الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ دوران
الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.
في الدرس السابق ذكرنا أنّ
المحقق الخراساني(قدّس سرّه) في الكفاية ذهب إلى التفصيل وذكر أنّه لا
مشكلة في إجراء حديث الرفع في جزئية الجزء المشكوك ونفي جزئية الجزء المشكوك،
وقلنا بأنّه اعترض على نفسه بأنّ الجزئية ليست من الأمور المجعولة ولا تنالها يد
الجعل ولا الرفع، فذكر بأنّه يمكن رفع منشأ انتزاعها، ومنشأ انتزاعها هو عبارة عن الأمر
الضمني كما ذكر المتعلّق بالجزء، ثمّ أشكل على نفسه بأنّه إذا جرى حديث الرفع لرفع
الأمر الضمني بالجزء، فمن الواضح أنّ الأمر الضمني لا يرتفع إلاّ برفع الأمر
بالكل، فلابدّ من الالتزام برفع الأمر بالكل؛ إذ لا معنى لرفع الأمر الضمني مع
بقاء الأمر بالكل، الأمر بالكل المؤلف من عشرة أجزاء لا معنى لبقائه مع رفع الأمر
الضمني المتعلّق بواحدٍ من هذه الأجزاء العشرة؛ بل لابدّ من افتراض رفع الأمر
بالكل، وإذا ارتفع الأمر بالكل؛ حينئذٍ ما الدليل على الأمر بالباقي من دون ذلك
الجزء ؟ حينئذٍ لا دليل على أنّ الباقي من دون ذلك الجزء، وهو الأقل قد تعلّق به
الأمر حتّى يكون الاتيان به مجزياً وصحيحاً وكافياً، لا دليل على الأمر بالباقي،
نحن لا يوجد عندنا إلاّ الأمر بالكل، حديث الرفع جرى ورفع الأمر بالكل، ما الدليل
على تعلّق الأمر بالباقي ؟ كيف نثبت هذا المقدار ؟
[1]بعد أنّ أشكل على نفسه بذلك، أجاب: بأنّ نسبة حديث الرفع إلى أدلة الأجزاء نسبة
الاستثناء إلى المستثنى منه، ومقصوده كما هو ظاهر العبارة أنّه إذا ورد عندنا دليل
يدلّ على جزئية شيءٍ في حالة من الحالات، من الواضح أنّ الجزئية بمقتضى هذا الدليل
لا تثبت إلا في ذلك الحال الذي دلّ الدليل على جزئية شيء فيها، فتثبت الجزئية في
ذلك الحال، وفي غير ذلك الحال لا تثبت الجزئية، ترتفع الجزئية في غير ذلك الحال،
كما لو فرضنا أنّه دلّ دليل خاص على أنّ السورة جزء من الصلاة في حال العلم، وهذا
معناه أنّ الجزئية تختص بحال العلم وترتفع في حال الجهل، هذا في حال الجهل ارتفعت
جزئية السورة، ما الدليل على وجوب الباقي ؟ ما الدليل على وجوب سائر الأجزاء من
دون ذلك الجزء الذي ارتفعت جزئيته بحسب الفرض ؟ ما الدليل على وجوب الأقل ؟ هو
يقول أنّ الدليل هو عبارة عن مجموع أمرين: أحدهما حديث الرفع، والآخر هو أدلّة
الأجزاء، إذا ضممنا حديث الرفع إلى أدلّة الأجزاء، هذا ينتج الأمر بالأقل، أو
الأمر بالفاقد لذلك الجزء؛ لأنّ ذلك الفاقد لذلك الجزء لنفترض أنّه مكون من أجزاء
تسعة، كل جزء من تلك الأجزاء، كل جزء من هذه الأجزاء له دليله، أدلّة هذه الأجزاء التسعة
بضميمة حديث الرفع يثبت الأمر بالفاقد لذلك الجزء، فيكون الفاقد لذلك الجزء
مأموراً به، فإذا ثبت أنّه مأمور به يكون مجزياً؛ وحينئذٍ يُكتفى بالأقل في محل
الكلام استناداً إلى حديث الرفع الذي يرفع الجزئية في حال الجهل، أو استناداً إلى
الدليل الخاص الذي ذكرناه، فرضاً دليل خاص دلّ على جزئية السورة في حال العلم، هذا
معناه أنّ الجزئية ترتفع في حال الجهل.
إذن: هذا
الدليل دلّ على ارتفاع الجزئية في حال الجهل، هذا (في حال الجهل) ارتفعت الجزئية
في السورة، ما الدليل على وجوب باقي الأجزاء، يقول الدليل هو : حديث الرفع رفع
جزئية السورة في حال الجهل، أدلّة الأجزاء الأخرى تثبت فعلية التكليف لهذه الأجزاء
الأخرى في حال الجهل، فيثبت الأمر بالأقل والأمر بالفاقد لذلك الجزء في حال الجهل،
وبذلك نصل إلى النتيجة التي يريدها، وهي أنّ أصالة البراءة الشرعية جرت في الجزئية
واستطعنا بمعونة حديث الرفع وبانضمام أدلّة الأجزاء أن نثبت وجوب الأقل وأن نثبت
الأمر بالأقل، فيجوز للمكلّف أن يقتصر على الأقل. هذا هو الذي ذكره في الكفاية؛
وحينئذٍ، معنى الاستثناء الذي ذكره أن نسبة حديث الرفع إلى أدلة الأجزاء نسبة
الاستثناء إلى المستثنى منه، مقصوده بحسب ظاهر عبارته هو أنّ أدلة الأجزاء هي في
حد نفسها لو كان لها ثبوت هي مطلقة بلحاظ حال العلم وحال الجهل، دليل يدلّ على
وجوب جزء في الصلاة هو يكون مطلقاً شاملاً لحالتي العلم والجهل، هذا الإطلاق في
أدلة الأجزاء يقيده حديث الرفع؛ لأن مفاده هو رفع الجزئية في حال الجهل، فكأنّه
يُخرج صورة الجهل من إطلاق دليل جزئية الجزء، وهذا يكون بمثابة الاستثناء، كأنّه
يستثني صورة الجهل من دليل جزئية الجزء، فيكون بمثابة الاستثناء، فحديث الرفع
باعتبار أنّه يرفع الجزئية في حال الجهل كما هو مفاد(رُفع عن أمّتي ما لا يعلمون)
يرفع جزئية الجزء في حال الجهل يكون مقيداً لإطلاق دليل جزئية الجزء، فتختص جزئية
الجزء بحال العلم وترتفع في حال الجهل. إذن: في حالة الجهل لدينا دليل يقول أنّ
السورة ليست جزءاً من الصلاة في حال الجهل، ولدينا أدلّة الأجزاء الأخرى موجودة
وهي تدل على فعلية التكليف بتلك الأجزاء في حال الجهل؛ فحينئذٍ لابدّ من الالتزام
بأنّ الأقل هو المأمور به، الواجب هو الأقل، فيكتفى به في مقام الامتثال، وهذا هو
السبب في تعبيره بأنّه يكون حديث الرفع نسبته إلى أدلّة الأجزاء نسبة الاستثناء
إلى المستثنى منه.
لو فرضنا أنّ احدهم استشكل على
المحقق الخراساني(قدّس سرّه)، وكما هو معروف أنّ المحقق الخراساني(قدّس سرّه) يبني
على مسلك العلّية التامّة للعلم الإجمالي ولا يرى الاقتضاء؛ بل يرى أنّ العلم
الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية، وأنّه يمنع من إجراء الأصول ولو في
بعض الأطراف حتّى إذا لم يكن لها معارض، حتّى لو لم يكن لجريان الأصل في هذا الطرف
معارض مع ذلك الأصل لا يجري فيه؛ لأنّه يرى أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب
الموافقة القطعية، فإذن: بناءً على هذا المبنى قد يُستشكل على كلام المحقق
الخراساني(قدّس سرّه) الذي ذكرناه، ويقال أنّ مقتضى العلية التامّة أنّه يجب بحكم
العقل على المكلّف الاحتياط وتحصيل الموافقة القطعية بحكم العقل، باعتبار أنّه يرى
العلية التامّة للعلم الإجمالي؛ حينئذٍ يقال له كيف يحصل اليقين بالموافقة القطعية
إذا اقتصر المكلّف على الإتيان بالأقل؛ لأنّه هو اثبت جواز الاقتصار على الأقل؛
لأنّ البراءة الشرعية تجري في الجزئية وتنفي الجزئية، فيجوز الاقتصار على الأقل، .........
عقلاً لابدّ من تحصيل اليقين بالفراغ ومن الواضح أنّه لا يحصل اليقين بالفراغ إذا
اقتصر على الاتيان بالأقل مع علمه الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر.
حينئذٍ المحقق
الخراساني(قدّس سرّه) يمكنه الجواب عن هذا الإشكال، هو يدفع
هذا الإشكال؛ لأنّ هذا الكلام متين وصحيح ولابدّ من تحصيل اليقين بالفراغ، لكنّ
الفراغ لا يُراد به خصوص الفراغ الوجداني؛ بل يعم الفراغ الوجداني والفراغ التعبدي
أو الفراغ الجعلي كما يسمّوه، الفراغ الجعلي هو يقين بالفراغ، وفي المقام حيث أنّ
الذي دلّ على جواز الاقتصار على الأقل وكفاية الإتيان بالأقل في محل كلامنا هو الدليل
الشرعي هو وجود دليلين شرعيين صادرين من الشارع كان مقتضى ضم بعضهما إلى البعض
الآخر الوصول إلى هذه النتيجة والاجتزاء بالأقل؛ حينئذٍ الأقل يعتبر فراغاً ممّا
اشتغلت به الذمّة يقيناً وخروج عن العهدة يقيناً، لكنه فراغ جعلي، فراغ تعبّدي
باعتبار الدليل الشرعي، وهذا يكفي بلا إشكال بحكم العقل، يعني العقل لا يُلزم
بتحصيل خصوص الفراغ الوجداني، ويقول أن الفراغ التعبدي المجعول من قبل الشارع الذي
دلّ الدليل على أنّ الشارع يكتفي به، هذا لا يكفي، بلا إشكال العقل إنّما يحكم
بهذه الأشياء رعاية لمولوية المولى، فإذا كان هو نفس المولى إذن في الخروج عن عهدة
التكليف بالإتيان بهذا المحتمل، فيكون هذا فراغاً تعبدياً جعلياً بنظر العقل يكون
كافياً، وفي المقام الاكتفاء بالأقل قد دلّ عليه الدليل الشرعي، فيكون فراغاً
جعليا وتعبدياً ولا يكون منافياً للبناء على مسلك العلّية التامّة.
هذا الكلام كلّه مرجعه
إلى دعوى تخصيص أدلة الأجزاء، دليل جزئية الجزء، دعوى تخصيصه بحديث الرفع،
بالنتيجة فسّرنا كلامه بهذا الشكل: أنّ حديث الرفع تكون نسبته إلى دليل جزئية
الجزء نسبة الاستثناء من المستثنى منه، باعتبار أنّ مقتضى دليل جزئية الجزء هو
ثبوت الجزئية مطلقاً في حال العلم وفي حال الجهل، دليل حديث الرفع يرفع الجزئية في
حال الجهل ويوجب اختصاص دليل الجزئية بحال العلم، بالنتيجة هذا تخصيص وتقييد،
فمرجع كلامه إلى القيام بعملية تخصيص بين الدليلين، والتقييد بينهما، ولكن من
الواضح أنّ تخصيص دليلٍ بدليلٍ وتقييد دليلٍ بدليلٍ هو إنّما يكون إذا كان بين
الدليلين تنافٍ وتعارض، ولو كان تعارضاً بدوياً، لكن لابدّ أن يكون هناك تنافٍ بين
الدليلين حتى يجمع بينهما بالتخصيص أو بالتقييد. وأمّا إذا فرضنا أنّ هناك دليلين
لا يوجد بينهما تنافٍ أصلاً؛ حينئذٍ لا معنى للتصرّف في أحدهما لصالح الآخر مع عدم
وجود تنافٍ بينهما، لا معنى لتخصيص أحدهما بالآخر مع عدم وجود التنافي بينهما، وفي
المقام لا يوجد تنافٍ بين هذين الدليلين، بين دليل جزئية الجزء وبين حديث الرفع،
والسرّ في ذلك أنّ دليل جزئية الجزء يتضمّن حكماً واقعياً بينما دليل حديث الرفع
يتضمّن حكماً ظاهرياً ولا تنافي بينهما على ما تقدّم في باب الجمع بين الأحكام
الواقعية والأحكام الظاهرية، لا يوجد بينهما تنافٍ أصلاً، الحديث الذي يرفع
الجزئية في مرحلة الظاهر لا ينافي الدليل الذي يثبت الجزئية واقعاُ، ينافي الدليل
الذي يثبت الجزئية واقعاُ حتّى في حال الجهل هو الدليل الذي ينفي الجزئية في حال
الجهل واقعاً، إذا كان حديث الرفع ينفي الجزئية في حال الجهل واقعاً يكون منافياً
لدليل الجزئية؛ لأنّ ذاك يثبت واقعاً وهذا ينفي واقعاً، بينما حديث الرفع لا يتكفّل
رفع الجزئية واقعاً، وإنّما يتكفّل رفع الجزئية ظاهراً، أي في مرحلة الظاهر، ورفع
الجزئية في مرحلة الظاهر لا ينافي الدليل الدال على ثبوت الجزئية واقعاً حتى في
حال الجهل، أيّ ضيرٍ في أن تكون الجزئية ثابتة واقعاً في حال الجهل، لكن المكلّف
في مقام الوظيفة العملية بني على عدم ثبوتها ظاهراً والذي مرجعها كما قلنا إلى نفي
وجوب الاحتياط تجاه الجزء المشكوك، هذا لا ينافي ثبوت ذلك الجزء واقعاً، فلا تنافي
بين الدليلين، وبالتالي لا مجال لتخصيص أحدهما بالآخر، أو تقييد أحدهما بالآخر.
هذه أول ملاحظة على ما ذكره المحقق الخراساني(قدّس سرّه)
الملاحظة الثانية:
وهي ملاحظة فنّية، أنّ هذا الوجه الذي ذكره لا يظهر منه لماذا عدل عمّا هو
المتعارف بينهم من إجراء حديث الرفع في وجوب الزائد، عادة يجرون حديث الرفع في
الجزء المشكوك، صاحب الكفاية عدل عن هذا، ولم يجرِ حديث الرفع في الزائد المشكوك،
ولم يجرِ حديث الرفع في الأكثر المشكوك وجوب، يعني لم يجرِ حديث الرفع لنفي وجوب
الأكثر، ولا لنفي وجوب الجزء المشكوك، وإنّما أجرى حديث الرفع في الجزئية، هذا
العدول لا يبرره ما ذكره. يعني بعبارة أكثر وضوحاً: أنّ ما ذكره كما يتم إذا
أجرينا حديث الرفع في الجزئية، كذلك يتم ما ذكره إذا أجرينا حديث الرفع لنفي وجوب
الجزء المشكوك، نفس الكلام يجري، نشك في وجوب السورة، فنجري حديث الرفع لنفي
الوجوب لا لنفي الجزئية كما هو اقترح، يأتي الكلام السابق، فيقال: لا مشكلة في
جريان حديث الرفع لنفي وجوب الجزء المشكوك؛ لأنّ نسبة حديث الرفع بالنسبة إلى أدلة
وجوب الأجزاء نسبة الاستثناء من المستثنى منه، بمعنى أنّ الدليل الدال على وجوب
السورة هو في حدّ نفسه يدل على وجوب السورة مطلقاً في حال العلم وفي حال الجهل،
يأتي حديث الرفع فيرفع وجوب السورة في حال الجهل، فيكون موجباً لتخصيص دليل وجوب
السورة بحال العلم لا محالة، فيكون مقيداً ومخصصاً لذلك الدليل، فيختص الدليل
الدال على وجوب السورة في الصلاة بحال العلم ويرتفع هذا الوجوب في حال الجهل.
أيضاً نقول بضم حديث الرفع الرافع لوجوب الإتيان بالسورة في الصلاة في حال الجهل
إلى أدلة وجوب الإتيان بالأجزاء الأخرى، ضم هذا إلى هذا ينتج وجوب الإتيان
بالأجزاء الباقية. إذن: لماذا هذا العدول ؟ لابدّ أن يكون سبباً وجيهاً لدوله عن
إجراء أصالة البراءة في وجوب الزائد، عن وجوب الجزء المشكوك إلى إجراء أصالة
البراءة عن الجزئية، هذا لا يبرر هذا العدول. هذه ملاحظة فنية.
الملاحظة الثالثة:
أنّ الذي يبدو أنّ سبب عدوله عن إجراء البراءة في الجزء المشكوك إلى إجراء البراءة
في الجزئية، قالوا أنّ سبب عدوله أنّ وجوب الإتيان بالأكثر لعلّه يكون معارضاً
بالبراءة في الأقل، يعني هو لا يجري البراءة في الأكثر لأنّها معارضة بالبراءة في
الأقل، فعدل عن هذا وأجرى البراءة في موردٍ ليس له معارض وهو الجزئية، البراءة
لنفي جزئية الجزء المشكوك ليس له معارض؛ فلذا أجرى البراءة في الجزء المشكوك
لتلافي إشكال المعارضة فيما لو أجرى البراءة لنفي وجوب الأكثر، فيقال أنّه معارض
بالبراءة في الأقل؛ فلذا عدل عنه إلى إجراء البراءة في الجزئية. الاعتراض يقول هو
لم يصنع شيئاَ؛ لأنّ البراءة في الجزئية معارضة أيضاً بالبراءة لنفي كلّية الأقل.
هذا الإشكال ذكره المحقق العراقي، يقول البراءة الجارية في الجزئية معارضة
بالبراءة الجارية لنفي كلية الأقل؛ لأنّه إذا سلّمنا أنّه يصح إجراء البراءة في
الجزئية كما هو يقترح باعتبار أنّ جزئية السورة أمر منتزع من الأمر بالأكثر، فإذا
كان يمكن إجراء البراءة في الجزئية المنتزعة من الأمر بالكل، إذن: يمكن إجراء
البراءة في كلّية الأقل المنتزعة من الأمر بالأقل، كون كلّية الأقل تنتزع من الأمر
بالأقل، كما أنّ جزئية السورة من الصلاة تنتزع من الأمر بالأكثر، كلّية الأقل وكون
هذا هو الكل والمجموع الذي أمر به الشارع، هذا ينتزع من الأمر بالأقل، عندما يأمر
الشارع بالأقل، بتسعة أجزاء يُنتزع منه عنوان أنّ هذا الأقل هو المجموع، كلية
الأقل تنتزع من الأمر بالأقل، إذا كان البناء على إجراء البراءة في الجزئية، فهذا
يكون معارضاً بالبراءة في الأقل، لا يقين بكلّية الأقل، كما لا يقين بجزئية السورة
في الصلاة المنتزعة من الأمر بالأكثر، كذلك لا يقين بكلية الأقل، من قال أنّ هذا
المجموع المعبّر عنه بالصلاة يتألف من تسعة أجزاء ؟ احتمال أن يكون مؤلفاً من عشرة
أجزاء ؟! والتسعة ليست هي الكل، وليست هي المجموع المأمور به، فكلّية الأقل مشكوكة
وأنا لا أعلم بها، فإذا صار البنا على إجراء البراءة في الجزئية، لاتجهت البراءة
في مقابلة كلّية الأقل ويقع التعارض بينهما، وبذلك هو لا يسلم مما فر منه من
الإشكال؛ لأنّه بناءً على أنّه إنّما عدل إلى هذا فراراً عن إشكال التعارض، هو وقع
في هذا الإشكال ويكون إجراء البراءة في الجزئية معارض بإجراء البراءة في كلّية
الأقل، ويتعارضان حينئذٍ.
لعلّه لهذه الملاحظات أو
غيرها على هذا التفسير الذي ذكرناه لكلام صاحب الكفاية ذكر المحقق العراقي تفسيرين
آخرين لكلامه وقلنا أنّ الكلام ينصب على تفسير الاستثناء الذي ذكره في كلامه، أنّه
ما هو المقصود بالاستثناء ؟ التفسير الأوّل فسره بما تقدم، المحقق العراقي ذكر
تفسيرين آخرين لكلامه وللاستثناء في كلامه، نقتصر على ذكر أحد التفسيرين، وهو أنّ
المحقق العراق يدّعي أنّه يمكن تفسير كلامه ومقصوده بدعوى الملازمة العرفية بين
الدليل الدال على نفي جزئية السورة في حال الجهل وبين وجوب الإتيان بالأقل،
الملازمة بينهما هي ملازمة عرفية وليست ملازمة حقيقية ولا ملازمة دقيّة، إذا دلّ
دليل على أنّ السورة في حالة ضيق الوقت ليست واجبة في الصلاة، يُفهم من هذا الدليل
عرفاً الأمر بالباقي، وبهذا يثبت الأمر بالباقي بهذه الملازمة العرفية.
وبعبارة أخرى:
أنّ الدليل الدال على نفي جزئية السورة في حالة الجهل، وإن كان بالنظرة التحليلية
الدقيقة، هو ليس فيه دلالة على وجوب الباقي؛ لإمكان أن يكون هذا الدليل يرفع جزئية
السورة في حال الجهل، هذا ينسجم مع افتراض ارتفاع الأمر بالكل؛ لأنّ هذا الدليل
يرفع جزئية السورة، يقول السورة ليست جزءاً، فيسقط الأمر بالكل في حال الجهل، لكن
هذا بالنظر الدقّي التحليلي، لكن بالنظر العرفي، العرف يفهم أنّ هذا أمرٌ بالباقي،
هذه ملازمة عرفية تُدّعى في محل الكلام، هذه الملازمة العرفية، أو هذا التفسير
الثاني لكلام صاحب الكفاية أو عليه المحقق العراقي بأنّ هذا إنّما يتم عندما يكون
الدليل الدال على نفي الجزئية دليل خاص وارد في هذا الجزء الذي نريد رفعه بأن يأتي
دليل ويدل على أنّ السورة ليست جزءاً من الصلاة في حال الجهل؛ حينئذٍ يمكن أن نقول
أنّ المفاد العرفي لهذا الدليل هو الأمر بالباقي بحيث تكون هناك ملازمة عرفية بين
نفي جزئية السورة للصلاة في حال الجهل وبين الأمر بالباقي في حال الجهل، لكنّ
الكلام ليس هكذا، في محل الكلام ليس لدينا دليل خاص يدل على رفع جزئية السورة
بعنوانها في الصلاة في حال الجهل، لدينا حديث الرفع، وحديث الرفع حديث واسع عام
يطبّق على جزئية الجزء وحسب تعبيره يقول: عقلاً، يكون جزئية الجزء مصداقاً له،
وإلاّ هو لم يرد في جزئية السورة ويرفع جزئية السورة في حالة الجهل، مثل هذا
الحديث العام الوارد بعنوان(رُفع ما لا يعلمون) الذي يشمل كثيراً من الموارد له
ظهور عرفي وملازمة عرفيه في الأمر بالباقي.