الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ دوران
الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.
الكلام في دوران
الأمر بين الأقل والأكثر في الشرائط، عندما نحتمل شرطية شيء في الواجب، فما هو
الحكم في المقام ؟ هل تجري البراءة لنفي الشرطية المحتملة، أو لا تجري البراءة؛ بل
لابدّ من الاشتغال والاحتياط ؟
قلنا أنّ الصحيح هو
ما تقدّم من أنّ البراءة تجري ولا فرق بين الأجزاء والشرائط من هذه الجهة، في كلٍ
منهما تجري البراءة بالبيان الذي ذكرناه في الدرس السابق، لكن نقلنا عن المحقق
العراقي(قدّس سرّه) تفصيلاً في المسألة يتضح هذا التفصيل بالأمثلة، هو يفرّق بين
اشتراط الهاشمية وبين اشتراط الإيمان، يقول: جعل الرقبة الكافرة مؤمنة أمر ممكن،
بينما جعل الفقير غير الهاشمي هاشمياً هذا أمر غير ممكن، ومن هنا يقول في المثال
الأوّل الذي هو مثال الإيمان: المكلّف يشك في إضافة شيء أكثر مما جاء به، أو يريد
أن يأتي به، هو يريد أن يعتق رقبة، يشك في أنّه هل يُكلّف أكثر من ذلك مضافاً إلى
عتق الرقبة، هل هو مكلّف بأن يجعل الرقبة مؤمنة، أو لا؟ فيكون الشك شكّاً في
التكليف، ويكون الأمر دائراً بين الأقل والأكثر؛ لأنّه مكلّف قطعاً بعتق الرقبة،
وهو يشك في أنّه هل هو مكلّف بأن يضيف إلى عتق الرقبة أن يجعلها مؤمنة، أو ليس
مكلّفاً بذلك ؟ فتجري البراءة لنفي هذه الشرطية وهذا التكليف الزائد المشكوك؛ لأنّ
جعل الرقبة الكافرة مؤمنة أمر ممكن، هو يشك في تكليفه بذلك، وهو شكّ في التكليف
تجري فيه البراءة. بينما في مثال الهاشمية الأمر يختلف؛ لأنّه ليس باستطاعته أن
يجعل الفقير غير الهاشمي هاشمياً، فعندما يريد أن يطبّق التكليف على الفقير غير
الهاشمي، أو يكون قد عمل بذلك وأطعم الفقير غير الهاشمي، اشتراط الهاشمية يستدعي
منه التبديل لا أنّه يستدعي منه إضافة شيء إلى ما جاء به، أو يريد الإتيان به،
وإنّما يستدعي إلغاء ما جاء به بالمرّة، ثمّ الإتيان بفردٍ آخر يكون واجداً للشرط،
يقول: هذا الثاني في واقعه هو دوران الأمر بين المتباينين؛ لأنّ الفقير غير الهاشمي
بالنسبة إلى الفقير الهاشمي ليس بينهما قدر متيقّن، هما متباينان وبهذا يختلف عن
مثال الرقبة المؤمنة والرقبة غير المؤمنة، في مثال عتق الرقبة هناك متيقن في البين
وهو عتق الرقبة، وإنّما يُشك في اعتبار الإيمان، لكنّه في محل الكلام يقول حيث
أنّه يمكنه الإتيان بالشرط فيشك في تكليفه بهذه الإضافة ويكون مرجع ذلك إلى الشك
في التكليف، فتجري فيه البراءة، بينما في مثال الهاشمية اشتراط الهاشمية لا يتطلب
منه إضافة شيء إلى ما جاء به أو ما يريد أن يأتي به، هو أطعم الفقير غير الهاشمي،
اشتراط الهاشمية لا يقول له أضف شيئاً جديداً إلى هذا، وإنّما يقول له ألغِ هذا
الفرد الذي جئت به، أو تريد الإتيان به واستبدله بفردٍ آخر. هو يفرّق بين
الحالتين، يقول: في الحالة الأولى تجري البراءة وفي الحالة الثانية لا تجري
البراءة عن الشرطية، باعتبار أنّ الشك في الحقيقة في الحالة الثانية هو شك في وجوب
هذا الفرد أو هذا الفرد، هو في الخارج لا يعلم هل الواجب عليه أن يطعم هذا الفقير
الغير الهاشمي، أو يجب عليه أن يطعم الفقير الهاشمي ؟ فليس هناك قدر متيقن، وإنّما
هناك شكّ بين المتباينين، الفقير الهاشمي مباين للفقير غير الهاشمي، إذا أطعم
الفقير غير الهاشمي اشتراط الهاشمية يقول له أترك هذا الفرد ويجب عليك أن تأتي
بفردٍ آخر مباين للفقير غير الهاشمي، فالأمر يدور بين المتباينين، والمكلّف لا
يعلم هل أنّ الواجب عليه هذا، أو هذا ؟ فيدور بين المتباينين، فلابدّ من الاحتياط
ولا مجال لجريان البراءة. هذا التفصيل الذي يُفهم من كلام المحقق العراقي(قدّس
سرّه).
هذا التفصيل لا
مجال له بناءً على ما تقدّم من الانحلال بلحاظ نفس التكليف وبلحاظ ما يدخل في
العهدة وتشتغل به الذمة، لا مجال لهذا التفصيل؛ لأنّه بلحاظ نفس التكليف، وبلحاظ
عالم العهدة إذا جرّدنا التكليف من حدوده، الاستقلالية، اللابشرطية، الإطلاق، وما
يقابلها، إذا جرّدناه من هذه الحدود، هذا التكليف في عالم الجعل كتكليف تشتغل به
الذمّة في عالم العهدة نجد أنّ الأمر دائر بين الأقل والأكثر؛ لأنّ المكلّف يعلم
أنّ ذمته قطعاً اشتغلت بالأقل ويشك في تكليفها بما زاد عليه من دون فرقٍ بين
الأجزاء كما ذكرنا سابقاً وبين الشرائط، ومن دون فرقٍ أيضاً في باب الشرائط في
الأمثلة بين شرطية الإيمان وبين شرطية الهاشمية، في كلٍ منهما بلحاظ ما يدخل في
العهدة الأمر دائر بين الأقل والأكثر، وبالوجدان يعلم بأنّ ذمّته اشتغلت قطعاً
بعتق رقبة ويشك في أنّه هل هو مكلّف بالتقيّد، بمعنى أنّه يشك في أنّ الأمر
بالتكليف هل ينبسط على التقيّد مضافاً على ذات المقيّد، أو لا ينبسط على التقيّد،
وإنّما يختص بذات المقيّد ؟ على تقدير أن يكون الإيمان شرطاً، فالتكليف منبسط على
التقيّد الذي لا يتحقق إلاّ بالإتيان بالقيد، إذا كانت الهاشمية شرطاً، فمعناه
أنّه مكلّف بأمرين، مكلّف بذات المقيّد ومكلّف بتقيّد الفقير بأن يكون هاشمياً،
فالشك في الواقع والحقيقة يدور بين الأقل والأكثر، ولا مجال لأن نقول بأنّ الشك
بلحاظ عالم ما يدخل في العهدة هو دائر بين المتباينين، هناك شيء يقطع المكلّف
بأنّه مكلّف به واشتغلت به الذمّة ودخل في عهدته وهو التكليف بالتسعة أجزاء في المسألة
السابقة، في التكليف بعتق رقبة، ذمّته اشتغلت قطعاً بعتق رقبة، وكذلك التكليف
بإطعام الفقير، بلا إشكال وقطعاً يجب عليه إطعام فقير، وإنّما يشك في أنّه هل
يُعتبر في الفقير أن يكون هاشمياً ؟ وهل يعتبر في الرقبة أن تكون مؤمنة ؟ وهل
يعتبر في التسعة أجزاء في المسألة السابقة أن يضم إليها الجزء العاشر، أو لا يعتبر
ذلك ؟ فبلحاظ ما يدخل في العهدة والذي عليه المناط على ما تقدّم؛ لأنّ الحدود لا تدخل
في العهدة، وإن كنّا نعترف بوجود علم إجمالي، إذا أخذنا الحدود بنظر الاعتبار وهذا
العلم الإجمالي الدائر بين المتباينين، لكن إذا أخذنا الحدود بنظر الاعتبار، لكنّ
هذه الحدود هي أوصاف لا تدخل في العهدة ولا تشتغل بها الذمّة؛ بل لا معنى لاشتغال
الذمّة بها، وإنّما الذمّة تشتغل بذات التكليف وذات المحدود والمحدود أمره دائر
بين الأقل والأكثر من دون فرقٍ بين القسم الثاني الذي ذكره المحقق العراقي(قدّس
سرّه) وبين القسم الأوّل؛ لأنّنا قلنا أنّ دوران الأمر بين الأقل والأكثر في محل
كلامنا الذي هو باب الشرائط يرجع إلى أنّ الشك في الشرطية يعني الشك في تقيّد
الواجب بالقيد.
إذن: هناك واجب
نعلم بتعلّق التكليف به ودخوله في العهدة ونشك في تقيّده بالقيد، إذا كانت الشرطية
ثابتة فهناك دخل في العهدة تقيّد الواجب بالقيد، وإذا لم تكن الشرطية ثابتة، فهذا
التقيّد لا يدخل في العهدة. إذن: الأمر دائر بين الأقل والأكثر بلحاظ عالم الجعل،
بلحاظ عالم العهدة، بلحاظ عالم اشتغال الذمّة الأمر يدور بين الأقل والأكثر من دون
فرقٍ بين القسمين المذكورين في كلام المحقق العراقي(قدّس سرّه).
نعم، هذا التفصيل
يكون له مجال عندما ننتقل من عالم الجعل وعالم العهدة واشتغال الذمّة إلى عالم
التطبيق الخارجي والامتثال، حينما ننتقل إلى الخارج؛ حينئذٍ هناك مجال لهذا
التفصيل ببيان أن يرفض الإنسان انحلال العلم الإجمالي بلحاظ عالم الجعل وعالم
العهدة واشتغال الذمة ويدّعي أنّه حتى في ذاك العالم الأمر دائر بين المتباينين
بين الطبيعة المطلقة وبين الطبيعة المقيّدة، بين الماهية لا بشرط وبين الماهية
بشرط شيء وهما متباينان، بأن يأخذ الحدود بنظر الاعتبار ويصر على ذلك ويقول: بناءً
على هذا فالعلم الإجمالي لا ينحل بلحاظ ذاك العالم، لكن يأتي إلى عالم التطبيق،
إلى علم الامتثال والخارج، سوف يضطر إلى القول بالانحلال، باعتبار أنّ في عالم
الخارج توجد تسعة أجزاء قطعاً يجب عليه الإتيان بها، ويشك في وجوب الجزء العاشر،
في أنّه هل يجب عليه أن يضم إلى التسعة أجزاء الجزء العاشر، أو لا ؟ فينحل العلم
الإجمالي بلحاظ عالم التطبيق الخارجي وعالم الامتثال؛ لأنّه عملاً هو يعلم بأنّه
يجب عليه الإتيان بتسعة أجزاء ويشك وجداناً في أنّه هل يجب عليه أن يضم إليها
شيئاً آخر، أو لا ؟ فرضاً بلحاظ عالم الجعل يوحد تباين بين الطرفين ويوجد علم
إجمالي غير منحل وأمره دائر بين المتباينين، لكن بلحاظ عالم التطبيق والامتثال الانحلال
يكون واضحاً؛ لأنّه في الخارج قطعاً يستطيع أن يقول أنّ هذه واجبة قد تعلّق بها
الوجوب قطعاً ويشك في أنّه يجب عليه أن يضيف إليها الجزء العاشر، أو لا ؟ بناءً
على هذا الكلام إذا قلنا بذلك؛ حينئذٍ يكون هناك مجال للتفصيل الذي ذكره المحقق
العراقي(قدّس سرّه)، باعتبار أنّ الظاهر أنّ كلامه أيضاً ناظر إلى عالم التطبيق
وعالم الامتثال، فيفرّق بين القسمين الذين ذكرهما في كلامه، بين القسم الأوّل وبين
القسم الثاني، باعتبار أنّه في القسم الأوّل الذي مثاله الإيمان بالنسبة إلى
الرقبة، في عالم التطبيق والامتثال هناك رقبة تكون موجودة في الخارج يعلم بوجوب
عتقها قطعاً، لكن يشك في وجوب أن يضم ــــــــــــ حسب ما قال ـــــــــــ إليها
قيد الإيمان، يشك في أنّه هل يجب عليه أن يجعلها مؤمنة، أو لا يجب عليه ذلك ؟ إذن:
هناك قدر متيقن يُعلم بتعلّق التكليف به وهو عتق الرقبة، إن كانت مؤمنة فلا إشكال،
وإن كانت كافرة هو يشك في أنّه هل يجب عليه أيضاً أن يجعلها مؤمنة، أو لا يجب عليه
ذلك ؟ وهذا شك بين الأقل والأكثر بلحاظ عالم التطبيق والامتثال، فيمكن الالتزام
بجريان البراءة فيه، بينما في القسم الثاني يقول المحقق العراقي(قدّس سرّه) الأمر
ليس هكذا؛ لأنّه في القسم الثاني ليس لدينا في الخارج فرد من أفراد الفقير نعلم
بوجوب إطعامه ونشك في وجوب أن نضيف إليه شيئا، حتى يكون لدينا قدر متيقن وجوب
قطعاً كما في المثال الأوّل، في المثال الأوّل لدينا قدر متيقن معلوم الوجوب قطعاً
وهو هذا الفرد من الرقبة، وإنّما نشك في وجوب أن نضيف إليه شيئاً، في وجوب أن نجعل
الرقبة الكافرة مؤمنة، فيوجد شيء متيقن نعلم بتعلق الوجوب به ونشك في وجوب إضافة
إليه. في مثال الفقير الهاشمي ليس لدينا هكذا شيء، في الخارج لا يوجد فرد من أفراد
الفقير يمكن أن نشير إليه ونقول هذا يجب إطعامه قطعاً ونشك في وجوب إضافة إليه،
الأمر ليس هكذا؛ لأنّ الفقير غير الهاشمي والفقير الهاشمي ليس بينهما قدر متيقّن
بحيث يكون هذا القدر المتيقن معلوم الوجوب قطعاً ونشك في وجوب ما زاد عليه؛ بل
الأمر يدور بين أن يكون هذا واجباً وبين أن يكون هذا واجباً، إذا أطعم الفقير غير
الهاشمي وكانت الهاشمية شرطاً على تقدير أن تكون شرطاً، هذا حكمه حكم العدم، وليس أنّه
قدر متيقن موجود فيه ويُشك في وجوب شيءٍ زائد حتى نحافظ على الشرطية، كلا ليس
هكذا، وإنّما كما قال أنّ الشرطية لو كانت ثابتة تقتضي التبديل وإلغاء هذا التطبيق
واستبداله بتطبيقٍ آخر، ومن هنا يمكن أن يقال أنّ الأمر يدور بين المتباينين،
فيُفرّق بين القسم الأوّل وبين القسم الثاني كما قال المحقق العراقي(قدّس سرّه)
لكن بلحاظ عالم التطبيق الخارجي لا بلحاظ عالم الجعل. هذا ما ذكره المحقق
العراقي(قدّس سرّه).
لكن الصحيح كما
اتضح من الكلام السابق أننا في مقام التنجيز والتعذير نلحظ ذات التكليف مجرّداً عن
كل حدوده، نلحظ ذات التكليف وعالم العهدة وعالم اشتغال الذمّة وبلحاظ هذا العالم
كما قلنا أنّ العلم الإجمالي ينحل انحلالاً حقيقياً إن لم ننكر أصل تشكيل العلم
الإجمالي، فهو ينحل انحلالاً حقيقياً بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل والشك في وجوب
الزائد، وليس الأمر دائراً في ذلك العالم بين المتباينين؛ وحينئذٍ يتحقق الانحلال
الحقيقي للعلم الإجمالي، فتجري البراءة لنفي الوجوب الزائد المحتمل ولنفي الشرطية
المحتملة من دون فرقٍ بين القسم الأوّل الذي ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه) وبين
القسم الثاني، في كلٍ منهما هناك متيقن في عالم الجعل ويشك في وجوب شيء زائد، أو
إضافة زائدة، وبعبارة أخرى: يُشَك في التقيّد. وهذا هو الصحيح، أنّ المناط على
ذاك، فينحل العلم الإجمالي، فتجري البراءة لنفي وجوب التقيّد الذي نعبّر عنه بأنّ
البراءة تجري لنفي الشرطية المحتملة، ولا تصل النوبة إلى ملاحظة التطبيق الخارجي
وعالم الامتثال.
وبعبارةٍ أخرى: يمكن
أن نقول أننا حتّى لو سلّمنا دوران الأمر بين المتباينين في القسم الثاني على ما
ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه)، أنّ الأمر يدور بين المتباينين في عالم الامتثال،
في عالم التطبيق، لكن في عالم الجعل وفي عالم العهدة الأمر ليس هكذا، أي في القسم
الثاني الأمر ليس دائراً بين المتباينين، وإنّما الأمر دائر بين الأقل والأكثر،
فتجري البراءة لنفي الزائد، يعني لنفي التقيّد، تقيّد ما اشتغلت به الذمّة بهذا
القيد، ولنفترض أنّه في عالم التطبيق الأمر في القسم الثاني يبدو بين المتباينين،
لكن المهم الذي يجب ملاحظته والاعتناء به هو هناك الأمر دائر بين الأقل والأكثر
حتى في القسم الثاني وليس بين المتباينين. هذا ما يرتبط بكلام المحقق العراقي(قدّس
سرّه).
صاحب الكفاية(قدّس سرّه) أيضاً
لديه كلام في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشرائط، حاصل ما يُفهم من كلامه
أنّه يستشكل في جريان البراءة في باب الشرائط، يقول: حتّى إذا التزمنا بجريان
البراءة في باب الأجزاء، وإن كان هو لا يلتزم بذلك، وإنّما هو يرى أنّ البراءة
العقلية لا تجري في باب الأجزاء، وإنّما التزم بجريان البراءة الشرعية في باب
الأجزاء وفصّل بينهما على ما تقدم، لكنّه يقول حتى لو التزمنا بجريان البراءة
العقلية في باب الأجزاء، فنحن نستشكل في جريان البراءة العقلية في باب الشرائط
باعتبار أنّ من الواضح أنّ جريان البراءة لا يجتمع مع بقاء العلم الإجمالي، فلابدّ
من فرض انحلال العلم الإجمالي حتى يمكن إجراء البراءة. إذن: إنّما يتم إجراء
البراءة إذا فرضنا انحلال العلم الإجمالي، إذا انحل العلم الإجمالي بالعلم
التفصيلي بوجوب الأقل والشك في وجوب الزائد. يقول: أنّ المقام ليس من هذا القبيل،
يعني حتّى لو سلّمنا انحلال العلم الإجمالي في باب الأجزاء بالعلم التفصيلي والشك
البدوي في الزائد فلا نسلّم ذلك في محل الكلام، في محل الكلام العلم الإجمالي
موجود ولا ينحل بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل والشك في الزائد، يختلف الأمر بينهما يمكن
لقائل هناك أن يقول أنّ العلم الإجمالي منحل؛ لأنّ لدينا أجزاء تسعة وهناك جزء
عاشر مشكوك الوجوب فينحل العلم الإجمالي، لكن في محل الكلام في باب الشرائط الأمر
ليس هكذا، باعتبار أن وجود الطبيعي في ضمن الفرد المقيّد متحد مع هذا القيد؛ بل هو
عينه خارجاً، الطبيعي يوجد في ضمن فرده، فطبيعي الفقير يوجد في ضمن الفرد المقيّد
الذي هو الرقبة المؤمنة، أو الفقير الهاشمي؛ بل هو عين الفرد المقيّد وليس شيئاً
آخر غيره، هو متحقق ومتحد معه في الوجود، هذا الطبيعي في ضمن الفرد المقيّد،
باعتبار أنّ وجود الطبيعي هو عين وجود فرده، في حين أنّ وجود الطبيعي في ضمن غير
المقيّد، وجود الفقير في ضمن الفقير غير الهاشمي، أو وجود الرقبة في ضمن الرقبة
الكافرة غير المؤمنة ممّا يكون فاقداً للقيد، هذا يكون مبايناً للأوّل، هذا فرد
وهذا فرد، هذه طبيعة متحدة في الوجود مع فردها وهو المقيد، وهذه طبيعة متحدة في
الوجود مع فردها وهو غير المقيّد، ومن هنا لا يكون هناك قدر مشترك بينهما حتّى
يُدعى العلم به تفصيلاً وانحلال العلم الإجمالي، باعتبار العلم بوجوب هذا القدر
المشترك؛ بل الأمر قطعاً يدور هنا بين المتباينين ولا ينحل العلم الإجمالي، الأمر
يدور بين ماهيتين متباينتين، بين ماهية بشرط شيء وبين ماهية لا بشرط وهما
متباينان، وهذا بخلاف باب الأجزاء، في باب الأجزاء الصلاة مع السورة ليست مباينة
للصلاة دون سورة، يوجد قدر مشترك بينهما، الصلاة مع السورة ليست مباينة للصلاة
بدون السورة، يوجد قدر مشترك بينهما وهي التسعة أجزاء؛ ولذا يقول هناك مجال
لانحلال العلم الإجمالي في باب الأجزاء، وهناك قدر مشترك يمكن أن نشير إليه ونقول
أنّ هذا نعلم بوجوبه قطعاً ونشك في وجوب غيره، فينحل العلم الإجمالي بالعلم
التفصيلي، لكن في محل الكلام في باب الشرائط ليس هناك قدر مشترك بين الرقبة
المؤمنة وبين الرقبة الكافرة؛ لأنّ الطبيعي يوجد بوجود فرده؛ بل هو عين وجود
الفرد، وهذا معناه التباين بين الطبيعة المتحققة في ضمن هذا الفرد والطبيعة
المتحققة في ضمن غيره، إذا لاحظناهما لا نجد هناك قدراً مشتركاً بينهما، فيدور
الأمر بين المتباينين فلا تجري البراءة حتى لو قلنا بجريانها في باب الأجزاء. هذا
خلاصة ما يقوله صاحب الكفاية(قدّس سرّه).
[1]