الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

36/11/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / قاعدة الميسور.

ذكرنا في الدرس السابق أنّ الاستدلال بالرواية على قاعدة الميسور يواجه إشكالات، وذكرنا الإشكال الأول من هذه الإشكالات، وهذا الإشكال أشار إليه الشيخ(قدس سره) في الرسائل، وحاصله: أن إسناد عدم السقوط إلى الميسور غير صحيح؛ لأن الميسور فعل المكلف، ولا معنى لسقوطه، لذلك لابد أن يكون المسند إليه عدم السقوط هو حكم الميسور لا نفس الميسور،[1] حكم الميسور هو الذي يسقط أو لا يسقط ويُحكم عليه بعدم السقوط. يكون معنى الجملة هو: أن حكم الميسور لا يسقط بتعذر بعض الأجزاء، الذي مرجعه إلى التعبد ببقاء حكم الميسور، وهذا المعنى لا ينطبق على محل الكلام، هذا المعنى ينطبق على العام الانحلالي؛ لوضوح أنه يمكن أن نقول أنّ حكم الأفراد المقدورة من العام الانحلالي يبقى ولا يسقط؛ لوضوح أنّ الحكم الذي يثبت للأفراد المقدورة بعد تعذر أفراد أخرى هو نفس الحكم الذي كان ثابتاً لها سابقاً وليس شيئاً آخر، فيصح أن يقال أنّ هذا الحكم باقٍ، ويصح أن يُسند عدم السقوط إلى حكم الأجزاء المقدورة، فيقال: أنّ هذه الأجزاء المقدورة حكمها هو الوجوب، والآن هذا الحكم باق؛ إذ لا يختلف الحكم بتعذر أفراد أخرى، حكم المقدور هو نفس الحكم الذي كان ثابتاً سابقاً قبل تعذر الأفراد الأخرى وليس شيئاً آخر، فمن هنا يمكن إسناد عدم السقوط إلى هذا الحكم، لكنّ هذا لا ينطبق على محل الكلام؛ وذلك للمشكلة السابقة وهي أنّ الباقي من الأجزاء بعد التعذر كان حكمه السابق هو الوجوب الضمني، بينما الآن يُراد إثبات الوجوب الاستقلالي لها. فإذن: لا يمكن أن نقول أنّ حكمها السابق باقٍ، فلا معنى للتعبّد ببقاء حكمها السابق بلسان عدم السقوط، لا مجال لإسناد عدم السقوط إلى حكم الأجزاء الباقية المقدورة بعد تعذر الأجزاء الأخرى؛ بل لو ثبت حكم لها، فهو حكم آخر مغاير للحكم السابق، فلا معنى للتعبّد ببقاء حكمها؛ ولذا يجب أن يتجه الحديث إلى العام الانحلالي، ويكون ناظراً إلى العام الانحلالي عندما يتعذر بعض أفراده، والحديث يدلّ على أنّ حكم الأفراد المقدورة لا يسقط ويبقى على حاله، فيكون تعبّداً ببقاء حكمها، وهذا التعبّد معقول. هذا هو الإشكال.

الشيخ(قدس سره) أجاب عن هذا الإشكال، ومن خلال البحث السابق أيضاً لعلّه اتضحت هذه الأجوبة. أجاب عنه بجوابين:

الجواب الأول: هو مسألة إعمال العناية العرفية، فذكر أن الحكم الثابت للميسور من الأجزاء للمركب في محل الكلام بعد التعذر هو نفس الحكم الثابت لها قبل التعذر، لكن بإعمال عناية عرفية، صحيح هو غيره دقةً؛ لأنه سابقاً كان وجوباً ضمنياً غيرياً، بينما الآن هو وجوب استقلالي، وهذا غير ذاك، لكن بالنظر العرفي هو نفسه؛ ولذا العرف ـــــــــ كما يقول الشيخ ـــــــــ يرى أنّ ثبوت الحكم للأجزاء الباقية بعد التعذر، يراه بقاءً لحكمها السابق، كما أنّ عدم ثبوت الحكم للباقي من الأجزاء بعد التعذر، يراه ارتفاعاً للحكم السابق، هذا النظر العرفي الذي يرى أنّ ثبوت الحكم بقاء للحكم للسابق، وعدم ثبوت الحكم ارتفاع للحكم السابق، هذا معناه أنه يرى أنّ الحكم واحد.

وبعبارة أخرى كما يقول الشيخ: يرى أن النفسية والغيرية والضمنية من الحالات المتبادلة على الوجوب وليست مقومة للوجوب، الوجوب يبقى وحالاته هي التي تتبدل، فتارةً يكون ضمنياً، وأخرى يكون استقلالياً. تارةً يكون غيرياً وأخرى يكون نفسياً......وهكذا، فهي لا تمنع من بقاء الموضوع بالنظر العرفي، وعليه: يصح أن يقال: أنّ الحكم الميسور في باب المركب، لا يسقط، ويصح التعبد ببقائه بعد إعمال هذه العناية.[2]

الجواب الثاني: لماذا لا يمكن إسناد عدم السقوط إلى نفس الميسور حتى نوجّه عدم السقوط إلى حكم الميسور، فيرد هذا الإشكال ؟ كلا، ظاهر الجملة هو أنّ الميسور لا يسقط، عدم السقوط ــــــــ بحسب ظاهر العبارة ــــــــ أُسند إلى نفس الميسور وليس لحكم الميسور، ولا داعي لهذا التقدير، ويكون المراد من نسبة عدم السقوط إلى نفس الميسور هو أنّ الميسور باقٍ في العُهدة، أو أنّ الميسور باقٍ بلحاظ حكمه، أو أنّ الميسور باقٍ على موضوعيته للحكم الشرعي ــــــــ كما سيأتي ـــــــ المعاني التي يمكن تصوّرها في هذا الباب، بالنتيجة لنفترض العهدة، الحديث يريد أن يقول أنّ الميسور باقٍ في العهدة، ولا مشكلة في هذا، فيمكن إسناد عدم السقوط إلى نفس الميسور، ولا مشكلة في هذا الإسناد، لو كان إلى الحكم نقول أنّ الحكم متعدد، لكن هو يريد أن يقول أنّ الميسور من المركب بعد تعذر بعض الأجزاء باقٍ في العهدة، كما كان سابقاً في العهدة، الآن بعد تعذر بعض الأجزاء هو لا يزال باقياً في العهدة، وهذا يشمل المركب، ولا داعي للتوقف في شموله للمركب بلحاظ أجزائه؛ لأنّ الحكم ببقاء الميسور في العهدة يمكن أن يكون شاملاً للميسور من الأجزاء كما يمكن أن يكون شاملاً للميسور من الأفراد، فيمكن الاستدلال بالحديث في محل الكلام إذا حافظنا على ظاهر الجملة وهو أن يكون المسند إليه عدم السقوط هو نفس الميسور، فالميسور من الأجزاء يكون باقٍ في العهدة.

بالنسبة إلى الجواب الأول الذي ذكره الشيخ(قدس سره) المبني على إعمال العناية، تقدّم في بحث الاستدلال على القاعدة بالاستصحاب، الاستدلال على وجوب الإتيان بالباقي في محل كلامنا بالاستصحاب تقدّم التعرض إلى ذلك. في المقام العناية العرفية التي نبذلها لتصحيح إسناد عدم السقوط إلى الحكم، والتعبد ببقاء حكم الميسور، هنا نحتاج إلى هذه العناية في نفس الحكم، لابد من بذل العناية في نفس الحكم، بأن نقول حكم الميسور قبل التعذر وحكم الميسور بعد التعذر وإن كانا يختلفان بالدقة، لكنهما واحد في نظر العرف بإعمال العناية العرفية، فإذن يمكن التعبد ببقاء الحكم السابق للميسور بلا مشكلة بعد إعمال العناية العرفية، في باب الاستصحاب كأن الأمر كان معكوساً، في باب الاستصحاب كنّا نستصحب الوجوب النفسي للمركب التام الثابت سابقاً، الشيخ(قدس سره) طرح في باب الاستصحاب أن لا نستصحب الجامع بين الوجوب النفسي الذي هو التقريب الأول أو التقريب الثاني، وإنما نستصحب نفس الوجوب النفسي الثابت للمركب التام ذي العشرة أجزاء، نستصحب نفس هذا الوجوب النفسي بعد أن تبقى تسعة أجزاء بعد تعذر الجزء العاشر، نستصحبه باعتبار بذل العناية في موضوعه، بأن يُدّعى بأنّ المركب التام ذا العشرة أجزاء، والناقص ذا التسعة أجزاء هما واحد بنظر العرف، ولا يرى أنّ وجود الجزء العاشر وعدمه شيء مقوم، وإنما يرى أنه من الحالات المتبادلة، فالعناية تكون مبذولة في الموضوع مع وحدة الحكم، وليس هناك تعدد في الحكم، نفس الوجوب الثابت سابقاً نستصحبه بعد التعذر، لكن ببذل العناية في موضوعه، بأن يقال: أنّ المركب الواجب للجزء المتعذر بنظر العرف هو نفس المركب الفاقد للجزء المتعذر، لكن بالنظر العرفي بإعمال المسامحة العرفية، العرف لا يرى أنّ هذا يوجب تبدّل الموضوع وتغيّره، وإنما يرى أنّ الموضوع نفسه باقٍ وإن تعذر جزء منه، فالعناية تكون مبذولة في طرف الموضوع لا في طرف الحكم، ومن هنا في محل الكلام لا نحتاج إلى ملاحظة أنّ هذا الجزء مقوم، أو غير مقوم، هذا نحتاجه عندما نبذل العناية في الموضوع، فنقول: أنّ هذا المركب التام الواجد للجزء المتعذر كيف نقول أنه نفس المركب الناقص الفاقد للجزء المتعذر ؟ إلا إنما يكون نفسه بنظر العرف عندما لا يكون هذا الجزء المتعذر مقوماً للمركب، وإلا إذا كان مقوماً للمركب، فحتى بالنظر العرفي يكون الموضوع متعدداً؛ لأنه مقوم للموضوع، فإذا انتفى الجزء العاشر ينتفي المركب التام، ويكون هناك مركب جديد آخر غيره؛ فلذا كنّا نحتاج إلى ملاحظة أنّ هذا الجزء المتعذر مقوم أو ليس مقوماً، إن كان مقوماً، فلا مجال لإعمال العناية العرفية في جانب الموضوع، وإن لم يكن مقوماً، فهناك مجال لإعمال العناية العرفية. هذا الشيء لا نحتاج إليه في محل الكلام؛ لأنّ الموضوع هو نفس الموضوع حقيقةً، هو نفسه حتى بالدقة؛ لأنّ الموضوع الذي نريد أن نسند إليه عدم السقوط ويُعبّدنا الشارع ببقائه هو نفس الميسور، ومن الواضح أنّ الميسور من الأجزاء قبل التعذر هو نفس الميسور من الأجزاء بعد التعذر، في باب الاستصحاب تعدد الموضوع حقيقةً؛ لأنّ موضوع الحكم السابق هو المركب التام الواجد للجزء المتعذر، بينما بعد التعذر صار الموضوع تسعة أجزاء، إذن: اختلف الموضوع حقيقةً، بينما في محل الكلام الاختلاف يكون في الحكم، أنّ الحكم الثابت للميسور من الأجزاء سابقاً كان هو الوجوب النفسي الضمني، بينما الحكم الذي يُراد إثباته للميسور بعد تعذر بعض الأجزاء هو الوجوب الاستقلالي، فإذن: الوجوب تعدد في محل الكلام، فترِد هذه الشبهة، وهي أنه كيف يُحكم ببقائه، والحال هو غيره ؟! فنحتاج إلى بذل عنايةٍ في نفس الحكم بأن نقول: أنّ النفسية والغيرية والضمنية من الحالات المتبادلة، والوجوب هو ذات الوجوب، فنفس الوجوب الذي كان ثابتاً سابقاً يمكن أن يُحكم ببقائه، وأن يتعبّدنا الشارع ببقائه، ولا مشكلة في هذا، وإن كان سابقاً وجوباً ضمنياً والآن هو وجوب استقلالي، فالعناية نحتاج إلى بذلها في نفس الحكم وليس في الموضوع؛ لأنّ الموضوع هو نفس الميسور ولم يتعدد، نعم، لم نغير في الموضوع؛ لأننا كنا نقول أنّ حكم الميسور يبقى، والموضوع هو نفسه باقٍ بعد تعذر بعض الأجزاء، فمن هنا لا نحتاج هنا إلى ملاحظة أنه مقوم، أو غير مقوم؛ لأنّ العناية مبذولة في نفس الحكم لا في الموضوع؛ حينئذٍ نأتي إلى نفس العناية التي ذكرها الشيخ(قدس سره)، هل هذه العناية تامّة، أو لا ؟ الظاهر أنها تامّة كما يقول الشيخ(قدس سره)، باعتبار أنّ النظر العرفي يساعد على هذا، النظر العرفي لا يدقق في مسألة أنّ هذا الوجوب كان ضمنياً، والآن هو وجوب استقلالي، أو أنه كان وجوباً غيرياً، والآن هو نفسي، هذه التدقيقات لا يلاحظها العرف غير أنّ هذا كان واجباً والآن وجوبه باقٍ، هذا الميسور نفسه لم يتبدّل، كان واجباً سابقاً، ولا مشكلة في أن يتعبّدنا الشارع ببقاء حكمه؛ لأنّ الحكم بنظر العرف باقٍ، وهذه الخصوصيات لا تعني تعدد الحكم بنظر العرف، فالحكم واحد، فتبذل هذه العناية في محل الكلام، والشاهد هو ما قاله الشيخ(قدس سره) من أنه بالنظر العرفي يعتبر ثبوت الحكم للباقي من الأجزاء بعد التعذر هو بقاء لحكمه السابق، كما أنه يعدّ عدم ثبوته للأجزاء الباقية بعد التعذر ارتفاعاً لحكم الميسور الثابت سابقاً. هذا واضح في أنه مبني على هذا التسامح بحسب النظر العرفي، فلا يبعُد أن تكون هذه العناية عناية تامّة في محل الكلام.

نعم، هنا أيضاً الظاهر لابدّ من فرض الشك في بقاء الحكم، كما لابد منه في باب الاستصحاب، الظاهر في المقام أيضاً لابدّ منه، هناك في باب الاستصحاب قلنا لابدّ من أن نفترض الشك في بقاء ما نريد استصحابه حتى يجري الاستصحاب، وإلا، لا معنى لجريان الاستصحاب، في المقام أيضاً حينما نريد أن نسند عدم السقوط إلى حكم الميسور، والذي قلنا أنّ مرجعه إلى التعبّد ببقائه، نفس التعبد ببقاء حكم الميسور إنما يكون مقبولاً ومعقولاً عندما نفترض الشك في بقاء حكمه، وإلا إذا فرضنا العلم ببقائه، أو العلم بارتفاعه لا معنى للتعبّد ببقائه. إذن: لابدّ أن نفترض أننا نشك في بقاء حكم الميسور الذي كان ثابتاً له سابقاً حتى يكون هناك معنى لنسبة عدم السقوط إلى الحكم، أو يكون هناك معنى للتعبّد ببقاء حكم الميسور، ويقال: لا بأس في المقام هذا الشك موجود في محل كلامنا؛ لأننا نشك بالوجدان في بقاء حكم الميسور؛ لأننا نحتمل بقاءه ونحتمل سقوطه، المركب التام عندما يثبت له حكم ويتعذر بعض أجزائه، لا نعلم هل أنّ حكم الميسور يبقى أو يسقط بسقوط الأمر بالمركب ؟ فإذن: هناك شك في بقاء حكم الميسور ينشأ من احتمال سقوطه، وهو احتمال في ضمن سقوط المركب بتعذر بعض الأجزاء ويحتمل في نفس الوقت أن لا يسقط بسقوط الأمر بالمركب، وإنما يبقى الشارع يريد من المكلف الإتيان بالأجزاء المقدورة. هذا الاحتمال موجود، وهذا الاحتمال كافٍ في تصحيح التعبّد ببقائه، فمن هنا يظهر أنّ هذا الجواب تام.

وأما الجواب الثاني الذي ذكره الشيخ(قدس سره): وهو مسألة أنه لا داعي لإسناد عدم السقوط إلى الحكم، وإنما نأخذ بظاهر الجملة ونسند عدم السقوط إلى نفس الميسور لا إلى حكمه، كلام الشيخ(قدس سره) الذي ذكر هذا الجواب لا يظهر منه أنّ مراده من نسبة عدم السقوط إلى الميسور هو بقاء الميسور في العهدة كما فسرنا كلامه به، عبارته عامّة ولا يظهر منها هذا المعنى، ومن هنا هناك احتمالات في ما هو المراد بنسبة عدم السقوط إلى الميسور، ما معنى عدم سقوط الميسور ؟ وما معنى بقاء الميسور ؟

الاحتمال الأول: المقصود بعدم السقوط هو عدم السقوط عن العهدة، وأنّ الميسور باقٍ في العهدة.

الاحتمال الثاني: أن يكون المقصود هو بقاء الميسور على موضوعيته للحكم الشرعي، لا يسقط عن كونه موضوعاً للحكم الشرعي، كما كان سابقاً هذا الميسور موضوعاً لحكم شرعي، بتعذر بعض الأجزاء هذا الميسور لا يسقط عن موضوعيته للحكم الشرعي؛ بل يبقى على موضوعيته لذلك الحكم. هذا الاحتمال طرحه المحقق الأصفهاني(قدس سره) في حاشيته، وكان يميل إليه.[3]

الفرق بين الاحتمالين هو أنه إذا قلنا بالتفسير الذي ذكره المحقق الأصفهاني(قدس سره)؛ حينئذٍ لا مشكلة في جعل الرواية شاملة للمستحبات؛ لأنّ (لا يسقط الميسور) هو عبارة عن أنّ الشارع يريد أن يقول أنّ هذا الميسور باقٍ على موضوعيته للحكم، وهذا يختلف باختلاف الحكم الثابت له سابقاً، إذا كان الحكم الثابت له سابقاً هو الوجوب، فالشارع يقول هذا الميسور باقٍ على موضوعيته للوجوب، وإذا كان الحكم الثابت له سابقاً هو الاستحباب، فالشارع أيضا يقول أنّ هذا الميسور باقٍ على موضوعيته لحكمه بالاستحباب، فلا مشكلة في أن تكون هذه الفقرة شاملة للمستحبات كما هي شاملة للمستحبات؛ لأنّ حكم الميسور سابقاً يختلف فقد يكون وجوباً وقد يكون استحباباً، والعبارة تدل على أنّ هذا الميسور باقٍ على موضوعيته لحكمه لا أكثر من هذا. بينما على الاحتمال الأول إذا قلنا بالبقاء في العهدة، فالمسألة قد يُتأمَل في شمول العبارة إذا فسرناها بهذا التفسير للمستحبات، باعتبار ـــــــــ بحسب تعبير المحقق الأصفهاني(قدس سره) ـــــــــــ أنّ المستحبات لا عهدة فيها،[4] والعهدة مخصوصة بالواجبات. وفي عبارة أخرى(أن العهدة تناسب الواجبات ولا تناسب المستحبات)، فإذا آمنا بهذا؛ فحينئذ معنى (لا يسقط الميسور) يعني الميسور باقٍ في العهدة، ويختص بالواجبات ولا يشمل المستحبات.

الاحتمال الثالث: أنّ المقصود ببقاء الميسور هو بلحاظ حكمه. هنا لم نُعمِل عناية التقدير كما لو أسندنا عدم السقوط إلى حكم الميسور مباشرة؛ بل نقول أنّ عدم السقوط مسند إلى الميسور نفسه، لكن مسند إلى الميسور بلحاظ حكمه، وهناك فرق بين أن نسند عدم السقوط إلى حكم الميسور، هذا يحتاج إلى تقدير؛ لأنه في العبارة لا يوجد(حكم الميسور)، وإنما يوجد(الميسور) نحن نقول أنّ المسند إليه مقدر وهو(حكم الميسور) وهذا قلنا أنه يحتاج إلى تقدير، لكن عندما نقول أنّ عدم السقوط يُسند إلى نفس الميسور، لكن بلحاظ حكمه؛ وحينئذٍ لا يوجد هنا عناية وتقدير، وأنّ التقدير خلاف الظاهر. هذا أيضاً يمكن طرحه في المقام، بأن يقال: أنّ الشارع يخبرنا في هذه العبارة ببقاء الميسور بلحاظ حكمه، إذا قلنا بهذا الاحتمال، فالعبارة تشمل المستحبات والواجبات؛ لأنّ الشارع يعبّدنا ببقاء الميسور بلحاظ حكمه، وحكمه يختلف، إذا كان حكمه هو الوجوب، فالشارع يعبّدنا ببقاء الوجوب، وإذا كان حكمه هو الاستحباب، يعني كان جزءً من مستحب؛ فالشارع يعبّدنا ببقاء استحبابه.

إذن: الاحتمالات عديدة في المقام في ما هو المراد ببقاء الميسور ؟ احتمال أنّ المقصود هو بقاؤه في العهدة، أو بقاؤه على موضوعيته لحكمه، أو أنّ المقصود هو بقاؤه بلحاظ حكمه. هذه هي الاحتمالات الموجودة في محل الكلام، والأقرب منها هو الاحتمال الأخير، وبعده يأتي الاحتمال الأول الذي هو بقاؤه في العهدة، أما الاحتمال الذي دكره المحقق الأصفهاني(قدس سره) وهو مسألة أنه باقٍ على موضوعيته، ففيه هذه المشكلة: أنّ الذي يُستفاد من الرواية هو أنّ تعبير الرواية(لا يسقط) فكأنه هناك جهة استعلاء، تريد الرواية أن تخبر عن عدم سقوطه عن الجهة التي كان فيها، وهذا يناسب العهدة، لا يسقط عن العهدة، لكن لا يسقط عن موضوعيته لا يبعُد أنه خلاف ظاهر تعبير لا يسقط، ولا يبعُد أنّ التعبير(لا يسقط) فيه إشارة إلى أنه لابدّ أنّ تبقى جهة علو، ويخبر أنّ هذا لا يسقط من المرتبة التي كان عليها، أما كونه موضوعاً للحكم، فهذا ليس جهة علو بحيث يسمح لنا بأن نقول أنّ هذا لا يسقط عن ما كان عليه من كونه موضوعاً للحكم الشرعي.

هذا كله بالنسبة للإشكال الأول الذي طرحه الشيخ الأنصاري(قدس سره) وبعد ذلك ندخل في الإشكال الثاني على الاستدلال بالرواية الذي يُستفاد من كلمات السيد الخوئي(قدس سرّه).


[1] فرائد الأصول، الشيخ الأنصاري، ج2، ص391.
[2] فرائد الأصول، الشيخ الأنصاري، ج2، ص392.
[3] نهاية الدراية في شرح الكفاية، الشيخ الأصفهاني، ج4، ص389.
[4] نهاية الدراية في شرح الكفاية، الشيخ الأصفهاني، ج4، ص389.