الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

36/05/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ ملاقي أحد أطراف العلم الإجمالي.
إلى هنا ينتهي الكلام عن الصورة التي تكلّمنا عنها، وتبيّن من خلال البحوث السابقة أنّ تنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي بالعلم الإجمالي الأوّل المعروف والمشهور بينهم هو أنّه لا يثبت، بمعنى أنّ العلم الإجمالي الأوّل بين الإناءين لا ينجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي إلاّ على احتمالٍ تقدّم وهو أن نفترض أنّ نجاسة الملاقي هي من باب السراية والتبعية بالمعنى المتقدّم سابقاً، بناءً على هذا الاحتمال الغير المقبول من المشهور وغير المعروف بينهم، يمكن إثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي الأوّل على ما تقدّم سابقاً. نعم، بناءً على السببية، بمعنى أنّ نجاسة الملاقي لنجاسة أخرى غير نجاسة الملاقى، وإن كانت مسببّة عنها وناشئة منها، لكنّها نجاسة جديدة وأخرى يحتاج إثباتها إلى دليل ولا يكفي في إثباتها مجرّد نجاسة الملاقى. فالصحيح ما ذهبوا إليه من عدم تنجيز العلم الإجمالي الأوّل لوجوب الاجتناب عن الملاقي.
وأمّا بلحاظ العلم الإجمالي الثاني في حالة ما إذا كانت الملاقاة والعلم بالملاقاة متأخّرة عن العلم الإجمالي المفروض في محل الكلام. هذه هي الصورة التي تكلّمنا عنها، وهي أن تكون الملاقاة والعلم بالملاقاة متأخّرة عن العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين، هل يمكن تنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي بالعلم الإجمالي الثاني الحاصل بعد الملاقاة والعلم بالملاقاة، بأنّ المكلّف يعلم بنجاسة إمّا الملاقي بعد الملاقاة، وإمّا الطرف الآخر، هل يمكن ذلك، أو لا يمكن ؟ المعروف بين الجماعة والمشهور هو أيضاً أنّ العلم الإجمالي الثاني لا ينجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي، ولهم مبانٍ ومسالك لإثبات عدم التنجيز وانحلال العلم الإجمالي الثاني وعدم تنجيزه لوجوب الاجتناب عن الملاقي.
المسلك الأوّل: المبنى الذي نقلناه عن السيد الخوئي(قدّس سرّه) الذي يركّز على مسألة التقدّم الزماني ويقول أنّ الأصل في الملاقي ليس له معارض؛ لأنّ معارضه هو الأصل في الطرف الآخر، وهذا الأصل قد سقط في زمانٍ سابقٍ ــــــــــ فيفترض التقدّم والتأخّر الزماني ـــــــــ بالمعارضة مع الأصل في الملاقى؛ وحينئذٍ لا يعود الأصل الساقط، فيجري الأصل في الملاقي بلا معارض، وبذلك ينحلّ العلم الإجمالي، ويسقط عن التنجيز.
المسلك الثاني: الذي يركّز على مسألة الطولية لا على مسألة التقدّم والتأخّر في الزمان، وإنّما التقدّم والتأخّر الرتبي، ويقول بأنّ الأصل في الملاقي ليس له معارض في رتبته، قد يكون في الزمان له معارض معاصر له زماناً، لكنّه ليس معاصراً له في الرتبة، وهذا الشيء موجود في كل حالات هذه الصورة التي نتكلّم عنها، دائماً العلم الإجمالي الثاني متأخّر رتبة عن العلم الإجمالي الأوّل، دائماً نجاسة الملاقي متأخّرة رتبة عن نجاسة الملاقى على تقدير نجاسته، فالتأخّر الرتبي دائماً موجود، بينما الرأي الأوّل كان يفترض في محل الكلام التقدّم والتأخّر الزماني، وافترض الانحلال وعدم التنجيز على هذا الأساس. المسلك الثاني يقول في كل الحالات هناك تقدّم وتأخّر رتبي، وهذا التقدم والتأخّر الرتبي يجعل الأصل في الملاقي غير داخل في المعارضة؛ لأنّ الأصل في الطرف الآخر وفي الرتبة السابقة تعارض مع الأصل في الملاقى وهذه المعارضة مستحكمة وأوجبت تساقط الأصلين، والأصل في الملاقي لا يدخل طرفاً في المعارضة، وإنّما الأصل في الملاقي في رتبته ليس له معارض، فيجري الأصل في الملاقي بلا معارض، وهذا يوجب انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن التنجيز. واضح أنّ هذين المسلكين مبنيان على القول بمسلك الاقتضاء، بحيث يكفي في سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز وانحلاله جريان الأصل في أحد الطرفين بلا معارض.
المسلك الثالث المتقدّم: دعوى انحلال العلم الإجمالي الثاني على اساس أنّ معلومه متأخّر عن المعلوم بالعلم الإجماليالأوّل. صاحب هذا المسلك يرى أنّ الميزان في تأثير العلم وعدم تأثيره في تنجيز العلم وعدم تنجيزه هو سبق المعلوم وتأخّره لا سبق العلم وتأخّره، فليس المهم أن يكون العلم الثاني الذي يدّعى انحلاله متأخّراً زماناً عن العلم الأوّل؛ بل حتى لو كان العلم الثاني متقدّماً زماناً على العلم الأوّل، ما دام معلومه متقدّماً زماناً على المعلوم بالعلم الإجمالي الأوّل، مع ذلك يكون العلم المتأخّر حالّاً للعلم المتقدّم؛ لأنّ العلم وإن كان متأخّراً زماناً، لكنّ معلومه متقدّم زمانه على المعلوم بالعلم الإجمالي الآخر ويكون هذا موجباً لانحلاله، فالعلم الإجمالي الثاني إذا كان معلومه متأخّراً زماناً عن المعلوم بالعلم الإجماليالأوّل؛ حينئذٍ هذا يكون موجباً لانحلاله؛ باعتبار أنّ المعلوم المتقدّم زماناً إذا تنجّز؛ حينئذٍ العلم الذي يكون معلومه متأخّراً لا يكون منجّزاً على كل تقدير، وإنّما يكون منجّزاً على تقديرٍ دون تقديرٍ آخر، وهذا يوجب سقوطه عن التنجيز.
المسلك الرابع: هو دعوى الانحلال على اساس أنّ العلم الإجمالي الثاني متأخّر عن العلم الإجماليالأوّل في الرتبة، فلا يكون منجزاً؛ لأنّ أحد طرفيه تنجّز في المرتبة السابقة والمتنجّز لا يتنجّز، وهذا الطرف تنجّز في الرتبة السابقة، فلا يكون العلم الإجمالي الثاني موجباً لتنجيزه، وهذا يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز وانحلاله. هذه هي الوجوه المتقدّمة لإثبات أنّ العلم الإجمالي الثاني منحل وليس منجزاً. وتبين أنّ هذه الوجوه  ليست ناهضة لإثبات المنع عن منجّزية العلم الإجمالي الثاني، وقلنا في البداية أنّ القاعدة تقتضي تنجيز هذا العلم الإجمالي الثاني، باعتبار أنّ الملاقي طرف فيه، وليس طرفاً في العلم الإجماليالأوّل، فيقع الكلام في أنّ العلم الإجماليالأوّل ينجّز الملاقي، أو لا ينجّزه، لكن العلم الإجمالي الثاني وقع طرفاً فيه فالقاعدة تقتضي أن يكون منجّزاً له، وتبيّن أنّه ليس هناك ما يمنع من التنجيز، فلابدّ أن يكون العلم الإجمالي الثاني منجّزاً لوجوب الاجتناب عن الملاقي، إن لم نقل أنّ العلم الإجماليالأوّل أيضاً ينجز وجوب الاجتناب عن الملاقي. هذا كلّه في الصورة التي تكلّمنا عنها وهي ما إذا كان العلم الإجمالي بنجاسة أجد الإناءين متقدّماً على زمان الملاقاة والعلم بالملاقاة، هذا ما وقع الكلام فيه، وتبيّن أنّ الصحيح خلافاً لما هو المعروف وجوب الاجتناب عن الملاقي.
الصورة الأخرى التي يقع الكلام فيها: هي ما إذا كان العلم الإجمالي متأخّراً زماناً عن الملاقاة وعن العلم بالملاقاة، عكس الصورة الأولى، كما إذا فرضنا أنّ الثوب لاقى هذا الإناء، وعلم المكلّف بهذه الملاقاة، ثمّ بعد ذلك علم إجمالاً بنجاسة إمّا الإناء الذي لاقاه الثوب، أو الماء الموجود في الإناء الآخر، العلم الإجمالي هو كعلمٍ إجمالي يكون متأخّراً عن زمان الملاقاة وزمان العلم بها. ذكروا لهذه الصورة حالتين يجمعها مقسم هو أنّ العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين متأخّر عن الملاقاة وعن العلم بالملاقاة:
الحالة الأولى: أن يكون زمان المعلوم بالإجمال متّحداً مع زمان الملاقاة، يعني زمان النجاسة المعلومة بالإجمال متّحد مع زمان الملاقاة من قبيل ما إذا كان الثوب من البداية موجود في هذا الماء، ثمّ علمنا بنجاسة أحد شيئين، إمّا الماء الموجود فيه الثوب، وإمّا الماء الموجود في الإناء الآخر، هنا زمان النجاسة المعلومة بالإجمال هو نفس زمان الملاقاة، يعني ما أعلمه بالإجمال هو نجاسة إمّا هذا الماء، أو الإناء الآخر، الملاقاة كانت حاصلة في نفس الزمان، الملاقاة والنجاسة المعلومة بالإجمال زمانهما متّحد، وإن كان العلم بالنجاسة المردّدة بين الإناءين متأخّراً عن زمان الملاقاة وزمان العلم بها، العلم متأخّر، لكن المعلوم بهذا العلم متّحد مع زمان الملاقاة.
الحالة الثانية: أن يكون زمان المعلوم بالإجمال سابقاً على زمان الملاقاة، العلم الإجمالي بالنجاسة متأخّر عن الملاقاة وعن العلم بالملاقاة، لكن المعلوم بهذا العلم الإجمالي متقدم على الملاقاة كما إذا فرضنا أنّه علم يوم السبت بنجاسة أحد الماءين في الإناءين يوم الخميس، يعني العلم حصل يوم السبت، لكن المعلوم هو النجاسة يوم الخميس، ثمّ لاقى الثوب أحد الماءين يوم الجمعة، فيكون العلم الإجمالي حاصلاً يوم السبت، الملاقاة حصلت يوم الجمعة، فنحافظ على المقسم بهذه الصورة، العلم الإجمالي بنجاسة أحد الماءين متأخّر عن زمان الملاقاة؛ لأنّ الملاقاة حصلت يوم الجمعة، لكن المعلوم بهذا العلم الإجمالي المتأخّر متقدّم حتّى على الملاقاة؛ لأنّ ما يعلمه هو نجاسة أحد الإناءين يوم الخميس، فيكون متقدّماً على زمان الملاقاة.
وقع الكلام في هاتين الحالتين، بالنسبة إلى الحالة الأولى، وهي ما إذا كان زمان المعلوم بالإجمال متّحداً مع زمان الملاقاة، ومثاله الواضح هو إناء أنغمس فيه ثوب، أنا علمت إجمالاً بنجاسة أحد الشيئين: إمّا هذا الماء، وإمّا هذا الثوب في ذاك التاريخ، فيكون زمان النجاسة المعلومة، قد تكون النجاسة حاصلة قبل ذلك، لكنّها ليست معلومة، زمان النجاسة المعلومة متّحد مع زمان الملاقاة، في هذه الحالة هناك أكثر من رأي:
الرأي الأوّل: يحاول أن يستفيد من الطولية بين الأصل في الملاقي والأصل في الملاقى، باعتبار أنّ الشك في نجاسة الملاقي ناشئ من الشك في نجاسة الملاقى. إذن: هناك طولية وتقدّم وتأخّر رتبي بينهما، وهذه الطولية تحتّم أن نقول بأنّ الأصل السببي يكون حاكماً على الأصل المسببي، ولا تصل النوبة إلى الأصل المسببي إلاّ بعد سقوط الأصل السببي الذي هو الأصل في الملاقى، والأصل المسببي هو الأصل في الملاقي، ولمّا كان ذاك حاكماً، وهذا في طول ذاك، فالنوبة لا تصل إلى الأصل المسببي إلاّ إذا سقط الأصل السببي الحاكم الذي هو الأصل في الملاقى، ويسقط الأصل في الملاقى بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر، فإذا تعارضا وتساقطا؛ حينئذٍ تصل النوبة إلى الأصل المسببي، أي الأصل في الملاقي، وهو أصل ليس له معارض، فيجري، وهذا يؤدي إلى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، وبذلك ينحل العلم الإجمالي.
الرأي الثاني: أنّ الطولية بين الأصلين لا تنفع. صحيح أنّ الأصل في الملاقي في رتبة متأخّرة عن الأصل في الملاقى، لكن هذه الطولية لا تنفع بعد فرض اتحاد زمان المعلوم بالإجمال وزمان الملاقاة، باعتبار أنّ هنا يوجد عندنا علمان متعاصران زماناً، أحدهما العلم بنجاسة هذا الإناء، أو ذاك الإناء، والآخر العلم بنجاسة الملاقي أو ذاك الإناء، هذان علمان متعاصران زماناً ولا يوجد بينهما تقدّم وتأخّر في الزمان؛ وحينئذٍ يكون كل منهما منجّزاً، يشتركان في التنجيز ويكون هذا نظير ما إذا علمنا إجمالاً بنجاسة الماء الموجود في الإناء الكبير، أو الماء الموجود في الإناءين الصغيرين؛ إذ لا إشكال في أنّ هذا العلم الإجمالي ينجّز جميع الأطراف الثلاثة، ينجّز الماء في الإناء الكبير، والماءين في الإناءين الصغيرين، وما نحن فيه من هذا القبيل، هنا أيضاً نعلم إجمالاً بأنّ النجاسة موجودة، إمّا في الملاقي، أو في الملاقى، أو في الطرف الآخر، إمّا في الثوب، أو في الماء الذي لاقاه الثوب، أو في الطرف الآخر؛ فحينئذٍ لابدّ من الاجتناب عن الأطراف الثلاثة وهذا العلم الإجمالي يكون منجّزاً للثوب في محل الكلام.
نعم، يقول: هناك فرق بين محل الكلام وبين مثال الإناءين الصغيرين والإناء الكبير، والفرق هو أنّ نجاسة الثوب في محل كلامنا مسببّة عن نجاسة الملاقى، بينما نجاسة الإناء الصغير الثاني ليست مسببّة عن نجاسة الإناء الصغير الأوّل، ولا توجد علاقة سببية ومسببية بينهما، لكن هذا ليس فارقاً مهمّاً ولا يؤثر على النتيجة؛ إذ بالنتيجة نحن نعلم إجمالاً بنجاسة إمّا الملاقى والملاقي، وإمّا نجاسة الطرف الآخر، كما نعلم في المثال بنجاسة إمّا الإناء الكبير، وإمّا الإناءين الصغيرين، الإناءان الصغيران بمثابة الملاقي والملاقى، فكما هناك نعلم بنجاسة إمّا الإناءين الصغيرين أو الإناء الكبير، هنا أيضاً نعلم بنجاسة إمّا الملاقي والملاقى وإمّا الطرف الآخر، فتتنجّز كل الأطراف ويكون هذا موجباً لوجوب الاجتناب عن الملاقي.
الرأي الثالث: هذا الرأي أصلاً ينكر الطولية بين الأصل في الملاقي والأصل في الطرف الآخر، يقول لا توجد طولية بينهما، الرأي الثاني كان يعترف بالطولية، لكنّه كان يقول بأنّ الطولية لا تنفع مادام هناك تعاصر زماني بين العلمين، لكن الرأي الثالث ينكر الطولية اساساً بين الأصل في الملاقي والأصل في الطرف الأخر، ويقول لا طولية بينهما حتّى نقول كما في الرأي الأوّل بأنّ الطولية بينهما تمنع من وصول النوبة إلى الأصل في الملاقي إلاّ بعد سقوط الأصل في الطرف الآخر، وإذا سقط الأصل في الطرف الآخر يجري الأصل في الملاقي بلا معارض، هذه الطولية ممنوعة؛ لأنّها مبنية على فكرة أنّ الأصل في الملاقي في طول الأصل في الملاقى، والأصل في الملاقى في رتبة الأصل في الطرف الآخر، والمتأخّر عن أحد المتساويين رتبةً متأخّر عن الآخر، فتكون هناك طولية بين الملاقي وبين الطرف الآخر، إذا كانت هناك طولية؛ حينئذٍ يجري الكلام السابق بأنّ النوبة لا تصل إلى الأصل في الملاقي إلاّ بعد سقوط ذلك الأصل، فإذا سقط ووصلت النوبة إلى الأصل في الملاقي، فلا معارض له. الرأي الثالث ينكر أصل الطولية، وينكر المبدأ القائل بأنّ المتأخّر عن أحد المتساويين متأخّر عن الآخر، وهذا معناه أنّ الأصل في الملاقي والأصل في الطرف الآخر في رتبةٍ واحدة وفي عرضٍ واحدٍ، فالطولية لا تنفع لإثبات الانحلال وسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، باعتبار جريان الأصل في الملاقي بلا معارض؛ بل نحن ذكرنا سابقاً في ما تقدّم أنّه حتّى الطولية بين الأصل في الملاقي والأصل في الملاقى غير موجودة، فكما لا طولية بين الأصل في الملاقي والأصل في الطرف الآخر، كذلك لا طولية بين الأصل في الملاقي وبين الأصل في الملاقى.
ومن هنا يظهر أنّ الصحيح في هذه الحالة من الصورة الثانية هو إنكار الطولية، وعلى تقدير تسليم الطولية، فالظاهر أنّها لا توجب سقوط التنجيز عن العلم الإجمالي الثاني وانحلاله؛ بل يبقى ويكون موجباً للتنجيز ولوجوب الاجتناب عن الملاقي.
وأمّا الحالة الثانية، فالفرق بين الحالة الأولى والثانية هو أنّ المعلوم بالعلم الإجمالي الذي فرضناه في أصل الصورة الثانية متأخّراً عن الملاقاة وعن زمان العلم بها، في الحالة الأولى كان متحداً مع زمان الملاقاة، أمّا في الحالة الثانية فيتقدّم، يعني يكون المعلوم بالعلم الإجمالي المتأخّر سابقاً على زمان الملاقاة، يوم السبت علم بنجاسة أحد الإناءين يوم الخميس، والملاقاة حصلت يوم الجمعة، في هذه الصورة هناك رأي يرى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الحالة، باعتبار أنّ المعلوم بالإجمال في المثال السابق هو النجاسة يوم الخميس، الثوب ليس طرفاً في هذا العلم الإجمالي، ما هو طرف في هذا العلم الإجمالي باعتبار أنّ المعلوم بالعلم الإجمالي متقدّم على الملاقاة، ما هو طرف في هذا العلم الإجمالي هو عبارة عن هذا الإناء وهذا الإناء، الثوب ليس طرفاً في العلم الإجمالي، فإذا لم يكن طرفاً في العلم الإجمالي يكون الشكّ في نجاسة الثوب شكّاً بدوياً، وشكّاً في نجاسة جديدة في الثوب بعد النجاسة المعلومة والمرددة بين الإناءين في يوم الخميس، يشكّ في أنّه حدثت نجاسة في هذا الثوب الملاقي لأحد الإناءين، أو لم تحدث نجاسة جديدة ؟ فهو شكّ في حدوث نجاسةٍ جديدةٍ، فيجري الأصل المؤمّن لنفي هذا الشكّ ونفي هذه النجاسة الجديدة المحتملة، والسرّ في ذلك هو أنّ المعلوم بالعلم الإجمالي متقدمٌ على زمان الملاقاة، ومع فرض التقدّم، يقول: في الزمان الأوّل، أي في يوم الخميس العلم الإجمالي ولو كان متأخّراً، لكن لمّا كان معلومه متقدّماً سوف ينجّز كلا الإناءين، والثوب ليس طرفاً في هذا العلم الإجمالي، فإذا لم يكن طرفاً في هذا العلم الإجمالي، فالشكّ في نجاسته هو شكٌ في نجاسةٍ جديدةٍ حادثةٍ بعد النجاسة المعلومة بالإجمال، والشكّ في نجاسةٍ حادثةٍ جديدةٍ يجري فيه الأصل المؤمّن؛ وحينئذٍ ينحلّ العلم الإجمالي.
يقول: وفرقها عن الحالة الأولى هو أنّه في الحالة الأولى لم يكن هناك فاصل زماني بين المعلوم بالإجمال وبين الملاقاة، زمان المعلوم بالإجمال متّحد مع زمان الملاقاة، وعدم تخلّل الفاصل الزماني بين المعلوم بالإجمال وبين الملاقاة. أو بعبارةٍ أخرى: ليس هناك فاصل زماني بين نجاسة الملاقى على تقدير نجاسته وبين نجاسة الملاقي، في الآن الذي عُلم فيه بنجاسة الملاقى على تقدير أن يكون هو النجس، في نفس الآن الثوب أيضاً يكون نجساً، وليس هناك فاصل زماني بين النجاستين؛ فحينئذٍ هذا يعني أنّ العلم الإجمالي من البداية يتعلّق بالأطراف الثلاثة، يعني ما أعلمه إجمالاً هو إمّا نجاسة الماء الموجود فيه الثوب والثوب، أو نجاسة الإناء الآخر؛ ولذا يكون حاله حال المثال السابق، العلم إمّا بنجاسة الماء الموجود في الإناء الكبير، أو الماءين الموجودين في الإناءين الصغيرين، من البداية ما أعلمه هو نجاسة إمّا ثابتة لهذا الماء في هذا الإناء والثوب الموجود فيه، أو نجاسة ثابتة في الإناء الآخر، فيكون الفرق بينهما في تخلّل فاصلٍ زمانيٍ بين المعلوم بالإجمال وبين زمان الملاقاة، أو عدم وجود فاصلٍ زمانيٍ؛ ولذا يقول: في الحالة الثانية نحن نقول بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي بخلاف الحالة الأولى، فأنّه يجب الاجتناب عن الملاقي.