الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ ملاقي
أحد أطراف العلم الإجمالي.
ذكرنا أنّ صاحب
الكفاية(قدّس سرّه) ذكر بأنّه في بعض الحالات والموارد يمكن افتراض أنّه يجب
الاجتناب عن الملاقى دون الملاقي، وهذا لم يتحقق في الموارد السابقة، حيث في كل
الموارد السابقة كان الملاقى ممّا يجب الاجتناب عنه، أمّا بضميمة الملاقي كما في
بعض الصور، أو بدون الملاقي كما في الصور الأخرى، لكن الملاقى دائماً كان يجب
الاجتناب عنه، هو يريد أن يصوّر حالة ينعكس فيها الأمر بحيث يجب الاجتناب عن الملاقي
دون الملاقى،
[1]
والصور التي ذكرها هي ما إذا فرضنا أنّ المكلّف علم بملاقاة الثوب للماء، ثمّ خرج
الملاقى عن محل الابتلاء، ثمّ علم إجمالاً بنجاسة أحد الأمرين، إمّا الملاقى أو
الطرف الآخر، فالعلم الإجمالي بنجاسة أحد الطرفين يكون متأخّراً عن الملاقاة وعن
خروج الملاقى عن محل الابتلاء، يعني خرج الملاقى عن محل الابتلاء، ثمّ حدث العلم
الإجمالي، يعني عندما حدث العلم الإجمالي كان الملاقى خارجاً عن محل الابتلاء. هنا
ذكر بأنّه تقع المعارضة بين الأصل في الملاقي وبين الأصل في الطرف الآخر، فيجب
الاجتناب عنهما، بعد حدوث العلم الإجمالي ما يعلمه المكلّف هو نجاسة إمّا الملاقي،
أو الطرف الآخر، هذان طرفان تجري الأصول في كلٍ منهما وتتعارض وتتساقط، الأصل في
الملاقي يعارض الأصل في الطرف الآخر، فيسقطان معاً، والنتيجة أنّه يجب الاجتناب عن
الملاقي. أمّا الملاقى، فلا يجري فيه الأصل لخروجه عن محل الابتلاء؛ فحينئذٍ يبقى
عندنا الأصل في الملاقي والأصل في الطرف الآخر يتعارضان ويتساقطان، ويكون هذا العلم
الإجمالي الثاني منجّزاً لكلا الطرفين، فيجب الاجتناب عن الملاقي. أمّا الملاقى،
فلا يجري فيه الأصل لخروجه عن محل الابتلاء. إذا رجع الملاقى إلى محل الابتلاء بعد
ذلك؛ حينئذٍ يقول لا مانع من الرجوع إلى اصالة الطهارة فيه؛ لأنّه بلا معارض،
باعتبار أنّ معارضه هو الأصل في الطرف الآخر، وقد سقط بالمعارضة مع الأصل في
الملاقي، وهذا سقط قبل أن تصل النوبة إلى إجراء الأصل في الملاقى، يعني عندما نجري
الأصل في الملاقى بعد رجوعه إلى محل الابتلاء لا شيء يعارضه؛ لأنّ معارضه هو الأصل
في الطرف الآخر، وقد سقط بالمعارضة في مرتبةٍ سابقةٍ مع الأصل في الملاقي، فيجري الأصل
في الملاقى بلا معارض، والنتيجة هي أنّه يجب الاجتناب عن الملاقي ولا يجب الاجتناب
عن الملاقى، وكأنّ الملاقى هنا يكون كالملاقي في الصورة الأولى بناءً على انحلال العلم
الإجمالي الثاني هناك، حيث أنّهم بنوا في الصورة الأولى على أنّه لا يجب الاجتناب
عن الملاقي؛ لأنّ الشك في نجاسته شك في نجاسة زائدة جديدة، فيجري فيها الأصل
المؤمّن، الملاقى هنا في هذا الفرض يكون حاله حال الملاقي هناك، شك في نجاسة
جديدة؛ وحينئذٍ يمكن أن يجري فيه الأصل المؤمّن ولا يكون له معارض؛ لأنّ معارضه
سقط في مرتبةٍ سابقةٍ بالتعارض مع الأصل الجاري في الملاقي، قبل الرجوع إلى محل
الابتلاء تعارض هذان الأصلان وتساقطا، بعد الرجوع يبقى الأصل في الملاقى بلا
معارض.
الذي يُلاحظ على ما ذكره في هذا المورد هو: أنّ هذا الكلام كأنّه مبني على افتراض
أنّ خروج الطرف عن محل الابتلاء يستلزم عدم جريان الأصل المؤمّن فيه، وهذا صحيح،
لكنّه إنّما يصح إذا لم يكن لجريان الأصل فيه ثمرة عملية تترتّب على جريانه، لكنّ
الكلام في أنّه في هذا الفرض هل جريان الأصل في الملاقى الخارج عن محل الابتلاء،
هل له أثر عملي فعلي، أو لا ؟ كلام صاحب الكفاية(قدّس سرّه) يفترض عدم وجود أثر
يترتب على إجراء الأصل في الطرف الخارج عن محل الابتلاء، بينما الصحيح هو أنّ له
أثر عملي، ويظهر هذا الأثر العملي في إثبات طهارة ملاقيه، أصالة الطهارة الجارية
في الملاقى لها أثر عملي فعلي وهو إثبات طهارة ملاقيه؛ لأنّ الملاقاة حصلت بين
الثوب وهذا الطرف ــــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــ ثمّ بعد ذلك حصل العلم
الإجمالي، وكان الطرف الملاقى خارجاً عن محل الابتلاء، إذا أجرينا الأصل في الملاقى
الخارج عن محل الابتلاء وجرت فيه أصالة الطهارة، هذه أصالة الطهارة فيه لها أثر
عملي فعلي يظهر في الملاقي ويثبت بذلك طهارة الملاقي بناءً على جريان الأصل في
الملاقى وتمامية هذا الأصل. إذن: له أثر عملي لا أنّه ليس له أثر عملي بحيث نقول
أنّ الأصل لا يجري في الملاقى لكونه خارجاً عن محل الابتلاء، فالتعارض يقع بين الأصل
في الملاقي وبين الأصل في الطرف الآخر، فيتساقطان، فإذا رجع الملاقى إلى محل
الابتلاء بعد ذلك تجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض، والنتيجة أنّه لا يجب
الاجتناب عن الملاقى، ويجب الاجتناب عن الملاقي، وهذا هو ما نريد إثباته. هذا كلّه
مبني على افتراض أنّ الأصل في الملاقى غير جارٍ لخروجه عن محل الابتلاء، بينما
الصحيح أنّه لا مانع من جريان الأصل في الطرف الخارج عن محل الابتلاء إذا كان
يترتب على جريان الأصل فيه أثر عملي فعلي، وهذا متحقق في محل الكلام؛ لأنّ الأثر
يظهر في الملاقي له؛ لأنّه يمكن إثبات طهارة الملاقي بإجراء أصالة الطهارة في
الملاقى وإن كان خارجاً عن محل الابتلاء، فإذا جرى الأصل في الملاقى بهذه النكتة
وإن كان خارجاً عن محل الابتلاء؛ حينئذٍ يكون معارضاً بالأصل في الطرف الآخر؛
لأنّه لا يمكن إجراء أصالة الطهارة في كلٍ منهما للعلم الإجمالي بنجاسة أحدهما،
إمّا الملاقى، أو الطرف الآخر، فإجراء أصالة الطهارة في الملاقى ولو لغرض إثبات
طهارة ملاقيه مع إجراء أصالة الطهارة في الطرف الآخر غير ممكن، فيتعارض الأصلان
حينئذٍ ويتساقطان؛ وحينئذٍ يبقى الأصل في الملاقي بلا معارض، فتجري أصالة الطهارة
في الملاقي، فلا يجب الاجتناب عن الملاقي، وهذا عكس ما يريد إثباته، هو كان يريد
إثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي، وعدم وجوب الاجتناب عن الملاقى، الآن ثبت العكس،
أي يجب الاجتناب عن الملاقى، ولا يجب الاجتناب عن الملاقي كما هو الحال في الصورة
الأولى بناءً على مبناهم، كيف أنّهم في الصورة الأولى اختاروا عدم وجوب الاجتناب
عن الملاقي، هنا أيضاً اختاروا ذلك؛ لنفس النكتة ونفس السبب السابق وهو أنّ الأصل
في الملاقى يجري وله معارض، ومعارضه هو الأصل في الطرف الآخر، يتعارضان ويتساقطان،
فتصل النوبة إلى الأصل في الملاقي وليس هناك ما يعارضه، فلا يجب الاجتناب عن
الملاقي، ويجب الاجتناب عن الملاقى عكس ما يريد إثباته، فكل كلامه كان مبنياً على
افتراض أن خروج الطرف عن محل الابتلاء يمنع من إجراء الأصل فيه مطلقاً، وقلنا أنّه
لا يمنع من إجراء الأصل فيه مطلقاً، وإنّما يمنع من إجراء الأصل فيه إذا لم يكن
لجريان الأصل فيه أثر عملي فعلي، وإلاّ يجري فيه الأصل ويعارض الأصل في الطرف
الآخر، ويتساقطان وتصل النوبة إلى الأصل في الملاقي، فيجري فيه بلا معارض. هذا
بناءً على مبانٍ متعددة سابقة، الوجوه التي تقدمت كانت اربعة لإثبات انحلال العلم
الإجمالي الثاني وسقوطه عن التنجيز بحيث يُنتهى إلى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي
في أصل المسألة. عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، أو قل: انحلال العلم الإجمالي
الثاني وسقوطه عن التنجيز له وجوه متعددة تقدّمت سابقاً، وهذا الذي قلناه هنا في
مقام مناقشة صاحب الكفاية(قدّس سرّه) مبني على أحد المسالك المتقدّمة، وهو المسلك
الذي يؤمن بانحلال العلم الإجمالي الثاني في أصل المسألة، على اساس تعارض الأصل في
الطرف الآخر مع الأصل في الملاقى في رتبةٍ سابقةٍ، التقدّم الرتبي هو الملاك في
الانحلال، الأصل في الطرف الآخر يعارض الأصل في الملاقى في رتبةٍ سابقةٍ؛ فحينئذٍ الأصل
في الملاقي المتأخّر جريانه بحسب الرتبة عن جريان الأصل في الملاقى ومعارضته بالأصل
في الطرف الآخر؛ حينئذٍ تصل النوبة إليه، فيجري بلا معارضٍ؛ لأنّ معارض الأصل في
الملاقي بحسب العلم الإجمالي الثاني هو الأصل في الطرف الآخر، والأصل في الطرف
الآخر قد سقط في رتبةٍ سابقةٍ، فتصل النوبة إلى الأصل في الملاقي بلا معارض.
هذا الكلام الذي ذكرناه مبني
على هذا المبنى، فنقول: أنّ الأصل في الملاقى على فرض صاحب الكفاية(قدّس سرّه)
يجري؛ لأنّه يترتب على جريانه فيه أثر عملي يظهر في الملاقي وإن كان الملاقى
خارجاً عن محل الابتلاء، فيجري فيه الأصل، وإذا جرى فيه الأصل يُعارض هذا الأصل في
الملاقى بالأصل في الطرف الآخر في رتبةٍ سابقةٍ على جريان الأصل في الملاقي بلا
مشكلة؛ لأنّ العلم الإجمالي الثاني ينحل إذا سقط الأصل في أحد أطرافه في مرتبةٍ
سابقة. هذا هو المبنى الذي يعتمد عليه هذا الكلام، كل علم إجمالي إذا كان الأصل في
أحد أطرافه ساقطاً في مرتبة سابقة، الأصل يجري في الطرف الآخر بلا معارض. في محل
الكلام العلم الإجمالي الثاني الأصل في أحد أطرافه وهو الطرف الآخر الذي هو الطرف
المشترك سقط في مرتبة سابقة بالمعارضة مع الأصل في الملاقى؛ لأنّ الأصل في الملاقى
يجري؛ وحينئذٍ يجري الأصل في الملاقي بلا معارض، فيكون الجواب عن ما ذكره صاحب
الكفاية(قدّس سرّه) مبني على هذا المبنى، أنّ الملاك في انحلال العلم الإجمالي
وسقوطه عن المنجزية هو سقوط الأصل في أحد أطرافه في مرتبة سابقة، ولا دخل للتقدّم
الزمان والتأخّر الزماني، وإنّما المهم هو التقدّم الرتبي، أن يكون الأصل في أحد
أطرافه قد سقط في رتبةٍ سابقة قد سقط في رتبةٍ سابقةٍ، وهذا متحقق في محل الكلام؛
فحينئذٍ ينحل العلم الإجمالي الثاني ولا مانع من إجراء أصالة الطهارة في الملاقي،
ونصل إلى نتيجةٍ معاكسةٍ لما أراد صاحب الكفاية(قدّس سرّه) إثباته.
وأمّا بناءً على المسالك
الأخرى
المتقدّمة لإثبات الانحلال في أصل المسألة فقد تكون النتيجة مختلفة، مثلاً: أحد
الوجوه المتقدّمة هو إثبات انحلال العلم الإجمالي الثاني على أساس تعارض الأصل في
أحد أطرافه في زمان سابق، وسقوط هذا الأصل بالمعارضة مع الأصل في طرف آخر في زمانٍ
سابقٍ؛ وحينئذٍ هذا يكفي في إثبات انحلال العلم الإجمالي الثاني، وكأنّ الملاك في
انحلال العلم الإجمالي الثاني هو أن يكون أحد أطرافه قد سقط الأصل فيه في زمان
سابق، والفرق بينه وبين الأوّل هو أنّ الأوّل كان يركّز على مسألة التقدّم الرتبي،
في حين يركّز هذا على مسألة التقدّم الزماني، فأحد أطراف العلم الإجمالي الثاني هو
الطرف المشترك، والأصل في الطرف المشترك قد سقط في زمان سابق بالمعارضة مع الأصل
في الملاقى، وهذا يوجب سقوط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز وانحلاله حكماً،
وبالتالي يجري الأصل المؤمّن في الملاقي بلا معارض.
إذا أخذنا بهذا المبنى في
محل الكلام، فالظاهر أنّه لا يمكن إثبات عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في الفرض
الذي فرضه صاحب الكفاية(قدّس سرّه)؛ بل يجب الاجتناب عن الملاقي؛ لأنّ الأصل في
الطرف الآخر ليس له معارض في زمان سابق، قبل زمان حدوث العلم الإجمالي الأصل في
الطرف الآخر ليس له معارض؛ لأنّ المعارض له هو الأصل في الملاقى، والمفروض أنّ
الملاقى خارج عن محل الابتلاء، ففي زمان سابق هو لم يكن مبتلىً بالمعارض، وإنّما
ابتلى بالمعارض الآن وهو الأصل في الملاقي، وقبل هذا الأصل في الطرف الآخر في زمان
سابق لم يكن معارض؛ لأنّ معارضه هو الأصل في الملاقى، والمفروض أنّ الملاقى خارج
عن محل الابتلاء ولا يجري فيه الأصل، فالأصل في الطرف الآخر حينئذٍ لم يكن معارض
في زمان سابق، ولم يكن هناك ما يسقطه في زمان سابق، الذي يوجب انحلال العلم
الإجمالي الثاني هو أن يكون الأصل في أحد طرفيه قد سقط في زمان سابق، والأصل في
هذا الطرف المشترك لم يبتلِ بالمعارض قبل الآن، وإنّما يبتلى بالمعارض الآن. إذن:
يمكن أن نقول: في الآن الأصل في الطرف المشترك معارض بالأصل في الملاقي،
فيتعارضان، فيتساقطان ويتنجّز كل منهما، فيجب الاجتناب عن الملاقي، بينما هذا لم
يكن ثابتاً بناءً على المبنى الأوّل الذي تقدّم الحديث عنه.
نفس الكلام يقال في
ما إذا أخذنا بالمبنى الآخر من المباني المتقدّمة، مثلاً: المبنى الذي يرى أن
الانحلال قائم على أساس ثبوت علم إجمالي منجّز في مرتبة سابقة للطرف الآخر. إذا
كان أحد أطراف العلم الإجمالي قد تنجّز بعلم إجمالي آخر في مرتبة سابقةٍ، هذا العلم
الإجمالي الثاني يسقط عن التنجيز وينحل حكماً، فيجري الأصل في الطرف الآخر بلا
معارض. والعلم الإجمالي الذي نجّز أحد طرفي العلم الإجمالي الثاني هو العلم
الإجمالي الأوّل، الطرف المشترك هو طرف في العلم الإجمالي الأوّل وفي رتبة سابقة تنجّز
الطرف المشترك بالعلم الإجمالي الأوّل؛ حينئذٍ يقال أنّ تنجيز أحد طرفي العلم
الإجمالي الثاني في رتبةٍ سابقةٍ بعلمٍ إجماليٍ آخر يوجب انحلال العلم الإجمالي
وسقوطه عن التنجيز، فيجري الأصل في الملاقي بلا معارض، هذا كان أحد المباني لإثبات
عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في أصل المسألة، إذا أخذنا بهذا المبنى في محل
الكلام؛ حينئذٍ نستطيع أن نقول: لا يوجد علم إجمالي منجّز للطرف الآخر الذي هو طرف
مشترك في كلٍ من العلمين في الرتبة السابقة؛ لأنّ المفروض خروج الملاقى الذي هو
طرف في العلم الإجمالي الأوّل عن محل الابتلاء، وبعد خروجه عن محل الابتلاء؛
حينئذٍ هذا العلم الإجمالي لا ينجّز كلا طرفيه، يسقط عن التنجيز لخروج أحد طرفيه
عن محل الابتلاء بناءً على ما ذكروه من أنّ أحد موجبات سقوط العلم الإجمالي عن
التنجيز هو خروج بعض أطرافه عن محل الابتلاء، والمفروض أنّ أحد طرفي العلم
الإجمالي الأوّل قد خرج عن محل الابتلاء. إذن: هذا العلم الإجمالي الأوّل لا ينجّز
الطرف الآخر، فعندما يقع هذا الطرف الآخر طرفاً لعلم إجمالي ثانٍ، هذا العلم
الإجمالي الثاني يكون سليماً ومنجّزاً لكلا طرفيه ومانعاً من إجراء الأصل في كلا
طرفيه، فيجب الاجتناب عن الملاقي، كما يجب الاجتناب عن الطرف الآخر؛ لأنّ الوجه
الذي التزموا على أساسه بسقوط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز في أصل المسألة
غير جارٍ في محل الكلام، الوجه يقول أنّ أحد الطرفين تنجّز بعلمٍ إجمالي سابق وإذا
تنجّز بعلم إجمالي سابق يسقط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز. وهذا غير متحقق في
محل الكلام؛ لأنّ الطرف المشترك للعلم الإجمالي الثاني لم يكن مسبوقاً في الرتبة
السابقة بمنجّزٍ ينجّزه؛ لأنّه في الرتبة السابقة الطرف الآخر خارج عن محل
الابتلاء، وإذا كان خارجاً عن محل الابتلاء، هذا يوجب سقوط العلم الإجمالي الأوّل
عن التنجيز، فلا ينجّز الطرف المشترك، فإذا كان الطرف المشترك غير منجّز في الرتبة
السابقة، إذن: لا مانع من أن يكون العلم الإجمالي الثاني منجّزاً لكلا طرفيه
ومانعاً من إجراء الأصل فيهما، فيجب الاجتناب عن الملاقي أيضاً.
بناءً على الوجه الرابع
والأخير الذي
تقدّم ذكره، والذي يقول به المحقق النائيني(قدّس سرّه) والذي هو أنّ الانحلال قائم
على اساس ثبوت معلوم منجّز في الرتبة السابقة؛ لأنّه لديه الميزان في المعلوم لا
في نفس العلم، ليس تقدّم العلم في الرتبة، وإنّما المهم أن يكون المعلوم متقدّماً
على المعلوم بالعلم الإجمالي الآخر في الرتبة، كلّما كان هناك علمان إجماليان،
المعلوم بأحدهما متقدّم رتبة على المعلوم بالعلم الإجمالي الآخر انحل العلم
الإجمالي الآخر وسقط عن التنجيز، هذا المعلوم بالعلم الإجمالي الأوّل في أصل
المسألة نطبّق هذا الكلام عليه، المعلوم بالعلم الإجمالي الأوّل هو نجاسة أحد
الطرفين، إمّا الملاقى، أو الطرف الآخر، هذا المعلوم متقدّم رتبة على المعلوم بالعلم
الإجمالي الثاني الذي هو نجاسة أحد الطرفين، إمّا الملاقي، أو الطرف الآخر؛ لأنّ
هذه النجاسة هي في مرتبة متأخّرة عن النجاسة المعلومة المرددة بين الملاقى وبين
الطرف الآخر، فإذن: هي متأخّرة رتبة عن المعلوم بالعلم الإجمالي الأوّل، ويُطبّق
عليه هذا الميزان، إذا تقدّم المعلوم بأحد العلمين الإجماليين في الرتبة على
المعلوم بالعلم الإجمالي الآخر يسقط العلم الإجمالي الآخر عن التنجيز؛ ولذا قال: العلم
الإجمالي الآخر يسقط عن التنجيز؛ لأنّ معلومه متأخّر رتبةً عن المعلوم بالعلم
الإجمالي الأول. هذا المبنى للانحلال في أصل المسألة إذا أردنا تطبيقه في محل
الكلام؛ حينئذٍ نقول بأنّه في محل الكلام لا يوجد هنا معلوم منجّز في الرتبة
السابقة بحيث يمنع من تأثير العلم الإجمالي الثاني، النجاسة المعلومة الدائرة بين
الملاقى وبين الطرف الآخر هي نجاسة معلومة بالعلم الإجمالي الأوّل، لكنّها غير
منجّزة؛ لخروج أحد الأطراف عن محل الابتلاء، فإذن: النجاسة المعلومة بالعلم
الإجمالي الأوّل موجودة، وهي على تقديرها تكون متقدّمة رتبة على النجاسة المعلومة
بالعلم الإجمالي الثاني، لكن هذه النجاسة لمّا لم تكن منجّزة؛ حينئذٍ لا ينطبق
عليها ذلك البيان؛ لأنّه يشترط في الانحلال أن تكون النجاسة المتقدّمة رتبة، أو المعلوم
بالعلم الإجمالي المتقدّم رتبةً أن يكون معلوماً منجّزاً، و المعلوم بالعلم الإجمالي
الثاني في محل الكلام ليس منجّزاً، أنا أعلم بنجاسة مرددة بين الملاقى وبين الطرف
الآخر، لكن هذه النجاسة ليست منجّزة، وهذا لا يوجب انحلال العلم الإجمالي الثاني
وسقوطه عن التنجيز، فيبقى العلم الإجمالي الثاني على حاله، ويكون منجّزاً لكلا
طرفيه ومانعاً من إجراء الأصل في الملاقي، فبالتالي يجب الاجتناب عن الملاقي
باعتبار العلم الإجمالي الثاني الباقي والغير المنحل بحسب الفرض. ومن هنا يظهر
أنّه على كل المباني السابقة لابدّ أن يُلتزم بوجوب الاجتناب عن الملاقي إلاّ على
أحد المباني المتقدّمة وهو المبنى الذي يقول أنّ الأصل إذا كان ساقطاً في رتبة
سابقة؛ حينئذٍ لا يمكن إجراء الأصل في الطرف الآخر، على هذا المبنى يمكن أن نقول
بأنّ الأصل يسقط بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر، فتصل النوبة في الرتبة
المتأخّرة إلى الأصل في الملاقي. هذا كلّه في بيان ما هو حكم الملاقي، وتبيّن أن
حكم الملاقي يختلف باختلاف الوجوه المتقدّمة الموجبة للانحلال في أصل المسألة.