الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ دوران
الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.
ذكرنا المانع الأوّل من
جريان البراءة في
دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيينوهو
عبارة عن العلم الإجمالي بين الأقل والأكثر، وقلنا أنّه أجيب عن هذا المانع بوجوه،
الوجه الأوّل هو دعوى أنّ هذا العلم الإجمالي منحلٌ بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل،
إمّا بوجوبٍ نفسي أو بوجوب غيري، وقلنا أنّ هذا هو الموجود في عبارات الشيخ
الأنصاري(قدّس سره)، لكنّ المحقق النائيني(قدّس سرّه) قال ليس هذا هو مراده؛ لأنّه
فيه إشكالات، فأبدل الانحلال بما ذكره الشيخ الأنصاري(قدّس سره) بالانحلال بدعوى
العلم التفصيلي بوجوب الأقل إمّا بوجوبٍ نفسي استقلالي، وإمّا بوجوب نفسيٍ ضمني،
فينحل العلم الإجمالي بهذا العلم التفصيلي، فالأقل واجب على كل حال سواء كان وجوبه
نفسياً استقلالياً، أو كان وجوبه وجوباً نفسياً ضمنياً، ونتكلّم عن هذين الوجهين
للحل:
أمّا الوجه الأوّل للحل: الموجود
في كلمات الشيخ الأنصاري(قدّس سره)، هذا الوجه بقطع النظر عن مبانيه التي هي غير
مسلّمة، لا الوجوب الغيري مسلّم، ولو كان مسلّماً، فهو مسلّم بالنسبة إلى
المقدّمات الخارجية لا بالنسبة إلى المقدّمات الداخلية التي هي عبارة عن الأجزاء،
الأجزاء مقدمات داخلية ولا تتصف بالوجوب الغيري، وإنّما تتصف بالوجوب النفسي؛ لأنّ
الوجوب وجوب واحد ينبسط على أجزاء المركب، بقطع النظر عن إشكال في ذلك.
المحقق العراقي(قدّس سرّه) اعترض
على هذا الوجه الأوّل بما حاصله:
[1]
أنّ العلم التفصيلي بوجوب الأقل المردد بين النفسي والغيري ليس صالحاً لأن يحل العلم
الإجمالي في محل الكلام، أي العلم الإجمالي المردد بين الأقل والأكثر؛ وذلك لكون
هذا العلم التفصيلي بوجوب الأقل، الوجوب المردد بين النفسي والغيري معلولاً للعلم
الإجمالي، ويقع في رتبةٍ متأخّرةٍ عنه، وفي مثل هذا الحال يكون العلم الإجمالي في
مرتبةٍ سابقةٍ مؤثراً في تنجيز طرفيه؛ وحينئذٍ لا يبقى مجال لتأثير العلم التفصيلي
في المرتبة المتأخّرة في التنجيز، وبالتالي لا يكون موجباً لانحلاله.
المقصود هو أنّ
العلم التفصيلي الذي ذُكر في الوجه الأوّل أنّه يُحل به العلم الإجمالي، يقول: هذا
العلم التفصيلي معلول للعلم الإجمالي، من أين نشأ لنا العلم بوجوب الأقل على كل
حال إمّا بوجوبٍ نفسي أو وجوب غيري ؟ نشأ من علمنا الإجمالي بوجوب أحد الأمرين
إمّا الأقل أو الأكثر، وكون العلم التفصيلي معلولاً للعلم الإجمالي يعني أنّه في
رتبةٍ متأخّرةٍ عن العلم الإجمالي، وهذا معناه أنّ العلم الإجمالي في الرتبة
السابقة يكون قد نجّز طرفيه، وإذا نجز العلم الإجمالي في مرتبةٍ سابقةٍ معلومه في
كلٍ من الطرفين؛ حينئذ لا يُبقي مجالاً لتأثير العلم التفصيلي في التنجيز؛ لأنّ العلم
الإجمالي قد نجّز معلومه في مرتبةٍ سابقةٍ، يعني قد نجّز الأقل والأكثر. ما معنى
أن في رتبة سابقة يأتي العلم الإجمالي وينجّز أحد الطرفين الذي هو عبارة عن الأقل
؟ هذا العلم التفصيلي بوجوب الأقل إمّا نفسياً، أو غيرياً، هو في رتبةٍ متأخّرةٍ،
يقول: هذا لا ينجّز معلومه؛ لأنّ معلومه قد تنجّز في مرتبةٍ سابقةٍ، فإذا كان العلم
التفصيلي في المرتبة المتأخرة لا ينجّز معلومه ـــــــــ الأقل ــــــــ إذن: كيف
يكون حالّاً للعلم الإجمالي ؟ هو إنّما يكون موجباً لانحلال العلم الإجمالي عندما
ينجّز الأقل ويدخله في العهدة على كل حال؛ حينئذٍ يقال بأنّه يوجب انحلال العلم
الإجمالي، أمّا إذا كان هو ليس له صلاحية تنجيز الأقل، في هذه الحالة يقول: هذا لا
يكون موجباً لانحلال العلم الإجمالي.
وبعبارةٍ أخرى: كأنّه
يريد أن يقول أنّ الأقل تلقّى التنجيز في رتبةٍ سابقةٍ باعتباره طرفاً للعلم
الإجمالي؛ لأنّ العلم الإجمالي في الرتبة السابقة يكون قد أثّر أثره ونجّز معلومه
في كلٍ من الطرفين؛ حينئذٍ ما معنى أنّ العلم الإجمالي يتنجّز بالعلم التفصيلي ؟
هذا غير معقولٍ طبقاً للقاعدة التي تقدمت سابقاً والتي هو يؤمن بها وهي أنّ المتنجّز
لا يتنجّز، وهذا الأقل قد تنجّز في رتبةٍ سابقةٍ بالعلم الإجمالي، فلا يتنجّز في
رتبةٍ لاحقةٍ، فالعلم التفصيلي لا ينجّزه، فإذا كان العلم التفصيلي لا ينجّز
الأقل؛ حينئذٍ لا يكون موجباً لانحلال العلم الإجمالي؛ لأنّه إنّما يكون موجباً
لانحلال العلم الإجمالي باعتبار كونه منجّزاً للأقل كعلمٍ تفصيلي، بينما هو لا
ينجّز الأقل؛ لأنّ الأقل تنجّز في رتبةٍ سابقةٍ والمتنجّز لا يتنجّز، فبالتالي لا
يكون موجباً لانحلال العلم الإجمالي. هذا هو الاعتراض الذي ذكره المحقق العراقي(قدّس
سرّه) على الوجه الأوّل، يقول: وبهذا لا يمكن أن نقول أنّ العلم الإجمالي في محل
الكلام ينحل بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل المردّد بين كونه نفسياً أو كونه غيرياً،
فالمانع الأوّل لازال على حاله.
لوحظ على كلام
المحقق العراقي(قدّس سرّه) بأنّ العلم التفصيلي الذي يُراد به حل العلم الإجمالي
في محل الكلام، وإن كان متأخّراً رتبة عن العلم الإجمالي وفي طوله، لكنّه ليس في
طول أثر العلم الإجمالي وتنجيزه، وليس متأخّراً رتبة عنه، هو في طول ذات العلم
الإجمالي، لكن ليس في طول تنجيز العلم الإجمالي لمعلومه، وليس في طول أثر العلم
الإجمالي، بدليل أنّ العلم التفصيلي وتنجيز العلم الإجمالي كلٌ منهما معلولٌ للعلم
الإجمالي، يعني أنّ العلم الإجمالي علّة للعلم التفصيلي، وعلّة للتنجيز، فتنجيز العلم
الإجمالي والعلم التفصيلي كلٌ منهما معلول لعلةٍ واحدةٍ وهي العلم الإجمالي، العلم
الإجمالي يؤثر ويولّد العلم التفصيلي ويؤثر في تنجيز معلومه، فإذا صار العلم
التفصيلي في عرض وفي رتبة تنجيز العلم الإجمالي؛ حينئذٍ نقول: أنّ تنجيز العلم
التفصيلي هل هو متأخّر رتبة عن تنجيز العلم الإجمالي ؟ نقول لا ليس متأخراً عنه،
إلاّ إذا آمنا بقاعدة تقدّمت الإشارة إليها وهي قاعدة تقول أنّ المتأخّر عن أحد
المتساويين في الرتبة متأخّر عن المساوي الآخر، إذا آمنا بهذه القاعدة يكون تنجيز العلم
التفصيلي المتأخّر رتبة عن نفس العلم التفصيلي قهراً يكون متأخراً رتبة عمّا هو في
عرض العلم التفصيلي الذي هو تنجيز العلم الإجمالي، فيكون تنجيز العلم التفصيلي
متأخراً رتبة عن تنجيز العلم الإجمالي، إذا آمنا بهذه القاعدة؛ حينئذٍ يتمّ هذا
الكلام، لكن إذا أنكرنا هذه القاعدة كما تقدّم نقله عن السيد الخوئي(قدّس سرّه)
كان يقول أنّ هذه القاعدة غير ثابتة، هذه القاعدة تختص بالتقدّم والتأخّر الزماني،
المتأخّر عن أحد المتساويين في الزمان متأخّر عن المساوي الآخر في الزمان، لكن في
الرتبة هذا الكلام ليس صحيحاً، والمتأخّر عن أحد المتساويين رتبةً لا يكون
متأخّراً عن الآخر رتبة، وهذا معناه أنّ تنجيز العلم التفصيلي ليس متأخّراً عن
تنجيز العلم الإجمالي؛ بل هما في عرضٍ واحدٍ وليس أحدهما متقدّماً على الآخر رتبة،
فينهار الاعتراض الذي ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه)؛ لأنّ الاعتراض مبني على أن
يكون العلم الإجمالي منجّزاً لمعلومه في الطرفين في رتبة متقدّمة على تنجيز العلم
التفصيلي؛ لأنّه يقول بعد أن نجز العلم الإجمالي معلومه في الطرفين في رتبةٍ سابقةٍ،
فيأتي العلم التفصيلي لا ينجّز شيئاً؛ لأن المتنجّز لا يتنجّز في رتبةٍ لاحقةٍ،
فهو مبني على افتراض أنّ تنجيز العلم التفصيلي متأخّر رتبة عن تنجيز العلم
الإجمالي، أمّا إذا قلنا بأنّه ليس متأخّرا عنه، وإنّما هو في عرضه وفي رتبته، وإن
كان متأخّراً رتبة عن نفس العلم التفصيلي، ولكن ليس معنى ذلك أنّه يكون متأخّراً
رتبة عن تنجيز العلم الإجمالي، فهما في رتبةٍ واحدةٍ وفي عرضٍ واحدٍ ينجّزان معاً؛
حينئذٍ يكون حال العلم التفصيلي في محل الكلام والعلم الإجمالي كحال ايّ علمٍ
تفصيليٍ وعلمٍ إجماليٍ في موارد أخرى.
الاعتراض الثاني: على
الوجه الأوّل هو أن يقال أنّ هذا الانحلال المدّعى في الوجه الأوّل، انحلال العلم
الإجمالي بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل إمّا بوجوبٍ نفسي، أو بوجوب غيري، هذا
الانحلال مرّة يُدّعى على أساس أنّه انحلال حقيقي للعلم الإجمالي وأخرى يُدّعى على
أساس أنّه انحلال حكمي للعلم الإجمالي، إذا كان المقصود هو الانحلال الحقيقي، فنحن
نعرف أنّ من شروط الانحلال الحقيقي أن يتعلّق العلم التفصيلي بأحد طرفي العلم
الإجمالي؛ لأنّ أحد الطرفين يصبح معلوماً بالتفصيل، وأمّا إذا فرضنا أنّ العلم
التفصيلي لم يتعلّق بأحد طرفي العلم الإجمالي كما هو الحال في محل الكلام، حيث
العلم التفصيلي المذكور لم يتعلّق بأحد طرفي العلم الإجمالي؛ لأنّ طرفي العلم
الإجمالي هما وجوب الأكثر بالوجوب النفسي، أو وجوب الأقل بالوجوب النفسي، هذا هو العلم
الإجمالي الذي شكّلناه اساساً، أنا أعلم بأنّه إمّا الأقل واجب أو الأكثر واجب،
وهذا الوجوب هو الوجوب النفسي، ما أعلمه هو أنّه إن كانت السورة جزءاً من الصلاة،
فالأكثر واجب بوجوب نفسي، وإن لم تكن جزءاً من الصلاة فالأقل واجب وجوب نفسي،
فالمعلوم بالإجمال هو الوجوب النفسي لأحد الأمرين، الأقل أو الأكثر. إذن: طرفاه
هما عبارة عن الوجوب النفسي للأقل والوجوب النفسي للأكثر. العلم التفصيلي لم
يتعلّق بأحد هذين الطرفين، لم يتعلّق بالوجوب النفسي للأقل، وإنّما تعلّق العلم
التفصيلي بالوجوب الجامع بين الوجوب النفسي وبين الوجوب الغيري للأقل، ما أعلمه
تفصيلاً هو وجوب الأقل، لكنّه ليس الوجوب النفسي؛ لأنّه ليس لديّ علم تفصيلي بالوجوب
النفسي للأقل، وإنّما لدي علم تفصيلي بالوجوب، اعم من أن يكون نفسياً، أو غيرياً.
هذا العنصر الإضافي الذي دخل وهو الوجوب الغيري معناه أنّ العلم التفصيلي لم
يتعلّق بأحد طرفي العلم الإجمالي، فإذا لم يتعلّق بأحد طرفي العلم الإجمالي؛
فحينئذٍ لا يكون موجباً للانحلال الحقيقي؛ لأنّ شرط الانحلال الحقيقي هو أن يتعلّق
العلم التفصيلي بأحد طرفي العلم الإجمالي، فإذا كان معلومي هو الوجوب النفسي للأقل
وتعلّق به العلم التفصيلي؛ فحينئذ يكون موجباً للانحلال الحقيقي، وإلا فلا، وفي
محل الكلام لم يتعلّق العلم التفصيلي بالوجوب النفسي للأقل، وإنّما تعلّق بالجامع
بين الوجوب النفسي والوجوب الغيري. هذا إذا ادُعي الانحلال الحقيقي في هذا الوجه
الأوّل.
وأمّا إذا ادُعي الانحلال
الحكمي بدعوى
أنّ الأقل منجّز على كل حال سواء كان واجباً بالوجوب النفسي الاستقلالي، أو كان
واجباً بالوجوب النفسي الضمني، على كل حال هو منجّز وداخل في العهدة وهذا معناه عدم
جريان البراءة فيه؛ إذ لا شك في تنجيزه، فتجري البراءة في الطرف الآخر بلا معارض،
وهذا يكون موجباً للانحلال الحكمي. صحيح أنّ العلم الإجمالي لا ينحل حقيقة؛ لأنّ العلم
التفصيلي لم يتعلّق بأحد الطرفين على ما قلنا، لكن هذا العلم الإجمالي يسقط حكماً؛
لأنّ الأقل نعلم تفصيلاً بكونه منجّزاً على كل تقدير، فلا تجري فيه البراءة، فتجري
البراءة في الأكثر بلا معارضٍ، وهذا يعني الانحلال الحكمي للعلم الإجمالي، فيسقط
عن التأثير. إذا ادُعي الانحلال الحكمي بهذا البيان، فجوابه: أنّ الوجوب الغيري لا
يصلح للتنجيز، الوجوب النفسي هو الذي يكون صالحاً للتنجيز، وهذا ما تقدّم في بحث
مقدّمة الواجب، وبناءً على هذا يكون المنجّز هو فقط الوجوب النفسي؛ حينئذٍ يقال: ما
معنى أن يقال في مقام بيان الانحلال الحكمي أنّ الأقل منجز على كل حال وعلى كل
تقدير، والحال أنّ أحد تقديريه هو أن يكون متعلقاً للوجوب الغيري، والوجوب الغيري ليس
صالحاً للتنجيز ؟ فإذن: لا يمكن أن نقول أنّنا نعلم بأنّ الأقل منجّز على كل
تقدير، فيمتنع جريان البراءة فيه، فتجري البراءة في الطرف الآخر بلا معارض؛ لأنّ
الأقل على أحد التقديرين يكون منجّزاً، وهو ما إذا كان وجوبه وجوباً نفسياً، أمّا
على تقدير أن يكون وجوب الأقل وجوباً غيرياً مبنيّاً على افتراض أن الواجب هو
الأكثر فيكون وجوب الأقل وجوباً غيرياً بناءً على هذا الوجه المذكور؛ فحينئذٍ لا
يكون الأقل منجزاً؛ لأنّ الوجوب الغيري لا يصلح لتنجيز متعلّقه.
فإذن:
لا يصح أن يقال أنّ الأقل منجّز على كل تقدير، فلا تجري فيه البراءة، فتجري
البراءة في الطرف الآخر بلا معارض حتّى يتحقق الانحلال الحكمي، ومن هنا يظهر أنّ
الوجه الأوّل لا ينهض لإثبات انحلال العلم الإجمالي حقيقة، كما لا ينهض لإثباته
حكماً.
وأمّا الوجه الثاني الذي
ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) كتفسيرٍ لكلام الشيخ(قدّس سرّه) وأنّ مراده هو
الوجه الثاني لا الوجه الأوّل والذي هو انحلال العلم الإجمالي في المقام بالعلم
التفصيلي بوجوب الأقل إمّا وجوباً نفسياً استقلالياً، أو وجوباً ضمنياً. بعض
الإشكالات المتقدّمة على الوجه الأوّل لا ترد على هذا الوجه؛ لأنّ هذا الوجه لا
يدعي أنّ الأقل واجب بالوجوب الغيري، وإنّما يدّعي أنّ الأقل واجب بالوجوب النفسي،
غاية الأمر أنّه مرّة يكون استقلالياً، ومرّة يكون ضمنياً.
تقريب دعوى الانحلال بهذا
الوجه:
هو أن يقال أنّ معنى هذا الكلام(أننا نعلم تفصيلاً بوجوب الأقل، إمّا بوجوب
استقلالي، أو بوجوبٍ ضمني) أنّ الأقل قطعاً تعلّق به الوجوب النفسي، سواء كان هو
الواجب استقلالاً أو كان الواجب الاستقلالي هو الأكثر، على كلا التقديرين الوجوب
تعلّق باّلأقل، فيكون تعلّق الوجوب النفسي بالأقل معلوماً تفصيلاً، وإنّما الشك في
اتّساع هذا الوجوب وامتداده ليشمل الجزء المشكوك، وإلاّ الأقل قطعاً انبسط عليه
الوجوب النفسي، سواء كان هو الواجب استقلالاً، أو كان الواجب استقلالاً هو الأكثر،
والشك في كونه هو الواجب استقلالاً، أو أنّ الواجب استقلالاً هو الأكثر يعني الشك
في أنّ هذا الوجوب الذي تعلّق بالأقل هل امتدّ إلى الجزء العاشر، أو لم يمتد إليه
؟ هذا هو الشك، وإلاّ، كون الأقل متعلّقاً للوجوب النفسي هذا أمر متيقن ولاشك فيه،
فينحل العلم الإجمالي بهذا العلم التفصيلي بالوجوب النفسي للأقل؛ وحينئذٍ لا يرد
الإشكال السابق من أنّ العلم التفصيلي هنا لم يتعلّق بأحد طرفي العلم الإجمالي حتى
يحله؛ لأنّه في العلم الإجمالي ما نعلمه هو الوجوب النفسي للأقل، يعني أحد الطرفين
هو الوجوب النفسي للأقل، وفي العلم التفصيلي لا أعلم بالوجوب النفسي للأقل، وإنّما
أعلم بوجوب مردد بين الوجوب النفسي وبين الوجوب الغيري في الوجه الأوّل، هذا
الكلام لا يجري هنا؛ لأنّ العلم التفصيلي يتعلّق بالوجوب النفسي للأقل، سواء كان
هو الواجب استقلالاً، أو كان الواجب استقلالاً هو الأكثر، والشك هو في وجوب
الزائد، يعني في امتداد هذا الوجوب النفسي إلى الجزء العاشر أو عدم امتداده، فينحل
العلم الإجمالي بهذا العلم التفصيلي.
هذا التقريب بهذا البيان مرجعه
إلى دعوى الانحلال الحقيقي، كأنّما يدّعي أنّ العلم الإجمالي ينحل بالعلم التفصيلي
بهذا البيان انحلالاً حقيقياً؛ لأنّ العلم التفصيلي تعلّق بأحد طرفي العلم
الإجمالي الذي هو الوجوب النفسي للأقل، هذا علمت به تفصيلاً، فانحل العلم
الإجمالي؛ وحينئذٍ لا يكون هناك ترديد إمّا الوجوب النفسي متعلّق بالأقل، وإمّا
متعلّق بالأكثر، قطعاً هو متعلّق بالأقل وشك في ما زاد عليه، فمرجعه إلى دعوى
الانحلال الحقيقي، ويمكن أن يقرّب الوجه الثاني بما يرجع إلى دعوى الانحلال
الحكمي، بأن يقال: أنّ الأقل منجّز على المكلف وفي عهدته قطعاً من دون فرقٍ بين أن
يكون هو الواجب استقلالاً، أو يكون الواجب استقلالاً هو الأكثر، الأقل داخل في
العهدة ومنجّز على المكلف على كل تقدير بخلاف الأكثر؛ لأنّه لا يُعلَم بكونه
منجّزاً، وبهذا ينحل العلم الإجمالي، لكن انحلالاً حكمياً؛ لأنّ أحد طرفيه وهو
الأقل تنجّز على المكلّف على كل تقدير، قطعاً هذا دخل في العهدة، فلا تجري فيه
البراءة، فتجري البراءة في الطرف الآخر بلا معارض، فينحل انحلالاً حكمياً.