الموضوع: الأصول العمليّة / حكم مبطلية الزيادة في الواجب .
ما تقدّم كان في الزيادة في
المسمّى وقد
تبين أنّه يمكن تصوّر تحقق الزيادة في المسمى في بعض الحالات. الآن نتكلم عن
الزيادة في الواجب، والمقصود بالزيادة في كلٍ منهما الزيادة الحقيقية في مقابل
الزيادة التشريعية التي سيأتي الكلام عنها، هل يمكن تصوّر الزيادة الحقيقية في
الواجب ؟ هل يمكن تصوّر الزيادة الحقيقية في الواجب، أو لا ؟
الظاهر أنّ هناك صعوبة في
تصوّر تحقق الزيادة الحقيقية في الواجب على ضوء ما تقدم؛ لأنّ هذا الجزء المعتبر
في الواجب لا يخلو من الاعتبارات الثلاثة المتقدمة، كيفية جعله، وكيفية أخذه في
الواجب، ولا يخلو إما أن يكون بنحو البشرط لا من حيث الزيادة، أو لا بشرط من حيث
الزيادة بالمعنى الأول اللّابشرط، وهو أن يكون الجزء المعتبر في الواجب هو الجامع
بين الواحد والمتعدد، أو بنحو اللّابشرط بالمعنى الثاني، وهو أن يكون الجزء
المعتبر في الواجب صِرف وجود الجزء الجامع بين الواحد والمتعدد. على كل هذه
التقادير وعلى ضوء ما تقدّم في ما يُشترط في مفهوم الزيادة وتحققها يظهر أنّ الزيادة
الحقيقية في الواجب غير متحققة في كل هذه الاعتبارات الثلاثة.
أمّا بالنسبة للاعتبار
الأول، فواضح،
باعتبار إذا أُخذ الجزء في الواجب بشرط لا من حيث الزيادة؛ حينئذٍ تكون الزيادة
اجنبية عن الواجب، والواجب بما هو واجب لا يشملها، وهذا معناه عدم السنخية، فيختل
الشرط الأول من الشرطين المتقدمين المعتبرين في صدق مفهوم الزيادة، الشرط الأول هو
المسانخة، إذا كان الجزء مأخوذاً بشرط لا من حيث الزيادة، إذن: الزيادة لا تكون من
سنخ أجزاء الواجب؛ بل الواجب بما هو واجب لا يشمل مثل هذه الزيادة، فلا مسانخة،
فيختل الشرط الأول من شروط صدق مفهوم الزيادة، فإذا جاء بركوعين وفرضنا أن الركوع
اعتُبر في الواجب بشرط لا من حيث الزيادة، الركوع الثاني لا يكون زيادة في الواجب؛
لأنه يعتبر في الزيادة المسانخة ولا مسانخة في محل الكلام. ونفس هذا الكلام يُعلل
به عدم صدق الزيادة في القسم الثالث، يعني في اللابشرط بالمعنى الثاني بنحو يكون
الجزء المعتبر في الواجب هو صرف وجود الجزء. نفس هذا التعليل يرد، وهو أن الزيادة
لا تكون مشمولة للواجب بما هو واجب؛ لأن المعتبر في الواجب بحسب الفرض هو صرف وجود
الجزء، وصرف وجود الجزء يتحقق بالوجود الأول للجزء، فالوجود الثاني للجزء لا يكون
مشمولاً للواجب بما هو واجب، وهذا معناه عدم المسانخة بين الزائد والمزيد فيه،
فيختل الشرط الأول من الشرطين السابقين، وهذا يمنع من صدق الزيادة في المقام.
وأمّا إذا كان الجزء مأخوذاً
في الواجب بنحو لا بشرط من حيث الزيادة الذي هو المعنى الأول ـــــــ الذي هو
القسم الثاني ـــــــــ بأن يكون المعتبر في الواجب هو الجامع بين الواحد
والمتعدد، يعني أنّ الوحدة غير مشروطة والزيادة أيضاً ليست مشروطة. في هذه الحالة
أيضاً يقال بعدم صدق الزيادة في محل الكلام، لكن لا باعتبار اختلال الشرط الأول
لوضوح تحققه، باعتبار أنّ الزائد هو جزء من الواجب؛ إذ لا فرق بين الواحد والمتعدد
ـــــــــــ بحسب الفرض ــــــــــ لأنّه مأخوذ لا بشرط بالمعنى الأوّل، أي بمعنى
أنّ المعتبر في المركب الواجب هو الجامع بين الواحد والمتعدد، فكما إذا جاء
بالواحد يكون جزءً من الواجب وداخل فيه، كذلك إذا جاء بالفردين، أيضاً يكون جزءً
من الواجب ومشمولاً له، فإذن: يكون مسانخاً للواجب ولأجزاء الواجب، فيتحقق الشرط
الأول، فإذا منعنا من صدق الزيادة لابدّ أن يكون عدم صدق الزيادة لا لأجل اختلال
الشرط الأول، وإنّما لأجل اختلال الشرط الثاني، وذلك باعتبار أنّه إذا كان الجزء
معتبر في الواجب بنحو لا بشرط بهذا المعنى؛ حينئذٍ لا يكون هناك حدٌ للواجب تكون
الإضافة زيادة بالإضافة إليه؛ لأنّ أيّ مقدارٍ يأتي به من الجزء هو في الحقيقة جزء
من الواجب، كما لو جاء بركوعين أو بثلاثة ركوعات؛ لأنّ الركوع معتبر في الصلاة
الواجبة لا بشرط من حيث الزيادة، بمعنى أنّ المعتبر هو الجامع بين الواحد والمتعدد.
إذن: لا يوجد حدٌ للواجب حتى تكون الزيادة بالقياس إليه ويصدق مفهوم الزيادة
ويقال(زاد في الواجب) إنما تكون الزيادة في الواجب عندما يكون للواجب حد، وإلاّ لا
يصدق مفهوم الزيادة. لو كان المعتبر في الصلاة الواجبة هو ركوع واحداً، لأصبح هذا
حداً، لو كان المعتبر هو صِرف الوجود، فهذا حدٌ للواجب، فيتحقق الشرط الثاني، لكن
في هذين القسمين قلنا أنّ الشرط الأوّل هو الذي يختل. في القسم الآخر الذي نتكلّم
عنه وهو ما إذا كان جامعاً، هنا الشرط الأول متحقق حيث توجد مسانخة بين الزائد
والمزيد فيه، لكن الشرط الثاني غير متحقق؛ لأنّه إذا كان الجزء المعتبر في الواجب
هو الجامع بين الواحد والمتعدد؛ حينئذٍ لا يوجد حدٌ، فإذا أتى بركوعين لا نستطيع
أن نقول أتى بزيادة، والركوع الثالث أيضاً ليس زيادة......وهكذا؛ لأنّه لا يوجد
حدٌ للواجب حتى يصدق مفهوم الزيادة بالإضافة إلى ذلك الحد، ومن هنا ينتفي الشرط
الثاني المعتبر في صدق الزيادة، فلا يتحقق مفهوم الزيادة. ومن هنا يظهر أنه من
الصعوبة أن نتصوّر وأن نفترض تحقق الزيادة بالنسبة إلى الواجب.
إلى هنا يتم الكلام عن
الزيادة الحقيقية في الواجب، والكلام الآن الزيادة
التشريعية، ما هو المقصود بالزيادة التشريعية ؟ المقصود بالزيادة التشريعية هي
عبارة عن الإتيان بما ليس جزءً بقصد الجزئية، أي أن يأتي بفعل هو ليس جزءً من
الصلاة، لكن هو يأتي به بقصد الجزئية. وهذه الزيادة التشريعية لا يُشترط فيها
المسانخة، بمعنى أنّه سواء كان ما جاء به مسانخاً أو لم يكن مسانخاً، ما دام هو
قصد الجزئية معناه أنّه جاء بفعلٍ زائدٍ تشريعاً حتى إذا لم يقصد الجزئية، هو أضاف
للصلاة شيئاً وقصد به التشريع وقصد به الجزئية، سواء كان مسانخاً، أو لم يكن
مسانخاً، ومن هنا يظهر بناءً على أنّ المقصود بالزيادة التشريعية هذا المعنى الفرق
بين الزيادة التشريعية والزيادة الحقيقية، في الزيادة الحقيقية قلنا أنّ المعتبر
هو المسانخة وقلنا أنّها شرط في صدق مفهوم الزيادة الحقيقية. نعم، قلنا أنّه
زائداً على المسانخة في الأمور الاعتبارية لابدّ من قصد الجزئية حتى يتحقق مفهوم
المسانخة، كما نقلنا عن المحقق العراقي(قدّس سرّه) أنّ قصد الجزئية معتبر حتى
يتحقق به في الأمور الاعتبارية المسانخة بين الزائد والمزيد فيه، وإلاّ إذا جاء
بفعل مسانخٍ للمزيد فيه صورةً لكن بلا قصد الجزئية، قال هو في الواقع ليس مسانخاً،
فحتى يكون مسانخاً لا يكفي في المسانخة مجرّد المسانخة في الصورة وفي الشكل، وفي
إمكان شمول المركب له بقطع النظر عن قصد الجزئية، هذا لا يكفي؛ بل لابدّ من قصد
الجزئية حتى يكون مسانخاً.
حينئذٍ يقال في
الزيادة التشريعية بالمعنى المتقدّم أنّ هذه الزيادة التشريعية يمكن تصوّرها في
القسم الأول، وفي القسم الثالث. أمّا في القسم الأول، فيمكن تصوّرها باعتبار أنّ
في القسم الأوّل هناك واجب اعتُبر فيه جزء، وفرضنا أنّ هذا الجزء معتبر في الواجب
بشرط لا من حيث الزيادة، هنا لا يمكن تصوّر الزيادة التشريعية بأن يأتي بالركوع
الثاني قاصداً به الجزئية، فيكون مشرعاً؛ لأنّ الشارع قال أنّ المعتبر هو الوجود
الأول بشرط عدم الزيادة. إذن: الزائد ليس جزءً من المركب وليس جزءً من الواجب، لكن
هو جاء به بقصد الجزئية، فيكون مشرعاً، فتصدق الزيادة التشريعية بهذا المعنى، كما
أنّها تصدق أيضاً في القسم الثالث، يعني اللابشرط بالمعنى الثاني، بمعنى صرف
الوجود؛ لأنّ المعتبر في الواجب ـــــــــ بحسب الفرض ــــــــــــ هو صِرف وجود
الجزء وهو ينطبق على الوجود الأول، والوجود الثاني ليس جزءً من الواجب، وبإمكانه
أن يأتي به وهو ليس جزءً من الواجب بقصد الجزئية، فيكون مشرعاً، فتتحقق الزيادة
التشريعية.
وأمّا في القسم الثاني،
يعني في اللابشرط بالمعنى الأول، أي أن يكون المعتبر في الواجب هو الجامع بين
الواحد والمتعدد، هنا من الصعب تصوّر تحقق الزيادة التشريعية؛ لأنّ أي إضافة
يضيفها للركوع، الوجود الأول للركوع، الوجود الثاني للركوع، الوجود الثالث للركوع
لا تتحقق فيه الزيادة التشريعية إذا قصد به الجزئية؛ لأنّه جزء من الواجب؛ لأنّ
الواجب اعتُبر فيه الركوع لا بشرط من حيث الزيادة، بمعنى أنّ الجزء هو الجامع بين
الواحد والمتعدد، فأي مقدارٍ جاء به من الركوع يعتبر جزءً من الواجب، فلا يصدق مفهوم
الزيادة التشريعية؛ لأنّ مفهوم الزيادة التشريعية يعني الإتيان بما ليس جزءً بقصد
الجزئية، وهنا في الركوع الثاني قد جاء بما هو جزء، وفي الركوع الثالث أيضاً قد
جاء بما هو جزء من الواجب؛ ولذا لا يتحقق مفهوم الزيادة التشريعية. إلى هنا يتمّ
الكلام عن الأمر الأوّل الذي قلنا أنّ الكلام يقع في باب الزيادة يقع في أمور،
الأمر الأول كان في إمكان فرض الزيادة ثبوتاً في المركبات الاعتبارية. في ذيل هذا
البحث نقول: تارة ننتهي في هذا البحث إلى استحالة تحقق الزيادة وعدم إمكان فرض
ثبوتها أصلاً. إذا انتهينا إلى الاستحالة؛ حينئذٍ الدليل الذي يثبّت الأثر الشرعي
على الزيادة لابدّ من التصرّف في ظهوره الأوّلي؛ لأنّه ليس من الممكن أن نحمل
الزيادة الواقعة موضوعاً في الدليل(من زاد في صلاته فعليه الإعادة) وأمثال هذه
العبارات الواردة في الروايات، لا يمكن حمله على المعنى الحقيقي للزيادة؛ لأنّ
المفروض استحالة تحقق الزيادة الحقيقية، فإذن: لابدّ من التصرّف في هذا الظهور،
والشيء الذي يقولوه هو أن يُحمَل على الزيادة العرفية، فأيّ مقدارٍ كرره المكلّف،
فإذا قال العرف أنّه زيادة في الصلاة؛ حينئذٍ يكون الدليل دليلاً على ثبوت الحكم
لتلك الزيادة، وإذا كان العرف لا يرى أنّه زيادة؛ حينئذٍ لا يثبت ذلك الحكم،
فيُحمل مثل هذا الدليل على الزيادة العرفية عندما ننتهي إلى نتيجة استحالة تصوّر
تحقق الزيادة الحقيقية، لكن عندما لا ننتهي إلى هذه النتيجة ونقول بإمكان فرض تحقق
الزيادة الحقيقية؛ حينئذٍ لعلّه لا يبقى مانع من حمل الدليل على الزيادة الحقيقية؛
لأن هذا هو ظاهره، الظهور الأوّلي للدليل الوارد فيه عنوان الزيادة هو الزيادة
الحقيقية، ثبوتاً قلنا لا مانع من فرض الزيادة الحقيقية، الدليل أيضاً يُحمل على
الزيادة الحقيقية.
الأمر الثاني الذي
يقع الكلام فيه ليس هو في الحقيقة الكلام عن حكم الزيادة من حيث المبطلية وعدم
المبطلية، من حيث المانعية وعدم المانعية، لا نتكلم عن حكم الزيادة؛ لأنّ هذا بحث
فقهي من قبيل الكلام في حكم النقيصة، فهو أيضاً بحث فقهي لا يرتبط بعلم الأصول.
نعم، هناك فرق في هذا البحث الفقهي بين النقيصة وبين الزيادة، في بحث النقيصة هناك
كان البحث عن نقص الجزء نسياناً فقط ولم يطرح في كلامهم نقصان الجزء عمداً، والسرّ
في هذا هو أنّه هناك نقصان الجزء عمداً واضح البطلان، وهو مقتضى دليل الجزئية، ومن
الواضح أن نقصانه عمداً يوجب عدم الإتيان بالمركب، وضوح البطلان في حالة النقص
عمداً جعلهم لا يتكلمون في هذه الحالة، وإنما صبّوا كلامهم على حالة نقصان الجزء
سهواً. في محل الكلام يقع الكلام في كلٍ منهما، في الزيادة العمدية والزيادة
السهوية، ما هو حكم الزيادة العمدية ؟ وما هو حكم الزيادة السهوية ؟ والسرّ هو أنّ
هنا لا يوجد وضوح في البطلان في الزيادة العمدية حتى يقال أنّ هذا الوضوح ينبغي أن
يناسب عدم البحث في الزيادة العمدية، هنا لا وضوح في البطلان، ودليل جزئية الجزء
ليس لازمه بطلان الزيادة؛ بل قد تكون الزيادة مبطلة وقد تكون غير مبطلة، ومن هنا
احتاجوا إلى استئناف البحث في الزيادة العمدية كما بحثوا في الزيادة السهوية، ففي
كلٍ منهما وقع هذا البحث.
ما أريد أن أقوله هو: أنّ
البحث عن حكم الزيادة العمدية والزيادة السهوية موضوعه الفقه، والمبطلية والمانعية
تؤخذ من الروايات، وهل تشمل الزيادة السهوية، أو تختص بالزيادة العمدية ؟ ....الخ
من البحث الموجود في الفقه. ما يرتبط بمحل كلامنا في الأصول ليس هذا، أي ليس البحث
عن حكم الزيادة، وإنما هو البحث عن حكم الشكّ في مانعية الزيادة من حيث جريان
الأصل العملي وعدم جريانه، وما هو الأصل العملي الذي يجري عند الشك في مانعية، أو
مبطلية الزيادة، بمعنى أننا فرغنا عن تحديد مفهوم الزيادة، وفرغنا في الفقه عن
بيان حكم الزيادة، رجعنا إلى الروايات وانتهينا إلى نتيجة، والنتيجة تارة هي إثبات
المبطلية للزيادة والمانعية للزيادة، وتارة تكون النتيجة عدم ذلك، أي أنّ الزيادة
غير مبطلة. إذا أثبتنا المبطلية أو عدمها، والمانعية أو عدم المانعية، فهو، ولا
تصل النوبة إلى الكلام عن حكم الشك، لكن إذا فرضنا أننا لم ننتهِ إلى نتيجة هناك،
لا إثبات المبطلية والمانعية ولا نفيهما، فتصل النوبة إلى الشك في مبطلية الزيادة
أو مانعيتها، هذه الزيادة هل هي مانعة أو غير مانعة ؟ فيقع الكلام في ما هو محتوى
الأصل العملي في المقام ؟ وهذا شيء يرتبط بعلم الأصول ومن وظيفة علم الأصول. أو
أثبتنا هناك في البحث الفقهي المبطلية بالأدلّة في صورة الزيادة العمدية، لكن
عجزنا عن إثبات المبطلية في صورة الزيادة السهوية، فلا مانع أن يُبحث في علم
الأصول عن حكم الشك في مبطلية هذه الزيادة إذا وقعت سهواً، وهذا وظيفة علم الأصول.
فإذن: محل كلامنا فعلاً يتركّز على ما هو حكم الشك في مانعية الزيادة ومبطلية
الزيادة ؟ ما هو مقتضى الأصل العملي عند الشك في مبطلية الزيادة أو مانعيتها ؟
سواء شككنا في مانعية الزيادة عمداً أو سهواً، أو شككنا في مانعية الزيادة سهواً
فقط، فيقع الكلام في هذا.
الشيء الآخر الذي ينبغي
التنبيه عليه، وقد
ذكره بعض المحققين هو الظاهر أنّ القضية في البحث الأصولي لا ترتبط بعنوان الزيادة،
كلامنا هو أنّ من يكرر الجزء مثل أن يأتي بركوعين، نشك في أنّ تكرار الجزء هل هو
مانع عن صحة الصلاة ؟ أو مبطل لها ؟ فيقع فيه البحث، سواء صدقت الزيادة على هذا
التكرار، أو لم تصدق، وسواء كان هذا التكرار واجداً للشرطين السابقين ويصدق مفهوم
الزيادة، أو كان غير واجد لأحد الشرطين ولا يصدق مفهوم الزيادة، هذا لا يمنع من أن
نبحث في علم الأصول عن أنّ تكرار الركوع الذي ــــــــــــ فرضاً ـــــــــــ لا
تصدق عليه الزيادة هل يكون مانعاً من صحة الصلاة، أو لا يكون مانعاً من صحة الصلاة
؟ ما هو مقتضى الأصل العملي في هذه الحالة ؟ هذا لا مانع من بحثه، فلا يدور مدار
صدق الزيادة. ومن هنا يظهر أنّ البحث السابق في الحقيقة ينفع في البحث الفقهي؛
لأنّه موقوف على أن نفهم ما معنى الزيادة ؟ هل يمكن تصوّر تحقق الزيادة، أو لا
يمكن أصلاً ؟ فإذا قلنا أنّه يمكن تصوّر تحقق الزيادة ويمكن فرض ثبوتها؛ حينئذٍ
البحث الفقهي يقول: أنّ هذه الزيادة التي أمكن تصوّرها حكمها كذا؛ لأنّه عندما
نتكلّم في الدليل لإثبات حكمٍ لابدّ أن نعرف الموضوع ما هو، ما هو المقصود
بالزيادة ؟ هل يمكن تصوّرها، أو لا ؟ وقلنا إذا لم يمكن تصوّرها لابدّ أن نحمل
الدليل على الزيادة العرفية. هذا يكون له أثر هناك في البحث الفقهي، في محل كلامنا
في البحث الأصولي لا أثر له، سواء كان زيادة أو لم يكن زيادة، على كل حال هو شكّ
في المانعية، شكّ في الشرطية، شكّ في المبطلية، فيمكن أن يقال أنّ هذا يجري فيه
البحث الأصولي، وهو أنّه ما هو مقتضى الأصل العملي عند حصول مثل هذا الشك ؟
حينئذٍ نقول:عند وصول النوبة إلى الشك في مانعية الزيادة، أو مانعية
تكرار الجزء، ولو لم يصدق عليه عنوان الزيادة، فأنّ مقتضى الأصل العملي في المقام
هو البراءة، بالضبط من قبيل ما تقدّم في الشكّ في الشرطية، ومن قبيل الشكّ في
الجزئية، وفي كل هذه الحالات الأصل الجاري هو البراءة؛ لأنّ هذا يندرج في كبرى
دوران الأمر بين الأقل والأكثر، كما أنّه عند الشك في الجزئية يدور الأمر بين
الأقل والأكثر، لو كانت السورة جزء، فهذا الأكثر، وإذا لم تكن جزءً، فالتسعة هي
الأقل، وهكذا في الشرطية، إذا كان الشرط معتبر في الواجب، فهذا الأكثر، وإذا لم
يكن معتبراً، فالباقي يكون هو الأقل. المانعية هي من هذا القبيل، فالمانعية في
روحها ترجع إلى الشرطية، بمعنى مانعية تكرار الفعل، مانعية الزيادة تعني اعتبار
عدم الزيادة في الواجب، يعني اشتراط عدم الزيادة، ولا فرق بين هذا الشرط وبين أيّ
شرطٍ في باب الصلاة، فمرجع الشك إلى الشك في الشرطية، وتقدّم سابقاً أنّ الشك في
الشرطية يدخل في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر والأصل الجاري فيه هو
البراءة، فتجري البراءة لنفي المانعية، هذا إذا وصلت النوبة إلى الشك وهذا هو
المناسب للبحث الأصولي.