الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ دوران
الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.
كان البحث السابق كلّه بحث
مبني على فرضٍ تقدّم عدم قبوله وهو عدم انحلال العلم الإجمالي وعدم جريان البراءة
العقلية، وقد تقدّم أنّ الصحيح هو انحلال العلم الإجمالي وجريان البراءة العقلية؛
بل في الحقيقة كما تقدّم لا علم إجمالي من البداية في موارد دوران ألأمر بين الأقل
والأكثر لا يتشكل علم إجمالي أساساً، وإنّما هناك علم تفصيلي بوجوب الأقل وشك بدوي
في وجوب الزائد، ومن هنا النتيجة هي جواز جريان البراءة العقلية والشرعية.
بعد ذلك ننتقل إلى بحث ذُكر
في هذا المقام في كلماتهم وهو مسألة التمسّك بالاستصحاب في دوران الأمر بين الأقل
والأكثر، نتمسّك بالاستصحاب إمّا لإثبات الاشتغال ووجوب الإتيان بالأكثر، وإمّا
لإثبات البراءة وعدم وجوب الإتيان بالأكثر، كل منهما قد يستدل بالاستصحاب عليه، من
يقول بالاشتغال قد يستدل بالاستصحاب، ومن يقول بالبراءة قد يستدل ايضاً بالاستصحاب
لكن بتقريبات مختلفة.
أمّا القائل بالاشتغال فقد
استدل بالاستصحاب باعتبار أنّ الوجوب المعلوم المردد بين الأقل والأكثر، أو بين
الأقل على نحو الإطلاق من ناحية الجزء المشكوك، أو الأقل المقيد بالجزء المشكوك،
هذا الوجوب يتردد في الحقيقة بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع؛ لأنّه
على تقدير وجوب الأكثر بعد الإتيان بالأقل يكون الوجوب باقياً حتماً. نعم، على
تقدير أن يكون الواجب هو الأقل، فالوجوب يكون مقطوع الارتفاع، فالوجوب مردد بين أن
يكون مقطوع البقاء وبين أن يكون مقطوع الارتفاع؛ فحينئذٍ يستصحب جامع التكليف؛
لأنّه يُشك في سقوط التكليف المتيقن ثبوته سابقاً وعنده يقين بثبوت التكليف، هذا
التكليف المردد بين أن يكون متعلّقه الأقل مطلقاً أو الأقل مقيّداً بالجزء العاشر،
بعد الإتيان بالأقل يشك في أنّ هذا التكليف الذي اشتغلت به الذمّة جزماً هل سقط،
أو لم يسقط ؟ فإن كان الواجب هو الأقل سقط، وإن كان الواجب هو الأكثر بعدُ لم
يسقط؛ فحينئذٍ يُستصحب جامع التكليف المتيقن ثبوته قبل الإتيان بالأكثر، المكلّف
عنده يقين بثبوت جامع التكليف، هذا التكليف صحيح مردد بين التكليف بالأكثر أو
التكليف بالأقل، لكن جامعه متيقن واشتغلت به الذمّة جزماً وبعد الإتيان بالأقل هو
لا يقطع بأنّه قد امتثل هذا التكليف؛ فحينئذٍ يستصحب جامع التكليف، وهذا الاستصحاب
يجري بناءً على ما يُذكر في باب الاستصحاب من أنّ الاستصحاب في القسم الثاني من
أقسام استصحاب الكلّي يجري، وهذا من القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي، أن
يكون على يقين من ثبوت الكلّي، لكنّه مردد بين فردين أحدهما يقطع بارتفاعه، والآخر
يقطع ببقائه، على تقدير أن يكون هذا الفرد هو المعلوم فهو باقٍ قطعاً، وعلى تقدير
أن يكون هذا هو المعلوم فهو مرتفع قطعاً وفي مثله قالوا لا مانع من جريان استصحاب
الكلي، يستصحب كلّي الحدث، فيما لو تردد أمره بين الحدث الأصغر المرتفع قطعاً بعد
الوضوء، أو الحدث الأكبر الباقي قطعاً بعد الوضوء؛ وحينئذٍ بالنسبة إلى الأفراد لا
يمكن إجراء الاستصحاب فيها؛ لأنّ الحدث الأصغر مرتفع قطعاً لا يجري فيه الاستصحاب،
الحدث الأكبر لا يقين بحدوثه، فلا يجري الاستصحاب في الأفراد، لكن لا مانع من
جريان الاستصحاب في الجامع لتوفّر أركان الاستصحاب فيه من اليقين السابق والشك
اللاحق بعد الوضوء في هذا المثال وبعد الإتيان بالأقل في محل الكلام، بعد الإتيان
بالأقل يقول أنا على يقين من ثبوت التكليف الجامع واشتغال الذمّة به وأشك في سقوط
التكليف بعد الإتيان بالأقل، فيستصحب كلّي التكليف في محل الكلام. وبعد إجراء
استصحاب الكلي؛ حينئذٍ يثبت وجوب الإتيان بالأكثر؛ من باب حكم العقل لا من باب أنّ
استصحاب الكلي أثبت وجوب الإتيان بالأكثر حتّى يُعترض ويقال أن هذا يتوقف على القول
بالأصل المثبت، أنّ استصحاب كلي التكليف بعد الإتيان بالأقل، لازمه أنّ الوجوب
متعلّق بالأكثر، وإلاّ لو كان الوجوب متعلّق بالأقل لسقط بالإتيان بالأقل، فبقاء
كلّي التكليف بعد الإتيان بالأقل لازمه أنّ التكليف متعلّق بالأكثر، فيتوقف على
الأصل المثبت. تقريب هذا الاستصحاب في محل الكلام يقول نحن لا نريد أن نثبت
باستصحاب بقاء الكلي وجوب الإتيان بالأكثر، وإلاّ يلزم المثبتية، وإنّما نحن نريد
أن نثبت فقط أنّ التكليف باقٍ، بالاستصحاب لا نثبت إلاّ مؤداه ولا ننتقل إلى لازم
مؤداه، وإنّما مؤداه بقاء جامع التكليف، هذا نثبته فقط، وجوب الإتيان بالأكثر
نثبته بحكم العقل، العقل يحكم حينئذٍ بأنّه يجب عليك تحصيل فراغ الذمّة ممّا
اشتغلت به وهذا لا يكون إلاّ عن طريق الإتيان بالأكثر. هذا هو تقريب التمسّك
بالاستصحاب في محل الكلام لإثبات الاشتغال ووجوب الإتيان بالأكثر.
أجيب عن هذا التقريب بوجوه:
الوجه الأوّل:
هو أن يقال أن الاستصحاب لا يجري في موارد الشك في الاشتغال؛ لأنّه ما هو الغرض من
إجراء الاستصحاب في المقام، إن كان المقصود بذلك إثبات وجوب الأكثر، فهذا أصل مثبت،
وأمّا إذا كان المقصود إثبات اشتغال الذمّة ولزوم تفريغها يقيناً، فالجواب يقول لا
داعي لتكلّف إجراء الاستصحاب لإثباته؛ لأنّ هذا ثابت بالوجدان في موارد الشك في
الاشتغال؛ فحينئذٍ لا مجال للتعبّد به بالاستصحاب، لا مجال لأن نجري الاستصحاب ونتعبّد
بالاشتغال ووجوب الاحتياط، بينما الاشتغال ووجوب الاحتياط ثابت بالوجدان في موارد
الشك في الاشتغال، وقد تقدّم عن الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) أنّ هذا من أسوأ أنحاء
التعبّد بالاستصحاب، أنّ ما يكون ثابتاً بالوجدان نثبته تعبّداً، هذا بلا معنى.
أجابوا عن هذا الاعتراض بأنّ
هذا كلام متين وصحيح جدّاً في موارد دوران الأمر بين المتباينين، وغير تام وليس
صحيحاً في محل الكلام، يعني في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر. أمّا أنّه
تام في موارد دوران الأمر بين المتباينين، فواضح كما لو فرضنا أنّه علم إجمالاً
بوجوب أحد الأمرين، إمّا الظهر، أو الجمعة، ثمّ صلّى الجمعة، بعد الإتيان بأحد
الطرفين، في هذا المثال لا إشكال في أنّه يشك في سقوط التكليف عنه؛ لأنّه إن كان
التكليف واقعاً هو الجمعة، فقد سقط عنه بالإتيان بالجمعة، أمّا إذا كان التكليف
واقعاً هو صلاة الظهر، فهو لم يسقط عنه. إذن: هو يشك في سقوط التكليف عنه بعد
الإتيان بصلاة الجمعة، فيستصحب جامع التكليف المتيقن قبل الإتيان بصلاة الجمعة
المردد بين الجمعة والظهر، هذا هو على يقين منه وهو الآن يشك في سقوطه، فيستصحب
بقاء جامع التكليف بعد الإتيان بصلاة الجمعة، فهنا يتم الاعتراض المتقدّم على من
يستصحب جامع التكليف المتقدّم، بأن يقال له: أنت باستصحاب جامع التكليف ماذا تريد
؟ نستصحب بقاء جامع التكليف بعد الإتيان بصلاة الجمعة، هل تريد إثبات وجوب صلاة
الظهر؟ فهذا أصل مثبت، وأمّا إذا كان المقصود إثبات الاشتغال وإثبات وجوب
الاحتياط، فهذا ثابت بلا حاجة إلى الاستصحاب، بنفس العلم الإجمالي الموجود بحسب
الفرض الدائر بين المتباينين والشك في امتثاله، هو يشك في امتثال التكليف المعلوم
بالإجمال بعد الإتيان بصلاة الجمعة، هذا وحده كافٍ في أن يحكم العقل بوجوب
الاحتياط، يحكم العقل بأنّ هذا الاشتغال اليقيني الذي كان موجودا عندك سابقاً
يستدعي الفراغ اليقيني الذي هو معنى وجوب الاحتياط، هذا ثابت بالوجدان، هذا ثابت
بمجرّد أن يكون هناك اشتغال يقيني وشك في فراغ الذمّة ممّا اشتغلت به يقيناً، فنستصحب
هنا بقاء كلّي التكليف لغرض إثبات هذا تعبّداً عن طريق الاستصحاب، بينما هو ثابت
بالوجدان ولا داعي لإثباته عن طريق التعبّد الاستصحابي؛ حينئذٍ يكون هذا الإشكال
وارداً.
وأمّا في محل الكلام،
الطرف المقابل المستدل بهذا الدليل يريد أن يقول في محل الكلام نحن نريد أن نثبت
الاشتغال ووجوب الاحتياط بعد الإتيان بالأقل باستصحاب بقاء التكليف الجامع المتيقن
قبل الإتيان بالأقل، الجواب الأوّل يقول له، ما هو غرضك من هذا الاستصحاب ؟ هل
غرضك إثبات وجوب الأكثر، فهذا أصل مثبت، أو كان غرضك إثبات الاشتغال وإثبات وجوب
الاحتياط، فالجواب الأوّل يقول له إنّ هذا ثابت بالوجدان. وفي مقام الرد على هذا
الجواب يقول: كلا هذا ليس ثابتاً بالوجدان؛ لأنّه ليس لدينا علم إجمالي، الفرق بين
دوران الأمر بين المتباينين الذي يتم فيه هذا الجواب وبين محل الكلام الذي هو
دوران الأمر بين الأقل والأكثر هو أنّ هناك يوجد ما يكون منجّزاً للتكليف وهو العلم
الإجمالي، هناك علم إجمالي بوجود أحد الأمرين إمّا صلاة الظهر وإمّا صلاة الجمعة،
فإذا جاء بصلاة الظهر يبقى العقل يطالب هذا المكلّف بتحصيل اليقين بفراغ الذمّة،
وهو لا يكون إلاّ عن طريق الإتيان بصلاة الظهر، فهناك من يحكم بالاشتغال وجداناً،
هناك من يحكم بوجوب الاحتياط وجداناً، علم إجمالي والعقل يقول لابدّ من امتثال هذا
التكليف المعلوم، غاية الأمر ليس علماً تفصيلياً وإنّما علم إجمالي، من هذه
الناحية لا فرق بينهما، بالنتيجة هذا تكليف دخل في العهدة واشتغلت به الذمّة، فيجب
تحصيل الفراغ اليقيني منه، الاكتفاء بصلاة الجمعة ليس فراغاً يقيناً من ذلك، فإذن:
الاشتغال ثابت بالوجدان ووجوب الاحتياط هناك ثابت بالوجدان؛ لأنّ هناك علم إجمالي،
بينما في محل الكلام ليس لدينا علم إجمالي، وإنّما لدينا صورة علم إجمالي دائر بين
الأقل والأكثر، مثل هذا العلم الإجمالي في الحقيقة هو لا ينجّز إلاّ الأقل الذي
بحسب الفرض المكلّف جاء به، هذا الشخص الذي يريد أن يثبت الاشتغال بعد الإتيان
بالأقل يحتاج إلى الاستصحاب إذا تمّ وقطعنا النظر عن الأجوبة الآتية، يحتاج إلى
إثباته بالاستصحاب؛ لأنّه لا مثبت للاشتغال ولا مثبت لوجوب الاحتياط بعد الإتيان
بالأقل إلاّ الاستصحاب، فلا يكون إجراء الاستصحاب حينئذٍ من باب تحصيل الحاصل؛
لأنّه لا يوجد ما ينجز وجوب الاحتياط ووجوب الإتيان بالأكثر بعد الإتيان بالأقل
إلاّ الاستصحاب؛ لأنّه لدينا دوران الأمر بين الأقل والأكثر وهذا لا ينجّز إلاّ
الأقل؛ فحينئذٍ إثبات التنجيز بالنسبة إلى الأكثر بعد الإتيان بالأقل، وإثبات وجوب
الاحتياط بعد الإتيان بالأقل ينحصر أن يكون ذلك عن طريق الاستصحاب، يعني يقول أنّ
الذمّة لو كانت مشغولة بالتكليف، بعد الإتيان بالأقل أشك في سقوط هذا التكليف،
فاستصحب بقاء كلّي التكليف ـــــــــــــــ لأنّه يدخل في باب استصحاب الكلّي من
القسم الثاني ــــــــــ بعد الإتيان بالأقل لغرض إثبات وجوب الاحتياط؛ حينئذٍ هذا
لا يُعترض عليه بأنّه من باب تحصيل الحاصل وأنّ وجوب الاحتياط والاشتغال ثابت
بالوجدان، فلا معنى لأثباته بالتعبّد الاستصحابي. إلى هنا لا يرد هذا الجواب،
وإنّما يرد على من يتمسّك باستصحاب الاشتغال في موارد دوران الأمر بين المتباينين،
هناك يصح هذا الكلام لوجود علم إجمالي ينجّز كلا الطرفين، بينما في محل الكلام لا يوجد
علم إجمالي. إذن: ما الذي ينجّز وجوب الاحتياط بعد الإتيان بالأقل ؟ ما الذي ينجّز
الاشتغال بعد الإتيان بالأقل ؟ هو الاستصحاب؛ فلذا لا يكون هذا الحواب وارداً على
التقريب السابق.
الجواب الثاني: أن
يقال ماذا يثبت لنا هذا الاستصحاب ؟ من الواضح أنّه لا يثبت أكثر من بقاء جامع
التكليف، عندما أجري الاستصحاب فأنا استصحب جامع التكليف، أنا على يقين من جامع
التكليف قبل الإتيان بالأقل، وبعد الإتيان بالأقل أشكّ في سقوطه، فاستصحب بقاء
جامع التكليف، يعني استصحب التكليف المردد بين أن يكون متعلّقه هو الأقل مطلقاً،
أو الأقل مقيداً بالجزء العاشر، ما يثبت بالاستصحاب هو هذا وليس أكثر. هذا الذي
يثبت بالاستصحاب هو علم تعبّدي، وهو ليس أحسن حالاً من العلم الوجداني بالتكليف
المردد بين أن يكون متعلّقه هو الأقل مطلقاً، أو الأقل مقيداً بالجزء العاشر، نحن
قد فرغنا سابقاً عن أنّ العلم الإجمالي الذي هو علم وجداني، لا ينفع لإثبات وجوب
الاحتياط، يعني لا ينفع لإثبات وجوب الإتيان بالأكثر؛ لأننّا قلنا أنّ هذا العلم
منحل ولا أثر له في إثبات وجوب الأكثر ولا ينجّز إلا الأقل، فلو أردنا الاستغناء
عن العلم الوجداني، وأن نثبت هذا بعد الإتيان بالأقل تعبداً عن طريق إجراء
الاستصحاب؛ حينئذٍ سوف يثبت شيء لا يزيد عن العلم الوجداني بالتكليف المردد بين
الأقل والأكثر، ولا يثبت لنا شيئاً أزيد من هذا، ونحن عندما كان هناك علم وجداني
مردد بين الأقل والأكثر، قلنا أنّ هذا لا ينجز شيئاً بالنسبة إلى الأكثر، لا ينجّز
إلاّ الأقل فقط، ويعجز عن تنجيز ما هو أزيد من الأقل؛ بل البراءة العقلية والبراءة
الشرعية تجري في الزائد المشكوك، فما فائدة إثبات هذا التكليف الجامع المردد تعبّداً
عن طريق الاستصحاب ؟ لا فائدة فيه إطلاقاً.
وبعبارةٍ أخرى:
بعد إجراء الاستصحاب بعد الإتيان بالأقل، الاستصحاب يثبت بقاء الجامع تعبّداً، هذا
ينجّز ماذا ؟ لا معنى لأن ينجز الأقل؛ لأنّه قد جاء بالأقل بحسب الفرض، فلا معنى
لأن يكون الاستصحاب وبقاء الجامع تعبّداً ينجز الأقل؛ لأنّ المفروض أنّه قد أتى به،
وليس من المعقول أن ينجّز شيئاً آخر غير الأقل؛ لأنّ العلم الوجداني بهذا التكليف
الجامع لم ينجز شيئا آخر أزيد من الأقل، فكيف بالعلم التعبّدي ببقاء هذا الجامع.
هذا هو الجواب الثاني عن الاستدلال بالاستصحاب في محل الكلام. وهو جواب تام.
الجواب الثالث:
ذكره السيد الخوئي(قدس سرّه) في (مصباح الأصول)
[1]
وما ذكره هو أنّ استصحاب جامع التكليف معارَض باستصحاب عدم تعلّق جعل التكليف
بالأكثر، لكن يقول:(لو لم نقل بكونه محكوماً)، يعني هو معارض به إذا لم نترّق ونقول
أنّ استصحاب جامع التكليف محكوم لاستصحاب عدم تعلّق جعل التكليف بالأكثر؛ وحينئذٍ
لا يجري استصحاب جامع التكليف، إمّا للمعارضة، أو لوجود أصلٍ حاكم عليه، وعلى كلا
التقديرين لا يجري، وهذا هو الجواب عن التقريب، لا يجري هذا الاستصحاب إمّا لوجود
معارض له يمنع من جريانه، أو لوجود أصل حاكم عليه، أيضاً يمنع من جريانه. المعارضة
يمكن تصويرها بأن يقال: هناك تنافٍ محسوس بين بقاء جامع التكليف بعد الإتيان
بالأقل وبين عدم تعلّق التكليف بالأكثر. إذا كان جامع التكليف باقياً بعد الإتيان
بالأقل، فهذا معناه أنّ التكليف متعلّق بالأكثر؛ لأنّه لو كان متعلّقاً بالأقل لما
بقي جامع التكليف بعد الإتيان بالأقل، فبقاء جامع التكليف بعد الإتيان بالأقل
يتنافى مع افتراض عدم تعلّق التكليف بالأكثر، إذا كان الجامع باقياً بعد الإتيان
بالأقل، فلابد أن يتعلّق بالأكثر، إذا لم يكن التكليف متعلّقاً بالأكثر، فلابدّ أن
لا يبقى الجامع بعد الإتيان بالأقل، فيوجد بيننهما تنافٍ؛ فحينئذٍ تكون هناك
معارضة بين الأصل الذي يثبت بقاء جامع التكليف بعد الإتيان بالأقل وبين الأصل الذي
ينفي تعلّق التكليف بالأكثر، فتقع المعارضة بين استصحاب بقاء جامع التكليف بعد
الإتيان بالأقل، وبين استصحاب عدم تعلّق جعل التكليف للأكثر، وهذان الاستصحابان
يتعارضان ويتساقطان، وبالتالي لا يمكن أن نستدل في محل الكلام باستصحاب بقاء جامع
التكليف لوجود المعارض له .