الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ إطلاق
الجزئية لحالة النسيان.
ذكرنا الميزان في الدرس
السابق، وهو
الميزان الذي ينبغي على أساسه أن يُحكم بجريان الاستصحاب وعدم جريانه، وقلنا بأن
الاستصحاب إنما يجري بناءً على إعمال العناية العرفية في ما إذا لم يكن الشيء
المفقود دخيلاً في الحكم حدوثاً وبقاءً؛ حينئذٍ يمكن إعمال العناية العرفية لإجراء
الاستصحاب، وأمّا إذا كان دخيلاً في الحكم حدوثاً وبقاءً، فهنا لا يجري الاستصحاب
ولا مجال لإعمال العناية؛ لأن الشك ليس شكاً في البقاء؛ لأن معنى أنه دخيل في
الحكم بقاءً أنّ الحكم ينتفي بانتفائه، فإذا شُك، فالشك حينئذٍ يكون في حكم آخر
وليس في بقاء ما كان، وهنا لا يجري الاستصحاب. هذا الذي ذكرناه في الدرس السابق،
وقلنا بأنّ هذا يمكن تطبيقه في محل الكلام لإثبات عدم جريان الاستصحاب، باعتبار
أنّ الجزء المفقود في محل الكلام هو دخيل في الحكم حدوثاً وبقاءً، شخص الحكم
الثابت سابقاً للمركب التام المؤلف من عشرة أجزاء ينتفي بانتفاء أحد الأجزاء،
ودخالة أحد الأجزاء في ثبوت الحكم للمركب ثابتة في الحدوث والبقاء، فعندما ينتفي
الجزء في مرحلة البقاء، فالحكم السابق ينتفي حتماً، والشك يقع في حكم آخر ولاشك
حينئذٍ في بقاء ما كان حتى يجري الاستصحاب.
قد يُستشكل على ما ذكرناه: بأنه
بناءً على هذا الكلام حينئذٍ ينبغي أن نلتزم بعدم جريان الاستصحاب عند الشك في
كرية الماء، عندما يؤخذ من الماء الذي كان كرّاً سابقاً مقدار ويُشك في كرّيته بعد
أخذ ذلك المقدار، قد يقال: بناءً على هذا الميزان المذكور؛ حينئذٍ لا يجري الاستصحاب
في هذا أيضاً؛ باعتبار أن نفس الكلام يقال، بأنّ الكرّية التي كانت ثابتة سابقاً
كانت ثابتة للمجموع قبل أخذ هذا المقدار منه، وقبل النقص، فإذا أخذنا مقداراً منه،
يعني أخذنا جزءً منه؛ حينئذٍ تنتفي تلك الكرية التي كانت ثابتة سابقاً، ومع
انتفائها كيف يجري الاستصحاب؟! لأن الشك لا يكون شكاً في البقاء، بالضبط كما في
محل الكلام، في محل الكلام قلنا إذا تعذر بعض أجزاء المركب؛ حينئذٍ يتعذر إجراء الاستصحاب؛
لأنه بمجرّد تعذر أحد أجزاء المركب نقطع بانتفاء الحكم الثابت سابقاً، فلا شك في
البقاء، فلا يجري الاستصحاب. نفس هذه الفكرة تطبّق على مثال الكرية، هنا أيضاً
أخذنا من الماء الذي حكمنا بكريته سابقاً مقداراً منه، الكرية التي كانت ثابتة
سابقاً كانت ثابتة للمجموع، فإذا أخذنا منه مقداراً تنتفي هذه الكرّية؛ وحينئذٍ
كيف يجري الاستصحاب ؟! والحال أنه لا إشكال عندهم في جريان الاستصحاب في مثال
كرّية الماء، وإعمال العناية العرفية لإجراء الاستصحاب.
يمكن الجواب عن هذا الإشكال:
بأن الاستصحاب في مثال الكرّية سواء كان استصحاباً حكمياً، أو كان استصحاباً
موضوعياً، وسواء استصحبنا عدم الانفعال الثابت سابقاً، باعتبار أنّ عدم الانفعال
من أحكام الكرّية، أو استصحبنا الكرّية، باعتبار أن الكرّية موضوع لعدم الانفعال،
على كلا التقديرين هذا الاستصحاب يمكن تصوره في المقام على نحوين:
النحو الأول:
نفترض أنّ الماء كان كرّاً سابقاً، بمعنى أنه كان بالغاً ذلك المقدار المحدد من
قبل الشارع، سواء كان تحديده بالمساحة، أو بالوزن ....الخ، ثم أخذنا منه مقداراً
بحيث نعلم بأنه نقص ذلك المقدار المحدد شرعاً، وحينئذٍ نشك ويقال نجري استصحاب عدم
الانفعال الذي كان ثابتاً سابقاً، أو نجري استصحاب الكرّية التي كانت ثابتة
سابقاً.
النحو الثاني:
نفترض أننا أخذنا منه مقداراً بحيث لا علم لنا بأنه نقص عن المقدار المحدد شرعاً،
أخذنا من هذا الماء مقداراً بحيث نحتمل أنه نقص عن المقدار المحدد شرعاً، وهناك
احتمال في مقابله أنه بقي على حاله، أي بقي الكر كراً، فهناك احتمالان في هذا
النحو، احتمال أن يكون قد نقص عن المقدار المحدد شرعاً واحتمال عدم النقص.
هذان فرضان يمكن فرضهما في
المقام، الفرض
الأول هو من قبيل ما نحن فيه، في ما نحن فيه يُفترض أنّ المركب التام الذي ثبت له
الوجوب تعذر منه جزء، هذا المركب التام الذي هو الصلاة من عشرة أجزاء نقص منها
جزء، هذا قلنا أنه لا يجري فيه الاستصحاب؛ لأن الحكم الذي كان ثابتاً سابقاً كان
ثابتاً للمجموع المركب من عشرة أجزاء، وعند انتفاء أحد الأجزاء أو تعذره ينتفي ذلك
الحكم جزماً، ومع انتفائه لا مجال لإجراء الاستصحاب لعدم الشك في المقام. النحو الأول
في مثال استصحاب الكرية هو من هذا القبيل؛ لأننا فرضنا أن الماء الذي كان بالغاً
المقدار المحدد شرعاً أخذنا منه مقداراً قليلاً، فنقص عن ذلك المقدار، هنا نمنع من
جريان الاستصحاب سواء كان يُراد استصحاب عدم الانفعال، أو يُراد استصحاب الكرّية،
على كلا التقديرين هذان أمران منتفيان حتماً عندما ينقص الماء عن الكرية ونعلم
بأنه نقص عن الكرية، الشارع حكم بكرية الماء الذي يبلغ حداً معيناً، وحكم بعدم
انفعال الماء الذي يبلغ حداً معيناً، إذا نقص عن ذلك فسوف ينتفي ذلك الحكم ولا
مجال لإجراء استصحابه، فيكون النحو الأول من قبيل ما نحن فيه ولا مشكلة حسب الظاهر
في المنع من إجراء الاستصحاب فيه. بينما في النحو الثاني لا مانع من إجراء
الاستصحاب؛ لأن النكتة التي منعنا على اساسها من إجراء الاستصحاب في النحو الأول وفي
محل الكلام لا تجري في النحو الثاني، في النحو الثاني الماء كان كراً، أخذنا منه
مقداراً، لكننا نشك في أنه هل نقص عن الكرية، أو لم ينقص عن الكرّية ؟ هل بقي كرّاً،
أو لم يبقَ كرّاً ؟ هنا الشك في البقاء، ولا جزم عندنا حينئذٍ بانتفاء الحكم الذي
كنا على يقين منه سابقاً، سواء كان الحكم هو عدم الانفعال، أو كان الحكم هو الكرّية،
لا جزم لنا بانتفاء هذا الحكم ؛لأننا لا نعلم بأن ما أخذناه أوجب النقص في ما حكم
الشارع عليه سابقاً بأنه كر، أو حكم عليه بعدم الانفعال، فنشك في بقاء الحكم، ونشك
في بقاء الكرّية؛ حينئذ يقال: أنه يمكن إجراء الاستصحاب بناءً على العناية السابقة،
فيقال بأنّ هذا الماء بعد أخذ مقدار منه، وإن كان هو غير الماء الموجود سابقاً قبل
أخذ هذا المقدار منه بالدقة، لكنه بالعناية العرفية هو نفسه، فيقال: هذا كان كرّاً،
والآن كما كان، هذا حكم الشارع عليه بعدم الانفعال، الآن نشك في أنّ هذا الحكم
الشرعي بعدم الانفعال ارتفع عنه أو لا ؟ فنستصحب عدم الانفعال. هنا لا مانع من
جريان الاستصحاب، ولعلّه يمكن حمل كلامهم على هذا، أنّ المقصود بذلك هو هذا. على
كل حال، كان المقصود هو هذا أو لا، كان كلامهم عامّاً يشمل كلا النحوين، بناءً على
ما ذكرناه، إجراء الاستصحاب في النحو الأول يكون مشكلاً. هذا بالنسبة إلى الوجه
الثالث.
يبقى ما ذكره السيد
الخوئي(قدس سره) من أنه لا طريق لنا لمعرفة المقوّم من غير المقوّم،
وأنّ هذا ليس متاحاً لنا، وأنه لابدّ أن يرِد بياناً من قبل الشارع، هو ذكر أنه
إذا ورد بياناً من قبل الشارع فلا مشكلة، وأما إذا لم يرِد بياناً، فالأمر موكول
إلى العرف.
قلنا أن هذا يلاحظ عليه نفس
الملاحظة السابقة، الظاهر أنه ناظر إلى مسألة الصدق العرفي للوحدة المعتبرة في
الاستصحاب، وحدة القضية المتيقنة والقضية المشكوكة، وكون الموضوع واحداً هذا أمر
موكول للعرف، فالعرف هو الذي يقول بأن هذا الموضوع واحد أو متعدد، بحسب ما يراه
العرف بحسب نظره المسامحي. مسألة الصدق العرفي للوحدة المعتبرة في باب الاستصحاب
تقدّم سابقاً أنه وحده لا يكفي لإجراء الاستصحاب، بحيث أنه في كل موردٍ العرف يرى
أن الموضوع واحد يجري الاستصحاب؛ بل هناك شيئاً آخر قبل أن نصل إلى مرحلة أنّ
الموضوع واحد، أو متعدد لابدّ من إحراز أنّ الشك شك في البقاء، هذا لابدّ من
إحرازه، وهذا كما قلنا يتوقف على أن لا يكون الجزء المفقود دخيلاً في الحكم حدوثاً
وبقاءً، وإلاّ إذا كان دخيلاً في الحكم حدوثاً وبقاءً، فلاشك في البقاء حينئذٍ.
قبل أن نصل إلى أنّ هذا الموضوع واحد، أو أنّ هذا الموضوع متعدد، المسألة ليست
بهذا الشكل أنه كلما يرى العرف أنّ الموضوع واحد هذا يكفي وهو الميزان في جريان
الاستصحاب، كلا، هناك شيء آخر أيضاً لابدّ من ملاحظته. هذا بالنسبة إلى الوجه
الثالث.
الوجه الرابع: هو
أن نستصحب الوجوب الاستقلالي بنحو مفاد كان التامّة، ويُراد بذلك استصحاب الوجوب
الاستقلالي النفسي بقطع النظر عن متعلقه، هذا هو المقصود بمفاد كان التامّة،
فيقال: كان وجوب سابقاً ثابتاً وموجوداً في الخارج، والآن نشك في ارتفاعه بعد
التعذر، فيجري استصحاب الوجوب بنحو مفاد كان التامة لا بنحو مفاد كان الناقصة،
وقلنا أن المقصود بالاستصحاب بنحو مفاد كان التامة يعني استصحاب الوجوب بقطع النظر
عن متعلقه كما صرّحوا بذلك، ومثّلوا لذلك باستصحاب وجود الكر خارجاً لإثبات كرية
الموجود، هذا من قبيل استصحاب وجود الكر بنحو مفاد كان التامة. هنا نستصحب الوجوب
بقطع النظر عن متعلقه، هذا يُستصحب الوجوب فيقال: كان الوجوب موجوداً سابقاً بلا
إشكال، ولا يمكن إنكار وجود الوجوب سابقاً قبل التعذر، الآن بعد التعذر يُشك في
أنّ هذا الوجوب الذي نقطع بوجوده سابقاً ارتفع، أو لا يزال باقياً ؟ فيُستصحب هذا
الوجوب المتيقن سابقاً بنحو مفاد كان التامة.
استشكلوا في هذا الوجه:
بأنّ الوجوب لا يمكن أن يوجد من دون متعلّق، من دون فرقٍ بين أن يكون ذلك في عالم
الجعل أو في عالم الفعلية، على كلا التقديرين لا يُعقل وجود الوجوب من دون متعلق،
لابدّ له من متعلق، لابدّ من متعلقٍ لذلك الوجوب حتى في عالم الجعل لابدّ من فرض
متعلق، غاية الأمر أن متعلق الوجوب هو أمر ذهني، لكن بالنتيجة لابدّ من وجود
متعلقٍ، فإذا كان لابدّ من وجود متعلق؛ حينئذٍ هذا المتعلق لا يخلو إمّا أن يُراد
به المركب التام الذي كان ثابتاً سابقاً، كالصلاة المركب التام من عشرة أجزاء
يُراد به المتعلق هذا. يعني بعبارةٍ أخرى نستصحب الوجوب لهذا المركب التام الذي
كان ثابتاً سابقاً. وبناءً على هذا الكلام لا يُعقل فرض وجوب من دون متعلق له،
فلابدّ من متعلق. إذن: هذا الوجوب الذي يُراد استصحابه في المقام ما هو متعلقه ؟
إذا قلت: أنّ متعلقه هو المركب التام الذي كان ثابتاً سابقاً، فهذا قد تقدم سابقاً
بأن هذا منتفٍ حتماً، بعد تعذر أحد الأجزاء هذا الوجوب الذي كان ثابتاً للمركب
التام ـــــــــ إذا فرضنا أن المتعلق هو المركب التام من عشرة أجزاء ـــــــــ هذا
الوجوب الذي كان ثابتاً للمركب التام منتفٍ قطعاً بتعذر بعض الأجزاء، فلا مجال
لجريان الاستصحاب فيه لانتفائه حتماً. وأمّا إذا أريد بالمتعلق هو الجامع بين
المركب التام والمركب الناقص، فنستصحب الوجوب المتعلق بالجامع بين المركب التام
والمركب الناقص، يعني إذا أريد بالمتعلق لا المركب التام الذي كان ثابتاً سابقاً،
وإنما أريد به الأعم من المركب التام والمركب الناقص بدعوى أنّ هذا الجامع قطعاً
هو متحقق سابقاً في ضمن المركب التام، ويُحتمل تحققه بعد التعذر في ضمن المركب
الناقص، فنستصحب الجامع الذي كنا على يقين منه سابقاً، نستصحبه لإثباته في محل
الكلام.
إذا كان هذا هو المراد
بالمتعلق، فجوابه
تقدّم؛ لأنّ هذا يرجع في الحقيقة إلى أحد الوجهين السابقين، الأول أو الثاني الذي
هو استصحاب الجامع، وقلنا بأنّ هذا يبتني على القول بجريان الاستصحاب في القسم
الثالث من أقسام استصحاب الكلي، ولا يقال به؛ لأنه يُراد استصحاب الجامع المتحقق
في ضمن فردٍ لإثباته في ضمن فردٍ آخر، يعني الجامع المتحقق في ضمن فرد يُراد
إثباته في ضمن فردٍ آخر، الجامع تحقق في ضمن فردٍ وارتفع ذلك الفرد قطعاً وإنما
يحتمل حدوث فرد آخر لهذا الجامع ينحفظ به الجامع، هذا هو استصحاب الكلي من القسم
الثالث الذي لا يجري فيه الاستصحاب بالاتفاق.
هذا الإيراد في الحقيقة ليس
إيراداً على الوجه؛ لأن الوجه يفترض مسبقاً أن الاستصحاب هو استصحاب بنحو مفاد كان
التامة، يعني استصحاب الوجوب بقطع النظر عن متعلقه، غير ملحوظ المتعلق فيه، هذا
الإيراد يقول إن كان المتعلق كذا، فيرد عليه كذا، وإنما الجواب هو أن فرض
الاستصحاب من دون متعلق ليس فرضاً مقبولاً في محل الكلام؛ بل لابد له من متعلق،
فإذا كان المتعلق لابدّ منه؛ حينئذٍ يأتي هذا الكلام أن المتعلق إن كان هو المركب
التام، فيترتب عليه كذا، وإن كان هو الجامع بين المركب التام والمركب الناقص، فهذا
يبتني على القول بجريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي.
هناك إيراد آخر يرد على هذا
الوجه، وهو
أنه على تقدير جريان الاستصحاب، لا يمكننا أن نثبت به وجوب الباقي بعد التعذر،
يعني الأجزاء الباقية بعد الجزء المتعذر لا يمكننا إثبات الوجوب لها بهذا
الاستصحاب؛ لأن إثبات وجوب الأجزاء الباقية بعد التعذر باستصحاب الجامع، هذا من
الأصل المثبت، ما نستصحبه هو عبارة عن الوجوب بمفاد كان التامة، والانتقال منه إلى
إثبات أن هذه الأجزاء الباقية بعد تعذر هذا الجزء هي الواجبة، هذه انتقالة تتوقف
على القول بحجية الأصل المثبت؛ لأن هذا ليس هو مفاد المستصحب، ليس هو نفس
المستصحب، وإنما هو من اللوازم التي تترتب على بقاء الوجوب بمفاد كان التامة،
بقاؤه خارجاً لازمه ثبوت الوجوب للأجزاء الباقية بعد التعذر، هذه انتقالة عقلية
تكوينية يتوقف القول بها على الالتزام بالأصل المثبت.
الوجه الخامس: هو
ما ذُكر في تقريرات المحقق النائيني(قدس سره) في فوائد الأصول
[1]،
ذكر المحقق النائيني(قدس سره) كلام طويل نذكره، يقول أنّ جزئية الجزء المتعذر فيها
احتمالان:
تارة نفترض أنها
مختصة بحالة التمكن والاختيار، وأخرى نفترض أنها مطلقة، ثابتة حتى في حال التعذر،
هذان فرضان ثبوتيان، على تقدير الفرض الأول وهو أن تكون جزئية الجزء المتعذر مختصة
بحالة التمكن والاختيار، بحيث إذا تعذر الجزء تسقط جزئيته، فلا يكون جزءً من
المركب، وإنما يكون المركب مؤلفاً من تسعة أجزاء، والجزء العاشر في حال تعذره يخرج
عن كونه جزءً من المركب، في حال التمكن موجود، وفي حال التعذر هو ليس موجوداً،
يقول: بناءً على هذا الفرض؛ حينئذٍ يكون التكليف بالباقي بعد فرض تعذر أحد الأجزاء
هو نفس التكليف الذي كان موجوداً في السابق، بمعنى أن التكليف بالباقي هو عين
التكليف بالكل الذي كان موجوداً سابقاً لا أنه تكليف جديد يحدث ويتعلق بالباقي بعد
ارتفاع التكليف السابق، وإنما هو عين ذلك التكليف، غاية الأمر أن هذا التكليف
الواحد الموجود سابقاً وإلى الآن هو موجود بعد التعذر، هذا التكليف الواحد كان
يتعلق بدائرة أوسع، فأنه كان ينبسط على تمام الأجزاء التي هي عشرة سابقاً، أما
الآن بعد التعذر تتضيق دائرة متعلق التكليف ويخرج الجزء المتعذر عن هذه الدائرة
ولا ينبسط عليه التكليف، بسبب التعذر لا يرتفع التكليف السابق ويحدث تكليف جديد،
وإنما التعذر يوجب تقليص الدائرة التي كان ينبسط عليها الوجوب سابقاً، سابقاً كان
التكليف ينبسط على دائرة وسيعة، الآن بعد التعذر ينبسط على دائرة أضيق. هذا هو
الفرق بينهما، وإلا التكليف نفس التكليف وعين التكليف وليس شيئاً آخر، التعذر لا
يوجب ارتفاع التكليف السابق وحدوث تكليف جديد، وإنما التكليف نفسه يبقى ولا يتغير
إطلاقاً، وإنما دائرة انبساط التكليف حينئذٍ تكون دائرة ضيقة وتكون دائرة وسيعة
بحسب التعذر وعدمه، ويُمثل لذلك، يقول: هذا نظير البياض الذي كان منبسطاً على
الجسم الطويل وصار قصيراً، فالبياض هو نفس البياض السابق ولم يحدث بياض جديد، غاية
الأمر انبساط هذا البياض تقلص، كانت وسيعة، الآن أصبحت ضيقة، يقول ما نحن فيه من
هذا القبيل، الوجوب الاستقلالي والوجوب النفسي الذي كان ثابتاً سابقاً بالتعذر لا
يرتفع ويحدث مكانه وجوب جديد، وإنما تتقلص دائرة انبساطه. هذا الذي يذكره.
وأما إذا كانت جزئية الجزء مطلقة
ثابتة حتى في حالة تعذر بعض الأجزاء؛ حينئذٍ لا إشكال في عدم بقاء التكليف
بالباقي؛ بل يرتفع التكليف بالباقي بارتفاع التكليف بالكل؛ لأنه لا يُعقل التكليف
بالكل بعد فرض تعذر بعض الأجزاء، هذا تكليف بغير المقدور، وإذا ارتفع التكليف
بالكل يرتفع التكليف بالباقي؛ وحينئذٍ لا مجال لإجراء الاستصحاب، بينما على الأول
لا مانع من إجراء الاستصحاب. يقول: هذه فروض ثبوتية، فإن قام دليل على أحد الفروض
نعمل به، أما إذا لم يقم دليل على أحد الفروض، لا الفرض الأول ولا الفرض الثاني
وشككنا في إطلاق الجزئية أو اختصاصها بحال التمكن والاختيار؛ فحينئذٍ نشك في بقاء
التكليف ببقية الأجزاء الذي يتمكن منه المكلف ويجري الاستصحاب؛ لوضوح أنه على
الفرض الأول التكليف الثابت سابقاً لا زال باقياً، وإنما تضيقت دائرته، فعلى الفرض
الأول التكليف يكون باقياً، وعلى الفرض الثاني التكليف لا يكون باقياً. إذن: نشك
في بقاء التكليف الذي كان ثابتاً سابقاً ويجري استصحابه. يقول في ذيل كلامه أن
المستصحب في المقام هو شخص التكليف النفسي الذي كان متعلقاً بالأجزاء قبل التعذر،
والتعذر إنما يكون منشئاً للشك في بقاء هذا التكليف بالباقي، لاحتمال اختصاص
الجزئية بحال التمكن.