الموضوع: الأصول العمليّة / قاعدة الميسور
يمكن الالتزام بتقديم الوضوء
الناقص ـــــــــــ
في مثال الوضوء ــــــــــ على التيمم على أساس افتراض أنّ التيمم هو في دليله
معلّق ومتوقف على عدم التمكّن من الوضوء بتمام مراتبه؛ وحينئذٍ يقال أنه لا إشكال
في أن ألمكلّف لتعذر بعض أجزاء الوضوء يكون متمكناً من بعض مراتب الوضوء الواجب
المأمور به شرعاً، باعتبار أنّ المفروض أنّ قاعدة الميسور تامّة وهي تدل على أنّ
هذا الجزء ليس جزءاً من المأمور به في حال الاضطرار، وتكون القاعدة حاكمة على
أدلّة الأجزاء وموجبة لتخصيصها بحالة التمكّن، مما يعني أنّ هذا الجزء ليس جزءاً في
حالة الاضطرار، فيكون هو المأمور به. هذا لا نريد أن نقول أنه بمنزلة التام، لكن
هو مرتبة من مراتب التام، الوضوء له مراتب، المرتبة التامّة هي عبارة عن الوضوء
المشتمل على كل الأجزاء، هناك مرتبة أخرى أقل منها كمالاً وهي عبارة عن الوضوء في
حالة تعذر بعض أجزائه، باعتبار أنّ الدليل دلّ على أنّه يجب عليك الإتيان بهذا
الوضوء. دليل التيممّ عندما يجعل التيمم بدلاً، يجعله معلقاً على عدم التمكن من
الوضوء بتمام مراتبه، فالنوبة حينئذٍ مع التمكن من الوضوء الناقص لا تصل إلى
التيمم، وهذا معناه تقديم الوضوء الناقص على التيمم، أي على البدل الاضطراري، لكن
قلنا أنّ هذا موقوف على دعوى أنّ بدلية التيمم متوقفة على عدم التمكن من المبدل
بتمام مراتبه.
وأما إذا قلنا أنّ
دليل البدلية لا يُفهم منه هذا، وإنما الذي يفهم منه هو أنّ التيمم يتوقف على عدم
التمكّن من المبدل بمرتبته الكاملة؛ حينئذٍ قلنا في الدرس السابق سوف يتحقق
التعارض والتنافي بين قاعدة الميسور وبين دليل البدلية؛ لأنّ دليل البدلية يقول في
حالة عدم التمكّن من الوضوء بمرتبته الكاملة، وهي عشرة أجزاء، يجب التيمم، بينما
قاعدة الميسور تقول إذا لم تتمكن من الوضوء بمرتبته التامّة التي هي من عشرة أجزاء،
يجب عليك الناقص، يعني تسعة أجزاء، هذا يقول بأنّ الواجب في هذه الحالة هو التيمم،
الدليل الآخر يقول أنّ الواجب في هذه الحالة الوضوء الناقص؛ وحينئذٍ يقع التعارض
بينهما؛ لأنّ هذا ظاهر في تعيين مفاده، والآخر أيضاً ظاهر في تعيين مفاده. كيفية
حل هذا التعارض وكيفية الجمع بين هذين الدليلين ــــــــــ دليل بدلية التيمم،
وقاعدة الميسور إذا تمّت ــــــــــ الظاهر أنه يتعيّن الجمع بينهما بالحمل على
التخيير، صناعةً هكذا، أنه لابدّ من الجمع بينهما برفع اليد عن الإطلاق المقابل
للتقييد بــــــ (أو) في كل واحدٍ منهما، وذلك بأن نقيّد كل واحدٍ منهما بــــ (أو)،
الدليل الأول الذي يقول في حالة عدم التمكّن من الوضوء الكامل يجب عليك التيمم،
نقيّده، فنقول: يجب عليك التيمم أو الوضوء الناقص. كما أنّ قاعدة الميسور التي
تقول في هذه الحالة يجب عليك الوضوء الناقص نقيّدها، بأن نقول: يجب عليك الوضوء
الناقص أو التيمم، وبالنتيجة نصل إلى التخيير بينهما. هذا الجمع، وهو التخيير الذي
هو في واقعه رفع اليد عن الإطلاق المقابل للتقييد بــــ(أو) وفي كلٍ من الدليلين،
هذا الجمع أولى من الجمع بينهما برفع اليد عن الإطلاق المقابل للتقييد بـــ (الواو)
في كلٍ منهما؛ وذلك بأن نقيّد كل واحدٍ منهما بــــ (الواو)، بأن نقول: دليل التيمم
يدل على وجوب التيمم والوضوء الناقص. كما أنّ القاعدة عندما تدل على وجوب الوضوء
الناقص، وجوب الباقي، هذه أيضاً نقيّدها بــــ (الواو)، فنقول: ليس فقط وجوب
الوضوء الناقص؛ بل هو والتيمم، هذا الجمع ينتج الجمع بينهما، أنّ الواجب في حالة
عدم التمكّن من الوضوء التام الكامل، فالواجب هو الجمع بين الأمرين، فيجب عليه أن
يتوضأ وضوءً ناقصاً ويجب عليه التيمم أيضاً.
أقول:
أنّ الجمع بالتخيير أولى من الجمع بهذا الجمع الثاني الذي يقتضي الالتزام بضم
أحدهما إلى الآخر في هذه الحالة، باعتبار ما ذُكر في محله من أنّ الجمع الأول أقل
محذوراً وأقل مخالفة للظهور من الجمع الثاني؛ لأنه لا يلزم من الجمع الأول، إلا
كون المتكلّم في هذا الدليل قد سكت عن بيان العِدل الآخر للتخيير، كما أنه في
الدليل الثاني أيضاً سكت عن بيان العِدل الآخر للتخيير. بناءً على أنّ الواقع هو
التخيير بين الأمرين، في هذا الدليل هو بيّن أحد فردي التخيير وسكت عن الآخر، وفي
الدليل الآخر بيّن أحد فردي التخيير وسكت عن الآخر. هذا هو الذي يلزم من الجمع
بينهما برفع اليد عن الإطلاق المقابل للتقييد بــــ (أو) في كل واحدٍ منهما، هذا
ليس فيه ذاك المحذور، فيه مخالفة للظاهر، لكن مخالفته للظاهر مخالفة خفيفة، يعني
ليس فيه نقض للغرض، وليس فيه بيان ما ليس مبرء للذمّة، كلا، ما بيّنه مبرء للذمّة،
إذا عمل به المكلّف يكون مبرء للذمّة، في الدليل الأول؛ لأنه بيّن أحد فردي
التخيير، وليس فيه تفويت للغرض، سوف لن يفوّت على المكلف الغرض، وإنما هو سكت عن
بيان العِدل الآخر للتخيير، هذه هي المخالفة الموجودة فيه، بينما الجمع الثاني فيه
مخالفة أكبر، باعتبار المخالفة التي تلزم منه يلزم منه السكوت عن بعض ما يجب على
المكلف في هذه الحالة؛ لأن المفروض أنّ الواجب هو الجمع بين الأمرين، بينما في هذا
الدليل بيّن له بعض ما يجب عليه؛ لأنه قال له: يجب عليك التيمم، وسكت، وهذا بعض ما
يجب عليه. وفي الدليل الثاني قال له: يجب عليك الوضوء الناقص، وسكت، وهذا أيضاً
بعض ما يجب عليه، بيان بعض ما يجب على المكلّف والسكوت عن البعض الآخر أشد محذوراً
من الجمع الأول، ومن هنا يكون الأقرب في المقام هو الجمع بينهما بالحمل على
التخيير وليس الالتزام بوجوب ضم أحدهما إلى الآخر. هذا كلّه بناءً على أنّ موضوع
البدل الاضطراري هو عدم التمكّن من الوضوء بمرتبته الكاملة؛ حينئذٍ يقع التعارض
بين الدليلين. وأما إذا قلنا كما ذكرنا أنّ موضوع البدل الاضطراري هو عدم التمكّن
من الوضوء بتمام مراتبه، قلنا في هذه الحالة يتقدّم الوضوء الناقص على البدل
الاضطراري .
لعلّه يؤيّد هذا الذي
ذكرناه، يعني
الأمر الأول وهو أنه موقوف على عدم التمكّن من الوضوء بتمام مراتبه مما يستلزم
تقديم الوضوء الناقض على التيمم في هذه الحالة، لعلّ رواية عبد الأعلى مولى آل سام
تؤيد هذا، باعتبار أنّ الإمام(عليه السلام) لم يأمره بالانتقال إلى التيمم، وإنما
قال له: (أمسح عليه)، يعني أمره بالوضوء الناقص، وقدّم الوضوء الناقض على التيمم،
فيُفهم من ذلك أن موضوع البدل الاضطراري الذي هو التيمم في هذا الفرض هو عدم
التمكّن من الوضوء بتمام مراتبه، وكأنه افترص في الرواية أنّ هذا المكلف متمكن من
الوضوء ببعض مراتبه؛ ولذا لا تصل النوبة إلى البدل الاضطراري، فتقدم الوضوء الناقص
على البدل الاضطراري.
هذا تمام الكلام في هذه
المسألة. إلى
هنا انتهينا من هذا البحث، وهو أننا كنا نبحث سابقاً في كل هذه المباحث عن ما
سميناه بحكم الشك في الجزئية أو الشرطية، وبحثناهن في حالتين، حالة النسيان وحالة
العجز وعدم القدرة.
وبعبارةٍ أخرى:
كان البحث السابق في إطلاق دليل الجزئية في هاتين الحالتين، في حالة النسيان دليل
الجزئية هل له إطلاق يشمل حالة نسيان الجزء ؟ هو جزء حتى في حالة نسيانه، وهكذا في
حالة التعذر، هو جزء حتى في حالة تعذره، أو ليس فيه هكذا إطلاق ؟ هذا البحث
السابق.
هذا البحث السابق في
الحقيقة كلّه يدخل في ما نستطيع أن نعبّر عنه بتعبيرٍ عام حتى يكون مقابلاً
للمسألة الجديدة، يدخل في نقص الجزء نسياناً أو عجزاً، كنّا نتكلّم عن أنّ نقص الجزء
ما هو حكمه ؟ هل يمكن تصحيح العمل الناقص من دونه ؟ وهل يمكن الالتزام بصحته لو
جاء به المكلّف. هذا كلّه البحث السابق، الكلام كان عن حكم نقص الجزء في المركب،
ما هو حكمه ؟
الآن نتكلم عن مسألة جديدة، نتكلّم
عن ما يقابل ذلك، عن حكم زيادة الجزء، ما هو حكم زيادة الجزء، أو ما يُعبّر عنه
(مبطلية الزيادة)، أنّ الجزء عندما يزيد يحصل له وجود ثانٍ، هل يكون مبطلاً
للمركب، أو لا ؟ فالكلام فعلاً في حكم مبطلية الزيادة.
أو بعبارة أخرى: الكلام
عن حكم زيادة الجزء، ما هو حكم زيادة الجزء ؟ كما بحثنا سابقاً عن حكم نقص الجزء
في مقابل ذاك.
الكلام في هذه المسألة يقع
في مباحث:
المبحث الأول:
البحث عن أصل إمكان تصوّر الزيادة في الجزء، هل يمكن تصور الزيادة في الجزء ؟
النقيصة في الجزء تصوّرها واضح، وتحقّقها ممكن بلا إشكال، لكن الزيادة في الجزء هل
يمكن تصوّرها وتحققها ؟ أو أنّ هذا من الأمور المستحيلة ؟ الغرض من هذا البحث في
الحقيقة هو حتى نتكلّم في الجهات الأخرى، قلنا أنّ أصل الكلام هو عن مبطلية
الزيادة، أن هذه الزيادة في الجزء هل تُبطل المركب، أو لا تبطله ؟ وهذا فرع إمكان
تحققّ الزيادة، فإذا قلنا أنّ الزيادة في الجزء مستحيلة ولا تتحققّ؛ فحينئذٍ لا
معنى للكلام عن قضية الزيادة وما هو حكم الزيادة؛ لأنها مستحيل أن تتحقق، فإذن:
لابدّ من افتراض إمكان فرض الزيادة في الجزء؛ ولذا وقع هذا الكلام، أنه هل يمكن
فرض الزيادة في الجزء، أو لا يمكن ؟ الذي أوجب هذا الكلام في الحقيقة هو أنّ هناك
كلاماً اشار إليه الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) في الرسائل، في بداية هذا البحث ذكر
مطلباً، قال: ما يدخل في محل الكلام في هذه المسألة هو ليس الجزء الذي يؤخذ ويعتبر
في المركب بنحو البشرط لا من حيث الزيادة؛ لأنّ هذا خارج عن محل الكلام، أصلاً لا
يقع فيه الكلام؛ لأنه لا تتصور فيه الزيادة، وأضاف إلى ذلك، قال: كذلك أيضا يخرج عن
محل الكلام ما إذا كان الجزء مأخوذاً في المركب بنحو اللا بشرط من حيث الزيادة
وعدمها، من حيث الوجود الأول للجزء والتعدد. هذا أيضاً خارج عن محل الكلام ولا تُتصور
فيه الزيادة. يُفهم من كلامه أن محل الكلام لابدّ أن يتحقق في موردٍ ثالث. غاية
الأمر هو لم يُصرّح بهذا المورد الثالث الذي يقع فيه الكلام، عبارته واضحة في أنه
يريد إخراج هذين الموردين اللّذين ذكرهما في عبارته عن محل الكلام بدعوى أنه لا تُتصور
فيها الزيادة، أصلاً لا يمكن أن تتحقق فيها الزيادة، وكأنه يقول وإن لم يُصرّح
بأنّ هناك مورداً آخراً، مورداً ثالثاً يمكن تصور الزيادة فيه، فيكون هو محل
الكلام، هذا كلام الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه).
[1] وقد صار هذا الكلام سبباً لأن
يُطرح أشكال مفاده أنّ من غير الممكن تصور الزيادة في هذا الكلام، وافتراض الزيادة
في الجزء أمر مستحيل؛ وحينئذٍ لا معنى لهذا البحث، ووضح هذا الكلام المأخوذ بالأصل
من الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) ببيان: الجزء عندما يكون معتبراً في المركب هو لا
يخلو من حالتين:
إمّا أن يؤخذ بشرط لا من
حيث الزيادة بأن يكون مقيّداً بالوجود الأول للجزء، وبشرط عدم الوجود الثاني
للجزء.
وإما أن يؤخذ لا بشرط من
حيث الزيادة وعدمها، من حيث الوحدة والتعدد.
الإشكال يقول:
على كلا التقديرين لا يمكن تصور الزيادة. أمّا على التقدير الأول، فباعتبار أنّ الجزء
إذا اعتُبر في المركب بنحو البشرط لا من حيث الزيادة، لا يتحقق هذا الجزء للمركب إلا
إذا جاء به مرة واحدة، وأما إذا جاء به مرتين، أصلاً لم يتحقق في المركب؛ لأن
الجزء المعتبر في المركب؛ لأنّ الجزء المعتبر في المركب ليس هو الركوع وحده، أو
السجود وحده، أو التكبيرة وحدها، وإنما الجزء المعتبر هو التكبيرة بشرط لا من حيث
الزيادة، الجزء المعتبر هو التكبيرة المقيّدة بالوجود الأول، بشرط لا من حيث
الزيادة، فإذا كان هذا هو المعتبر في المركب، فهذا جاء بوجودين. هذا إذا فرضنا أنه
جاء بوجودين، أما إذا جاء بوجود أول فهو خارج عن محل الكلام؛ إذ ليس فيه زيادة حتى
يدخل في محل الكلام، لابدّ أن نفترض أنه يأتي بتكبيرتين، أو بركوعين، أو بسجودين،
هنا المستشكل يقول ليست زيادة، وإنما هي في واقعها نقيصة، هذا معناه أنه لم يأتِ
بما هو جزءٍ من المركب؛ لأنّ جزء المركب ليس ذات الركوع، وليس ذات التكبيرة، وإنما
التكبيرة المقيّدة بالوحدة، وهو لم يأتِ به؛ لأنه إن لم يأتِ بالقيد كأنه لم يأتِ
بالمقيّد؛ لأنّ المقيّد ينتفي بانتفاء قيده، المقيّد عدم عند عدم قيده، فكأنه لم
يأتِ بالمقيّد، يعني لم يأتِ بالجزء، وهذا يعني أنه نقص جزء وليس زاد جزء، فكيف
يمكن تصور الزيادة في هذه الحالة ؟ عندما نفترض أنّ الجزء اعتُبر في المركب بنحو
الماهية بشرط لا من حيث الزيادة، الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) أشار بأنه في هذه
الحال لا تتحقق الزيادة وإنما الذي يتحقق هو النقيصة في الواقع، فإذن: لا يمكن
تصوّر الزيادة في هذه الحالة.
وأما الفرض الثاني:
إذا فرضنا أنّ الجزء المعتبر في المركب لا بشرط من حيث الزيادة وعدمها ومن حيث
الوحدة والتعدد؛ حينئذٍ أيضاً لا يمكن تصوّر الزيادة؛ لأنّ أي شيء تفترض صدوره من
المكلّف، سواء كان الصادر منه هو الوجود الأول للجزء، أو كان الصادر منه هو الوجود
المتعدد للجزء، هو يقع مصداقاً للواجب ومصداقاً للمأمور به؛ لأنّ المأمور به ما
اُعتبر جزءاً من المركب هو الركوع لا بشرط من حيث الزيادة وعدمها، من حيث الوحدة
ومن حيث التعدد، يعني إذا اتيت بالركوع مرّة واحدة، فهذا جزء المركب وهو المأمور
به وهو الواجب بالوجوب الضمني، إذا أتيت به مرتين أيضاً يكون هو الواجب؛ لأنه
مصداق للمأمور به، المأمور به وما اُعتبر جزءاً في المركب هو عبارة عن الطبيعة
المنطبقة على الواحد والمتعدد، هذا معنى اللا بشرط هنا، معناه أن الواجب وما
اُعتبر جزءاً هو الطبيعة التي تنطبق على الواحد كما تنطبق على المتعدد، فكما أنّ
الواحد هو الواجب، المتعدد أيضاً هو الواجب، فلا توجد زيادة في جزء المركب حتى
نبحث أنّ هذه الزيادة في جزء المركب هل تكون مبطلة للعمل، أو لا تكون مبطلة للعمل.
إذن: لا يمكن تصوّر الزيادة على كل تقدير.
جواب هذا الإشكال ذكره أكثر
من واحد:
وهو أنّ هناك مورداً ثالثاً يمكن تصور الزيادة فيه؛ لأنّ الأمر ليس منحصراً بما
ذُكر، فإمّا أن تؤخذ بشرط لا من حيث الزيادة، وإمّا ان تؤخذ لا بشرط من حيث
الزيادة والنقيصة بمعنى أن يكون الجزء هو الطبيعة المنطبقة على الواحد والمتعدد،
الأمر ليس دائراً بين هذين الاحتمالين، هناك فرض ثالث يمكن فرضه في المقام ويمكن
تصوّر تحقق الزيادة فيه، وهو أن يكون الجزء المعتبر في المركب لا بشرط أيضاً كما
ذُكر، لكن لا بشرط بحيث ينتج أنّ جزء العبادة هو صرف وجود الطبيعة وليس الطبيعة
المطلقة التي تتحقق في ضمن الواحد وفي ضمن المتعدد، وإنما الجزء المعتبر في المركب
هو صرف وجود الطبيعة، الجزء بصِرف وجوده هو الذي اعتُبر جزءاً من المركب، فإذا
كانت الطبيعة هي التكبيرة، فالجزء هو صرف وجود التكبيرة، هذا هو المعتبر، وهذا
أيضاً لا بشرط، الذي معناه رفض كل القيود، لكنّه ينتج أنّ ما اعتُبر جزءً في
المركب هو صِرف وجود الشيء، صِرف وجود طبيعة التكبير، وصِرف وجود طبيعة الركوع......وهكذا،
ولا إشكال أنّ الوجود الأول للطبيعة ينطبق عليه صرف الوجود، وهذا معناه أنّ الوجود
الثاني ليس مأموراً به وليس جزءاً من المركب؛ لأنّ جزء المركّب هو صِرف وجود
الطبيعة المنطبق على الوجود الأول؛ هذا هو جزء المركب؛ وحينئذ تحقق جزء المركّب
وتحقق المأمور به وتحقق الواجب الضمني عندما يأتي بالوجود الأول للتكبيرة، فإذا
جاء بها مرّة أخرى كان زيادة في الجزء، وبهذا يمكن تصوّر تحقق الزيادة في محل
الكلام، وذلك بافتراض أنّ الجزء اعتُبر في المركب لا بشرط، لكن ليس لا بشرط كما
بُيّن في كلامهم في الإشكال، يعني لا بشرط من حيث الزيادة والنقيصة بمعنى أن يكون
الجزء المعتبر والواجب الضمني هو الطبيعة المنطبقة على الواحد والمتعدد بحيث يكون
الواحد هو الجزء كما أن المتعدد يكون هو الجزء وهو المأمور به وهو الواجب الضمني،
هنا لا يمكن تصوّر الزيادة كما ذكرنا؛ لأنّ أيّ وجودٍ يأتي به للجزء يكون مأموراً
به، سواء كان وجوداً واحداً أو وجوداً متعدداً، وإنما المقصود باللا بشرط هو اللا
بشرط من حيث الزيادة والنقيصة بمعنى رفض هذه القيود، بحيث يكون الواجب الضمني
والجزء هو عبارة عن صرف وجود هذه الطبيعة وهذا الجزء، هذا يصدق في الوجود الأول
كما قلنا ويكون الوجود الثاني زيادة في الجزء، فيمكن تصور تحقق الجزء بهذا النحو
ويكون هذا المورد هو محل الكلام؛ لأننا استطعنا أن نتصوّر فيه تحقق الزيادة.