الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ ملاقي
أحد أطراف العلم الإجمالي.
كان الكلام في الوجه الثالث للمحقق
العراقي(قدّس سرّه)، الملاحظة الأولى تقدّمت.
قد يقال:
أنّ الملاحظة الأولى ليست واردة باعتبار أنّ الكلام ليس عن جريان البراءة العقلية
في الملاقي وعدم جريانها حتّى يقال أننا نرجع إلى العقل ونسأله هل يرى جريان
البراءة في المقام، أو لا ؟ وإنّما الكلام عن جريان أصالة الطهارة الشرعية في
الملاقي لا عن جريان أصالة البراءة العقلية، هل تجري أصالة الطهارة في الملاقي، أو
لا تجري ؟ وهنا لا معنى لأن نرجع إلى العقل ونسأله، وإنّما لابد أن نرجع إلى دليل
أصالة الطهارة، فإذا كان هناك إطلاق في دليل أصالة الطهارة يشمل محل الكلام؛
حينئذٍ يمكن التمسّك بهذا الإطلاق لإثبات جريان أصالة الطهارة في محل الكلام.
أقول:
هذا الإشكال ليس وارداً؛ لأنّ الكلام مع المحقق العراقي(قدّس سرّه) ليس في جريان أصالة
الطهارة وعدم جريانها؛ لأنّه(قدّس سرّه) يرى أنّ جريان أصالة الطهارة في الملاقي
في طول عدم التنجيز وفي طول انحلال العلم الإجمالي الثاني، ينحل العلم الإجمالي
الثاني، ويسقط عن التنجيز؛ وحينئذٍ تجري أصالة الطهارة في الملاقي، الكلام معه في
التنجيز وعدمه، أنّ العلم الإجمالي هل يكون منجزاً، أو لا ؟ هو يقول يسقط عن
التنجيز، فهو يدّعي أنّ العلم الإجمالي ليس منجزاً، فالكلام هو عن منجّزية العلم
الإجمالي الثاني وعدمها، ومن الواضح أنّ الحاكم بالمنجّزية هو العقل ولا معنى
للرجوع إلى الدليل الشرعي لإثبات المنجّزية، أو نفيها، وإنّما لابدّ أن نرجع إلى
العقل، فأنّه هو الذي يكون حاكماً بالمنجّزية، المحقق العراقي(قدّس سرّه) كأنّه
يدّعي بأنّ العقل في المقام لا يحكم بالمنجّزية. في المقابل قلنا في الملاحظة
الأولى أنّ العقل لا يدرك ارتفاع المنجّزية عن العلم الإجمالي المنجّز بمجرّد وجود
منجّزٍ في أحد طرفيه؛ بل إن لم نقل أنّه يدرك اشتداد المنجّزية وتأكدها، فلا أقل
أنّه لا يدرك ارتفاع المنجزية وسقوطها عن علمٍ إجمالي منجّز تسقط عنه المنجّزية
بمجرّد أن يثبت وجود منجّزٍ في أحد أطرافه، العقل هو الحاكم، وهو لا يدرك زوال
المنجّزية وارتفاعها.
إذن: الكلام مع المحقق
العراقي(قدّس سرّه) عن التنجيز وعدمه لا عن جريان أصالة الطهارة وعدم جريانها حتّى
يقال لا معنى للرجوع إلى العقل، وإنّما الكلام في مرحلةٍ اسبق من جريان أصالة
الطهارة في الملاقي، والمسألة الأسبق هي مسألة انحلال العلم الإجمالي وعدم
انحلاله، وسقوطه عن التأثير والتنجيز وعدم سقوطه، وهنا لابدّ من الرجوع إلى العقل
لنعرف أنّه هل يدرك سقوط التنجيز لهذا السبب، أو لا يدرك ذلك ؟
الملاحظة الثانية:
أن يقال أنّ الوجه الذي ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه) يرتكز على دعوى أنّ الطرف
الآخر تنجّز بالعلم الإجمالي الأوّل في مرتبةٍ سابقةٍ، فلا يقبل التنجيز مرّة أخرى
بالعلم الإجمالي الثاني في المرتبة اللاحقة؛ لأنّ المتنجّز لا يتنجّز، أنّ الطرف
الآخر تنجّز في مرتبةٍ سابقةٍ بالعلم الإجمالي الأوّل، فلا يقبل التنجيز مرّة أخرى
في المرتبة اللاحقة، فإذا كان لا يقبل التنجيز في المرتبة اللاحقة، يسقط العلم
الإجمالي عن التنجيز؛ لأنّه يشترط في منجّزية العلم الإجمالي أن يكون منجّزاً على
كل تقدير، والعلم في المقام ليس منجّزاً على كل تقدير. هذه الدعوى تتوقف على
افتراض طولية بين التنجيزين، يعني بين تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف الآخر
وبين تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف الآخر، باعتباره طرفاً في كلا العلمين،
دعوى المحقق العراقي(قدّس سرّه) تفترض وجود طولية بين التنجيزين، وإلاّ إذا لم يكن
هناك طولية بين التنجيزين لا يصح له أن يقول أنّ الطرف الآخر تنجّز في مرتبةٍ
سابقةٍ، فلا يقبل التنجيز في المرتبة اللاحقة، لا معنى لهذا إلاّ إذا افتُرض وجود
طولية بين التنجيزين، أن يكون تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف الآخر متقدّماً
رتبة على تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف الآخر، إذا قلنا بتنجيزه. إذن: هناك
طولية بين التنجيزين يفترضه المحقق العراقي(قدّس سرّه) في المقام، فإذا أثبتنا عدم
الطولية بين التنجيزين، وأنّ تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للطرف الآخر هو في عرض
تنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف الآخر ينهار هذا البرهان الذي ذكره المحقق
العراقي(قدّس سرّه)؛ لأنّه يعتمد على افتراض طولية بين التنجيزين حتّى يصح له أن
يقول أنّ الطرف الآخر تلقّى التنجيز في مرتبةٍ سابقةٍ، فلا يقبل التنجيز في مرحلةٍ
لاحقةٍ. هذا الكلام لا يصح إلاّ إذا فُرض تقدّم التنجيز بالعلم الإجمالي الأوّل
على التنجيز بالعلم الإجمالي الثاني، فيقال: مع تقدّم التنجيز في المرتبة السابقة
لا معنى لتنجيز العلم الإجمالي الثاني للطرف الآخر، فإذا ثبت عدم وجود طولية بين التنجيزين؛
حينئذٍ لا يتم كلامه، ووجه عدم وجود طولية بين التنجيزين هو ما تقدّم الإشارة إليه
سابقاً والذي ذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه) وهو أنّه ليس لدينا قاعدة في باب
المراتب تقول أنّ المتأخّر عن أحد المتساويين في الرتبة لابدّ أن يكون متأخّراً عن
الآخر، في غير هذا العالم ممكن، بلحاظ الزمان ممكن، المتأخّر عن أحد المتساويين في
الزمان لابدّ أن يكون متأخّراً عن الآخر، لكن بلحاظ الرتب لا توجد هكذا قاعدة،
أنّه إذا كان هناك شيئان متساويان في الرتبة، وكان هناك شيء آخر متأخّر رتبةً عن
أحدهما، هل يجب أن يكون متـأخّراً في الرتبة عن الآخر أيضاً ؟ لا دليل على ذلك،
ليس متأخّراً عن الآخر رتبةً، هذه القاعدة المسلّمة تُطبّق في محل الكلام، فيقال
أنّ العلم الإجمالي الثاني لا إشكال أنّه في طول العلم الإجمالي الأوّل، وهذا العلم
الإجمالي الثاني هو في عرض تنجيز العلم الإجمالي الأوّل، نعم، هو في طول العلم
الإجمالي الأوّل، لكنّه في عرض تنجيز العلم الإجمالي الأوّل، باعتبار أنّ العلم
الإجمالي الأوّل هو بمثابة العلّة لمعلولين، أحدهما العلم الإجمالي الثاني؛ لأنّه
نشأ من العلم الإجمالي الأوّل، والآخر هو تنجيز العلم الإجمالي الأوّل؛ لأنّ
التنجيز أثرٌ للعلم الإجمالي الأوّل، فهو معلولٌ للعلم الإجمالي الأوّل. إذن:
تنجيز العلم الإجمالي الأوّل ونفس العلم الإجمالي الثاني معلولان لعلّةٍ واحدةٍ
وهي العلم الإجمالي الأوّل، فالعلم الإجمالي الأوّل له أثران، أحدهما العلم
الإجمالي الثاني، والآخر هو التنجيز، فتنجيز العلم الإجمالي الأوّل، ونفس العلم
الإجمالي الثاني هما في عرضٍ واحدٍ وليس بينهما طولية، وليس بينهما تقدّم وتأخّر
في الرتبة، وإنّما هما في عرضٍ واحدٍ. تنجيز العلم الإجمالي الثاني هو في طول العلم
الإجمالي الثاني، يعني معلول للعلم الإجمالي الثاني كأيّ علمٍ إجمالي تنجيزه معلول
له، لكنّه ليس في طول تنجيز العلم الإجمالي الأوّل، وإن كان تنجيز العلم الإجمالي
الأوّل في عرضٍ العلم الإجمالي الثاني، وتنجيز العلم الإجمالي الثاني متأخّر رتبةً
عن العلم الإجمالي الثاني، لكنّه ليس متأخّراً وليس في طول تنجيز العلم الإجمالي
الأوّل؛ للقاعدة التي أشرنا إليها؛ لأنّ تنجيز العلم الإجمالي الثاني الذي هو في
طول العلم الإجمالي الثاني لا يجب أن يكون أيضاً في طول ما هو في عرضه في الرتبة،
المتساويان رتبةً هما العلم الإجمالي الثاني وتنجيز العلم الإجمالي الأوّل؛ لأنّ
كلاً منهما معلولٌ للعلم الإجمالي الأوّل، المتأخّر عن أحدهما ليس متأخّراً عن
الآخر، تنجيز العلم الإجمالي الثاني متأخّر عن العلم الإجمالي الثاني، لكنّه ليس
متأخّراً عن تنجيز العلم الإجمالي الأوّل، وهذا هو المطلوب، أنّ تنجيز العلم
الإجمالي الثاني ليس متأخّراً عن تنجيز العلم الإجمالي الأوّل في الرتبة؛ بل هما
في رتبةٍ واحدةٍ، وإذا كانا في رتبةٍ واحدةٍ؛ حينئذٍ يكونان من قبيل ما إذا اجتمع
سببان تامّان مستقلان على مسببٍ واحد، والقاعدة المسلّمة في مثله تقتضي أن يتحوّل
كل منهما إلى جزء السبب في مقام التأثير، تنجيز العلم الإجمالي الأوّل وتنجيز العلم
الإجمالي الثاني في رتبةٍ واحدةٍ، فيكون كلٌ منهما مؤثراً؛ إذ لا وجه لاستقلال
أحدهما في التأثير دون الآخر، هذا ترجيح بلا مرجّح، ولا وجه لأن يقال أنّ التأثير
يكون للتنجيز الأوّل؛ لأنّ هذين التنجيزين في عرضٍ واحدٍ وفي مرتبةٍ واحدةٍ، فيكون
التأثير لكلٍ منهما ويتحوّل كلٌ منهما إلى جزء السبب، وهذا معناه أنّ العلم
الإجمالي الثاني مؤثر أيضاً في التنجيز، فلا يتم ما ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه)؛
بل استناداً إلى فكرة أنّ المتأخّر عن أحد المتساويين في الرتبة ليس متأخّراً عن
الآخر رتبةً، يمكن أن نقول أكثر من هذا، أنّه ليس هناك طولية بين العلمين أيضاً،
يعني بين العلم الإجمالي الأوّل وبين العلم الإجمالي الثاني، ليس أحدهما متأخّراً
عن الآخر رتبةً، باعتبار أنّ العلمين المنجّزين ليس بينهما طولية، وذلك باعتبار
أنّ المنجّز في الحقيقة ليس هو العلم الإجمالي بالنجاسة، وإنّما المنجّز هو العلم
بالتكليف الذي ينشأ من العلم بالنجاسة، العلم الإجمالي بالنجاسة يوجب العلم
الإجمالي بالتكليف، والمنجّز هو العلم الإجمالي بالتكليف، بناءً على هذا، إذا
استعنّا بالفكرة السابقة؛ حينئذٍ يمكن أن يقال أنّ العلمين المنجّزين، وهما العلم
الإجمالي بالتكليف الناشئ من العلم الإجمالي بالنجاسة الأوّل، والعلم الإجمالي
بالتكليف الناشئ من العلم الثاني، هذان العلمان ليس بينهما طولية؛ بل هما في عرضٍ
واحد بنفس الفكرة السابقة، وذلك بأن يقال: أنّ العلم الإجمالي الثاني بالنجاسة
يكون في عرض العلم الإجمالي بالتكليف الناشئ من العلم الإجمالي الأوّل ــــــــــ
بنفس البيان السابق الذي ذكرناه قبل قليل ـــــــــــ لأنّ كلاً منهما معلول للعلم
الإجمالي الأوّل بالنجاسة، العلم الإجمالي الأوّل بالنجاسة علّة لأمرين، علّة
للعلم الثاني بالنجاسة، وعلّة للعلم بالتكليف؛ لأنّ العلم بالنجاسة في العلم
الإجمالي الأوّل يولّد العلم الإجمالي بالتكليف، فإذن: لدينا علم إجمالي بالتكليف
ناشئ من العلم الإجمالي الأوّل بالنجاسة، ولدينا علم إجمالي ثانٍ بالنجاسة ينشأ من
العلم الإجمالي الأوّل بالنجاسة، العلم الإجمالي الأوّل علّة لأمرين، فيكون حينئذٍ
كلٌ من العلم بالتكليف الذي هو المنجّز، الناشئ من العلم بالنجاسة الأوّل، العلم
الإجمالي الثاني بالنجاسة المردد بين الملاقي والطرف الآخر أيضاً ينشأ من العلم
الإجمالي الأوّل بالنجاسة، فإذن: هما في عرضٍ واحدٍ، العلم بالتكليف الناشئ من العلم
الإجمالي الثاني بالنجاسة؛ لأننا قلنا أنّ الذي يكون منجّزاً ليس هو العلم
بالنجاسة، وإنّما المنجّز هو ما تولّد منه وهو العلم بالتكليف إجمالاً، هذا العلم
الإجمالي بالتكليف الناشئ من العلم الإجمالي الثاني بالنجاسة متأخّر عن العلم
الإجمالي الثاني بالنجاسة، لكنّه ليس متأخّراً عمّا هو في عرضه وفي رتبته والذي هو
العلم بالتكليف الناشئ من العلم الإجمالي الأوّل بالنجاسة بنفس القاعدة السابقة
وهي أنّ المتأخّر عن أحد المتساويين رتبةً ليس متأخّراً عن الآخر رتبةً، فيكون العلم
الإجمالي بالتكليف الناشئ من العلم الأوّل، والعلم الإجمالي الثاني بالتكليف
الناشئ من العلم الثاني في عرضٍ واحدٍ وفي رتبةٍ واحدةٍ وليس بينهما تقدّم وتأخّر،
وهما المنجّزان، ليس العلم بالنجاسة إذا جرّدناه عن العلم بالتكليف هو المنجّز،
وإنّما هو يكون منجّزاً باعتبار أنّه يولّد علماً بالتكليف، سواء كان تفصيلياً، أو
كان إجمالياً، المنجّز هو العلم بالتكليف، عندنا علمان منجّزان أحدهما هو العلم
بالتكليف الناشئ من العلم الإجمالي الأوّل، والثاني هو العلم بالتكليف الناشئ من العلم
الإجمالي الثاني، هذان ليس بينهما طولية؛ بل هما في عرضٍ واحدٍ، فيؤثران معاً ولا
داعي لاختصاص التأثير والتنجيز بأحدهما دون الآخر؛ لأنّ هذا ترجيح بلا مرجّح،
وبالتالي لا تكون هناك طولية، لا بين التنجيزين ولا بين العلمين المنجّزين. نعم،
قد تكون هناك طولية بين العلم الإجمالي الأوّل بالنجاسة والعلم الإجمالي الثاني
بالنجاسة، لكن العلم المنجّز ليس بينهما طولية بناءً على هذه الفكرة المتقدّمة.
الوجه الرابع:
هو للسيد الخوئي(قدّس سرّه) كما في(مصباح الأصول)
[1]
يقول أنّ العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي، أو الطرف الآخر الذي هو العلم الإجمالي
الثاني، وإن كان حاصلاً بعد العلم بالملاقاة، يعني بالنتيجة هو متأخّر عن العلم
الإجمالي الأوّل، يوجد علم إجمالي أوّل بين الطرفين، حصلت ملاقاة، فحصل العلم
الإجمالي الثاني، يقول: إلاّ أنّ العلم الإجمالي الثاني لا يمنع من جريان أصالة
الطهارة في الملاقي؛ لأنّ الأصل الجاري في الطرف الآخر ــــــــــــ الذي هو طرف
في العلم الإجمالي الثاني وهو طرف مشترك بين العلمين ـــــــــــ قد سقط بالمعارضة
مع الأصل الجاري في الملاقى قبل حدوث العلم الإجمالي الثاني، وقبل الملاقاة، الأصل
في الطرف الآخر عارضه الأصل في الملاقى، كأيّ علم إجمالي له طرفان، الأصول فيه
تتعارض وتتساقط. إذن: قبل الملاقاة وقبل حدوث العلم الإجمالي الثاني الأصل في
الطرف الآخر سقط بالمعارضة مع الأصل في الملاقى، فإذا سقط هذا الأصل بالمعارضة؛
حينئذٍ العلم الإجمالي الثاني لا يكون علماً بالتكليف الفعلي على كل تقدير؛ إذ
يُحتمل أن يكون النجس هو الطرف الآخر المفروض تنجّز التكليف بالنسبة إليه بالعلم
الإجمالي السابق؛ لأنّ الأصل فيه سقط، فتنجّز فيه التكليف، وهذا العلم الإجمالي
الثاني ليس علماً بالتكليف على كل تقدير، وإنّما التكليف يكون ثابتاً على أحد
التقديرين، أمّا على التقدير الآخر لا يكون هناك تكليف؛ لأنّ التكليف قد تنجّز قبل
ذلك في زمانٍ سابقٍ؛ لأنّ الأصل فيه قد سقط بالمعارضة مع الأصل في الملاقى، فتنجّز
فيه التكليف، وبعد ذلك حصلت الملاقاة، وحصل علم إجمالي بنجاسة إمّا الملاقي، أو
الطرف الآخر، هذا صحيح، لكن هذا العلم الإجمالي يسقط عن التنجيز؛ لأنّ الأصل يجري
في الملاقي بلا معارض؛ لأنّ الأصل في الطرف الآخر سقط في زمانٍ سابقٍ وقبل حصول
الملاقاة، يقول: ومع ذلك لا يبقى حينئذٍ إلاّ احتمال التكليف في الملاقي، واحتمال
التكليف يجري فيه الأصل المؤمّن وهو أصالة الطهارة؛ وحينئذٍ لا توجد مشكلة.
من الواضح جدّاً أن
ّهذا الوجه مبني على مسلك الاقتضاء الذي هو يؤمّن به؛ لأنّه على مسلك العلّية لا
تجري أصالة الطهارة في الملاقي حتّى إذا لم يكن لها معارض؛ لأنّ نفس العلم
الإجمالي يمنع من جريانها في أحد الطرفين بقطع النظر عن المعارض. هذا الوجه يشترك
في هذه النقطة مع الوجه الأوّل الذي نقلناه عن الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه)، كٌل
منهما مبني على مسلك الاقتضاء، ويشترك أيضاً مع الوجه الأوّل في قضيةٍ أخرى وهي
أنّ كلاً منهما يركّز على مسألة أنّ الأصل في الملاقي ليس له معارض، ولا يركّز على
انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن التنجيز، وإنّما يفترض بقاء العلم الإجمالي على
اقتضائه للتنجيز، لكن هذا المقتضي للتنجيز إذا احتفّ بالمانع لا يؤثّر شيئاً،
والمانع هو جريان الأصل في أحد الطرفين بلا معارض، وهذا المانع يمنع من فعلية
التنجيز، فهو لا يهمّه أن العلم الإجمالي سقط عن التنجيز، أو لا؛ بل هو يفترض أنّ العلم
الإجمالي باقٍ على اقتضاء التنجيز، لكن بالنتيجة هو لا يكون منجّزاً فعلاً لوجود
المانع الذي هو جريان الأصل في الملاقي بلا معارضٍ، فهو يركّز على مسألة جريان
الأصل في الملاقي من دون معارض؛ لأنّ المعارض الذي هو أصالة الطهارة قد سقط قبل
ذلك، فيجري الأصل في هذا الطرف بلا معارض، الوجه الأوّل أيضاً كان يركّز على هذه
النقطة، ولا يركز على مسألة سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، يعني سقوطه عن
الاقتضاء على القول بالاقتضاء، أو سقوطه عن العلّية على القول بالعلّية كما قالها المحقق
العراقي(قدّس سرّه) في الوجه الثالث، ليس هذا هو منظوره، وإنّما تمام منظوره هو
جعل الأصل الملاقي بمنجىً عن المعارض. نعم، الوجه الرابع يختلف عن الوجه الأوّل في
نقطة أخرى وهي نقطة مهمّة، السيد الخوئي(قدّس سرّه) افترض في كلامه أنّ التقدّم
والتأخّر في الزمان، بينما افترض الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) في كلامه أنّ التقدّم
والتأخّر في الرتبة، وعلى اساسه قال بأنّه يجري الأصل في الملاقي بلا معارض؛ لأنّ
الأصل المعارض له سقط في رتبةٍ سابقةٍ، بينما السيد الخوئي(قدّس سرّه) يقول أنّ
التقدّم والتأخّر في الزمان، فيجري الأصل في الملاقي بلا معارض؛ لأنّ معارضه سقط في
زمانٍ سابقٍ، فيجري الأصل بلا معارضٍ، فيختلفان في هذه الجهة، وإلاّ الفكرة نفس
الفكرة، غاية الأمر أنّ الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) يصر على رأيه حتّى مع افتراض
التعاصر الزماني بين العلمين؛ ولذا يصح مطلبه في جميع الفروض، سواء تعاصر العلمان
زمانا، أو لم يتعاصرا زماناً، المهم هو التقدّم والتأخّر الرتبي، أن يكون العلم
الإجمالي الثاني متأخّراً رتبةً عن العلم الإجمالي الأوّل، بينما السيد
الخوئي(قدّس سرّه) لم يفرض هذا، وإنّما فرض التقدّم والتأخّر الزماني، وكأنّه يرى
وجود مشكلة في التقدّم والتأخّر الرتبي بين العلمين، ولعلّه لما تقدّم الإشارة
إليه في مناقشة الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) على ما تقدّم أنّه لا توجد طولية، لا
بين العلم الإجمالي الثاني والعلم الإجمالي الأوّل، ولا بين الأصل الجاري في
الملاقي وبين الأصل الجاري في الطرف الآخر، وقد تقدّمت الإشارة إلى هذا، والسيد
الخوئي(قدّس سرّه) نصّ على عدم وجود طولية بين الأصل الجاري في الملاقي وبين الأصل
الجاري في الطرف الآخر. صحيح أنّ الأصل الجاري في الملاقي متأخّر عن الأصل الجاري
في الملاقى، والأصل الجاري في الملاقى في مرتبة الأصل الجاري في الطرف الآخر، لكن
القاعدة التي هو ذكرها واستفدنا منها تقول أنّ المتأخّر عن أحد المتساويين رتبةً
ليس متأخّراً عن الآخر؛ ولذا هو أنكر الطولية بين الأصلين في الملاقي وفي الطرف
الآخر، وإذا لم تكن بينهما طولية، فأنّهما يتعارضان ويتساقطان إذا بقينا نحن
والتقدّم والتأخّر الرتبي، ولعلّه هو أفترض التقدّم والتأخّر الزماني، وهو يرى
أنّه إذا تعارض الأصل في هذا الطرف في زمان سابق مع الأصل في الملاقى وسقط؛ حينئذٍ
لا يعود مرّةً أخرى، فيسلم الأصل في الملاقي عن المعارض.