يكون منجزاً للتكليف الواقعي، فإذاً: الطريقية بمعنى جعل الوجوب لغرض تنجيز الواقع يمكن فرضها في وجوب التعلّم، لكن بهذه الواسطة، ولا يمكن فرضها مباشرة لعدم الارتباط، لكن من الممكن أن يكون وجوب التعلّم منجزاً للطريق على فرض وجوده، والطريق يكون منجزاً للواقع. فإذاً: يمكن جعل وجوب الاحتياط بداعي تنجيز الواقع، لكن بهذا الشكل الذي ذكرناه؛ وحينئذٍ لا يتعيّن أن يكون الوجوب وجوباً إرشادياً إلى حكم العقل بما ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه)؛ بل يمكن أن يكون وجوب التعلّم وجوباً طريقياً بالشكل الذي ذُكر.
إلى هنا يمكن نفي الاحتمالات الموجودة في وجوب التعلّم المستفاد من الأخبار ما عدا الوجوب الإرشادي والوجوب الطريقي، فإذا أمكن تصوير الوجوب الطريقي ودفع ما ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه) من إشكال عليه؛ حينئذٍ نلتزم بالوجوب الطريقي ولا نلتزم بالوجوب الإرشادي.