الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

37/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية

 

كان الكلام في مقدار الفحص الواجب، بعد أن فرغنا عن أصل وجوب الفحص، وقلنا أنّ الكلام في المقام تارة يقع في مقدار الفحص من ناحية السند وثبوت الرواية، وأخرى يقع في مقدار الفحص من ناحية الدلالة، يعني بعد أن نثبت ثبوت الرواية يقع الكلام في مقدار الفحص الواجب بلحاظ الدلالة، أمّا مقدار الفحص الواجب من ناحية السند وأصل الثبوت، فقلنا أنّ الكلام تارة يقع كبروياً وأخرى يقع الكلام صغروياً، وأكملنا الكلام في البحث الكبروي ودخلنا في الكلام عن البحث الصغروي، وقلنا في البحث الصغروي أنّ الظاهر هو كفاية الاطمئنان الذي فرغنا في البحث الكبروي عن كفايته في الرجوع إلى البراءة، في البحث الصغروي يقع الكلام في أنّ هذا الاطمئنان متى يحصل ؟ هل يحصل بمجرّد الرجوع إلى الباب المختص بتلك المسألة وعدم العثور على رواية ؟ أو لابدّ من الفحص أكثر من ذلك.

في الدرس السابق ذكرنا أنّه لا يمكن قياس ما نحن فيه على الفحص عند العرف والعقلاء في المولويات العرفية فيما بينهم؛ وذلك لأنّ هناك عادةً نفس المولى العرفي هو يجعل قوانينه وأحكامه في موضع معيّن، فإذا رجع الإنسان إلى ذلك الموقع ولم يجد قانونه وحكمه؛ حينئذٍ يكون معذوراً في الرجوع إلى البراءة. لا يمكن قياس ما نحن فيه على ذلك؛ لأنّ في ما نحن فيه الشارع لم يجمع أحكامه في كتبٍ معينة حتى نقول أنّه بالرجوع إلى تلك الكتب وعدم العثور على رواية، فهذا يكفي في إسقاط وجوب الفحص والرجوع إلى البراءة، هو لم يفعل ذلك، وإنّما علماؤنا هم الذين جمّعوا هذه الأخبار في كتب معيّنة وبوبوها ورتّبوها بهذا الشكل الذي هي عليه، فلا يمكن قياس ما نحن فيه على ذلك، لكن لا يمكن إنكار أنّ الغالب هو حصول الاطمئنان بعدم الدليل عند مراجعة الكتب المُعدّة لذلك؛ بل لا يبعد، وليس مجازفة أن يقال ـــــــ كما قيل ـــــــ أنّ هذا الاطمئنان يحصل بمراجعة الباب المُعد لذكر روايات المسألة والأبواب المناسبة له من دون مراجعة الكتب. أقول: لا يبعُد أن يحصل الاطمئنان للمجتهد بعدم وجود دليل بعد الالتفات إلى ما تقدّم ذكره من أنّ علماءنا الأبرار(رضوان الله عليهم) بذلوا جهوداً جبّارة في فحص الأخبار وترتيبها وتبويبها، وإلحاق كل خبر بالباب المناسب له من أبواب تلك المسألة، والمحقق النائيني(قدّس سرّه) ينبّه على نكتة لا بأس بذكرها وهي أنّه يقول: أنّ تبويب كتاب الوسائل هو في الحقيقة قائم على أساس الفروع التي طرحها المحقق في الشرائع، يعني أنّ الفرع الذي يذكره المحقق في الشرائع هو يذكر له باباً إذا كانت هناك أخبار يمكن الاستدلال بها على ذلك الحكم في تلك المسألة، فالجهود المبذولة من قِبل علمائنا وهي جهود متتابعة، يعني ليست محصورة بزمنٍ واحد، وإنّما هي على امتداد هذا الزمان، هذه الجهود والبحث الأكيد والفحص عن الروايات وتجميعها وتبويبها، لا يبعُد أنّ الإنسان عندما يراجع الباب المناسب والأبواب المناسبة لذلك يحصل له الاطمئنان بعدم وجود دليل إذا لم يعثر على رواية في ذلك الباب وتلك الأبواب المناسبة التي راجعها. على كل حال، إذا حصل الاطمئنان للمجتهد بعدم الدليل، فالظاهر أنّ هذا يكفي في الرجوع إلى البراءة، لكن في بعض الأحيان قد لا يحصل الاطمئنان للمجتهد بمجرّد الرجوع إلى الأبواب المناسبة، قد يضيف المجتهد إلى ذلك بأن يرجع إلى الكتب الاستدلالية لعلمائنا(رضوان الله عليهم) لأنّهم أيضاً يدخلون في هذا الباب؛ لأنّهم ينبهون إلى الأدلة التي يُستدل ها على حكم تلك المسألة، فقد يعثر على دليلٍ ليس مذكوراً في الباب المناسب له من الكتب الحديثية، لكنّه قد يعثر عليه في الكتب الاستدلالية؛ حينئذٍ يوسّع من دائرة الفحص بهذا المقدار وقد يحصل الاطمئنان بذلك. أمّا إذا مع ذلك لم يحصل له الاطمئنان، واحتمل رواية تثبت الحكم الشرعي وتمنع من إجراء البراءة موجودة في كتابٍ آخر ليس له ربط بالكتب الحديثية والاستدلالية، وإنّما هي موجودة في كتاب لغوي أو تاريخي، إذا احتمل ذلك احتمالاً معتداً به أيضاً يجب عليه أن يفحص في ذلك الكتاب؛ لأنّ المناط على حصول الاطمئنان بعدم الدليل المثبت للتكليف الشرعي، هذا هو المسوّغ لإجراء البراءة. ما يمكن أن يقال في البحث الصغروي هو أنّ الاطمئنان عادةً يحصل بمراجعة الباب المناسب والأبواب المناسبة، إذا لم يحصل، لابدّ من توسعة دائرة الفحص إلى أنّ يحصل له الاطمئنان بعدم وود الدليل؛ وحينئذٍ يجوز له الرجوع إلى البراءة.

ما ذكرناه يثبت على تقدير جميع الوجوه المتقدمة لإثبات أصل وجوب الفحص، يعني ما ذكرناه لا يختلف باختلاف الوجوه المتقدمة التي استدل بها لإثبات وجوب الفحص، سواء كانت من وجوه إثبات قصور المقتضي، أو كانت من وجوه بيان المانع، هذا الكلام يجري على كل هذه الوجوه، أنّ الاطمئنان يكفي في مقام الرجوع إلى البراءة، وأنّه يحصل بهذا الذي ذكرناه، ولنفترض أننا نتكلّم عن وجهٍ من هذه الوجوه، وهو الوجه الذي يكون في مقام بيان قصور المقتضي والذي يقول أن أدلة البراءة منصرفة عن حالة ما قبل الفحص، وأنّها بذاتها لا تشمل حالة ما قبل الفحص وتختص بحالة ما بعد الفحص. إذاً: البراءة لا تجري قبل الفحص، وهذا هو معنى القصور في أدلة البراءة، وهذا الانصراف ناشئ من دعوى الارتكاز العقلائي على عدم جريان البراءة قبل الفحص. إذا قلنا بهذا الدليل؛ حينئذٍ يتم هذا الذي تقدّم سابقاً، باعتبار أنّ الارتكاز العقلائي لا يقتضي أكثر من الفحص المتعارف؛ فحينئذٍ يكفي حصول الاطمئنان بالعدم، باعتبار أنّ هذا هو المتعارف بين العقلاء في مقام الفحص. فإذا كان المقيّد لإطلاق البراءة هو هذا الارتكاز العقلائي؛ فحينئذٍ يكفي فيه حصول الاطمئنان بعدم الدليل، فإذا حصل الاطمئنان بعدم الدليل؛ فحينئذٍ يمكن التمسك بدليل البراءة. ومن الوجوه السابقة التي تمّت على وجوب الفحص هو الوجه الثالث من وجوه قصور المقتضي الذي كان مبنياً على أنّ احتمال القرينة المتصلة يمنع من التمسك بالظهور والإطلاق، ونحن قلنا أنّه حتى إذا لم يقبل هذا المبنى وبنينا على أنّ مجرد احتمال القرينة المتصلة لا يمنع من التمسك بالظهور، بخلاف احتمال قرينية الموجود، قلنا أنّ هذه القرينة ليست محتملة؛ بل هي مقطوع بها؛ لأنّ هذه القرينة هي عبارة عن ما تقدم سابقاً من ظهور حال النبّي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحال الأئمّة(عليهم السلام)، وظاهر حالهم هو الاهتمام بالأحكام الشرعية والاهتمام بتبليغها وحث الناس على تعلمها والسؤال عنها، هذا هو ظاهر حال الشارع؛ وحينئذٍ كيف يمكن أن نصدّق أنّ الشارع الذي اهتم بشكل كبير جداً وملفت للنظر بأحكامه وتبليغها وإيصالها إلى المكلفين والسؤال والبحث عنها، اهتم هذا الاهتمام ثمّ يقول يجوز للمكلف أن يجري البراءة قبل الفحص. هذان لا يمكن الجمع بينهما، فيكون ظاهر حال المشرّع قرينة متصلة بأدلة البراءة وليس احتمال وجود قرينة، نحن لا نحتمل الاهتمام من قِبل الشارع؛ بل هذا شيء نقطع به، فهو قرينة متصلة محتفّة بإطلاق أدلّة البراءة، وهذا يمنع من شمولها لحالة ما قبل الفحص. بناءً على هذا الوجه لإثبات وجوب الفحص؛ حينئذٍ نقول أنّ المكلّف يجب عليه أن يفحص حتى تخرج الرواية المحتملة عن هذا المقيّد لإطلاق أدلّة البراءة، يعني يجب على المكلّف أن يفحص حتى تخرج الرواية المحتملة عن دائرة الاهتمام الشرعي بتبليغها وإيصالها إلى المكلّفين وأمر بالمكلّف بالسؤال عنها؛ وحينئذٍ إذا فحص بمقدار تبقى الرواية محتملة، لكن هذه الرواية المحتملة خارجة عن دائرة الاهتمام الشرعي، فإذا فرضنا حصول ذلك؛ فحينئذٍ يمكن الرجوع إلى البراءة، باعتبار أنّه في هذه الحالة هذه القرينة المتصلة تزول؛ وحينئذٍ لا مانع من التمسك بإطلاق البراءة. أمّا إذا فرضنا أنّه فحص بمقدار والرواية التي يحتمل وجودها ولم يعثر عليها لم تخرج عن دائرة الاهتمام الشرعي، يعني يبقى ظهور حال الشارع في أنّه يهتم بهذه الرواية التي تتضمن الحكم الشرعي؛ حينئذٍ يجب عليه أن يكمل الفحص إلى أن تخرج هذه الرواية عن دائرة الاهتمام الشرعي. ويتحقق خروج الرواية عن دائرة الاهتمام الشرعي عندما يحصل الاطمئنان للمكلف بعدم وجود الدليل بعد مراجعته وفحصه.

ونفس الكلام يقال في ما لو كان الوجه لإثبات وجوب الفحص هو التمسك بأدلة وجوب التعلم والسؤال وهو من الوجوه التي تمّت سابقاً، في هذا أيضاً نقول أنّ المهم هو أن يحصل للمكلف الاطمئنان بحيث يصدق عليه أنّه تعلّم وسأل ولم يحصل على دليل مثبت للتكليف، فغذا فرضنا أنّه لم يحصل له الاطمئنان بمراجعة الباب المناسب والأبواب المناسبة، لا يكفي هذا المقدار؛ بل يجب عليه أن يتعلم ويسأل، إذا حصل له الاطمئنان بعدم وجود دليل على الحكم الشرعي؛ حينئذٍ يمكنه في هذه الحالة أن يرجع إلى أدلّة البراءة، باعتبار أنّه فحص وتعلّم وامتثل هذه الأوامر الشرعية الموجودة في أخبار التعلّم والسؤال بمقدارٍ يحصل له الاطمئنان بعدم وجود الدليل، وليس مطلوباً منه أكثر من هذا، كما أنّه لا يكفي ما هو أقل منه؛ لأنّ الغرض من التعلم والسؤال هو الوصول إلى الحكم الشرعي، فإن وصل إليه فهو، وهذا يمنع من إجراء البراءة، وأمّا إذا لم يجد رواية على الحكم الشرعي؛ حينئذٍ نقول إذا أطمأن بعدمها؛ حينئذٍ هذا يكفي للتمسك بالبراءة وسقوط أدلة وجوب التعلم. هذا الكلام كله عن مقدار الفحص الواجب من ناحية السند.

وأمّا الكلام عن مقدار الفحص الواجب من ناحية الدلالة والظهور، لنفترض أنّه فحص في المواضع المناسبة وعثر على رواية ظهورها الأولي مخالف للبراءة، بالنسبة إلى ظهور هذه الرواية في الحكم المانع من إجراء البراءة، أو عدم ظهورها، ما هو المقدار الواجب عن الظهور والدلالة ؟ هنا أيضاً يمكن أن يقال: أنّ المقدار الواجب من الفحص والتأمّل في الرواية هو أنّ المجتهد بعد أن يعثر على هذه الرواية يجب عليه أن يبذل وسعه وجهده وكل خبراته العلمية في مقام استظهار ما يمكن استظهاره من هذه الرواية وفهم ماذا تريد الرواية. في هذا الشيء نقول: أنّ الفحص الواجب هو بالمقدار المتعارف أيضاً، يعني يجب عليه أن يُعمِل كل خبراته العلمية بالنحو المتعارف في هذا المجال، في كل فن هناك أهل خبرة في ذاك الفن، الجهد الذي يبذله أهل الخبرة في كل فنٍ لمعرفة الدلالة والظهور هو الواجب في محل الكلام بالنحو المتعارف لا أكثر من ذلك. نعم، يدخل في المتعارف من الفحص والتأمل مراجعة الآخرين من أهل الخبرة في هذا الباب والاستفادة من خبراتهم، باعتبار أنّ أهل الخبرة في كل فنٍ عادً يستفيدون من خبرات المتخصصين في هذا الفن ويراجعون كلماتهم لعلّهم يعثرون على ما ينفعهم في مقام الاستظهار وإثبات الدلالة لا أن يعتمد الإنسان على نفسه تماماً من دون أن يراجع أهل الخبرة المتخصصين في هذا المجال؛ لأنّ مراجعة كلماتهم في هذا المجال قد تفتح أبواباً للمجتهد وقد تنبهه على بعض النكات الدخيلة في تشخيص الظهور والدلالة وهو لم يلتفت إليها، فالرجوع إلى أقوال أهل الخبرة يدخل في ضمن المتعارف، فلابدّ منه. ولكن، هل يجب عليه أن يفحص كثر من هذا المقدار ؟ بمعنى أنّه لو احتمل المجتهد الذي يريد ان يستنبط من هذه الرواية أنّه إذا تباحث مع من هو أعلم منه فقد ينبهه على بعض النكات التي هو غافل عنها ولها أثر في الدلالة والظهور والتي قد تقلب قناعاته في ما يرتبط بالظهور والدلالة، فهل يجب عليه أن يفعل ذلك بحيث لا يجوز له إجراء البراءة إلا بعد مراجعة ذلك الأعلم، أو لا يجب عليه ذلك ؟ هذا المقدار الزائد هل هو واجب في محل الكلام أو لا ؟

يبدو أنّ هذا المقدار الزائد ليس واجباً ولا متعارفاً، وإنّما الشيء المتعارف هو الرجوع إلى خبرات من تقدّم سابقاً، والظاهر أنّ مراجعة أقوال أهل الخبرة في هذه المسألة في الجملة هو أمر لابدّ منه، لكن احتمال أن يكون هناك شخص يلتفت إلى نكتة هو غير ملتفت إليها، مجرّد الاحتمال لا يدخل في الفحص المتعارف، والخبراء في كل فنٍ لا يبنون على ذلك. ولا يُفرّق في ذلك بين الوجوه السابقة لإثبات وجوب الفحص، مثلاً: الوجه الأوّل الذي ذكرناه وهو انصراف أدلة البراءة عن حالة ما قبل الفحص لأجل الارتكاز العقلائي على عدم إجراء البراءة قبل الفحص، ما ذكرناه يكون واضحاً، باعتبار أنّ المقيّد لإطلاق البراءة هو الارتكاز العقلائي، والارتكاز العقلائي في هذا المجال هو الفحص من المكلّف نفسه أو صاحب الفن نفسه بأن يبذل جهده وكل ما عنده من خبرات في مقام تشخيص الظهور والدلالة، هذا هو المتعارف، يستعين في بعض الأحيان بخبرات أهل الفن المتراكمة على امتداد هذا الزمن. أمّا أنّه إذا احتمل أنّ الأعلم منه ينتبه إلى نكتة هو غافل عنها، الارتكاز العقلائي لا يساعد على ذلك ولا يلزم هذا الشخص بأن يراجع من هو أعلم منه حتى يسأله لعلّه انتبه إلى نكتةٍ هو يكون غافلاً عنها، وإطلاق دليل البراءة مقيد بهذا الارتكاز، وهذا الارتكاز يقول له: من حيث السند والنقل يكفيك حصول الاطمئنان بعدم الدليل، ومن حيث الدلالة والظهور يكفيك أن تبذل جهدك وما عندك من حصيلة علمية في هذا المجال بالنحو المتعارف، وأمّا السؤال عن الأعلم لاحتمال أن يكون منتبهاً إلى نكتة، فهذا شيء أزيد من المقدار المتعارف عليه في هذا المجال، والارتكاز لا يساعد عليه، فإذاً: يجوز إجراء البراءة ولا يجب الفحص بهذا المقدار الزائد.

ونفس الكلام يقال بناءً على الوجه المتقدّم وهو مسألة أنّ ظاهر حال النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة(عليهم السلام) هو اهتمامهم بالأحكام الشرعية وتبليغها وإيصالها إلى المكلفين وحث الناس على تعلمها، ظهور حال الشارع المقدّس لا يقتضي أكثر من الوصول إلى الأحكام الشرعية بالنحو المتعارف بأن يبذل المجتهد جهده وما عنده من حصيلة علمية في سبيل تشخيص ظاهر كلام المعصوم(عليه السلام)، فإذا بذل جهده وعرف أنّ الظاهر إثبات التكليف لا يرجع إلى البراءة، أمّا إذا لم يفهم ثبوت التكليف من هذه الرواية؛ فحينئذٍ يرجع إلى البراءة، ولا يتطلب منه أكثر من هذا. وبعبارة أخرى: ليس هناك ظهور حال للشارع المقدّس في الاهتمام من حيث الدلالة والظهور أكثر من هذا المقدار.

وهكذا الكلام بناءً على الوجه الثاني من وجوه بيان المانع الذي هو وجوب التعلم، بمعنى أنّ المكلف يجب عليه أن يفحص ويسأل ويتعلم أيضاً بالنحو المتعارف، إذا فرضنا أنّ مجتهداً فحص بالنحو المتعارف، بمعنى أنّه بذل جهده العلمي وخبرته في سبيل تشخيص الظهور والدلالة، واحتمل أنّ شخصاً أعلم منه ملتفت إلى نكتة هو غافل عنها، ولم يرجع عليه؛ فحينئذٍ يصدق عليه أنّه سأل وفحص وتعلّم، وكل العناوين التي أُمر بها في الروايات تنطبق عليه؛ لأنّه تعلم وسأل؛ وحينئذٍ أدّى هذا الواجب الذي تشير إليه الروايات فلا يجب عليه أزيد من ذلك، فيمكنه الرجوع إلى البراءة.

يبقى هناك شيء أشار إليه السيد الشهيد(قدّس سرّه)، ذكر بأنّ هذا كلّه إذا لم يحصل للمستنبط علم إجمالي بأنّه إذا راجع الأعلم في جميع المسائل من أول الطهارة إلى آخر الديّات، فسوف تتغير فتواه في جملة من المسائل، في هذه الحالة لا يجوز له الرجوع إلى البراءة.[1]

 


[1] مباحث الأصول، تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر للسيد كاظم الحائري، ج4، ص464.