الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

36/12/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / قاعدة الميسور.

كان الكلام في أنّ الحديث الثالث هل يشمل الكلّي، أو أنه يختص بالمركّب ؟ هناك كلام للشيخ الأنصاري(قدس سره) ذكره في الرسائل فُسّر بأنه يرى أنه لا يمكن حمل الحديث الشريف على الكلّي ذي الأفراد، بمعنى أنه يختص بالمركّب ذي الأجزاء ولا يشمل الكلّي ذي الأفراد. والوجه في ذلك هو أنّ حمل الحديث على الكلّي ذي الأفراد يستلزم لغوية قوله(عليه السلام) (لا يُترك كلّه) [1] ؛ لأن المعنى حينئذٍ هو (إنّ ما لا يُدرك شيء من أفراده فلا يترك شيء منها) وهذا لا يمكن الالتزام به، إذا حملنا اسم الموصول على الكلّي ذي الأفراد، فأنه يكون ناظراً إلى العام الأفرادي الاستغراقي من قبيل(أكرم العلماء) فكأنّ الحديث يقول(ما لا يُدرك شيء من أفراد هذا الكلي، لا يُترك شيء من أفراده)، وهذا لا يمكن الالتزام به؛ لأنّ معنى هذا هو وجوب الإتيان بتمام الأفراد، والمفروض انّ الإتيان بتمام الأفراد غير مقدور للمكلّف؛ ولذا لا معنى لقوله لا يترك كله.[2]

اعتُرض على هذا التفسير بأنّ هذا الإيراد كما يرد على حمل الحديث على الكلّي ذي الأفراد، أيضاً يرد على حمل الحديث على المركّب ذي الأجزاء بنفس البيان السابق؛ لأنه حينئذٍ يكون معنى الحديث هو أنّ ما لا يُدرك شيء من أجزائه لا يُترك شيء من تلك الأجزاء، على غرار الكلّي ذي الأفراد، يعني يجب الإتيان بجميع الأجزاء، والمفروض أنّ هذا غير مقدور. إذن: ما هو الفرق بينهما ؟

أقول: يمكن دفع هذا الإشكال بالتأمّل في كلام الشيخ(قدس سره)، أنّ الشيخ(قدس سره) ماذا يريد بكلامه ؟ إذ أنّ فهم كلام الشيخ(قدس سره) ليس أمراً هيّناً ولا سهلاً. الشيخ(قدس سره) في هذه الرواية تعرّض لثلاث إشكالات، لا يهمنا الإشكال الأول والثاني منها، وإنما ما يرتبط بمحل الكلام هو الإشكال الثالث، تعرّض لهذا الإشكال وأجاب عنه، وأثناء جوابه عن هذا الإشكال ذكر هذا المطلب الذي فُسّر بالتفسير السابق. الإشكال الثالث الذي تعرّض له هو أنّ المُشكِل طرح احتمال أن يكون لفظ الكل في(ما لا يُدرك كلّه) للعموم الأفرادي، يعني للكلّي ذي الأفراد، لعدم كونه حقيقة في العموم المجموعي وعدم ثبوت كونه مشتركاً اشتراكاً معنوياً بينهما، وبناءً على هذا الاحتمال؛ حينئذٍ يكون المقصود بالحديث الشريف هو أنّ الحكم الثابت لموضوع عام ــــــــــ كما ذكر الشيخ ــــــــــ من قبيل(أكرم العلماء)، هذا إذا لم يمكن الإتيان به على وجه العموم لا تُترك موافقته في ما أمكن من الأفراد، وبهذا يختص الحديث بالعام الأفرادي، يعني بالكلّي ذي الأفراد ولا يشمل محل الكلام، فلا يصح الاستدلال بالرواية. فأحد الإشكالات على الرواية هو أنه من قال بأنّ المراد بالكل هو المركّب ذي الأجزاء، أو ما يُسمّى بالعام المجموعي ؟ بل من المحتمل أن يكون المراد هو العام الأفرادي، وبناءً على هذا تكون الرواية ناظرة إلى العمومات الأفرادية، وتقول إذا ورد(أكرم العلماء) ولم تتمكن من امتثال جميع الأفراد، فلا تترك امتثال جميع الأفراد؛ بل يجب عليك الإتيان بما تتمكن منه، وأين هذا من محل الكلام وقاعدة الميسور ؟! هذا شيء آخر غير قاعدة الميسور.

هو أجاب عن هذا الإشكال بأنّ الظاهر من اسم الموصول في الحديث هو فعل المكلف و(كله) عبارة عن مجموعه، فأسم الموصول يُراد به فعل المكلّف الواحد، و(كله) عبارة عن مجموعه، هذا هو المراد بالحديث والذي أشرنا إليه سابقاً وهو مأخوذ من الشيخ(قدس سره) ومعناه أنّ (الكل) ظاهر في المركّب ذي الأجزاء،(الكل) لا يطلق على الكلّي ذي الأفراد، وإنما يطلق (الكل) على ما تركّب من أجزاء. الشيخ(قدس سره) يقول: أنّ الظاهر من الحديث أنّ اسم الموصول يُراد به العام المجموعي، أي المركّب ذي الأجزاء لا الكلّي ذي الأفراد.[3]

لكنه بعد أن يذكر هذا الجواب وهو الجواب الأساسي الذي يبني عليه في المقام، يقول: نعم، لو قامت قرينة على إرادة المتعدد من الموصول، يعني على إرادة الأفعال المتعددة من اسم الموصول، من قبيل(أكرم العلماء) الذي هو عبارة عن إكرام زيد العالم، وعمر العالم وبكر العالم، وهي أفعال متعددة، لو قامت قرينة على ذلك؛ حينئذٍ يقول: كان لما احتمله المستشكل وجه، لكنّ لفظ الكل حينئذٍ أيضاً مجموعي لا أفرادي؛ إذ ـــــــــ هذا محل الشاهد في كلامه ــــــــ لو حُمل على الأفرادي كان المراد ما لا يُدرك شيء منها ـــــــ أي من الأفراد ــــــــ لا يترك شيء منها)، يعني يجب الإتيان بجميع الأفراد، وهذا غير معقول؛ لأنه تكليف بغير المقدور؛ لأنّ المفروض هو عدم قدرة المكلف على الإتيان بجميع الأفراد؛ لأنّ المفروض تعذّر الإتيان ببعضها. وكأنه يريد أن يقول: لو حملناه على المجموعي لا يلزم هذا الإشكال؛ بل صريح عبارته هو أنّ حمل الرواية على العموم الأفرادي يلزم منه هذا المحذور، أما لو حملناه على العموم المجموعي؛ فحينئذٍ لا يجري هذا الإشكال أصلاً. هذه عبارة الشيخ(قدس سره).

الإشكال المتقدّم على ما ذكرناه وهو النقض بالعموم المجموعي ليس مبنيّاً على التأمل في عبارة الشيخ(قدس سره)، يعني هو يقول: إذا حملناه على العام الأفرادي يكون معنى الجملة(إن ما لا يدرك شيء من أفراده فلا يترك شيء منها) وهذا لا معنى له. نفس الكلام نطبقه على العام المجموعي، أي على المركب، ما لا يدرك شيء من أجزائه فلا يترك شيء من أجزائه، وهذا معناه وجوب الإتيان بجميع الأجزاء، وهذا أيضاً لا معنى له، الإيراد هكذا كان يقول.

لكن يمكن تفسير كلام الشيخ(قدس سره) بتفسيرٍ آخر، ويكون مقصوده شيئاً آخر يسلم عن هذا الإيراد، وهو أنّ الشيخ(قدس سره) كأنه يريد أن يقول: أنّ هناك تلازماً بين كون المراد بالكل في الفقرة الأولى وهي قوله(ما لا يُدرك كله) العموم الأفرادي، وبين أن يكون المراد بالكل في الفقرة الثانية(لا يُترك كله) أيضاً العموم الأفرادي، فإذا أُريد بــ (الكل) في الفقرة الأولى العموم الأفرادي، يُراد بــــ(الكل) في الفقرة الثانية أيضاً العموم الأفرادي، وإذا أُريد بـــــ(الكل) في الفقرة الأولى) العموم المجموعي، أيضاً يكون المراد بــــ(الكل) في الفقرة الثانية العموم المجموعي؛ وحينئذٍ يتم كلام الشيخ(قدس سره)، يعني يسلم عن هذا الإيراد الذي أورد عليه؛ لأنه يقول: إن حملتم اسم الموصول في الفقرة الأولى في الرواية على العام الأفرادي لابدّ أن تحملوا (الكل) في الفقرة الثانية على ذلك أيضاً، أي على الاستغراقي؛ وحينئذٍ يكون معنى الجملة(ما لا يُدرك شيء من أفراده لا يُترك شيء من أفراده) أي أنّ هذا الفرد لا يُترك، وذاك الفرد لا يُترك، وذاك الفرد أيضاً لا يُترك، وهو معنى الاستغراقي، وهذا لا معنى له؛ لأنّ معناه هو وجوب الإتيان بجميع الأفراد، وهذا غير معقول، فيلزم هذا المحذور الذي ذكره، بخلاف ما إذا حملنا اسم الموصول في الفقرة الأولى على العام المجموعي، أي على المركّب، هنا أيضاً يمكن أن يُفسر كلام الشيخ(قدس سره) بأنه يلازم حمل الفقرة الثانية أيضاً على المجموع المركب؛ وحينئذٍ لا يرد هذا الإشكال على الشيخ(قدس سره)؛ لأنّ معنى الجملة يكون(المركّب ذي الأجزاء إذا تعذر عليك الإتيان بجميع أجزائه وأصبح لا يدرك المجموع لتعذر بعض الأجزاء، فلا يترك) أي لا يترك المجموع وليس لا يترك كل فردٍ من الأفراد، فالمنهي عنه هو ترك الكل لا ترك هذا الفرد وترك هذا الفرد .....حتى يفيد الاستغراق ووجوب الاتيان بالجميع الذي يعبّر عنه الشيخ(قدس سره) بأنه لا معنى له، وإنما المقصود هو إذا تعذر عليك المجموع لا تترك المجموع، لا داعي لترك الكل؛ بل يجب عليك الإتيان بما تتمكن منه، وهو عبارة عن وجوب الإتيان بالباقي؛ وحينئذٍ لا يرد الإشكال؛ للفرق الواضح بين الكلي وبين المركب، الكلي يعني الاستغراق والشمول للأفراد، و(الكل) إذا أُريد به العام الاستغراقي الأفرادي في الفقرة الأولى كأنه يراد بــــه في الفقرة الثانية ذلك أيضاً وهذا لا معنى له؛ لأن معنى الجملة يكون(ما لا يدرك شيء من أجزائه لا يترك شيء من أجزائه)، فيرد الإشكال، بينما المركب ليس هكذا؛ لأنّ المركب يراد به العام المجموعي؛ وحينئذٍ لا يوجد استغراقي لا في(الكل) الأولى ولا في(الكل) الثانية، ويكون المعنى( المركب الذي لا يُدرك مجموعه لتعذر بعض أجزائه فلا يُترك كله) يعني لا يُترك مجموعه، يعني يجب عليك الإتيان بالأجزاء التي تتمكن منها، فيصح الاستدلال بالرواية في محل الكلام. هكذا يمكن أن يُفسّر كلام الشيخ(قدس سره)؛ وحينئذٍ يسلم من هذا الإشكال الذي أورد عليه.

نعم، الذي يرد عليه هو ما أشار إليه صاحب الكفاية(قدس سره) في حاشيته، والمحقق العراقي(قدس سره) أيضاً اشار إليه، وهو أنه: يمكن حمل الرواية على العام الأفرادي، أي على الكلّي ذي الأفراد ولا يلزم المحذور الذي ذكره الشيخ(قدس سره)؛ لأنّ الشيخ(قدس سره) فسّر (لا يترك كله) بالتفسير الذي قال أنه لا معنى له، وهو أنّ معنى(لا يترك كله) هو لا يترك هذا الفرد ولا يترك هذا الفرد ولا ذاك الفرد ......وهكذا كل الأفراد، الذي مئاله إلى وجوب الإتيان بالجميع، وهذا غير مقبول. هذا التفسير مبني على أن يكون النفي في عبارة(لا يترك كله) متعلق بكل فردٍ فرد الذي مئاله كما قلنا إلى وجوب الإتيان بالجميع، وهذا غير مقبول، هذا هو الذي يُسمّى بعموم السلب، الشيخ(قدس سره) كأنّه استفاد من الرواية أنّ مفادها عموم السلب على تقدير أن يكون الموصول هو العام الأفرادي والكلّي ذي الأفراد،(لا يترك كله) مفادها عموم السلب، يعني أنّ السلب يدخل على كل فردٍ فردٍ من أفراد ذلك العام، وهذا لا معنى له. هكذا فسّرها الشيخ(قدس سره)، بينما يمكن تفسير العبارة بتفسيرٍ آخر مبني على سلب العموم لا عموم السلب، مبني على أن يكون النفي داخلاً على العموم لا على كل فردٍ فردٍ، فيكون مفاد الحديث هو سلب العموم، (لا يترك كله) يعني لا يترك المجموع، إذا تعذر عليك الإتيان بكل الأجزاء فلا تترك كل الأجزاء، وهذا ليس معناه وجوب الإتيان بكل الأجزاء، وإنما معناه أنّ تعذر بعض الأجزاء لا يبرر للمكلّف أن يترك الأجزاء الأخرى التي يقدر عليها، فيكون مفاده سلب العموم لا عموم السلب.

أو بعبارة أكثر وضوحاً: أنّ الأجزاء التي تقدر عليها لا داعي لتركها إذا تعذرت عليك أجزاء أخرى، فيكون مفاد الحديث هو سلب العموم لا عموم السلب، ومن هنا يظهر أنه لا مانع من حمل الحديث على الكلّي ذي الأفراد كما لا مانع من حمله على المركّب ذي الأجزاء خلافاً لما يقوله الشيخ(قدس سره) .

نعم، الصحيح هو ما ذكره الشيخ(قدس سره) في جوابه الأول من أنّ الرواية ظاهرة في المركّب ذي الأجزاء، هي لا تشمل الكلّي ذي الأفراد ولا يمكن حملها عليه؛ لأنه خلاف الظاهر؛ لأنّ الظاهر كما قلنا هو المركّب ذي الأجزاء، أو حسب تعبير الشيخ(قدس سره) أنّ الظاهر من الموصول هو فعل المكلف الواحد و(كلّه) هو عبارة عن مجموعه، فلا يمكن حملها على الكلّي ذي الأفراد، وإنما تُحمل على المركّب ذي الأجزاء، وكل هذا الشيء الواحد هو عبارة عن مجموع أجزائه، فتكون ظاهرة في ذلك وتحمل عليه، فعدم صحة حملها على الكلّي ذي الأفراد هو من جهة ظهور الرواية في المركّب ذي الأجزاء. ومن هنا يظهر الملاحظة على ما ورد في كلا تقريري السيد الخوئي(قدس سره).

السيد الخوئي(قدس سره) عندما تعرّض إلى هذه المسألة ذكر مطلباً طويلاً، حاصله هو : أنّ لفظ (الكل) في الرواية فيه صور اربعة:

الصورة الأولى: أن يكون المراد بالكل في الفقرة الأولى هو العموم المجموعي، وفي الفقرة الثانية أيضاً العموم المجموعي.

الصورة الثانية: أن يكون المراد بالكل في الفقرة الأولى هو العموم الأفرادي وفي الفقرة الثانية أيضاً العموم الأفرادي.

الصورة الثالثة: أن يكون المراد بالكل في الفقرة الأولى هو العموم الأفرادي أو الاستغراقي كما عبّر، وفي الفقرة الثانية العموم المجموعي.

الصورة الرابعة: أن يكون المراد بالكل في الفقرة الأولى هو العموم المجموعي وفي الفقرة الثانية العموم الأفرادي.[4]

ثمّ أثبت بطلان الصورة الثلاثة الأولى، فتتعين الصورة الأخيرة وهي أن يكون المراد بالكل في الفقرة الأولى هو العموم المجموعي، والمراد بالكل في الفقرة الثانية هو العموم الأفرادي الاستغراقي. ورتّب على هذه الصورة الرابعة أنّ الحديث كما يشمل المركّب ذي الأجزاء يشمل الكلّي ذي الأفراد أيضاً؛ لأنّ المراد هو الاحتمال في الصورة الرابعة، يعني أنّ المراد بالكل في الفقرة الأولى هو العموم المجموعي وفي الفقرة الثانية هو العموم الأفرادي الاستغراقي، وذكر بأنّ مفاد الرواية يكون هو أنه إذا ترك مجموعاً لتعذره فلا يجمع في الترك؛ بل يقتصر على ترك البعض دون البعض، وهذا المعنى يشمل الكلّي ذي الأفراد المتعددة وتعذر الجمع بينها، والمركّب من أجزاء مختلفة الحقيقة إذا تعذر بعضها. يقول: مسألة أنّ أفراد الكلي متفقة الحقيقة وأجزاء الكل مختلفة الحقيقة هذا لا يؤثر. يقول( ويشمل المركب من أجزاء مختلفة الحقيقة عند تعذر بعضها، فأن العام إذا كان ملحوظاً بنحو العموم المجموعي لا يُفرّق فيه بين أن كون أجزائه متفقة الحقيقة أو مختلفة الحقيقة كما في أكرم العلماء).[5] وعليه: كلمّا كان الواجب ذا أفرادٍ أو ذا أجزاء متعددة وجب الإتيان بما هو المقدور من أجزائه، أو أفراده، فأثبت الشمول لكلٍ منهما بناءً على الصورة الرابعة التي ذكر أنها متعيّنة بعد أن أبطل الصور الثلاث السابقة:

أمّا الصورة الأولى والصورة الثانية التي تعني اتفاق المراد بــ(الكل) في كلتا الفقرتين، إمّا عموم مجموعي في كلٍ منهما، أو عموم استغراقي في كلٍ منهما، يقول: هذا باطل باعتبار أنّه لا يُعقل الحكم بوجوب إتيان ما لا يتمكن المكلّف من مجموعه أو جميعه، ونطبّقها أولاً على(جميعه) الذي هو العموم الأفرادي، يعني أن يكون المراد بــ(الكل) في كلتا الفقرتين العموم الأفرادي، يقول: معنى العبارة حينئذٍ هو(ما لا يدرك كله، يعني إذا لم يتمكن المكلف من جميع أفراد العام الأفرادي فلا يترك كله) وفسّرها بعموم السلب لا سلب العموم، وهذا غير مقدور وهو ما قاله الشيخ الأنصاري(قدس سره)؛ ولذا قال: إذ لا يُعقل الحكم بوجوب إتيان ما لا يتمكن المكلّف من مجموعه أو جميعه. ونفس الكلام إذا قلنا أنّ المراد به هو العام المجموعي؛ لأنه نقول: ما لا يمكن إدراك مجموعه لا يترك مجموعه، فكيف يكلف بلزوم الإتيان بالمجموع مع أنّ المفروض عدم قدرة المكلف على المجموع.

أما الصورة الثالثة التي ابطلها، فذكر بأنّ هذه الصورة أيضاً لا يمكن الالتزام بها؛ إذ لا يُعقل وجوب الإتيان بالمجموع مع تعذر الإتيان بكل فردٍ فرد. (الكل) في الفقرة الأولى عموم استغراقي، تعذر الإتيان بكل فردٍ فردٍ، ومع تعذر الإتيان بكل فردٍ فرد لا يمكن وجوب الإتيان بالمجموع. فأبطل الاحتمالات الثلاثة وتعيّن الاحتمال الرابع، وبنا على أنّ الاحتمال الرابع ينسجم مع المركب، وبنا على شمول الرواية لكلٍ منهما.


[1] عوالي اللئالي، محمد بن علي بن ابراهيم ابن ابي جمهور الأحسائي، ج4، ص58.
[2] فرائد الأصول، الشيخ الأنصاري، ج2، ص394.
[3] فرائد الأصول، الشيخ الأنصاري، ج2، ص394.
[4] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد الواعظ الحسيني، ج2، ص480.
[5] دراسات في علم الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد الشاهرودي، ج3، ص466.