الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ ملاقي
أحد أطراف العلم الإجمالي.
((حكم الملاقى))
أكملنا الكلام عن حكم
الملاقي، الآن
الكلام يقع في حكم الملاقى بعد رجوعه إلى محل الابتلاء؛ لأننا فرضنا أنّ الملاقى
خرج عن محل الابتلاء، ثمّ رجع، الآن نتكلّم عن حكمه بعد فرض رجوعه. صاحب الكفاية(قدّس
سرّه) ذكر أنّه لا يجب الاجتناب عنه بعد رجوعه إلى محل الابتلاء، باعتبار أنّ الأصل
يجري فيه بلا معارض؛ لأنّ ما يعارض الأصل في الملاقى هو الأصل في الطرف الآخر وهو
قد سقط بالمعارضة مع الأصل في الملاقي قبل رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء، حينما
كان الملاقى خارجاً عن محل الابتلاء تعارض الأصلان، الأصل في الملاقي والأصل في
الطرف الآخر، فتساقطا، فإذا رجع الملاقى إلى محل الابتلاء، يجري فيه الأصل بلا معارض؛
لأنّ معارضه هو الأصل في الطرف الآخر وقد سقط قبل رجوعه إلى محل الابتلاء، فلا يجب
الاجتناب عن الملاقى.
هذا الكلام إنّما يتم بناءً
على أن يكون الملاك في الانحلال هو التقدّم الزماني، باعتبار أنّ المفروض أنّ الأصل
في الطرف الآخر سقط في زمان سابق، يعني قبل رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء، فإذا
سقط الأصل في أحد الطرفين في زمانٍ سابقٍ، هذا يوجب سقوط العلم الإجمالي عن
التنجيز، فلا مانع من الرجوع إلى الأصل المؤمّن في الملاقى؛ لأنّ أحد طرفي العلم
الإجمالي الذي يدور بينه وبين الطرف الآخر سقط الأصل فيه في زمان سابق، فيُرجع إلى
الأصل في الملاقى بلا معارض. بناءً على هذا المبنى يكون هذا الكلام تامّاً.
وأمّا بناءً على الانحلال
بملاك التقدم الرتبي، بمعنى أنّ سقوط الأصل في أحد طرفي العلم الإجمالي في مرتبةٍ
سابقةٍ يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز ويوجب انحلاله. هنا قد يقال بعدم
تمامية ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، بمعنى أننا لا يمكن أن نثبت وجوب
الاجتناب عن الملاقى بعد رجوعه إلى محل الابتلاء، وذلك باعتبار أنّ الأصل جرى في
الملاقى قبل دخوله في محل الابتلاء، للنكتة السابقة من أنّه ليس هناك مانع يمنع من
رجوع الأصل وهو خارج عن محل الابتلاء إذا كان يترتب عليه أثر فعلاً، وبينّا أن
الأثر يترتب على جريان الأصل في الملاقى بالرغم من خروجه عن محل الابتلاء. إذن: الأصل
جرى في الملاقى قبل دخوله في محل الابتلاء، وعندما جرى في الملاقى كان معارضاً للأصل
في الطرف الآخر، هذان أصلان تعارضا في الرتبة السابقة، فتساقطا، وبناءً على هذا
يقال: أنّ أصالة الطهارة في الملاقى سقطت وبعد دخول الملاقى في محل الابتلاء لا
يجري فيه الأصل، باعتبار سقوط هذا الأصل في الرتبة السابقة، واصالة الطهارة لا
تعود مرّة أخرى لأنّها سقطت في الرتبة السابقة، وعليه: لا يمكن إجراء الأصل في
الملاقى بعد رجوعه لإثبات عدم وجوب الاجتناب عنه كما يقول صاحب الكفاية(قدّس سرّه).
في مقابل هذا يقال بصحة
قول صاحب الكفاية(قدّس سرّه) وعدم وجوب الاجتناب عن الملاقى بعد رجوعه إلى محل
الابتلاء، وذلك لما أشرنا إليه في الدرس السابق من أنّ أصالة الطهارة وإن كانت
سقطت في الرتبة السابقة بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر، لكنّ أصالة الطهارة
الجارية في الرتبة السابقة، يعني قبل الرجوع إلى محل الابتلاء كانت هي عبارة عن
أصالة الطهارة في الملاقى بلحاظ أثرٍ خاص، بلحاظ إثبات طهارة الملاقي، وأمّا أصالة
الطهارة قبل رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء بلحاظ سائر الآثار كحرمة شربه ووجوب
الاجتناب عنه.... وأمثال ذلك، فهي لم تكن جارية سابقاً حتّى يقال أنّها جرت وسقطت
بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر، والساقط لا يعود، هي لم تكن جارية أصلاً. نعم،
أصالة الطهارة جرت في الملاقى قبل رجوعه إلى محل الابتلاء، لكنّها لم تجرِ بلحاظ
كل الآثار، وإنّما جرت بلحاظ أثرٍ معيّن، فإذا فرضنا أنّ هذه الآثار تجددت بعد
رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء؛ حينئذٍ تجددت هذه الآثار، فأيّ ضيرٍ في أن ترجع أصالة
الطهارة وتجري في الملاقى بلحاظ هذه الآثار كما يقول صاحب الكفاية(قدّس سرّه). بعد
رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء تجري أصالة الطهارة؛ لأنّ أصالة الطهارة سقطت بلحاظ
أثرٍ معيّن، أمّا بلحاظ باقي الآثار فلم تسقط؛ فحينئذٍ يمكن أن تجري في الملاقى
بعد رجوعه إلى محل الابتلاء.
هذا الاحتمال الثاني يتوقف
على مسألة أنّ أصالة الطهارة تنحل بعدد آثار الطهارة التي تثبتها. إذن: أصالة
الطهارة إذا كانت لها آثار متعددة، فهي تنحل بعدد الآثار، يعني أصالة الطهارة تجري
بلحاظ هذا الأثر، وتجري بلحاظ أثرٍ آخر؛ فحينئذٍ يمكن أن تجري أصالة الطهارة بلحاظ
أثر ولا تجري بلحاظ أثرٍ آخر؛ حينئذٍ يجري الكلام السابق الذي يوجّه كلام صاحب
الكفاية(قدّس سرّه)، فيقال أنّ أصالة الطهارة قبل رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء
كانت تجري بلحاظ أثرٍ خاص وهو طهارة الملاقي ولا تجري بلحاظ سائر الآثار؛ لأنّ
الملاقى خارج عن محل الابتلاء، ولا معنى لإجراء أصالة الطهارة في أمرٍ خارجٍ عن
محل الابتلاء لغرض إثبات حرمة شربه، أو وجوب الاجتناب عنه مع كونه خارجاً عن محل
الابتلاء، إجراء أصالة الطهارة فيه بلحاظ تلك الآثار لغو، فتجري بلحاظ أثر ولا
تجري بلحاظ أثرٍ آخر.
الأمر الثاني هو
أنّ عدم جريان أصالة الطهارة بلحاظ بعض الآثار لا يمنع من جريانها إذا تجدد الأمر
واستجدّ شيءٌ بحيث أمكن أن تجري أصالة الطهارة بلحاظ تلك الآثار، في زمان سابق كان
لا يجوز إجراء أصالة الطهارة بلحاظ هذا الأثر، وهذا الأثر هو حرمة شرب الملاقى؛
لأنّ الملاقى خارج عن محل الابتلاء، فلا يجوز إجراء أصالة الطهارة بلحاظ هذا
الأثر، بعد ذلك إذا دخل الملاقى في محل الابتلاء، أيّ ضيرٍ في أن نثبت هذا الأثر
والحكم له ؟ وهو (يحرم شربه)؛ لأنّه حينئذٍ لا يلزم اللّغوية، إجراء أصالة الطهارة
فيه بعد رجوعه إلى محل الابتلاء لغرض إثبات حرمة شربه لا يلزم منه اللّغوية؛ لأنّه
دخل في محل الابتلاء؛ وحينئذٍ يمكن إجراؤها بلحاظ هذا الأثر؛ فحينئذٍ في محل
الكلام يقال: أنّ أصالة الطهارة لم تكن جارية قبل دخوله في محل الابتلاء بلحاظ هذه
الآثار الأخرى، لكن بعد دخوله في محل الابتلاء لا مانع من جريانها بلحاظه، فتجري
في الملاقى ويثبت كلام صاحب الكفاية(قدّس سرّه).
الأمر الثالث:
الذي يتوقف عليه رأي صاحب الكفاية(قدّس سرّه) هو أنّ هذا الرأي يتم بناءً على أنّ
ملاك الانحلال هو التقدّم الزماني للأصل، ولكنه لا يتم بناءً على القول بأنّ
الملاك في الانحلال وفي سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز هو تقدّم الأصل في الرتبة
وسقوط الأصل في الرتبة في مرتبة سابقة. أمّا أنّه لا يتم بناءً على أنّ الملاك هو
التقدم الرتبي، فباعتبار أنّ الأصل في الملاقى بعد دخوله في محل الابتلاء معارض بالأصل
في الطرف الآخر؛ لأنّ الأصل في الطرف الآخر ليس معارضاً مع أصلٍ آخرٍ في رتبةٍ
سابقةٍ على الأصل في الملاقى؛ ولذا لا مانع من تنجيز هذا العلم الإجمالي لكلا
طرفيه الذي هو عبارة عن الملاقى والطرف الآخر.
وبعبارة أكثر وضوحاً:
أنّ العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى أو الطرف الآخر حيث أننا فرضنا في أصل الفرض
أنّ لدينا علم إجمالي بنجاسة أحد شيئين، إمّا الملاقى، أو الطرف الآخر، هذا العلم
الإجمالي بعد دخول الملاقى في محل الابتلاء نقول: هذا ينجّز طرفيه، لماذا يسقط هذا
العلم الإجمالي عن التنجيز ؟ كيف يجوز لنا أن نجري الأصل المؤمّن في الملاقى مع
وجود هذا العلم الإجمالي ؟ وما هو المانع من منجّزية هذا العلم الإجمالي الدائر
بين الملاقى بعد دخوله في محل الابتلاء وبين الطرف الآخر ؟ على الرأي الذي يقول
أنّ الملاك هو التقدّم الرتبي نقول أنّ الأصل في أحد طرفي هذا العلم الإجمالي الذي
هو الطرف الآخر لم يسقط في مرتبةٍ سابقةٍ حتى يكون سقوطه في مرتبة سابقة موجباً
لسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز وانحلاله، وبالتالي جواز الرجوع إلى الأصل
المؤمّن في الملاقى، الأصل في الطرف الآخر لم يسقط في مرتبةٍ سابقةٍ على إجراء
الأصل في الملاقى؛ لأنّ الأصل في الطرف الآخر سقط قبل رجوع الملاقى إلى محل
الابتلاء بالمعارضة مع الأصل في الملاقي، وبعد الرجوع إلى محل الابتلاء لدينا علم
إجمالي بنجاسة إمّا الملاقى، أو الطرف الآخر، وهذا الطرف الآخر لا يمكن أن نطبّق
عليه القانون الذي يؤمن به هذا الرأي ونقول بأنّه يسقط عن التنجيز؛ لأنّ أحد طرفيه
سقط في مرتبةٍ سابقةٍ بالمعارضة، كلا لم يسقط في مرتبة سابقة؛ بل سقط في مرتبةٍ
لاحقة؛ لأنّ الأصل الذي يجري في الملاقي والذي يُعارض بالأصل في الطرف الآخر هو في
رتبة متأخّرة عن الأصل الذي يجري في الملاقى والذي يُعارض بالأصل في الطرف الآخر،
اساساً الأصل في الملاقي متأخّر رتبة عن الأصل في الملاقى، نحن فعلاً عندما يرجع الملاقى
إلى محل الابتلاء يحصل لدينا علم إجمالي مردد بين الملاقى والطرف الآخر، لم يسقط الأصل
في الطرف الآخر في رتبة سابقة، وإنّما سقط في رتبة متأخّرة على جريان الأصل في
الملاقى وليس في رتبة متقدمة على جريان الأصل في الملاقى، وهذا الرأي يقول بأنّ
الذي يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز ويوجب انحلاله هو سقوط الأصل في أحد طرفيه في
رتبة سابقة، وهذا لم يسقط في رتبة سابقة، فيكون العلم الإجمالي منجّزاً لكلا
طرفيه، ولا موجب لرفع اليد عن منجزيته ويمنع من إجراء أصالة الطهارة في الملاقى،
فلا يتم كلام صاحب الكفاية(قدّس سرّه).
وأمّا أنّه يتم كلام
صاحب الكفاية(قدّس سرّه) على الرأي الأوّل الذي هو الانحلال بملاك التقدّم الزماني،
باعتبار أنّ الأصل في الملاقى بعد أن رجع الملاقى إلى محل الابتلاء، الأصل فيه
يجري ــــــــــــ كما ذكرنا لتوجيه كلام صاحب الكفاية(قدّس سرّه) ــــــــــــ
بلحاظ باقي الآثار، والمعارض له هو الأصل في الطرف المشترك، هذا المعارض لجريان الأصل
في الملاقى بلحاظ سائر الآثار، الذي هو الأصل في الطرف المشترك، هذا الأصل لم يسقط
في زمان سابق. نعم، الأصل في الطرف المشترك سقط في زمان سابق بالمعارضة مع جريان الأصل
في الملاقى بلحاظ أثر معيّن، يعني قبل رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء، جرى الأصل
في الملاقى بلحاظ أثر معيّن وعورض بالأصل في الطرف الآخر، فسقطا، لكن الأصل في
الملاقى بعد رجوعه إلى محل الابتلاء بلحاظ سائر الآثار لم يسقط معارضه في زمان
سابق؛ لأنّ ما يعارض جريان الأصل في الملاقى بلحاظ سائر الآثار هو الأصل في الطرف
الآخر، يعارضه بهذا المقدار، وهذا الأصل لم يسقط في زمان سابق؛ فحينئذٍ يجري الأصل
في الملاقى بلحاظ سائر الآثار كما ذكر صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، فيتم على أحد
الرأيين دون الرأي الآخر.
الرأي الآخر لصاحب الكفاية(قدّس
سرّه) يتوقف
على هذه الأمور التي ذكرناها. يتوقف على أن نقول أنّ أصالة الطهارة تتعدد بعدد
آثار الطهارة، ويتوقف على أن نقول أنّ أصالة الطهارة إذا لم تجرِ بلحاظ أثر، ثمّ
تهيأت الظروف والأسباب وتجددت الآثار لا مانع من جريانها وإن لم تجرِ سابقاً، ويتوقف
على أن نقول أنّ الملاك هو التقدّم الزماني. الأمر الأوّل والأمر الثاني من هذه
الأمور الثلاثة لا مانع من الالتزام بكلٍ منهما؛ إذ لا ضير في الالتزام بأنّ أصالة
الطهارة تجري في طرف بلحاظ أثر ولا تجري في طرفٍ آخر بلحاظ أثر آخرٍ؛ لأنّه يلزم
اللّغوية من جريانها بلحاظ تلك الآثار، ولا يلزم اللّغوية من جريانها بلحاظ ذلك
الأثر، فتجري بلحاظ هذا الأثر ولا تجري بلحاظ تلك الآثار، بعد ذلك إذا رجع الملاقى
إلى محل الابتلاء، لا مانع من جريانه؛ حيث تجدد موضوع جديد لأصالة الطهارة، ولا يلزم اللّغوية من جريانها، فتجري حينئذٍ
أصالة الطهارة في الملاقى بعد رجوعه إلى محل الابتلاء ولا يلزم من ذلك اللّغوية.
أمّا بالنسبة للأمر الثالث فيمكن الالتزام بكلا المبنيين لتصحيح كلام صاحب
الكفاية(قدّس سرّه)، يعني نلتزم بالتقدم الزماني وأيضاً نلتزم بالتقدم الرتبي، لا
فقط أن نلتزم بالتقدم الرتبي وحده حتى نقول أنّ رأي صاحب الكفاية(قدّس سرّه) مشكل؛
لأنّه لا يوجد تقدّم في الرتبة السابقة، يعني أنّ التقدم الزماني موجب للانحلال
والتقدّم الرتبي أيضاً موجب للانحلال.
وبعبارةٍ أخرى: أن
نلتزم بأنّه يمكن أن يكون التقدّم الرتبي موجباً للانحلال، فضلاً عن التقدّم
الزماني، كل منهما يكون موجباً للانحلال. ونستطيع أن نقول: يكفي في انحلال العلم
الإجمالي تقدّم الأصل رتبة وإن كان تقدّم الأصل زماناً أيضاً يوجب الانحلال، ولا
منافاة بين الجمع بينهما؛ فحينئذٍ بناءً على هذا يتم ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس
سرّه)؛ لأنّ التقدم الزماني موجود. سقط الأصل في زمان سابق، وهذا يوجب إمكان إجراء
أصالة الطهارة في الملاقى بعد رجوعه إلى محل الابتلاء بلحاظ سائر الآثار، الأصل
الذي سقط في الزمان السابق هو أصالة الطهارة بلحاظ أثر معيّن، أمّا أصالة الطهارة
بلحاظ سائر الآثار فلم تسقط في زمانٍ سابقٍ، فيمكن إجراء أصالة الطهارة في الملاقى
بعد رجوعه بلحاظ سائر الآثار، وهذا لا مانع منه ولا مشكلة فيه بناءً على تمامية
هذه الأمور.
وأمّا بناءً على الوجوه
الأخرى، فهل
يمكن الالتزام بما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) من أنّه لا يجب الاجتناب عن
الملاقى ؟ أو أنّ حالها حال ما إذا التزمنا بالتقدّم الرتبي ؟ كيف أننا قلنا
بأنّه لا يمكن الالتزام بما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) بناءً على التقدّم
الرتبي وحده، وأنّه هو الملاك في الانحلال فقط دون التقدم الزماني. على الوجه
الثالث والوجه الرابع أيضاً نفس النتيجة، يعني لا يتم ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس
سرّه) من عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى بعد رجوعه إلى محل الابتلاء، لماذا ؟ هذا
لابدّ من التأمّل فيه. بالنسبة إلى المبنى الثالث الذي يرى أنّ الانحلال يتحقق
بثبوت علم إجمالي منجّز لطرفيه في مرتبة سابقة، علم إجمالي منجّز لطرفيه في مرتبة
سابقة، ويكون أحد طرفيه الذي تنجز بذلك العلم الإجمالي في المرتبة السابقة طرفاً
في العلم الإجمالي الآخر المتأخّر رتبة، هذا يوجب انحلال العلم الإجمالي المتأخّر
رتبة؛ لأنّ أحد طرفيه تنجّز في رتبةٍ سابقةٍ بعلمٍ إجماليٍ في تلك الرتبة، فينحل العلم
الإجمالي الثاني.
ولكن هذا لا يصحح كلام صاحب
الكفاية(قدّس سرّه)، ولا يتم كلامه بناءً على هذا الرأي؛ باعتبار أنّ
الطرف الآخر قبل رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء تنجّز بعلمٍ إجماليٍ بنجاسة إمّا
الملاقي أو الطرف الآخر، إذن: الطرف الآخر الذي هو طرف للعلم الإجمالي بعد رجوع
الملاقى إلى محل الابتلاء والذي طرفاه الملاقى والطرف الآخر، هذا الطرف الآخر الذي
هو أحد طرفي هذا العلم الإجمالي تنجّز بالعلم الإجمالي المردد بين الملاقي والطرف
الآخر، هذا العلم الإجمالي لا نستطيع أن نقول أنّ الطرف الآخر تنجز في رتبةٍ سابقةٍ،
لم يتنجز في رتبةٍ سابقةٍ؛ لأنّ رتبة هذا العلم الإجمالي الدائر بين الملاقي
والطرف الآخر متأخرة رتبة عن العلم الإجمالي الدائر بين الملاقى وبين الطرف الآخر،
الرأي الثالث يقول هذا العلم الإجمالي الموجود بعد رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء
الدائر بين الملاقى والطرف الآخر إذا كان الطرف الآخر قد تنجز في رتبةٍ سابقةٍ
بعلمٍ إجمالي، هذا يوجب انحلال العلم الإجمالي، في محل كلامنا الطرف الآخر عندما
نريد أن ننجز الملاقى بعد رجوعه إلى محل الابتلاء ينجزه العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى
أو الطرف الآخر، هذا الطرف الآخر لم يتنجز بعلمٍ إجماليٍ سابقٍ في الرتبة على هذا العلم
الإجمالي، وإنّما تنجز بعلمٍ إجماليٍ متأخّرٍ رتبة عنه.
إذن: بناءً
على هذا الكلام العلم الإجمالي بعد رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء لا يسقطعن التنجيز بناءً على هذا الرأي، وإنّما ينجز كلا طرفيه
ويمنع من الرجوع إلى الأصل المؤمّن في الملاقى، فلا يتم كلام صاحب الكفاية(قدّس
سرّه)، وهكذا الحال على المبنى الرابع الذي يقول بالانحلال على أساس ثبوت معلوم
منجز يكون متقدّم رتبة على هذا المعلوم الذي نتكلّم عنه بالعلم الإجمالي. هذا
الميزان، لدينا علم إجمالي بعد رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء، والمعلوم بهذه العلم
الإجمالي هو نجاسة مرددة بين الملاقى وبين الطرف الآخر، هذا العلم الإجمالي ينحل
ويسقط عن التنجيز إذا كان هناك معلوم منجز متقدماً رتبة على المعلوم بهذا العلم
الإجمالي الذي نتكلّم عنه ويكون أحد طرفي ذلك العلم الإجمالي هو الطرف المشترك، في
محل كلامنا لدينا معلومين بعلمين إجماليين، لدينا نجاسة مرددة بين الملاقى وبين الطرف
الآخر، وقبل رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء لدينا نجاسة مرددة بين الملاقي وبين الطرف
الآخر، والطرف الآخر هو الطرف المشترك بين كلٍ من العلمين، وهناك طولية بين
المعلوم بالعلم الإجمالي بعد رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء، وبين المعلوم بالعلم
الإجمالي قبل رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء، لكن هذه الطولية بالعكس، بمعنى أنّ المعلوم
بالعلم الإجمالي قبل رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء متأخّر رتبة عن المعلوم بالعلم
الإجمالي بعد رجوع الملاقى إلى محل الابتلاء، هذا الوجه الرابع يقول: إذا كان
المعلوم متقدماً رتبة على المعلوم بالعلم الإجمالي، ويكون هذا المعلوم المتقدّم
رتبة منجّزاً وينجز كلا طرفيه والذي أحد طرفيه هو الطرف الآخر، أي الإناء المشترك؛
حينئذٍ يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز، لكن بشرط أن يكون هذا المعلوم المتقدّم
متقدماً رتبة ويكون منجّزاً، بينما المعلوم في محل الكلام الذي نجّز طرفيه وكان
أحد طرفيه هو الطرف المشترك ليس متقدّماً رتبة على المعلوم بالعلم الإجمالي الذي
نتكلّم عنه والذي نريد أن نثبت به تنجيز كلا الطرفين وأحد طرفيه هو الملاقى، فلا
يسقط هذا العلم الإجمالي عن التنجيز وينجّز كلا طرفيه، فيجب الاجتناب عن الملاقى
ولا يتم كلام صاحب الكفاية(قدّس سرّه). ومن هنا يظهر أن كلام صاحب الكفاية(قدّس
سرّه) في الملاقي حيث قال يجب الاجتناب عنه وفي الملاقى حيث قال لا يجب الاجتناب
عنه، لا يتم مطلقاً وعلى جميع المباني، وإنّما يتم على بعض الفروض دون بعضٍ آخر.