الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ دوران
الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.
الكلام في دوران الأمر بين
الأقل والأكثر في الشرائط، انتهى الكلام إلى رأي صاحب الكفاية(قدّس سرّه) في هذه
المسألة، اشرنا في الدرس السابق إلى أنّه يظهر من صاحب الكفاية(قدّس سرّه) أنّه
يقول حتّى إذا سلّمنا إجراء البراءة العقلية في المسألة السابقة، فلا نسلّم
جريانها في هذه المسألة، إذا قلنا بأنّ البراءة تجري في الأجزاء في المسألة
السابقة، فهي لا تجري في باب الشك في الشرطية، وذلك باعتبار أنّ جريان البراءة
متوقف كما هو واضح على انحلال العلم الإجمالي، ما دام العلم الإجمالي لا ينحل فالبراءة
لا تجري، وإنّما تجري إذا انحل العلم الإجمالي، وانحلال العلم الإجمالي يكون بدعوى
أنّنا نعلم بوجوب الأقل على كل تقدير، فيكون علماً تفصيلياً بوجوب الأقل على كل
تقدير وشك في وجوب الزائد، فينحل العلم الإجمالي، يقول صاحب الكفاية(قدّس سرّه)
أنّ المقام ليس من هذا القبيل حتماً حتّى إذا قلنا أنّ المسألة السابقة في باب
الأجزاء من هذا القبيل، باعتبار أنّه يمكن هناك أن يقال: أننا نعلم بوجوب الأقل
على كل تقدير، نعلم بوجوب التسعة أجزاء على كل تقدير ونشك في وجوب الجزء العاشر،
فينحل العلم الإجمالي، يقول: حتّى إذا قلنا بذلك هناك، هنا لا مجال لهذا الكلام،
وذلك بنكتة أنّ الطبيعي لا يوجد إلاّ في ضمن فرده ولا يتحصّل له وجود إلاّ في ضمن
فرده؛ بل في الحقيقة وجود الطبيعي هو عين وجود الفرد وليس شيئاً آخر، وبناءً على
هذا، فالطبيعي في ضمن الفرد مثل طبيعي عتق الرقبة المقيّدة بالإيمان، هذا في
الحقيقة يكون موجوداً في ضمن وجود فرده، والطبيعي في ضمن غير المقيّد يكون مبايناً
للطبيعي في ضمن المقيّد، الطبيعي في ضمن الرقبة المؤمنة هو غير الطبيعي في ضمن
الرقبة غير المؤمنة؛ لأنّ الكلّي الطبيعي يتّحد مع فرده، فيحصل بينهما تباين، هذا
التباين هو يستفيد منه ويقول: لا يمكن أن نقول بأنّ الطبيعي في ضمن غير المقيّد هو
بعض الطبيعي في ضمن المقيّد حتّى تكون النسبة بينهما نسبة الأقل والأكثر، وإنّما
هو مباين له تماماً، هذا شيء وهذا شيء آخر وبينهما تمام المباينة والإتيان
بالطبيعي في ضمن غير المقيد على تقدير أن يكون الواجب هو المقيّد هو في الحقيقة
إتيان بأمر مباين للواجب لا أنّه جاء بجزء الواجب، على تقدير أن يكون الواجب هو
عتق الرقبة المفيّدة بالإيمان، على هذا التقدير الإتيان بالرقبة غير المؤمنة هو
إتيان بفردٍ مباين للواجب لا أنّه جاء بجزء الواجب باعتبار أنّ المقيّد يتركّب من
أمرين: من ذات الطبيعي ومن التقيّد؛ بل هو إتيان بما هو مباين للواجب، وفي مثل هذا
يدور الأمر بين المتباينين ولا مجال فيه للرجوع إلى البراءة، ليس هناك قدر متيقن
في البين نشير إليه ونقول أنّ هذا تعلّق الوجوب به معلوم، وإنّما يُشك في وجوب ما
زاد عليه، هذا الشيء في باب الأجزاء يمكن تصوره؛ لأنّه لدينا تسعة أجزاء نستطيع أن
نقول أنّها متيقنة الوجوب. في محل الكلام لا يوجد هكذا شيء، الفرد الطبيعي في ضمن
المقيد هو مباين للطبيعي في ضمن غير المقيّد.
أو بعبارة أكثر وضوحاً: الرقبة
المؤمنة مباينة للرقبة الكافرة لا أننا نقول أنّ الرقبة الكافرة هي جزء أو بعض من
الرقبة المؤمنة بحيث أنّ الرقبة المؤمنة تتألف من ذاك الفرد وزيادة، كما كنّا نقول
في باب الأجزاء الأكثر يتألف من الأقل وزيادة، هنا على تقدير أن يكون الواجب هو
المقيد ونعتبر الإيمان لا نستطيع أن نقول أنّ هذا مؤلّف من الرقبة الغير المؤمنة
وزيادة، وإنّما هما متباينان؛ وحينئذٍ لا مجال للرجوع إلى البراءة في مثل ذلك. هذا
ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) اعتراضاً على إجراء البراءة في محل الكلام.
السيد الخوئي
(قدّس سرّه) له تعليق على هذا الكلام، اعترض عليه بأمرين:
الأمر الأوّل: ذكر
مسألة الانحلال الحكمي التي يكررها في هذه المقامات، هو دائماً يقول بأنّ العلم الإجمالي
في المسألة السابقة وفي هذه المسألة هو منحل حكماً،
[1]
باعتبار أنّه يؤمن بمسلك الاقتضاء ويرى أنّ ملاك الانحلال هو جريان البراءة في أحد
الطرفين بلا معارض، متى ما جرت البراءة في أحد الطرفين بلا معارض ينحل العلم
الإجمالي، لكن ليس انحلالاً حقيقياً وإنما انحلال حكمي، هو في المقام نفس الفكرة
يطبّقها في محل الكلام ويقول بأنّ العلم الإجمالي في المقام منحل حكماً، باعتبار
أنّ المكلّف في محل الكلام يعلم بوجوب عتق رقبةٍ ما مرددة بين أن تكون مطلقة من
ناحية الإيمان وبين أن تكون مقيدة بالإيمان، ما يعلمه المكلّف هو أنّه يجب عليه
عتق رقبةٍ حتماً، أو يجب عليه إطعام فقير حتماً، لكنّه مردد بين أن يكون الفقير
الذي يجب إطعامه هو مطلق من ناحية الهاشمية، أو مقيّد بالهاشمية، هذا هو واقع
المطلب. يقول: وحيث أنّ الإطلاق لا يقبل جريان البراءة لما تقدّمت الإشارة إليه من
أنّ الإطلاق توسعة على المكلّف وليس فيه كلفة أو ضيق على المكلّف، هو تخيير
للمكلّف في تطبيق الطبيعي على أفراد كثيرين، فلا يقبل جريان البراءة، لا معنى لإجراء
البراءة عن الإطلاق، بعد أن فرض أنّ الواجب هو عتق رقبة ما مرددة بين المطلقة وبين
المقيّدة، يقول: البراءة لا تجري في الإطلاق؛ لأنّ الإطلاق توسعة وليس فيه ضيق
وليس فيه كلفة، فلا معنى لجريان البراءة فيه؛ حينئذٍ تجري البراءة في الطرف الآخر،
أي في التقييد، تجري البراءة لنفي تقيّد الواجب الطبيعي الذي نحن نعلم بوجوبه،
لنفي تقيّده بالإيمان، أو لنفي تقيّده بالهاشمية، وهذه البراءة لنفي التقييد لا
معارض لها؛ لأنّ المعارض لها المتصوّر هو البراءة عن الإطلاق، ولا معنى لجريان
البراءة عن الإطلاق باعتبار الإطلاق توسعة على المكلّف وليس فيه ضيق، والبراءة لا
تجري إلاّ حينما يكون هناك ضيق وكلفة من التكليف المحتمل، فتجري البراءة لنفي
التقييد بلا معارض وبهذا ينحل العلم الإجمالي، فلا وجه لما ذهب إليه صاحب
الكفاية(قدّس سرّه) من منع جريان البراءة في محل الكلام؛ بل البراءة تجري في محل
الكلام كما تجري في المسألة السابقة. هذا هو كما قلنا الانحلال الحكمي.
كلامنا في أنّ النوبة هل
تصل إلى الانحلال الحكمي ؟ أن نحتاج في سقوط العلم الإجمالي في انحلال العلم
الإجمالي وبالتالي إمكان إجراء البراءة، هل يتوقف هذا المطلب على الانحلال الحكمي
بالنحو الذي ذكره أو أنّ المسألة محلولة قبل الانحلال الحكمي ؟ الصحيح على ضوء ما
تقدّم هو أنّ الانحلال متحقق في المقام حقيقة، أنّ العلم الإجمالي على تقدير وجود
علم إجمالي، وهذا ليس صحيحاً؛ إذ أساساً لا يوجد علم إجمالي، أساساً يوجد علم
تفصيلي بوجوب الأقل وشك بدوي في الزائد. على تقدير أن يكون هناك علم إجمالي فهذا العلم
الإجمالي منحل حقيقة بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل والشك في وجوب ما زاد على ذلك،
وذلك باعتبار أننا قلنا أنّ الذي ينبغي أن يلحظ في باب التنجيز والتعذير، جريان
البراءة الذي يعني التعذير، والاشتغال وعدم جريان البراءة الذي يعني التنجيز، الذي
ينبغي أن يُلحظ هو عالم الدخول في العهدة، هو ذات التكليف مجرّداً عن حدوده،
المكلّف بلحاظ عالم التكليف في الواقع والحقيقة الأمر عنده يدور بين الأقل
والأكثر؛ لأنّه يعلم قطعاً بأنّه يجب عليه أن يعتق رقبة، هذا لا يشك فيه المكلّف،
وإنّما يشك في أنّه هل هو مكلّف بأنّ يضم إلى ذلك التقيّد بالإيمان، أو لا ؟ أو هل
يضم إلى ذلك التقيّد بالهاشمية، أو لا ؟ هو الذي عبّرنا عنه سابقاً بأنّ هناك
علماً بالمقيّد وشكاً في التقيّد، ذات المقيّد معلوم بالتفصيل لا المقيّد بما هو
مقيّد، ولا يشك المكلّف في ذات المقيّد ويقسم على اشتغال عهدته به واشتغال ذمّته
به، وإنّما يشك في تقيّد هذا بهذا القيد، هذا شك في دخول شيء في العهدة وهو مجرى
للبراءة، وبهذا ينحل العلم الإجمالي حقيقة بلا حاجة إلى ادعاء الانحلال الحكمي في
محل الكلام، بالضبط كما قلنا في المسألة السابقة في باب الأجزاء. هذا الأمر الأوّل
الذي ذكره.
الأمر الثاني: الذي
اعترض به على صاحب الكفاية(قدّس سرّه) هو أنّ هذا الإشكال الذي ذكره صاحب
الكفاية(قدّس سرّه) إذا تمّ في باب الشرطية، فينبغي أن يكون تاماً في باب الجزئية؛
إذ لا وجه للتفرقة بينهما، حتّى احتمال التفرقة لا وجه له؛ لأنّ صاحب الكفاية(قدّس
سرّه) كما يقال يحتمل التفرقة، يقول: حتّى إذا قلنا بجريان البراءة في المسألة
السابقة فلا
نقول بجريان البراءة في محل الكلام، إذن هو يحتمل التفكيك بينهما. الإشكال الثاني
الذي يذكره السيد الخوئي (قدّس سرّه) يقول: أصلاً التفكيك بينهما غير معقول، إذا
قلنا بعدم جريان البراءة في محل الكلام في الشرطية؛ بل يتعيّن الاشتغال، فلابدّ أن
نقول بذلك في الجزئية. بعبارة أخرى: أنّ هذا الإشكال الذي ذكره في محل الكلام يجري
بعينه في المسألة السابقة باعتبار أنّ كل واحد من أجزاء الواجب المركب من أجزاء
متعددة، كل جزءٍ من هذه الأجزاء له اعتباران:
الاعتبار الأوّل:
الذي يعبّر عنه باعتبار الجزئية، الشارع يعتبر هذا جزءاً من المركب وأنّ الوجوب
الذي يتعلّق بالمركب يتعلّق بهذا الجزء، غاية الأمر يتعلّق به وجوب ضمني. يعني
الشارع يعتبر وجوب هذا الجزء في ضمن المركب.
الاعتبار الثاني:
وهو اعتبار في كل جزء تعتبر جزئيته ويعتبر وجوبه ضمناً، في كل جزء من هذا القبيل
هناك اعتبار ثانٍ وهو ما يسمّيه باعتبار الشرطية، بمعنى أنّه شرط في سائر الأجزاء،
كل جزء هو شرط في سائر الأجزاء؛ لأننا نتحدث عن واجبات ارتباطية ولا نتحدث عن
واجبات استقلالية، واجبات ارتباطية يعني هي مرتبطة فيما بينها، فكل جزءٍ من أجزاء
الصلاة هو شرط في سائر الأجزاء، بمعنى أنّ سائر الأجزاء لا يتعلّق بها الوجوب ولا
تصح من دون ذلك الجزء، من دون السورة سائر الأجزاء لا أمر بها في الحقيقة والاتيان
بها لا يكفي في مقام الامتثال، وهذا مرجعه إلى أنّ كل جزءٍ من أجزاء الصلاة هو شرط
في سائر الأجزاء، يقول التفكيك بين الجزئية والشرطية غير صحيح فكل جزء هو في نفس
الوقت يكون شرطاً، إذا كان كل جزءٍ يكون شرطاً ولا يمكن التفكيك بينهما بالنتيجة
البراءة التي تجري لنفي الجزئية في المسألة السابقة، أو لا أقل نحتمل جريانها لنفي
الجزئية في المسألة السابقة لابدّ أن تجري لنفي الشرطية ولا يمكن التفكيك بينهما
بأن نجري البراءة في الجزئية ولا نجريها في الشرطية بهذا المعنى، التفكيك بينهما
غير صحيح والسر هو أنّ الشرطية منشأها هو جزئية الجزء في المركب من أجزاء على نحو
الارتباط، فإذن: منشأ الشرطية هو الجزئية، فإذا جرت البراءة لنفي الجزئية لازمه ان
تجري البراءة لنفي الشرطية؛ لأنّ الشرطية ناشئة من افتراض أنّ هذا جزء في ضمن مركب
الذي يعني أنّ سائر الأجزاء مشروطة به، فهو شرط في سائر الأجزاء، إذن: عندما أشك
في جزئية السورة يعني أشك في كونها شرطاً في سائر الأجزاء، هو يقول أنا أجري
البراءة لنفي الجزئية ولا تجري البراءة في الشرطية. هذا التفكيك غير صحيح؛ لأنّ
جزئية الجزء تلازم ولا تنفك عن سائر الأجزاء، فالبراءة إمّا أن تجري فيهما أو لا
تجري فيهما، هذا التفكيك أو احتمال التفكيك ليس صحيحاً. هذا ما يُستفاد من كلامه
في مصباح الأصول.
[2]هذا الأمر الثاني الذي
ذكره يوجد هكذا عبارات أنّ كل جزء هو شرط بالنسبة إلى سائر الأجزاء، لكن الكلام في
أن المراد بالشرطية التي تُطلق في هذا المقام هل هي نفس الشرطية التي نتكلم عنها ؟
هل هي نفس الشرطية التي تعني التوقف في الوجود، هذا هو كلامنا، ما يكون شرطاً في
الواجب يعني يتوقف عليه وجود الواجب. كلامنا في أنّ الشرطية هل هي بهذا المعنى، أو
لا ؟ بمعنى أنّ وجود الواجب الذي هو (عتق الرقبة) يتوقف على أن تكون الرقبة مؤمنة،
الشرطية التي يشير إليها السيد الخوئي (قدّس سرّه) هل هي بهذا المعنى ؟ أو أنّ
الشرطية في المقام في باب الأجزاء تعني شيئاً آخر، يبدوا ــــــــــ والله العالم
ـــــــــ أنّ المراد بالشرطية في المقام شيئاً آخر، المراد بالشرطية هو
الارتباطية، هذا هو الذي يُفهم من كون الأجزاء ارتباطية فيما بينها، بمعنى أنّ هذا
الجزء ليس جزءاً في ضمن المركب كيفما اتفق حصوله وكيفما تحقق، وإنّما المقصود هو
كونه جزءاً لكن بوجودٍ خاصٍ له، وهو ــــــــــ مثلاً ــــــــــــ في باب السورة،
السورة التي تكون ملحوقة بالركوع ومسبوقة بالتكبير، هذه السورة تكون جزءاً من هذا
المركب، هذا هو معنى الارتباطية والشرطية، يعني السورة بوجودها الخاص تكون جزءاً
من الصلاة لا أنّ السورة بمطلق وجودها تكون جزءاً من الصلاة، السورة بمطلق وجودها
ليست جزءاً من الصلاة، السورة بالنحو الخاص وبموقع معيّن مسبوقة بهذا الجزء
وملحوقة بذاك الجزء تكون جزءاً من الصلاة، هذا هو المقصود بالارتباطية، وهذا هو
المقصود ظاهراً بالشرطية التي قد تُطلق في هذا المقام، المقصود أنّ السورة بوجودٍ
خاصٍ لها تكون جزءاً خاصّاً من الصلاة، وإلاّ لا معنى لأن نفترض الشرطية بالمعنى
المتعارف في محل الكلام؛ لأنّ هذا يؤدي في الحقيقة لأن نقول أنّ السورة شرط في
سائر الأجزاء، بمعنى أن وجود سائر الأجزاء يتوقّف على السورة، في نفس الوقت بمقتضى
هذا البيان والارتباطية، كما أنّ السورة شرط في سائر الأجزاء، سائر الأجزاء أيضاً تكون
شرطاً في السورة؛ لأنّ كل جزءٍ هو شرط في سائر الأجزاء، فكما أنّ السورة شرط في
الركوع، الركوع أيضاً شرط في السورة، يعني تعقّب السورة للركوع شرط في السورة،
وهذا غير معقول، أن تكون السورة شرطاً في سائر الأجزاء، بمعنى أنّ وجودها يتوقف
على السورة وفي نفس الوقت سائر الأجزاء تكون شرطاً في السورة، بمعنى أنّ وجود
السورة يتوقّف على سائر الأجزاء، وهذا محال وغير ممكن تصوّره، وليس المراد
بالشرطية هذا المعنى كما هو المقصود في هذه المسألة الثانية، وإنّما الظاهر (والله
العالم) أنّ المقصود بذلك هو ما يُستفاد من الارتباطية، بمعنى أنّ الجزء ليس جزءاً
بمطلق وجوده، وإنّما الجزء يكون جزءاً بوجودٍ خاصٍ، وبناءً على هذا حينئذٍ لا معنى
لأن نقول أنّ الجزئية تلازم الشرطية بالمعنى المبحوث عنه، وأنّ البراءة التي تجري
لنفي الجزئية لابدّ أن تجري لنفي الشرطية، كلا، الشرطية التي نشك بها في محل
الكلام هي شرطية بمعنى توقف الواجب عليها من قبيل الإيمان ومن قبيل الهاشمية في الأمثلة
السابقة وغيرها من الأمثلة. هذا هو المقصود بالشرطية والشك في الجزئية لا يلازم
الشك في الشرطية بهذا المعنى حتى يقال أنّك إذا أجريت البراءة في الجزئية لابدّ أن
تجري البراءة في الشرطية. فالصحيح في مقام جواب صاحب الكفاية(قدّس سرّه) هو أن
نلتزم بما تقدّم ولا نزيد عليه، وهو أنّ الأمر بلحاظ ذات التكليف وبلحاظ ما يدخل
في العهدة دائر بين الأقل والأكثر، وهذا أمر ينبغي أن يكون واضحاً وليس الأمر
دائراً بين المتباينين حتّى يستشكل في جريان البراءة في محل الكلام، حتّى إذا
سلّمنا تنزلاً أنّ الأمر يدور بين المتباينين بلحاظ عالم الامتثال والتطبيق، مع
ذلك نقول أنّ هذا العالم ليس هو الملحوظ في مقام التنجيز والتعذير، وإنّما الذي
ينبغي أن يكون ملحوظاً هو عالم العهدة وعالم اشتغال الذمّة وذات التكليف، وبلحاظ
هذا العالم الأمر بالوجدان يدور بين الأقل والأكثر لا بين المتباينين، ما يعلمه
المكلّف هو أنّه يجب عليه أن يعتق رقبة ويشك في أنّه هل لابدّ أن تكون الرقبة
مؤمنة أو لا ؟ هل ذمّته مشتغلة بأن تكون الرقبة مؤمنة أو لا ؟ فيمكن إجراء
البراءة لنفيه. إلى هنا الظاهر يتم الكلام عن دوران الأمر بين الأقل والأكثر في
باب الشرائط.
دوران الأمر بين التخيير
والتعيين أيضاً وقع الكلام في
أنّه في موارد دوران الأمر بين التخيير والتعيين هل تجري البراءة، أو لا ؟ هل
يتعيّن الاشتغال، أو لا ؟ البراءة التي تجري في هذا المقام هي البراءة التي تجري
لنفي التعيين؛ إذ التعيين هو الذي فيه ضيق، فتجري البراءة لنفي التعيين وإثبات السعة على
المكلّف والتخيير وأنّه ليس الواجب عليه معيناً.
في هذا المورد ذكروا
أنّ التخيير تارةً يكون عقلياً وأخرى يكون شرعياً؛ ولذا تكلّموا في مقامين: دوران
الأمر بين التعيين والتخيير العقلي. ودوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي.
الفرق بينهما هو أنّه مرّة نفترض أنّ الأفراد التي يُخيّر المكلّف بينها هي أفراد
لجامعٍ عرفي لها، نسبة هذا الجامع إلى هذه الأفراد نسبة متساوية؛ وحينئذٍ يأمر
بالجامع ويترك التخيير بين أفراد ذلك الجامع التي يكون نسبتها إلى الجامع ونسبة
الجامع إليها نسبة متساوية بلا تفاوت إطلاقاً ويترك التخيير بينها إلى المكلّف
نفسه، فيتخيّر المكلّف بين إطعام هذا الفقير أو ذاك الفقير، بين أن يعتق هذه
الرقبة أو تلك الرقبة أو تلك الرقبة، هذا تخيير عقلي؛ لأنّ الأمر تعلّق بجامعٍ
عرفي له أفراد متعددة ولا توجد ميزة في انطباق الجامع على هذا الفرد دون بقية
الأفرادـ، نسبتها متساوية إلى الجامع، فيكون التخيير بينها تخييراً عقلياً، بمعنى
أنّ الحاكم بالتخيير في هذا المقام ليس هو الشارع، وإنّما الحاكم بالتخيير هو
العقل، والشارع فقط يحكم بالعنوان الكلّي، يأمر بالجامع، والتخيير يحكم به العقل.
وأخرى لا يكون هناك جامع عرفي بين هذه الأفراد بحيث تكون نسبة الجامع إليها نسبة
واحدة، في هكذا حالة إذا أراد الشارع أن يبيّن التخيير، فبأيّ لسانٍ يبينه ؟ لا
يمكن أن يبينه بأن يأمر بالجامع العرفي الذي هذه أفراده؛ لأنّ المفروض ليس هناك
جامع عرفي بين هذه الأفراد، بين إطعام ستين مسكيناً، وبين صيام شهرين متتابعين
وبين عتق رقبة، لا يوجد جامع عرفي بين هذه الأفراد، فالشارع في هذا المقام عندما
يريد ان يبيّن التخيير يضطر إلى أن يستخدم أسلوبا آخر من قبيل أن يخترع عنواناً
انتزاعياً كعنوان(أحد هذه الأمور) وأمثاله، أو يعطف بعضها على بعض بكلمة(أو)
فيقول: يجب عليك عتق رقبة، أو صوم شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، فيكون
هناك تخيير بين الأفراد، لكنّ هذا التخيير تخيير شرعي وليس تخييراً عقلياً.
بالنسبة إلى التخيير العقلي يمكن
أن يُقسّم إلى قسمين بلحاظ أنّ التخيير تارةً يكون بلحاظ متعلّق التكليف، وأخرى
يكون بلحاظ الموضوع الذي هو متعلّق المتعلّق، مثلاً: الواجب هو إكرام زيد، الإكرام
الذي هو متعلّق التكليف يدور أمره بين مطلق الإكرام أو الإكرام بالإطعام، فيدور
الأمر بين أن يكون الواجب هو مطلق الإكرام، أو إكرام خاص، مطلق الإكرام هو الذي
يمثّل التخيير العقلي، الإكرام هو عنوان كلّي له أفراد متعددة، العقل يخيّر بين
أفراده، يدور الأمر بين التخيير العقلي وبين التعيين، التعيين يثبت بالنسبة إلى
هذا الفرد بالخصوص وهو الإكرام بالإطعام، أو أنّ الواجب هو مطلق الإكرام، بالإطعام
أو بغيره من أفراد الإكرام.
وأخرى يكون التخيير بلحاظ
الموضوع وليس بلحاظ متعلّق التكليف، أي بلحاظ متعلّق المتعلّق، يعني بلحاظ الفقير
الذي هو متعلّق المتعلّق، أو بلحاظ الرقبة التي هي متعلّق العتق الذي هو متعلّق
الوجوب، الفقير يدور أمره بين التخيير والتعيين، أو في مثال يكون الانطباق عليه
أوضح، إذا أمره بأن يذبح حيوان، هنا لدينا أمر يتعلّق بالذبح الذي هو متعلّق
التكليف، ولدينا حيوان الذي هو متعلّق المتعلّق، هذا الحيوان يدور أمره بين أن
يكون مطلق الحيوان أو حيوان خاص، فالحيوان يدور أمره بين التعيين يعني حيوان خاص، وبين
التخيير الذي مطلق الحيوان.