الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
37/04/14
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية
كان الكلام في أنّه هل يُشترط الفحص في جريان الاستصحاب النافي للتكليف في الشبهات الحكمية، وأنتهى الكلام إلى ما إذا كان الدليل على وجوب الفحص هو أخبار التعلّم، وقلنا أنّه هنا قد يقال: لا دليل على وجب التعلّم، باعتبار أنّ دليل الاستصحاب حينما يتم؛ حينئذٍ يكون رافعاً لموضوع أخبار التعلّم، وموضوع أخبار التعلم هو الشك والشبهة، ودليل الاستصحاب يجعل المكلّف عالماً ويخرجه عن كونه شاكاً، غاية الأمر أنّ هذا العلم تعبّدي، فيتقدّم دليل الاستصحاب على أخبار التعلّم، وبالتالي يجوز إجراء الاستصحاب. قد يقال هذا الكلام.
لكن هذا الكلام ليس صحيحاً، وذلك باعتبار أنّ الظاهر من أخبار التعلّم هو أنّها في مقام بيان وجوب السؤال والفحص للوصول إلى الواقع وتعلّم الأحكام الواقعية، والاستصحاب أصل عملي وعلى أفضل التقادير يوجب العلم التعبّدي، ومن هنا لا يصدق عنوان التعلّم على الاستصحاب، فالذي يجري الاستصحاب وينفي التكليف لا يقال أنّه تعلّم، من اكتفى بالاستصحاب هو لم يتعلّم في الواقع، إذاً: موضوع أخبار التعلم هو الشك في الحكم الواقعي، الاستصحاب باعتباره أصلاً عملياً لا يرفع الشك في الحكم الواقعي، إذا كان الاستصحاب يوجب حصول العلم التعبّدي فهو لا يرفع موضوع أخبار التعلم؛ لأنّ موضوع أخبار التعلم هو الشك في الحكم الواقعي، وتأمر بالسؤال والتعلّم لغرض الوصول إلى الحكم الواقعي، فعندما يشك المكلّف في الحكم الواقعي؛ حينئذٍ يقال يجب عليك التعلّم لكي تصل إلى الواقع، الاستصحاب لا يرفع هذا الشك؛ بل يبقى هذا الشك محفوظاً بالرغم من جريان الاستصحاب، فمن هنا لا مجال لأن يقال أنّ دليل الاستصحاب يرفع موضوع أخبار التعلم، هذا لا مجال له في محل الكلام، باعتبار أنّ موضوع أخبار التعلم هو الشك في الحكم الواقعي والاستصحاب لا يرفع هذا الشك؛ لأنّه مجرّد أصل عملي يُعطى بيد المكلف لكي لا يبقى متحيراً ومتردداً في مقام العمل، فيقال: أبنِ على هذا الطريق من دون أن يكون ناظراً إلى تشخيص الواقع وإحرازه، وإنّما هو أصل عملي لا يكون رافعاً لموضوع أخبار التعلم والسؤال.
هذا مضافاً إلى أنّ افتراض تقديم الاستصحاب على أخبار التعلّم يستلزم لغوية أخبار التعلّم، باعتبار أنّ أكثر الشبهات الحكمية، إنّ لم نقل كلها، يجري فيها الاستصحاب النافي للتكليف، فإذا قلنا بتقديم الاستصحاب على أخبار التعلّم؛ حينئذٍ أخبار التعلّم لا مورد لها في الشبهات الحكمية وهذا ممّا يُبعد احتمال تقديم الاستصحاب على أخبار التعلّم. هذا بالنسبة إلى الاستصحاب.
الآن نأتي إلى أصالة الطهارة، أصالة الطهارة في الشبهات الحكمية هل هي مشروطة بالفحص أيضاً كما هو الحال في البراءة والاستصحاب، أو لا ؟ الظاهر أنّه يجري في أصالة الطهارة نفس ما تقدّم في الاستصحاب، نف الوجوه التي ذُكرت في الاستصحاب هي تجري أيضاً في أصالة الطهارة وتنتج أنّ إجراء أصالة الطهارة يكون مشروطاً بالفحص والسؤال. نعم، أيضاً نواجه سؤالاً في مسألة أخبار التعلّم، هنا أيضاً قد يقال: إذا كان الدليل على وجوب الفحص هو أخبار التعلّم، في هذه الحالة لا يمكن الاستدلال بأخبار التعلّم على وجوب الفحص في محل الكلام في مقابل أصالة الطهارة، وذلك باعتبار أنّ النسبة بين أخبار التعلّم من جهة وبين دليل أصالة الطهارة هي العموم والخصوص من وجه، باعتبار أنّ دليل أصالة الطهارة يدل على الطهارة عند الشك في النجاسة، هذا فيه إطلاق يشمل ما قبل الفحص وما بعد الفحص، هذا من جهة أصالة الطهارة. ومن جهة أخبار التعلّم هي تدل على وجوب التعلّم قبل الفحص، فهي مخصوصة بالفحص، لكنها مطلقة من جهة أخرى حيث أنّها تشمل الشك المرتبط بالنجاسة والطهارة وتشمل الشكوك الأخرى الغير مرتبطة بالنجاسة والطهارة، ومن هنا يكون في كلٍ منهما جهة إطلاق، مادة الاجتماع بينهما هي الشبهة المرتبطة بالطهارة والنجاسة قبل الفحص، أخبار أصالة الطهارة تدل على إجراء أصالة الطهارة وعدم وجوب التعلّم والفحص، فتجري الطهارة حتى قبل الفحص، بينما أخبار وجوب التعلّم تقول يجب التعلم ولا يجوز الرجوع إلى الطهارة قبل التعلّم، فيتعارضان في مادة الاجتماع، يعني فيما إذا كانت الشبهة من جهة الطهارة والنجاسة قبل الفحص، فلا يمكن العمل بأخبار التعلّم والالتزام بأنّ الفحص واجب ولا يجوز الرجوع إلى أصالة الطهارة قبل الفحص؛ لأنّ أخبار التعلّم لها معارض في محل الكلام في مادة الاجتماع وهي عبارة عن أصالة الطهارة، ولماذا نقدّم أخبار التعلّم على أصالة الطهارة ؟ بل نعكس الأمر؛ فحينئذٍ لا يمكن الالتزام بوجوب التعلّم قبل الفحص في محل الكلام عندما تكون الشبهة مرتبطة بالطهارة والنجاسة، قد يُتخيّل هذا المعنى بهذا التقريب الذي ذكرناه.
لكنّ هذا المطلب ليس تامّاً، باعتبار أنّه لو سلّمنا كل هذا الذي قيل وكل مقدمات هذه النتيجة، يحصل التعارض بين الدليلين بنحو العموم والخصوص من وجه، ويتعارضان في مادة الاجتماع ولا مرجّح لأحدهما، فيتساقطان. إذاً: بالنتيجة لا يمكن إجراء أصالة الطهارة قبل الفحص، نصل إلى نفس النتيجة، نحن نريد أن نثبت عدم إمكان التمسّك بأصالة الطهارة قبل الفحص كما هو الحال في الاستصحاب وفي أصالة البراءة، النتيجة واحدة وهي أنّه لا يمكن للمجتهد أن يجري أصالة الطهارة قبل الفحص، فنصل إلى نفس النتيجة حتى لو فرضنا التعارض والتساقط. نعم، لو قلنا بتقديم أصالة الطهارة على أخبار التوقّف؛ حينئذٍ هذا يكون معناه أنّ أصالة الطهارة تجري قبل الفحص، لكن إذا قلنا بالتعارض والتساقط؛ حينئذٍ نصل إلى النتيجة المطلوبة. هذا من جهةٍ.
من جهة أخرى: أنّ أخبار التعلّم مرجعها إلى أنّ الشك قبل الفحص لا يكون مؤمّناً، ومن هنا تكون أخبار التعلّم ناظرة إلى كل ما يوجب التأمين من ناحية الشك قبل الفحص، يعني كل أصلٍ تكون نتيجته التأمين من ناحية الشك قبل الفحص، أخبار التعلّم تنفي هذا التأمين وتكون ناظرة إليه، مفاد أخبار التعلّم هو أنّ الشك قبل الفحص منجّز ولا يكون مؤمّناً؛ ولذا هي تأمر المكلّف بالفحص والسؤال؛ لأنّ الشك قبل الفحص ليس مؤمّناً، فإذا هي تقول ليس مؤمّناً، إذاً: كل ما يكون مؤمّناً من الشك قبل الفحص هي تكون ناظرة إليه، هي تنفي معذرية الشك قبل الفحص، فكل ما يثبت معذرية الشك والجهل قبل الفحص هي تكون ناظرة إليه، ومن هنا تكون هي حاكمة على كل ما تكون نتيجته إثبات معذرية الجهل أو الشك قبل الفحص، وتقول أنّ المكلف عند الشك يجب عليه التعلم والفحص، يعني لا يجوز له إجراء الأصول المؤمّنة قبل الفحص والتعلّم، فهي تكون ناظرة إلى كل الأصول المؤمّنة التي تكون نتيجتها معذرية الجهل والشك قبل الفحص، ومن جملة هذه الأصول التي تكون أخبار التعلّم ناظرة إليها هي أصالة الطهارة، باعتبار أنّ أصالة الطهارة من الأصول المؤمّنة التي مرجعها إلى معذرية الجهل وأنّ الجاهل معذور قبل الفحص، فهي تكون حاكمة عليها بهذا الاعتبار. على تقدير هذه الحكومة؛ حينئذٍ لا تُلاحَظ النسبة بين الدليلين؛ لأنّ الدليل الحاكم يقدّم على الدليل المحكوم حتى إذا كانت النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه، فهذه النسبة إنّما يكون لها أثر عندما لا تكون هناك حكومة، أمّا عندما تكون هناك حكومة، بأن تكون أخبار التعلّم حاكمة على أخبار أصالة الطهارة وغيرها من الأصول المؤمّنة؛ حينئذٍ لا تُلاحَظ النسبة بين الدليلين، وأنّ النسبة بينهما هل هي العموم والخصوص من وجه أو لا ؟ ومن هنا لا مجال للتوقّف في تقديم أخبار التعلّم والسؤال على أصالة الطهارة، وبهذا يتبيّن أنّ إجراء أصالة الطهارة أيضاً يكون مشروطاً بالفحص والسؤال حتى إذا كان الدليل على وجوب الفحص والسؤال في الشبهات الحكمية هي أخبار التعلّم، أمّا إذا كان الدليل غيرها، فقد تبيّن في بحث الاستصحاب أنّها أيضاً تجري في محل الكلام. هذا كلّه يرتبط بالأمر الثاني.
الأمر الثالث: يقع الكلام في استحقاق التارك للفحص للعقاب وعدم استحقاقه. أو بعبارةٍ أخرى: أنّ العمل بالبراءة قبل الفحص ما هو حكمه من ناحية العقاب وعدمه ؟ في تقريرات المحقق النائيني(قدّس سرّه) ذكر بأنّ المسألة فيها أقوال، وذكر ثلاثة أقوال في المسألة: [1]
القول الأول: هو القول المنسوب للمشهور الذي يرى أنّ التارك للفحص لا يستحق العقاب على تركه للفحص، وإنّما العقاب يكون على مخالفة الواقع، فلو خالف الواقع يستحق العقاب على مخالفة الواقع، ولو ترك الفحص ولم يخالف الواقع اتفاقاً لا يستحق العقاب؛ لأنّ التارك للتعلّم لا يستحق العقاب على ترك التعلم، وإنّما يستحقه على مخالفة الواقع.
القول الثاني: اختاره جماعة من المحققين، كالمحقق الأردبيلي وصاحب المدارك(قدّس سرّهما) وغيرهما، ويرون أنّ التارك للفحص يستحق العقاب على تركه للفحص والسؤال. ولا نُلاحظ فيه مخالفته للواقع؛ بل هو مطلقاً يستحق العقاب، سواء خالف الواقع، أو لم يخالفه، حتى إذا لم يخالف الواقع أيضاً هو يستحق العقاب على ترك التعلّم.
القول الثالث: وهو مختار المحقق النائيني(قدّس سرّه)، ويقول أنّ التارك للتعلّم يستحق العقاب كما هو الحال في القول الثاني، لكن لا مطلقاً، وإنّما هو يستحق العقاب عندما يكون ترك التعلّم مؤدياً إلى مخالفة الواقع، والفرق بين القول المشهور وهذا القول الثالث الذي اختاره المحقق النائيني(قدّس سرّه) هو أنّه حسب القول الثالث يكون العقاب على نفس ترك التعلّم، لكن مقيّداً بأن يؤدي إلى مخالفة الواقع، بينما على القول المشهور يكون استحقاق العقاب ليس على ترك التعلّم، وإنّما على مخالفة الواقع، هو يعاقب لأنّه خالف الواقع وليس لأنّه ترك التعلّم المؤدي إلى مخالفة الواقع. هذا هو الفرق بينهما وقد ذُكر في التقريرات [2] بأنّ هذا الفرق فرق علمي بين رأي المشهور وبين رأي المحقق النائيني(قدّس سرّه). وعلى كل حال هو على كلا التقديرين يستحق العقاب عندما يترك التعلم ويؤدي ذلك إلى مخالفة الواقع.
نفس هذا الكلام قد يُصاغ بصياغة أخرى كما في بعض العبائر في تقريرات السيد الخوئي(قدّس سرّه) [3] وغيره، طُرحت المسألة بهذا الشكل: أنّ وجوب التعلّم والفحص هل هو وجوب طريقي أو وجوب نفسي ؟ فإن كان وجوباً طريقياً لغرض تنجيز الواقع؛ فحينئذٍ لا يترتب العقاب على تركه، إلاّ عند مخالفة الواقع ويكون العقاب على مخالفة الواقع، أمّا إذا كان وجوباً نفسياً؛ فحينئذٍ يكون العقاب على تركه كسائر الواجبات النفسية الأخرى ولا علاقة لذلك بمخالفة الواقع.
لا فرق بين الطرح الأوّل والطرح الثاني، مبنى الأقوال الثلاثة التي ذكرها المحقق النائيني(قدّس سرّه) هو على هذا، يعني المشهور عندما يقول بأنّ التارك للفحص لا يستحق العقاب إلاّ إذا خالف الواقع، وأنّ المناط في استحقاق العقاب هو على مخالفة الواقع، مبنى هذا القول هو أنّ وجوب التعلّم هو وجوب طريقي الغرض منه تنجيز الواقع؛ ولذا لا يكون هناك عقاب على مخالفته بما هو وجوب تعلّم، وإنّما إذا أدّى إلى مخالفة الواقع فالعقاب يكون على مخالفة الواقع، أو بالتعديل الذي ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) يكون على ترك التعلّم المؤدّي إلى مخالفة الواقع، فمبنى هذا القول هو كون وجوب التعلّم وجوباً طريقياً، بينما مبنى قول المحقق الأردبيلي وصاحب المدارك(قدّس سرهما) هو كون وجوب التعلّم وجوباً نفسّياً، هو أُمر بالسؤال والتعلم والأمر ظاهر في أنّ وجوبه وجوب نفسي، فيُلتزم بأنّ وجوب التعلّم وجوب نفسي؛ ولذا يكون هناك عقاب على تركه، والمكلّف يستحق العقاب عندما يترك التعلّم بقطع النظر عن مسألة مخالفة الواقع أو عدمه، فمبنى الأقوال السابقة هو أنّه هل أنّ وجوب التعلّم وجوب طريقي أو وجوب نفسي ؟
نفس هذا الكلام ـــــــ كما نُبّه عليه في كلماتهم ـــــــ يجري في مسألة التارك للاحتياط في موارد وجوب الاحتياط، أنّ وجوب الاحتياط هل هو وجوب طريقي صرف لتنجيز الواقع، أو هو وجوب نفسي ؟ إذا قلنا أنّ÷ وجوب نفسي، فالتارك للاحتياط يُعاقب على ترك الاحتياط، وإذا قلنا أنّه وجوب طريقي، فالتارك للاحتياط لا يُعاقب على ترك الاحتياط، وإنّما يُعاقب على مخالفة الواقع، أو يُعاقب على ترك الاحتياط المؤدّي إلى مخالفة الواقع كما ذكر المحقق النائيني(قدّس سرّه).
من جهةٍ أخرى: محل الكلام هو وجوب تعلّم المكلّف ما ثبت عليه من أحكام فرعية إلزامية. دلّت الأدلة على وجوب تعلّم الأحكام الفرعية الإلزامية على المكلّف، فإذا ترك المكلّف تعلم هذه الأحكام الإلزامية الفرعية؛ حينئذٍ يقع الكلام في أنّه يستحق العقاب على ترك التعلّم، أو على مخالفة الواقع، فيأتي الكلام السابق. وقد يثبت وجوب التعلّم ــــــ فرضاً ـــــ في المسائل العقائدية وفي أصول الدين. هذا خارج عن محل الكلام؛ لأنّ وجوب التعلّم بالنسبة إلى المسائل العقائدية التي يجب الاعتقاد والتصديق بها يكون وجوبه وجوباً نفسياً وليس طريقياً، فهي خارجة عن محل الكلام وليس الكلام في وجوب تعلّم المسائل العقائدية وأصول الدين.
كما أنّ وجوب تعلّم الأحكام الكلّية التي لا ترتبط بالشخص نفسه، هذا أيضاً خارج عن محل الكلام؛ لأنّ وجوبها وجوب كفائي والذي هو عبارة عن الاجتهاد، يجب عليه أن يتعلّم الأحكام الشرعية الكلية التي ترتبط به أو لا ترتبط به، يجب تعلّمها عن اجتهادٍ وتفّقهٍ، هذا وجوبه وجوب كفائي وهو خارج أيضاً عن محل الكلام، وإنّما الكلام في الوجوب العيني على المكلّف، وهذا لا يكون إلاّ في المسائل الفرعية والأحكام الإلزامية التي يبتلي بها المكلف، هذه هي الأحكام التي يجب على المكلّف تعلمها ويقع الكلام في أنّ تعلمها هل هو واجب طريقي أو واجب نفسي ؟ هذا هو محل الكلام، نحن نتكلّم عن الواجب الذي يجب على كل مكلفٍ مكلف، هذا إذا تركه المكلّف؛ حينئذٍ يقع الكلام في أنّه يستحق العقاب على ماذا ؟
المشهور يذهب إلى أنّ استحقاق العقاب يكون على مخالفة الواقع لا على ترك التعلّم، وقلنا أنّ مبنى هذا هو أنّه يرى أنّ وجوب التعلّم وجوب طريقي وليس وجوباً نفسياً. استُدل لقول المشهور على أنّ وجوب التعلّم وجوب طريقي وليس وجوباً نفسياً بأنّه هو يُسلّم مبدئياً أنّه لا إشكال كما تقرر وثبت في بحث الأوامر لا إشكال في أنّ كل أمر ظاهر في أنّ الوجوب وجوب نفسي لا غيري وطريقي، وعيني لا كفائي، وتعييني لا تخييري، لكن قالوا في خصوص المقام هناك قرائن توجب صرف الأمر عن هذا الظهور وانعقاد ظهور آخر له في كونه وجوباً طريقياً لا نفسياً، وهذه القرائن داخلية، وهناك قرائن من الخارج تجعل الأمر بالتعلم في روايات التعلم ظاهرة في الوجوب الطريقي؛ لأنّ وجوبها وجوب طريقي لا نفسي، وإن كان مقتضى الأصل الأوّلي أنّ وجوبه وجوب نفسي، وهذه القرائن هي :
القرينة الداخلية: وهي مسألة أنّ نفس السؤال فيه إشارة إلى أنّه طريق إلى شيء، يعني أنّ الغرض من السؤال عن شيء هو الوصول إلى ذلك الشيء، الأمر بالسؤال أيضاً يكون ظاهراً في هذا المعنى، نفس الأمر بالسؤال عن شيء يكون ظاهراً في أنّ الغرض من السؤال والأمر بالسؤال إنّما هو مجرّد طريق للوصول إلى ذلك الشيء والعمل به، فوجوبه في الحقيقة هو وجوب مقدّمي، يعني هو يجب لأجل العمل لا أنّه يجب بنفسه وبما هو هو كما هو الحال في الواجبات النفسية، حيث في الواجبات النفسية الشيء يجب بما هو هو؛ لأنّ تمام الملاك قائم فيه، هنا نقول أنّ وجوب السؤال ليس قائماً بنفس السؤال، وإنّما الملاك قائم في المسئول عنه، وفي الوصول إلى العمل ومقدّمة لأجل العمل، ويُمثّل لذلك بالسؤال عن الطريق ـــــــ مثلاً ــــــ كأن يسأل عن الطريق إلى كربلاء، الغرض منه هو أن يمشي على هذا الطريق حتى يصل إلى كربلاء، فالأمر بالسؤال عندما يقول: أسأل عن الطريق إلى كربلاء، الغرض منه هو الوصول إلى كربلاء.
إذاً: الأمر بالفحص والتعلّم له ظهور في حدّ نفسه بمقتضى الارتكازات العرفية في أنّه طريقي لا أنّه يجب السؤال لمجرد السؤال ويجب التعلم لمجرّد التعلم، وإنّما يجب السؤال مقدّمة للعمل والفحص مقدّمة للعمل وهذا هو معنى الوجوب الطريقي.