الموضوع: الأصول
العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.
انتهى الكلام إلى الجواب
الثالث وهو
للسيد الخوئي(قدّس سرّه) ذكر أنّ استصحاب جامع التكليف بعد الإتيان بالأقل مُعارَض
باستصحاب عدم تعلّق جعل التكليف بالأكثر؛ بل يقول: لو لم نقل بكونه محكوماً له، أي
لو لم نقل بأنّ استصحاب جامع التكليف محكوم لاستصحاب عدم تعلّق جعل التكليف
بالأكثر، وعلى كلا التقديرين لا يجري استصحاب جامع التكليف كما هو المدّعى في
المقام لمن يريد إثبات الاشتغال ووجوب الإتيان بالأكثر. يقول: استصحاب جامع
التكليف ساقط، إمّا بالحكومة أو بالمعارضة، وعلى كلا التقديرين لا يصح الاستدلال
به لإثبات الاشتغال بعد الإتيان بالأقل. المعارضة بيّنا الوجه فيها؛ إذ من الواضح
أنّ هناك تنافياً بين بقاء جامع التكليف وبين عدم تعلّق التكليف بالأكثر، هذان
أمران لا يجتمعان. نعم، قد يُستشكل في مسألة الحكومة، باعتبار أنّ الحكومة هنا غير
متصورة؛ لأنّ الحكومة إنّما تتصور عندما نفترض أن يكون الجامع مترتباً على الفرد
نفياً وإثباتاً ترتبا شرعياً؛ حينئذٍ تكون الحكومة متصورة، فإذا أثبتنا الفرد
يترتب عليه الجامع، وإذا نفينا الفرد يترتّب عليه نفي الجامع، لكن هذا الترتب لكي
يجري الاستصحاب لابدّ أن يكون ترتباً شرعياً، وفي المقام لا يوجد ترتب شرعي بين
الجامع وبين الفرد إثباتاً ونفياً، وإنّما الترتب عقلي محض، في محل الكلام بعد
الإتيان بالأكثر استصحاب عدم تعلّق الجعل بالأكثر هذا استصحاب في الفرد، الجامع له
فردان، تعلّق الجعل بالأكثر وتعلّق الجعل بالأقل، نحن باستصحاب عدم تعلّق الجعل
بالأكثر نريد أن ننفي الجامع، وهذا معنى الحكومة، بمعنى أن استصحاب عدم تعلّق الجعل
بالأكثر يكون رافعاً لموضوع استصحاب بقاء الجامع، موضوع استصحاب الجامع هو الشك في
بقاء الجامع، المكلّف بعد الإتيان
بالأقل يشك في بقاء الجامع وارتفاعه، هذا
الشك الذي هو موضوع استصحاب بقاء الجامع يرتفع تعبّداً باستصحاب عدم تعلّق
الجعل بالأكثر، وهذا الارتفاع التعبّدي يكون عندما يكون هناك ترتب للجامع على الفرد إثباتا ونفياً؛ فحينئذٍ إذا كان هناك ترتب
شرعي، فالتعبّد بالفرد هو تعبد بالجامع، والتعبّد بنفي الفرد هو تعبد بنفي الجامع،
فعندما يتعبد بالفرد فكأنه تعبد بنفي الجامع، فينتفي الشكّ تعبداً الذي هو موضوع استصحاب
بقاء الجامع، فالحكومة تتوقف على افتراض أن يكون ترتب الجامع على الفرد نفياً وإثباتاً ترتباً شرعياً حتى تجري
فيه الحكومة ويثبت التعبّد ويكون الاستصحاب الثاني رافعاً للشك الذي هو موضوع استصحاب
بقاء الجامع، وهذا غير تام؛ لأنّه وإن كان
هناك ترتب، لكنّه ترتب عقلي؛ لأنّه له فردان إما هذا أو هذا، فإذا جاء بأحد
الفردين، بقاء الجامع بعد ذلك يكون مرهوناً بوجود الفرد الثاني، فإذا نفينا الفرد
الثاني بعد الإتيان بالأوّل؛ حينئذٍ يرتفع الجامع، فالترتب موجود، لكنّه عقلي محض
وليس ترتباً شرعياً؛ ولذا لا تكون الحكومة متصورة في محل الكلام، لكن السيد
الخوئي(قدّس سرّه)عندما ذكر هذا ذكر الحكومة كاحتمال، قال(لو لم نقل بكونه
محكوماً) وإلاّ هو ذكر المعارضة أولاً، أن استصحاب بقاء الجامع معارَض باستصحاب
عدم تعلّق الجعل بالأكثر؛ فحينئذٍ
الاستصحاب المستدل به في المقام حتّى لو فرضنا أنّه لا يسقط على أساس الحكومة،
لكنّه يسقط على أساس المعارضة.
نعم، قد يقال: في
محل الكلام لماذا لا نجوّز الرجوع إلى استصحاب بقاء الجامع من دون أن يكون معارَضاً
باستصحاب عدم تعلّق جعل التكليف بالأكثر،
وذلك بدعوى أنّ هذا الاستصحاب المعارِض مبتلى هو بالمعارضة، باعتبار أن استصحاب
عدم تعلّق جعل التكليف بالأكثر معارَض استصحاب
عدم تعلّق الجعل بالأقل، فكل منهما لا نعلم به، الأقل بحدّه، الأقل لا بشرط، الأقل
على نحو الإطلاق لا نعلمه، فكما لا علم لنا بتعلّق التكليف بالأكثر لا علم لنا
أيضاً بتعلّق التكليف بالأقل، فكما أنّ ذاك مشكوكـ هذا أيضاً مشكوك، وكل منهما
مسبوق بالعدم، فاستصحاب عدم تعلّق جعل التكليف بالأكثر يُعارض باستصحاب عدم تعلّق جعل التكليف بالأقل، فيتعارضان
ويتساقطان فنرجع إلى استصحاب بقاء الجامع، هذا المعارض الذي ذكره السيد
الخوئي(قدّس سرّه) له معارض، ومعارضه هو استصحاب عدم تعلّق جعل التكليف بالأقل؛
لأننا لا يقين لنا بتعلّق جعل التكليف بالأقل بحدّه، هو أمر مشكوك، كما أنّ تعلّق
جعل التكليف بالأكثر بحدّه مشكوك، كذلك تعلّق
جعل التكليف بالأقل بحدّه مشكوك، فيتعارض الاستصحابان ويتساقطان، فيسلم استصحاب
بقاء الجامع عن المعارض ولا يتم كلام السيد الخوئي(قدّس سرّه).
هذا الإشكال في الحقيقة غير
وارد؛ بل لعلّه خلاف المفروض في محل الكلام، المفروض في محل الكلام
أنّ استصحاب عدم تعلّق التكليف بالأقل لا يجري في الأقل، باعتبار أننا فرغنا عن
أنّ وجوب الأقل متيقن وأنّ حدود هذا الوجوب، الاستقلالية والضمنية والشرطية واللا
بشرطية والبشرط شيئية.... قلنا أنّها لا تدخل في العهدة ولا تشتغل بها الذمّة،
بحدود ما تشتغل به الذمة الأقل يكون معلوم الوجوب، فلا مجال لاستصحاب عدم تعلّق
التكليف به، هو قطعاً تعلّق التكليف به، إذا أدخلت الحدود في البين، نقول أنّ
إدخالها غير صحيح؛ لأنّها لا تدخل في العهدة ولا تشتغل بها الذمّة، في حدود ما
تشتغل به الذمة الأمر دائر بين الأقل والأكثر لا بين المتباينين، وهذا معناه أنّه
لا علم إجمالي في الحقيقة، وإنّما هناك علم تفصيلي بوجوب الأقل ودخول الأقل في
العهدة واشتغال الذمّة به وشك في اشتغال الذمّة بما زاد عليه. فإذن: لا يمكن إجراء
استصحاب عدم تعلّق التكليف بالأقل حتى يعارض استصحاب عدم تعلّق التكليف بالزائد،
ويتساقطان ويرجع إلى استصحاب بقاء الجامع. ومن هنا يظهر أنّ الظاهر أنّ ما ذكره السيد
الخوئي(قدّس سرّه) من هذا الجواب يكون تامّاً، لكن بلحاظ المعارضة لا بلحاظ
الحكومة. ومن هنا يظهر أنّ الاستدلال بالاستصحاب لإثبات الاشتغال وإثبات وجوب
الإتيان بالأكثر استدلال مردود بالجواب
الثاني والجواب الثالث.
ثمّ أنّه قبل أن ننتقل إلى
الاستدلال بالاستصحاب على البراءة، نذكر أنّه قد يُستدل على الاشتغال باستصحابٍ
آخر غير الاستصحاب المتقدّم، يُستبدل الاستصحاب السابق الذي هو استصحاب حكمي، استصحاب
بقاء جامع التكليف، يُستبدل باستصحاب موضوعي يثبت نفس النتيجة وهي الاشتغال ووجوب
الإتيان بالأكثر، وهذا الاستصحاب الموضوعي في المقام هو عبارة عن استصحاب عدم
الإتيان بالواجب المردد بين الأقل والأكثر؛
لأنّ المكلّف لا محالة يشك بعد الإتيان بالأقل في أنّه هل جاء بالواجب الذي
علم به إجمالاً المردد بين الأقل والأكثر، أو لم يأت به؟ إذا كان الواجب في الواقع هو الأكثر، هو لم يأتِ بالواجب. نعم، إذا
كان الواجب هو الأقل يكون قد جاء به، فإذن: هو بعد الإتيان بالأقل يشك في
أنّه جاء بالواجب المعلوم إجمالاً المتيقن سابقاً المردد بين الفردين، أو لم يأتِ
بهذا الواجب ؟ فيستصحب عدم الإتيان بهذا الواجب،
فيثبت تعبّداً أنّه لم يأتِ بالواجب الذي علم به واشتغلت به الذمّة، هنا أيضاً
يحكم العقل بلزوم تفريغ الذمّة ممّا اشتغلت به، العقل يحكم بما يُفرغ الذمّة
قطعاً، ومن الواضح أنّ هذا لا يكون إلاّ إذا جاء بالأكثر، فيجب الإتيان بالأكثر
على هذا الأساس لا على أساس استصحاب بقاء جامع التكليف، هو لم يأتِ
بالواجب، الواجب على إجماله، الواجب المردد الذي كان يعلم به سابقاً علماً
إجمالياً، هذا بعد الإتيان بالأقل هو لا يعلم بأنّه قد جاء به، فيستصحب عدم
الإتيان به، بمجرّد أن يثبت عدم الإتيان به
تعبّداً بالاستصحاب يحكم العقل بلزوم تحصيل الفراغ اليقيني الذي لا يكون ولا يتحقق
إلاّ بالإتيان بالأكثر، فيجب الإتيان بالأكثر. لا مجال للاستشكال في هذا الاستصحاب،
كل أركان الاستصحاب متوفرة فيه، يقين سابق بعدم الإتيان بالواجب، قبل الإتيان
بالأقل هو على يقين بأنّه لم يأتِ بالواجب
المردد، وشكّ لاحق في الإتيان بالواجب المردد على إجماله، والمتيقن أيضاً هو نفس
المشكوك، ما تيقّنه وهو الواجب المردد بين هذا وهذا، هذا هو الذي يشك في أنّه جاء
به أو لا، المشكوك هو نفس ما تيقّن به سابقاً، فأركان الاستصحاب متوفرة فيجري
الاستصحاب، ويثبت الاشتغال ووجوب الإتيان بالأكثر على حد ما ثبت الاشتغال في الطرح
الأوّل، هناك أيضاً كنّا نستصحب بقاء جامع
التكليف، لكن قلنا أنّ الذي يحكم بوجوب الإتيان بالأكثر هو العقل لا أن ننتقل من بقاء
جامع التكليف لإثبات وجوب الأكثر، وإلاّ هذا يكون أصلاً مثبتاً، وإنّما نكتفي
بمؤدّى الاستصحاب وهو بقاء جامع التكليف، تعبّداً بقاء جامع التكليف، العقل يحكم
بلزوم الإتيان بالأكثر وتفريغ الذمّة قطعا. نفس هذا الكلام يقال في هذا الاستصحاب
الموضوعي، هذا الاستصحاب مشكلته هي أنّ المتيقن هو عبارة عن العنوان الإجمالي، وهو
عنوان(أحد الأمرين) إمّا الأقل أو الأكثر، إمّا صلاة الظهر، أو صلاة الجمعة، إمّا
صلاة التمام، أو صلاة القصر، المتيقن هو هذا العنوان الإجمالي، والمشكوك هو أيضاً
هذا العنوان الإجمالي، لدينا في باب الاستصحاب شرط لجريان الاستصحاب، وهو أن يكون
للمستصحب اثر شرعي، أن يترتب عليه أثر شرعي، يجري الاستصحاب ويُعقل التعبّد به
بلحاظ ذلك الأثر الشرعي، يكون الغرض من الاستصحاب هو إثبات الأثر الشرعي تعبداً،
وهذا يعني أنّه لابدّ أن يكون المستصحب ممّا له اثر شرعي، هناك أثر شرعي ترتب على
المستصحب حتى يجري الاستصحاب بلحاظه، أمّا إذا فرضنا أنّ المستصحب ليس له أثر شرعي
لا يجري الاستصحاب ولا تشمله أدلة الاستصحاب، هذا الاستصحاب لا يجري؛ لأنّ من
شرائط جريان الاستصحاب على ما يُذكر في محله هو أن يكون المستصحب له أثر شرعي. في
محل الكلام المستصحب ليس هو الأقل، أو الأكثر، هذه تمثّل أفراداً، وإنّما المستصحب
في محل الكلام هو عبارة عن العنوان الإجمالي، هو عبارة عن عنوان(أحد الأمرين) إمّا الظهر، أو الجمعة، هذا هو المستصحب الذي
أنا على يقين سابق منه وعلى شك لاحق به، هذا ليس له أثر شرعي، عنوان(أحد الأمرين)
ليس له أثر شرعي، الآثار الشرعية تترتب على الأفراد، تترتب على صلاة الظهر وعلى
صلاة الجمعة، تترتب على وجوب تسعة أجزاء(الأقل)، أو على عشرة أجزاء منضمّاً إليها
الجزء العاشر، الآثار الشرعية تترتب على الأفراد ولا تترتب على عنوان( أحد
الأمرين)، عنوان أحد الأمرين عنوان انتزاعي لم يقع موضوعاً لحكم شرعي أصلاً. ومن
هنا يظهر أنّ إجراء استصحاب عدم الإتيان بالواجب على إجماله، أنا لا استصحب عدم
الإتيان بصلاة الظهر، هذا جيد جداً وليس فيه مشكلة، إذا توفرت أركان الاستصحاب فيه
جيد، إذا افترضنا أنّه صلّى صلاة الجمعة يستصحب عدم الإتيان بصلاة الظهر، هذا
الاستصحاب يجري ويترتب عليه الأثر؛ لأنّ الأثر يترتب على صلاة الظهر نفياً، أو
إثباتاً، لكن المدعى في المقام أنّي استصحب العنوان الإجمالي، استصحب عدم الإتيان
بالواجب على إجماله، بعبارة أكثر وضوحاً استصحب عدم الإتيان بأحد الأمرين، الإتيان
بعنوان(أحد الأمرين) لا يترتب عليه أثر شرعي لا نفياً ولا إثباتاً، ومن هنا يظهر
أنّ جريان الاستصحاب في المقام ليس واضحاً ومحل إشكالٍ، باعتبار أنّ ما تتوفّر فيه
أركان الاستصحاب الذي هو العنوان الإجمالي، عنوان(أحدهما) هذا ليس له أثر شرعي حتّى
يجري فيه الاستصحاب، وما له أثر شرعي وثمرة شرعية تترتب عليه وهو العناوين
التفصيلية، يعني عنوان صلاة الجمعة، أو عنوان وجوب تسعة أجزاء، أو عنوان وجوب عشرة
أجزاء، هذا له أثر شرعي، لكنّه لا تتوفّر فيه أركان الاستصحاب، أركان الاستصحاب لا
تتوفر في صلاة الظهر وصلاة الجمعة، لا تتوفر في الأقل وفي الأكثر، أنا ليس لدي
سابقاً يقين من الأقل ولا يقين من الأكثر، لا يوجد عندي يقين بوجوب صلاة الظهر أو
بوجوب صلاة الجمعة، فلا يمكن أن نجري الاستصحاب في الأقل وفي الأكثر باعتبار عدم
توفّر أركان الاستصحاب في الأفراد وفي العناوين التفصيلية بحسب الفرض، أنا ابتداءً
لدي تردد وإجمال في أنّ الواجب ما هو ؟ هل هو الأقل، أو الأكثر ؟ من البداية، هذا
هو فرض المسألة، فإذن ماله اثر شرعي يمكن أن يجري الاستصحاب بلحاظه لا تتوفر فيه
أركان الاستصحاب، وما تتوفّر فيه أركان الاستصحاب الذي هو العنوان الإجمالي أو
عنوان(أحد الأمرين) لا أثر شرعي يترتب عليه حتى يجري الاستصحاب بلحاظه. ومن هنا
يظهر أنّ استبدال استصحاب بقاء الجامع لإثبات الاشتغال باستصحاب عدم
الإتيان بالواجب المردد بين الأقل والأكثر، هذا غير تام؛ بل كل منهما لا يجري
لإثبات الاشتغال في محل الكلام. وبهذا ننتهي عن الاستدلال بالاستصحاب لإثبات
الاشتغال.
الاستدلال بالاستصحاب لإثبات
البراءةالاستدلال بالاستصحاب لإثبات
عدم وجوب الإتيان بالأكثر، السيد
الخوئي(قدّس سرّه) ذكر لهذا الاستدلال تقريبين:
[1]التقريب الأوّل: أن
نجري الاستصحاب بالنسبة إلى اللّحاظ، بأن نقول: نحن نشك في أنّ الجاعل عندما جعل
التكليف هل لاحظ الأكثر أو لم يلاحظ الأكثر،
فنجري استصحاب، أو أصالة عدم لحاظ الأكثر عند جعل التكليف. هذا الاستصحاب إذا تمّ
وجرى؛ حينئذٍ ينفي وجوب الأكثر في الحقيقة؛ لأنّ معنى أنّ الشارع عندما جعل
التكليف لم يلاحظ الأكثر، معناها عدم وجود وجوب على الأكثر، يعني لم يجعل الوجوب
على الأكثر؛ لأنّ جعل الوجوب على الأكثر يستلزم لحاظ الأكثر، فإذا نفينا لحاظ
الأكثر عند جعل التكليف، معنى ذلك أنّه لا جعل للوجوب على الأكثر، وهذا يثبت
البراءة.
السيد الخوئي(قدّس سرّه)
أشكل على هذا التقريب:
الإشكال الأوّل: عدم
اللّحاظ ليس حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي إطلاقاً، ويعتبر في جريان
الاستصحاب أن يكون المستصحب حكماً شرعياً،
أو على الأقل يكون موضوعاً يترتب عليه حكم شرعي، ولحاظ الأكثر وعدم لحاظه ليس
حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي، فلا يجري فيه الاستصحاب.
الإشكال
الثاني: أنّ الاستصحاب المذكور معارض باستصحاب عدم لحاظ
الأقل، فكما نجري استصحاب عدم لحاظ الأكثر عند جعل التكليف نجري استصحاب عدم لحاظ
الأقل أيضاً عند جعل التكليف، باعتبار أنّ الأمر يدور واقعاً بحسب الفرض بين لحاظ
الأقل لا بشرط تجاه الجزء العاشر وبين لحاظ الأقل بشرط انضمام الجزء العاشر،
الأوّل نسميه (الأقل) والثاني نسميه(الأكثر)، وكل منهما أمر يشك فيه ومسبوق
بالعدم، لحاظ الأكثر، يعني لحاظ الأقل منضمّاً إليه الجزء العاشر أمر مشكوك الحدوث
لا نعلم به، ومسبوق بالعدم، فيجري فيه استصحاب العدم، كذلك لحاظ الأقل مطلقاً من
ناحية الجزء العاشر، هذا أيضاً مشكوك الحدوث ومسبوق بالعدم، فيجري فيه استصحاب عدم
هذا اللّحاظ المشكوك الحدوث؛ فحينئذٍ يكون هذا الاستصحاب الذي ذُكر معارضاً
باستصحاب عدم لحاظ الأقل عند جعل التكليف، فلا يجري هذا الاستصحاب لأجل المعارضة.
ما
ذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه) بالنسبة للإشكال الأوّل تام،
اللحاظ وعدم اللحاظ هي أمور لا يجري فيها الاستصحاب، المستصحب لابدّ أن يكون إما
هو بنفسه حكم شرعي أو موضوعاً لحكم شرعي،
أو يكون له أثر شرعي ينفع المكلّف في فراغ الذمّة وعدم فراغها. اللّحاظ وعدم
اللّحاظ ليسا هكذا.
أمّا
بالنسبة للإشكال الثاني الذي هو من
ناحية فنية لابدّ أن نفترض أنّه مبني على التنزّل عن الإيراد الأوّل، هذا الإشكال
الثاني غير صحيح والمعارضة غير صحيحة، بمعنى أنّ استصحاب عدم لحاظ الأكثر عند جعل
التكليف لا يعارَض باستصحاب عدم لحاظ الأقل عند جعل التكليف. هذا الإشكال الثاني
ليس صحيحاً؛ لأنّه ما هو المقصود بإجراء استصحاب عدم لحاظ الأقل عند جعل التكليف ؟ وبعبارةٍ أخرى ماذا يترتب على هذا الاستصحاب ؟
وماذا يُراد إثباته بهذا الاستصحاب ؟ نقول إنّ هذا الاستصحاب لا يجري؛ لأنّه إن
أريد به إثبات لحاظ الأكثر عند جعل التكليف، فهذا أصل مثبت، أنت باستصحاب عدم لحاظ
الأقل عند جعل التكليف تريد إثبات لحاظ الأكثر عند جعل التكليف، وهذا يكون أصلاً
مثبتاً، وأمّا إذا أريد استصحاب عدم لحاظ الأقل عند جعل التكليف الغرض منه هو
التأمين من ناحية ترك الأقل حتى يكون المكلّف في أمان وراحة عندما يترك الأقل؛
لأنّ الاستصحاب يثبت له أنّ الشارع لم يلحظ الأقل عندما جعل التكليف، وهذا قطعاً
باطل وغير صحيح؛ لأنّ فرض ترك الأقل هو فرض المخالفة القطعية ولا يُعقل التأمين من
ناحية المخالفة القطعية، وإنّما المعقول هو التأمين من ناحية احتمال المخالفة
والمخالفة الاحتمالية وليس المخالفة القطعية، فإذن: ما هو الغرض من إجراء
الاستصحاب ؟ الاستصحاب لا يجري في الأقل؛ لأنّه لا يترتب عليه ثمرة، ليس هناك شيء
يمكن إثباته باستصحاب عدم جعل التكليف، بخلاف استصحاب عدم لحاظ الأكثر عند جعل
التكليف، هذا استصحاب لو تمّ وتنزلنا عن الملاحظة الأولى هذا يمكن أن يثبت به أنّ
الزائد لم يتعلّق به التكليف، وهذا يكفينا لإثبات التأمين من ناحية الزائد، أنّه
أنت من ناحية التكليف الزائد لست مؤاخذاً، الاستصحاب أثبت لك أنّ الشارع لم يلحظ
الأكثر عندما جعل التكليف، فله فائدة ويمكن إثبات شيءٍ به، بخلاف استصحاب عدم لحاظ
الأقل عند جعل التكليف فأنّه ليس كذلك، فالمعارضة ليست صحيحة. نعم اصل الإشكال
الأوّل يكون وارداً.