الموضوع: الأصول
العمليّة / شرائط
جريان الأصول العملية
ما يُفهم من الأخبار أنّ
الجهل ليس عذراً، وأمّا وجود إمارة في معرض الوصول، أنّ هذا مأخوذ في موضوع وجوب
التعلم، فلا يستفاد من هذه الأخبار، يعني لا يُستفاد من هذه الأخبار حتى مسألة
السؤال عن أهل الذكر بحيث يكون وجود إمارة تدل على الحكم الواقعي في معرض الوصول
هذا أُخذ في موضوع وجوب التعلم ووجوب الفحص، وجوب السؤال يقول للمكلّف أنت في حال
الجهل الواقع منجز عليك والجهل ليس عذراً، فيجب عليك التعلّم والفحص حتى تدرك
الواقع وجهلك ليس عذراً، وهذا المعنى لا يستلزم أن يكون موضوع وجوب الفحص وموضوع وجوب
التعلم هو عبارة عن انكشاف الواقع أو وجود إمارة تدل على الحكم الواقعي في معرض
الوصول بحيث أنّ المكلّف إذا شك في وجود إمارة يقال له: لا يجوز لك التمسّك بهذا
الدليل لأنّه تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية له، هذا لا يُفهم من هذه الأدلة.
من جهة أخرى: أنّ
أخبار التعلّم قد يصح ما ذكره من أنّها مختصة، أو أنّ موردها هو صورة التمكن من
الوصول إلى الواقع وإدراكه، لكن في أخبار التعلّم ما لا يكون مقيداً بذلك ولا يكون
موردها ذلك، فيمكن التمسك بإطلاقه، في أخبار التعلّم ما فيه من الإطلاق والسعة
والشمول ما يشمل صورة إحراز الوصول إلى الواقع بالفحص وصورة عدم إحراز ذلك، احتمال
أنّه بالفحص يصل إلى الواقع حتى مع فرض عدم إحراز الوصول إلى الواقع مع تقدير
الفحص واحتمال ذلك هناك من أخبار التعلّم ما فيه إطلاق يشمل حتى هذه الحالة، فيمكن
الاستدلال بهذا الخبر من قبيل معتبرة مسعدة بن زياد، وحينما يقول هذا العبد يوم
القيامة أنّي كنت جاهلاً، إذا قال كنت عالماً يقال له : لمَ لم تعمل ؟ إذا قال كنت
جاهلاً، يقال له: هلاّ تعلمت ؟ هذا مطلق من ناحية إحراز الوصول إلى الواقع على
تقدير الفحص أو عدم إحرازه، مجرّد احتمال أن يصل إلى الواقع إذا فحص، فما هو
المانع والمحذور في أن نتمسك بإطلاق هذه الرواية والاستدلال بها على وجوب الفحص
مطلقاً لا في خصوص حالة إحراز الوصول إلى الواقع على تقدير الفحص. فلتكن آية
السؤال من أهل الذكر ليست هكذا، لكن يصح الاستدلال بالرواية المعتبرة سنداً
والدالة على وجوب الفحص مطلقاً، فيتمسك بها على وجوب الفحص حتى في صورة عدم إحراز
الوصول إلى الواقع ومعرفته على تقدير الفحص والسؤال.
الاعتراض الرابع:
أن يقال أنّ مفاد هذه الروايات هو الإخبار عن ترتب العقاب على مخالفة الواقع على
تقدير ترك الفحص والتعلّم، يعني أنّ المكلف الجاهل بالحكم الشرعي إذا ترك الفحص
والسؤال وتورط في مخالفة الواقع؛ حينئذٍ يستحق العقاب على مخالفته للواقع عند تركه
الفحص والسؤال. لازم هذا المفاد هو أنّه لابدّ أن نفترض في مرتبة سابقة على هذه
الأخبار أنّ التكليف الشرعي الذي يشك فيه المكلف ويؤمر بالفحص عنه يكون منجزاً
بقطع النظر عن هذه الأخبار، بمعنى أنّ مخالفته توجب استحقاق العقاب، هذا لابدّ من
فرضه حتى يكون هناك معنىً معقول لهذا الأخبار عندما يكون لسانها لسان المفروغية عن
ترتب العقاب على مخالفة التكليف الواقعي المشكوك. إذن: لابدّ أن يوجد ما ينجز هذا
التكليف الواقعي المشكوك في مرتبة سابقة على هذه الأخبار، والسرّ في هذا هو أنّ
هذه الأخبار ظاهرة في المفروغية عن ترتب العقاب على مخالفة التكليف الواقعي
المشكوك. إذن: ليست هي المنجّز لذلك التكليف الواقعي المشكوك، وإنّما تُخبر عن
تنجيز في مرحلة سابقة عليها، إذا فهمنا هذا المعنى من هذه الأخبار؛ حينئذٍ لابدّ
من حمل هذه الأخبار على ما إذا كان التكليف الواقعي المشكوك له منجّز بقطع النظر
عن هذه الأخبار، فلابدّ من حملها حينئذٍ على موارد العلم الإجمالي، إذا حملناها
على هذه الحالة؛ حينئذٍ لا يصح الاستدلال بها في محل الكلام؛ لأننا نتكلّم عن
الشبهة البدوية، أنه هل يجب فيها الفحص أو يجوز إجراء البراءة قبل الفحص، هذه
الأخبار لا يمكن الاستدلال بها على وجوب الفحص في محل الكلام؛ لأنّها ناظرة إلى
موارد يتنجّز فيها التكليف الواقعي المشكوك بمنجّز بقطع النظر عن هذه الأخبار.
وبعبارة أخرى:
أنّ هذه الأخبار ليست في مقام إنشاء المنجّزية وجعلها، وإنّما لسانها لسان الإخبار
عن المنجّزية، وعن ترتب الواقع على مخالفة الواقع في موارد العلم الإجمالي عند ترك
الفحص؛ لأنّ الواقع في موارد العلم الإجمالي قد تنجّز بالعلم الإجمالي، هذه
الأخبار ليست أكثر من أنها تخبر عن ترتب العقاب على مخالفة الواقع في موارد العلم
الإجمالي، وفي محل كلامنا لا يوجد لدينا منجّز سابق؛ إذ أننا نتكلم عن الشبهة
البدوية، والمفروض في الشبهة البدوية لا يوجد منجّز في مرتبة سابقة، وإنّما نريد
أن نثبت التنجيز بهذه الأخبار، فإذا كان لسان هذه الأخبار هو هذا اللّسان؛ فحينئذٍ
لا يصح الاستدلال بها في محل الكلام.
يمكن أن يُلاحظ على هذا
الاعتراض:أولاً:
ليس كل أخبار وجوب الفحص ووجوب التعلم لسانها هو لسان الإخبار عن ترتب العقاب على
مخالفة الواقع عند ترك الفحص، من أهم روايات وجوب التعلم هو(طلب العلم فريضة) هذه
الرواية ليس لسانها هو لسان الإخبار عن ترتب العقاب على مخالفة الواقع عند ترك
الفحص، وإنّما لسانها هو أنّ طلب التعلم واجب حالها حال بقية الأدلة الأخرى التي
تقول هذا واجب وهذا حرام...الخ، لسانها هو أنّ التعلم واجب، فليس لسانها هو
الإخبار عن تنجيز تحقق في مرتبة سابقة، وإنّما هو ينجّز ويُنشأ حكماً بوجوب طلب
العلم لا أنّه يكون إخباراً عن تنجيز متقدّم سابقاً، لا يمكن أن نستفيد هذا
اللّسان من(طلب العلم فريضة)، قد يُستفاد من بعض الأخبار التي تذكر لوجوب التعلم
أنّها في مقام التحذير عن مخالفة الواقع عند ترك الفحص وأنّ العقاب يترتب على
مخالفة الواقع عند ترك الفحص، لكن ليس كل أدلة وجوب التعلم هي من هذا القبيل؛ بل
يوجد في أخبار وجوب التعلم ما يكون ظاهراً أنّه في مقام الإنشاء لا الإخبار؛ لأنّه
إذا كان في مقام الإخبار نقول أنّ ظاهره المفروغية عن ترتب العقاب على مخالفة
الواقع عند ترك الفحص وهذا يستلزم وجود منجّز في مرتبة سابقة، فلابدّ من حملها على
موارد العلم الإجمالي، لكن الأمر ليس هكذا؛ فحينئذٍ يمكن التمسّك بهذه الأخبار
والاستدلال بها لإثبات وجوب الفحص في الشبهة الحكمية البدوية التي هي محل الكلام،
ووجود بعض الأخبار التي مفادها الإخبار لا يمنع من الاستدلال بمثل (طلب العلم
فرضة) ومثل آية السؤال(فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
ومن جهة أخرى:
تقدّم سابقاً أنّ أخبار وجوب التعلم ظاهرها هو أنّ وجوب التعلم ووجوب الفحص ثابت
بنكتة أنّ الجهل ليس عذراً ولا يجوز للمكلف إهمال التكليف الواقعي المشكوك بحجّة
أني جاهل به، فيقال له: هلاّ تعلمت، وهذا معناه أنّ هذه الروايات ليس لها نظر إلى
حالةٍ يكون وجوب الفحص فيها ثابتاً بنكتة أخرى غير نكتة أنّ الجهل ليس عذراً، وإنّما
بنكتة منجّزية العلم الإجمالي، في موارد العلم الإجمالي يجب الفحص، لكن بنكتة
منجّزية العلم الإجمالي لا بنكتة أنّ الجهل ليس عذراً، هذا معناه أنّ حمل هذه
الأخبار على موارد العلم الإجمالي خلاف ظاهر هذه الأخبار؛ لأنّ ظاهر هذه الأخبار
أنّ وجوب الفحص ثابت بنكتة أنّ الجهل ليس عذراً، بينما حملها على موارد العلم
الإجمالي خلاف ظاهر هذه الأخبار؛ لأنّه في موارد العلم الإجمالي يكون وجوب الفحص
ثابتاً بنكتة منجّزية العلم الإجمالي.
بعبارة أخرى يمكن أن يقال:
أنّ هذه الأخبار ناظرة إلى حالة الجهل بالواقع وتدل على وجوب الفحص عن الواقع
باعتبار أنّ الجهل ليس عذراً للمكلف؛ فحينئذٍ لا تكون ناظرة إلى حالة يكون مع
الجهل شيء آخر يكون موجباً للتنجيز وهو العلم الإجمالي، وتقدّم سابقاً أيضاً أنّ
كون الشبهة في المقام غير محصورة؛ لأنّها شبهة دائرة بين أطراف كثيرة، وقلنا أنّ
هذا إنّما ينفع في صدق عنوان الجاهل عرفاً على الجاهل الذي يكون جهله مقروناً بالعلم
الإجمالي في شبهة غير محصورة، بخلاف الجاهل الذي يكون جهله مقروناً بالعلم
الإجمالي في شبهة محصورة مثل وجوب إمّا صلاة الظهر أو صلاة الجمعة؛ فحينئذٍ لا
يستطيع أن يقول أنا جاهل بالحكم الشرعي؛ بل هو عالم به، غاية الأمر أنّ هذا الحكم
الشرعي بين أن يكون هو وجوب صلاة الجمعة، أو وجوب صلاة الظهر، هذا ينفع في هذا،
لكنّه لا ينفع في ما قلناه من أنّ النكتة في وجوب الفحص في موارد العلم الإجمالي
حتى مع كون الشبهة غير محصورة هي منجّزية العلم الإجمالي وليست النكتة هي أنّ
الجهل ليس عذراً، حمل هذه الأخبار الظاهرة في أنّ نكتة وجوب الفحص هي أنّ الجهل
ليس عذراً على موارد العلم الإجمالي حتى إذا كانت الشبهة غير محصورة هذا خلاف
الظاهر، فلا ينفع هذا في تجاوز هذه المشكلة. إلى هنا يتم الكلام عن الوجه الثاني
للاستدلال على وجوب الفحص من الوجوه التي تُذكر لبيان المانع وليس لقصور المقتضي.
الوجه الثالث
لبيان المانع: هو ما ذُكر في تقريرات السيد الخوئي(قدّس سرّه)
[1]
حيث يقول لإثبات وجوب الفحص وعدم جواز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص نحن نتمسّك
بالأخبار الدالة على وجوب التوقّف عند الشبهة. ثمّ وضّح مقصوده بهذا التوضيح، قال:
أخبار التوقف التي يستدل بها الإخباريون على وجوب الاحتياط، وإن كانت النسبة بينها
وبين أخبار البراءة هي التباين؛ لأنّ أخبار البراءة تدل على عدم وجوب التوقف
مطلقاً قبل الفحص وبعده؛ لأننا نتكلّم عن بيان المانع، بمعنى أنّ المقتضي للإطلاق
في أدلة البراءة موجود، وإنّما نتكلّم عن وجود مانع يمنع منه، وبعض أخبار التوقف
أيضاً هي مطلقة وتدل على وجوب التوقف في الشبهة مطلقاً، أي قبل الفحص وبعده، لكن
يقول أنّ مورد جملة من أخبار التوقف هي الشبهة قبل الفحص فتأمر بالتوقف في الشبهة
قبل الفحص من قبيل قوله(عليه السلام) في الرواية المعروفة من أخبار التوقف:( فأرجئه
حتى تلقى إمامك).
[2]
ويُفسّرها بأنّه يجب عليك التوقف حتى تلقى إمامك فتتفحص وتسأله وتتعلم منه، فإذن:
هذه تأمر بالتوقف في الشبهة قبل الفحص؛ حينئذٍ طبّق مسألة انقلاب النسبة، يقول أنّ
أخبار التوقف المختصة بما قبل الفحص سوف تكون نسبتها مع أخبار البراءة نسبة
العموم والخصوص المطلق؛ لأنها مختصة بما قبل الفحص وأخبار البراءة مطلقة، يعني أنّ
مفادها هو عدم وجوب التوقف حتى بعد الفحص، فحالة ما قبل الفحص نخرجها من أخبار
البراءة، إذا أخرجنا حالة ما قبل الفحص من أخبار البراءة سوف تختص أخبار البراءة
بحالة ما بعد الفحص، إذا اختصت أخبار البراءة بحالة ما بعد الفحص سوف تكون نسبتها
مع أخبار التوقف المطلقة أيضاً نسبة العموم والخصوص المطلق، يعني أنّ أخبار
البراءة بعد تخصيصها بما بعد الفحص سوف تكون أخص مطلقاً من أخبار التوقف المطلقة،
فتُحمل حتى أخبار التوقف المطلقة على حالة ما قبل الفحص، بالنتيجة صار لدينا بعض أخبار
التوقف هي اساساً مختصة بحالة ما قبل الفحص، و أخبار التوقف المطلقة أيضاً بهذا
الاعتبار وانقلاب النسبة سوف تختص بحالة ما قبل الفحص. إذن: في الشبهة الحكمية
البدوية قبل الفحص يجب التوقف ولا يجوز للمكلف أن يقدم اعتماداً على البراءة،
فيمكن الاستدلال بها على وجوب الفحص في محل الكلام.