الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ إطلاق
الجزئية لحالة النسيان.
فاتنا أن ننبه على أنّ الوجه
الخامس الذي
نقلناه عن المحقق النائيني(قدس سره) ذكره في مباحث الاستصحاب وليس في محل الكلام.
نرجع إلى الوجه الخامس
قليلاً، قلنا
بأن هناك تفسيرين لهذا الوجه، التفسير الأول الذي طرحناه وقلنا بأنه يبتني على أن
يكون المستصحب هو الوجوب الاستقلالي النفسي الثابت للمجموع المركب، وهذا ما تقدم.
نقلنا عن المرحوم المحقق
الشيخ الحلّي(قدس سره) أنه فسّر كلام أستاذه بتفسير آخر،
[1]
حاصله: أن المستصحب هو الوجوب النفسي الضمني الثابت للأجزاء، لنفترض أن المركب
مؤلف من عشرة أجزاء، وجزء واحد متعذر. التفسير الآخر يقول أن المستصحب هو الوجوب
النفسي الضمني الثابت للتسعة، الذي كان موجوداً سابقاً حينما كان الجزء العاشر
مقدوراً للمكلف، لكن كان موجوداً في ضمن الوجوب الاستقلالي النفسي لمجموع الأجزاء،
في ضمن هذا الوجوب كان هناك وجوب ضمني نفسي متعلق بالتسعة أجزاء، المستصحب هو الوجوب
النفسي الضمني المتعلق بالتسعة أجزاء، فيقال أن التسعة كانت واجبة سابقاً، والآن
كما كانت، بعد تعذر هذا الجزء العاشر نشك في أن هذا الوجوب هل ارتفع، أو لا زال
باقياً ؟ فنستصحب وجوب التسعة المتيقن سابقاً، هذا ظاهر كلامه، ويقول أن مراد
المحقق النائيني(قدس سره) هو هذا، وليس استصحاب الوجوب الاستقلالي المتعلق
بالمجموع المركب من عشرة أجزاء، وإنما هو استصحاب الوجوب الضمني المتعلق بالتسعة
أجزاء، ويُدعى أن هذا الوجوب متّحد مع الوجوب الذي يُراد إثباته للتسعة بعد تعذر
الجزء العاشر، هذا الوجوب الذي يُراد إثباته للتسعة بعد تعذر الجزء العاشر هو نفس
الوجوب الثابت للتسعة في ضمن وجوب الكل وليس شيئاً آخر غيره، ومن هنا يمكن أن يجري
الاستصحاب إذا شككنا في بقاء هذا الوجوب، وتكون أركان الاستصحاب كلها متوفرة. هذا
هو التفسير الثاني للوجه الخامس، ويمكن جعل هذا التفسير الثاني للوجه الخامس وجهاً
سادساً لتقريب الاستصحاب.
هذا الوجه هو نفس ما ذكره
المحقق العراقي(قدس سره)،[2]يذكر هذا
التفسير الثاني للوجه الخامس بعنوان وجه مستقل لتقريب جريان الاستصحاب في محل
الكلام، يقول: المستصحب هو الوجوب النفسي الضمني المتعلق بالتسعة أجزاء، فيُستصحب
نفس هدا الوجوب الذي كنا على يقين منه سابقاً حيث يُشك في ارتفاعه، أو بقائه،
فيُستصحب. ويلتفت إلى هذه النكتة، يقول: وإن كان هذا الاستصحاب، استصحاب الوجوب
الضمني المتعلق بالتسعة أجزاء المتيقن سابقاً، أن استصحابه وإثباته بعد تعذر أحد
الأجزاء يستلزم تغيّر في حدّه، ليس تغير في نفس ماهية الوجوب، حدّ الوجوب يتغير،
فرضاً يتحول من كونه وجوباً ضمنياً إلى كونه وجوباً استقلالياً، إذا استصحبنا هذا
الوجوب المتيقن سابقاً وأثبتناه بعد تعذر أحد الأجزاء، سوف يكون وجوب التسعة
الباقية وجوباً استقلالياً، يقول: يتغير حدّ هذا الوجوب المستصحب؛ وحينئذٍ يتبدل
بحدّ آخر، وهذا لا ضير فيه؛ لأن هذا نظير مسألة استصحاب بقاء مرتبة من اللّون
المتحقق في ضمن اللّون الشديد المقطوع ارتفاعه، إذا شُك في ارتفاع تلك المرتبة
أيضاً، المرتبة الضعيفة، أو بقائها، فيمكن استصحاب تلك المرتبة الضعيفة من اللّون
المتحققة في ضمن المرتبة الشديدة، عندما ترتفع المرتبة الشديدة قطعاً ونشك في بقاء
المرتبة الضعيفة، لا مانع من استصحاب المرتبة الضعيفة من اللّون عندما نشك في
ارتفاعها وبقائها. ويقول: ما نحن فيه من هذا القبيل، وإن كانت هذه المرتبة التي
يُراد إثباتها بعد اليقين بارتفاع المرتبة الشديدة من اللّون يكون لها حدّ آخر غير
الحدّ الذي كان ثابتاً للّون الذي كنّا على يقين منه؛ لأنه يتبدل من مرتبةٍ شديدة
إلى مرتبةٍ ضعيفة. هنا أيضاً الحدّ يتغير، سابقاً كنّا على يقين من وجوب التسعة في
ضمن الكل، بينما الآن نريد أن نثبت وجوب التسعة وحدها، لا في ضمن الكل. هو يركز
على أن هذا تغيّر في حد الوجوب لا في نفس الوجوب، ومن هنا لا مانع من إجراء هذا
الاستصحاب وهو يستقرب جريان هذا الاستصحاب، ويقول: لا بأس بجريانه ولا مانع منه،
وإن كان في الجملة لا في جميع الموارد.
هذا التفسير الثاني لكلام
المحقق النائيني(قدس سره) وإن كان يظهر من بعض عباراته، لكن
التفسير الأول أيضاً يظهر من بعضٍ آخر من عباراته، يعني التفسير الأول ليس بذلك
البعيد، وإذا لم أكن مشتبهاً اتخطر أن المحقق العراقي(قدس سره) في تعليقته على
فوائد الأصول استشكل على المحقق النائيني(قدس سره) في هذا الوجه الذي ذكره، بينما
هو في نهاية الأفكار أختار هذا التفسير الثاني، مما يعني أنه فهم من كلام المحقق
النائيني(قدس سره) في فوائد الأصول تفسيراً آخر غير هذا التفسير الذي اختاره في
نهاية الأفكار وتبنّاه، قال: أن هذا الوجه وجه جيد ولا بأس به، فالظاهر أنه يفهم
منه التفسير الأول، وهو يستشكل على المحقق النائيني(قدس سره) في ما ذكره في فوائد
الأصول، بينما هو يختار التفسير الثاني. إذن: هو يستشكل عليه لأنه يفهم من عبارته
التفسير الأول، أن المستصحب هو عبارة عن الوجوب الاستقلالي النفسي المتعلق
بالمجموع المركب.
على كل حال، سواء
كان هذا هو مقصود المحقق النائيني(قدس سره)، أو كان مقصوده شيئاً آخر، وإن كنت
استقرب بعد التأمّل في عبارته أن مقصوده هو ما يذكره الشيخ حسين الحلي(قدس سره)
وهو استصحاب الوجوب النفسي الضمني الثابت للتسعة سابقاً بدعوى أن هذا هو هذا، وقد
يكون هذا ينافي ما ذكره من مسألة الانبساط والانقباض، هذا يناسب التفسير الأول؛
لأن الوجوب كان منبسطاً على كل الأجزاء، وبعد تعذر الجزء العاشر تقلص؛ ولذا مثّل
له بغير المثال الذي دكره المحقق العراقي(قدس سره)، لم يمثّل له باللّون، وإنما
مثّل له بالجسم الطويل الذي له لون خاص، يقول بعد تقلص هذا الجسم الطويل نستطيع أن
نقول: هذا اللّون الذي كان ثابتاً سابقاً، الآن هو نفسه ليس شيئاً آخر، لم يتبدّل،
غاية الأمر أنّ الجسم كان طويلاً وتقلّص. فيظهر أنه يمكن تفسير كلامه بهذين
التفسيرين. على كل حال، هذا الوجه الأخير ليكن وجهاً سادساً مستقلاً.
هل هذا الوجه تام أو غير تام
؟ ما يُلاحظ على هذا الوجه أنه
من جهةٍ أحسن من الوجه السابق في أنه قد لا يتوقف على المسامحة التي يتوقف عليها
الوجه الخامس، أي التفسير الأول للوجه الخامس حيث يتوقف على إعمال مسامحة؛ لأن
هناك تغايراً في المستصحب، في السابق كنا نستصحب وجوباً نفسياً استقلالياً متعلقاً
بعشرة أجزاء، بينما ما نريد أن نثبته بعد تعذر أحد الأجزاء هو وجوب نفسي استقلالي
متعلق بتسعة أجزاء، فهناك تفاوت في متعلق الوجوب، هذا يحتاج إلى إعمال مسامحة،
وإلا لا يكون الموضوع واحداً، هذا يحتاج إلى إعمال مسامحة بأن نقول أنّ هذا هو
نفسه وليس شيئاً آخراً، كما أنه من جهة الوجوب أيضاً يحتاج إلى مسامحة، الوجوب
السابق كان وجوباً نفسياً استقلالياً، بينما ما نريد أن نثبته هو وجوب ضمني وليس
وجوباً استقلالياً، فلابدّ من دعوى الوحدة وأنّ ذاك الوجوب هو نفس هذا الوجوب حتى
يجري الاستصحاب، وأن المتعلق هناك هو نفس هذا المتعلق بالنظر العرفي حتى يجري
الاستصحاب. ومن هنا قد يقال: بأن التفسير الثاني للوجه الخامس لا يحتاج إلى هذه
المسامحة؛ لاتحاد الوجوب ومتعلق الوجوب في الموردين، لأننا في التفسير الثاني نريد
استصحاب الوجوب الضمني المتعلق بالتسعة، وهذا هو نفس ما نريد إثباته بعد تعذر أحد
الأجزاء. إذن: ليس هناك اختلاف بين ما كنا على يقين منه وبين ما نريد إثباته بعد
التعذر حتى نحتاج إلى إعمال مسامحة، ليس هناك اختلاف، لا في الوجوب نفسه، ولا في
متعلق الوجوب، الوجوب نفسه هو المتيقن وهو الذي نريد إثباته وهو الوجوب النفسي
الضمني المتعلق بالتسعة، والمتعلق أيضاً نفسه وهي التسعة، هذا نفسه كنا على يقين
منه ونريد إثباته في محل الكلام؛ ولذا لا يحتاج إلى مسامحة، فهو أهون من التفسير
الأول للوجه الخامس، لعلّه لذلك اختاره المحقق العراقي(قدس سره) لأنه ليس فيه أي
مسامحة.
لكن يمكن أن يقال: أن
هذا الوجوب النفسي الضمني المتيقن سابقاً في ضمن وجوب الكل، هذا الوجوب النفسي
الضمني فيه احتمالان، احتمال أن يكون وجوب التسعة مشروطاً بالقدرة على الجزء
العاشر، هذا الاحتمال يأتي من احتمال أن تكون جزئية الجزء العاشر من المركب جزئية
مطلقة ثابتة حتى في حال التعذر، وهذا معناه أن وجوب التسعة مشروط بالقدرة على
الجزء العاشر، وإذا عجز عن الجزء العاشر يرتفع هذا الوجوب؛ لأنه وجوب مشروط
بالقدرة، فمع عدم القدرة على الجزء العاشر يسقط هذا الوجوب ولا يكون هناك وجوب
للتسعة، فإذن: بناءً على إطلاق الجزئية لحال التعذر يكون الوجوب الضمني للتسعة
المتيقن سابقاً مشروطاً بالقدرة على الجزء العاشر. وفي مقابله يوجد احتمال آخر،
وهو أن يكون وجوب التسعة مطلقاً من ناحية القدرة على الجزء العاشر، وجوب التسعة
ثابت سواء كنت قادراً على الجزء العاشر، أو لم تكن قادراً عليه، حتى في حال العجز
عن الجزء العاشر وجوب التسعة يكون ثابتاً، الذي قلنا أن لازم هذا أنه بالتعذر يبقى
وجوب التسعة ثابتاً.
إذن: الوجوب
المستصحب، وهو الوجوب النفسي الضمني للتسعة المتيقن سابقاً فيه تقديران، ويتردد
بين تقديرين له، على أحد التقديرين يكون هذا الوجوب مرتفعاً قطعاً، وهو تقدير
إطلاق الجزئية، تقدير أن يكون وجوبه مشروطاً بالقدرة على الجزء العاشر، فأنه عند
تعذر الجزء العاشر يرتفع هذا الوجوب قطعاً ولا يبقى وجوب للتسعة؛ لأننا فرضنا أنه
مشروط بالقدرة على الجزء العاشر، فمع عدم القدرة على الجزء العاشر يرتفع هذا
الوجوب قطعاً. إذن: على أحد التقديرين هذا الوجوب مرتفع قطعاً. على التقدير الآخر
وهو تقدير إطلاق دليل الجزئية، وأن وجوب التسعة ليس مشروطاً بالقدرة على الجزء
العاشر؛ لأنّه وإن كان جزءً، إلا أنه جزء في حال التمكن، وفي حال العجز لا يكون
جزءً من المركب أصلاً، فيكون وجوب التسعة مطلقاً من ناحية القدرة على الجزء
العاشر، بمعنى أن التسعة واجبة سواء كنت قادراً على الجزء العاشر، أو لم تكن
قادراً عليه. بناءً على هذا التقدير يكون وجوب التسعة ثابتاً قطعاً وباقٍ قطعاً،
فيدور أمر المستصحب بين تقديرين، على أحد التقديرين هو مرتفع قطعاً، وعلى التقدير
الآخر هو باقٍ قطعاً. بناءً على هذا حينئذٍ نجري الاستصحاب في ماذا؟ نجري
الاستصحاب في الوجوب الضمني المتعلق بالتسعة على ذاك التقدير؟ وهذا غير جائز لأنه
مرتفع قطعاً، ولا معنى للاستصحاب فيه، أو نجريه على التقدير الآخر ؟ هو باقٍ قطعاً
ولا نحتاج إلى إجراء الاستصحاب لإثباته، فلابدّ أن يتجه الاستصحاب إلى الأعم من
هذين التقديرين، يعني نستصحب الوجوب الضمني النفسي المتعلق بالتسعة الأعم من هذين
التقديرين؛ لأننا إذا أخذنا أحد التقديرين لا يمكن إجراء الاستصحاب؛ لأن الوجوب
على أحد التقديرين مرتفع قطعاً، وعلى التقدير الآخر هو باقٍ قطعاً، ولا معنى
لإجراء الاستصحاب فيه. إذن: بناءً على هذا الكلام لابدّ أن نستصحب الوجوب النفسي
الضمني المتعلق بالتسعة الأعم من هذين التقديرين، ويكون أشبه باستصحاب الكلي،
استصحاب الجامع بين الوجوب على ذاك التقدير والوجوب على هذا التقدير، هذا الوجوب
هل يمكن أن ينفعنا في محل الكلام ؟ هنا قد يقال: لا ينفع في محل الكلام؛ لأن هذا
الجامع الأعم الذي نريد استصحابه هو جامع بين ما يقبل التنجيز وبين ما لا يقبل
التنجيز، ومثل هذا الجامع ــــــــ كما اشرنا سابقاً ـــــــــ حتى لو علمنا به
وجداناً لا ينفع ولا أثر له، فضلاً عمّا إذا أثبتناه بالتعبد الاستصحابي، الجامع
إنما يمكن استصحابه عندما يكون قابلاً للتنجيز على كل حال، أما إذا كان يقبل
التنجيز على أحد التقديرين، وهو تقدير أن يكون وجوبه وجوباً مطلقاً، بمعنى أنه ليس
وجوباً مشروطاً بالقدرة على الجزء العاشر، على هذا التقدير يكون وجوب التسعة
ثابتاً وقابلاً للتنجيز، بينما على التقدير الآخر هذا الوجوب ليس قابلاً للتنجيز؛
لأنه وجوب مشروط بالقدرة على الجزء العاشر، والمفروض أن القدرة على الجزء العاشر
قد انتفت؛ فحينئذٍ هو ينتفي. إذن: بعد العجز نريد استصحاب هذا الكلي، والحال أنه
كلي بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبل التنجيز، ومثل هذا الكلي أو الجامع، العلم
الوجداني به لا يكون مفيداً ولا يكون منجزاً لشيء، فضلاً عمّا إذا كان ثابتاً
بالاستصحاب. هذا إذا كان الغرض من الاستصحاب هو إثبات الجامع والكلي.
وأما إذا قيل: أن
الغرض هو استصحاب الكلي المقصود به استصحاب الوجوب الضمني المتعلق بالتسعة أجزاء
الأعم من التقديرين المذكورين. قد يقال: نستصحب هذا لإثبات أحد التقديرين، وهو
تقدير أن الوجوب مطلق وليس مشروطاً بالقدرة على الجزء العاشر، فينتج وجوب التسعة
بعد العجز عن العاشر؛ هذا حينئذٍ يكون الأصل بلحاظه أصلاً مثبتاً. هذه هي الملاحظة
على هذا الوجه، وإلا من دون هذه الملاحظة، هذا الوجه في الجملة لابأس به، فيكون
وجهاً سادساً من وجوه تقريب الاستصحاب في محل الكلام.
الآن ننتقل إلى ما ذكرناه في
الدرس السابق، في
الدرس السابق قلنا أنّ السيد الشهيد(قدس سره) بعد أن أجاب عن الوجوه التي ذكرها
للاستصحاب، قال: حينئذٍ يرجع الإشكال كما كان في السابق، وقلنا أن الإشكال يقول:
كيف يجري الاستصحاب، والحال أن المتيقن غير المشكوك؟ المشكوك الذي نريد إثباته
بالاستصحاب هو وجوب استقلالي للتسعة، وهذا لم نكن على يقين منه سابقاً، فكيف يمكن
إجراء استصحابه ؟ المتيقن غير المشكوك، ما كنا على يقين منه هو الوجوب الضمني
للتسعة، أو بعبارة أخرى: وجوب استقلالي للعشرة، لكن لم نكن على يقين بوجوب
استقلالي للتسعة، بينما نريد إثبات وجوب استقلالي للتسعة، وهذا غير ذاك، فكيف يجري
استصحابه؟ وكل التقريبات السابقة كانت هي محاولة للجواب عن هذا الإشكال، فإذا لم
تتم تلك التقريبات يبقى الإشكال على حاله.
السيد الشهيد(قدس سره) ذكر
بأنّ هذا كله مبني على افتراض أن وجوب التسعة يكون بجعلٍ خاصٍ به في مقابل وجوب
الكل، وجوب الكل يكون له جعل خاص وخطاب خاص ووجوب الناقص في حال التعذر أيضاً له
جعل خاص به، فيرد هذا الكلام.
وأمّا إذا فرضنا أنه
يمكن فرض جعل واحد يتضمن كلا الأمرين بأن يكون الوجوب وارداً على الأعم من التام
في حال القدرة والناقص في حال العجز. وهذا أمر ممكن وليس أمراً محالاً، لا يريد أن
يقول أن هذا هو الثابت خارجاً، قلنا سابقاً إذا كان هذا هو الثابت خارجاً؛ فحينئذٍ
لا داعي لكل هذا الكلام؛ لأن لدينا دليل اجتهادي يدل على وجوب الناقص في حال
التعذر، ليس هذا مقصوده، وإنما مقصوده إذا تعذر الجزء العاشر نحن نشك في أن الجعل
المتيقن سابقاً، هل هو جعل وارد على خصوص المركب التام كما كنا نطرح سابقاً أو هو
جعل على الأعم من التام والناقص ؟ نشك في هذا، إذا شككنا في هذا؛ فحينئذٍ يكون
الشك شكاً في البقاء؛ حينئذٍ نحن نشك في بقاء وجوب الباقي؛ لأنه على تقدير أن يكون
الجعل الثابت سابقاً جعلاً وارداً على المركب التام تعييناً، فهذا بالتعذر يرتفع؛
لأن المركب التام بعد تعذر أحد أجزائه غير مقدور، والمفروض أن الجعل توجه نحو
المركب التام تعييناً؛ فحينئذٍ هذا يسقط بالتعذر، فالوجوب الذي كان ثابتاً يسقط
على تقدير أن يكون الجعل وارداً على المركب التام. أما إذا فرضنا أن الجعل السابق
ليس وارداً على المركب التام تعييناً، وإنما وارد على الأعم من المركب التام في
حال القدرة والناقص في حال التعذر، هو اساساً وارد بهذا الشكل؛ حينئذٍ وجوب التسعة
يكون باقياً قطعاً؛ لأن الجعل وارد على الأعم من الناقص والتام، الجعل كما يوجب
عليّ التام عند القدرة يوجب عليّ الناقص عند التعذر، على تقدير أن أقطع بهذا؛
حينئذٍ أقطع بوجوب الباقي ولا نحتاج إلى الاستصحاب، عندما اشك ولا أعلم بكيفية الجعل
في السابق احتمل أن الجعل في السابق هكذا، واحتمل أن الجعل في السابق يرد على
المركب التام فقط تعييناً، واحتمال أنه ورد على الجامع بين التام والناقص، وعلى
تقدير أن يكون وارداً على الجامع بين التام والناقص؛ حينئذٍ هذا الحكم الذي أريد
إثباته هو نفس الحكم المجعول بالجعل السابق وليس شيئاً آخر غيره، هو وجوب التسعة
عند تعذر الجزء العاشر هذا كان ثابتاً بالجعل السابق، هو نفسه وليس شيئاً آخر. نعم
على هذا التقدير؛ حينئذٍ يكون الثابت هو نفس السابق، فإذا شككنا بهذا النحو أو ليس
بهذا النحو نستطيع أن نقول: أن الشك في بقاء ما كان على أحد التقديرين، هذا الشيء
الذي لم يكن موجوداً سابقاً بناء على عدم تمامية الوجوه السابقة كما هو يرى كنا
نقطع بأن المشكوك غير المتيقن، وأننا لو أثبتنا وجوب التسعة بعد تعذر الجزء
العاشر، فهذا وجوب آخر غير ما كان ثابتاً سابقاً. الآن لا نستطيع القول أن هذا غير
ما كنا على يقين منه سابقاً؛ بل احتمل أنه هو نفسه، فيكون الشك شكاً في البقاء؛
وحينئذٍ مبدئياً لا مانع من جريان الاستصحاب.