الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ ملاقي
أحد أطراف العلم الإجمالي.
ذكرنا في الدرس السابق أنّ المحقق
النائيني(قدّس سرّه)ذهب إلى أنّ العلم الإجمالي
الأوّل ينجّز الحكم التكليفي والحكم الوضعي بالنسبة إلى الثمرة في مثال ما لو علم
بغصبية أحدى الشجرتين، ولو كانت هذه الثمرة متجددة وحاصلة بعد ذلك، فالعلم
الإجمالي الأوّل ينجّز حرمة التصرّف فيها، وكذلك ينجّز ضمانها إذا تلفت، واستدل
على كلٍ منهما بما ذكرناه في الدرس السابق.
اعترض السيد الخوئي(قدّس
سرّه)
على ذلك بما ذكرناه أيضاً، بالنسبة إلى الحكم الوضعي قال أنّ ضمان منافع العين
المغصوبة مسلّم بلا إشكال، لكن الكلام في تحقق الصغرى؛ لأنّ هذا الحكم إنّما يمكن
الالتزام به وتطبيقه إذا أحرزنا أنّ هذه منفعة لعينٍ مغصوبة، ونحن في المقام لا
نحرز أنّ هذه الثمرة هي منفعة لعينٍ مغصوبةٍ لاحتمال أنّ الشجرة ليست مغصوبة، لاحتمال
أن تكون الثمرة ثمرة لشجرة مملوكة وليست مغصوبة، ومع عدم إحراز ذلك يمكن إجراء
الأصول المؤمّنة.
وأمّا بالنسبة إلى الحكم
التكليفي أيضاً
ذكر بأنّه تجري البراءة عن الحكم التكليفي، يعني عن حرمة التصرّف في الثمرة لإحدى
الشجرتين، نشكّ في حرمة التصرّف فيها، فيمكن الرجوع إلى البراءة لنفي هذه الحرمة
ولا تتنجّز هذه الحرمة بالعلم الإجمالي وذلك لنفس السبب السابق؛ لعدم العلم بتحقق
موضوع هذه الحرمة؛ لأنّ هذه الحرمة تقول لا يجوز التصرّف في منافع العين المغصوبة،
فلابدّ من إحراز أنّ الثمرة من منافع العين المغصوبة حتّى يثبت لها هذا الحكم
ويتنجّز هذا الحكم وهو حرمة التصرّف فيها، ونحن في المقام لا نحرز أنّ هذه الثمرة
من منافع العين المغصوبة لاحتمال أن تكون من منافع العين المملوكة، فما دمنا لا
نحرز تحقق الموضوع، فلا يمكن أن يتنجّز هذا الحكم بالعلم الإجمالي بغصبية إحدى
الشجرتين.
واعترض عليه في تقريره الآخر
على
مسألة الحكم التكليفي؛ لأننا قلنا أنّ المحقق النائيني(قدّس سرّه) تمسّك لإثبات
تنجيز الحكم التكليفي في الثمرة بالعلم الإجمالي بمسألة أنّ ملاك الحرمة موجود من
البداية، واعترف بأنّه لا يمكن افتراض فعلية الحرمة قبل تحقق موضوعها، وقال بأنّ
هذا لا يمكن إنكاره، أنّه لا يمكن افتراض فعلية الحرمة قبل تحقق موضوعها، فلا
يُعقل ثبوت حرمة التصرّف في الثمرة قبل وجود الثمرة، لكنّه قال أنّ ملاك هذه
الحرمة ثابت من البداية، فإذا وجدت الثمرة؛ فحينئذٍ الحرمة أيضاً تكونموجودة، فبالتالي تثبت حرمة التصرّف في هذه الثمرة
بثبوت ملاكها من البداية. السيد الخوئي(قدّس سرّه) يشكل على هذا المعنى في الحكم
التكليفي ويقول: نحن لا نتعقّل ثبوت ملاك تحريم التصرّف في الثمرة قبل وجودها
خارجاً، ويقول أنّ الملاك على غرار نفس التحريم، فكما أنّه لا يُعقل ثبوت التحريم
قبل وجود الثمرة، ملاك التحريم أيضاً لا يُعقل ثبوته قبل وجود الثمرة خارجاً،
ببيان أنّه يستحيل ثبوت حرمة التصرّف قبل ثبوت موضوعها وقبل وجود الثمرة وتحققها
في الخارج، الحرمة غير موجودة؛ حينئذٍ الملاك أيضاً لا يكون موجوداً. أمّا أن يكون
الملاك موجوداً والحرمة غير موجودة، فهذا شيء لا نتعقله ولا معنى لتحقق ملاك
التحريم، كما لا معنى لثبوت التحريم نفسه، يعني قبل وجود الثمرة، أيضاً أشكل عليه
بهذا الإشكال.
الظاهر من كلمات المحقق
النائيني(قدّس سرّه)، خصوصاً في(فوائد الأصول)، أنّ كلامه وما نقلناه
عنه من تنجيز العلم الإجمالي الأوّل للحكم الوضعي والحكم التكليفي، الظاهر أنّه
مبني على القول بالتبعية لا على القول بالسببية، بمعنى أنّ المحقق النائيني(قدّس
سرّه) يُفرّق في الأمثلة بين القولين، فيختار التبعية في مثال غصبية إحدى
الشجرتين، ويُصرّح بأنّ وجوب الاجتناب عن الثمرة هو من شئون وتبعات وجوب الاجتناب
عن نفس الشجرة المغصوبة؛ ولذلك هو يقول بالتبعية في مثال غصبية إحدى الشجرتين،
لكنّه لا يقول بالتبعية في محل كلامنا، يعني في ملاقي أحد أطراف العلم الإجمالي
بالنجاسة، لا يقول بالتبعية، وإنّما يقول بالسببية، فكلامه في مثال العلم الإجمالي
بغصبية إحدى الشجرتين مبني على القول بالتبعية، وقد صرّح بهذا المعنى وذكر بأنّ
التبعية لا يراد بها فعلية وجوب الاجتناب عن الثمرة قبل وجودها، ليس هذا مقصوده،
أن يكون وجوب الاجتناب عن الثمرة متحققاً من البداية قبل وجود الثمرة، لأنّه يقول
من المحال أن يكون الحكم ثابتاً قبل وجود موضوعه، فوجوب الاجتناب عن الثمرة ليس
ثابتاً قبل وجود الثمرة وليس مقصودنا هو تحقق هذا الوجوب من البداية حين تحقق وجوب
الاجتناب عن الشجرة، بمعنى أنّ وجوب الاجتناب عن الشجرة إذا كان ثابتاً يتبعه في
الثبوت وجوب الاجتناب عن الثمرة ولو قبل وجودها، يقول: ليس هذا مقصودنا من
التبعية؛ لأنّ هذا استحالته واضحة ولا يمكن إنكار استحالة ثبوت وجوب الاجتناب عن
الثمرة قبل وجود الثمرة نفسها، وإنّما مرادنا من التبعية أنّ النهي عن التصرّف في
العين المغصوبة التي هي الشجرة بعد فرض تحققها، ولو باعتبارها أحد طرفي العلم
الإجمالي، هذا النهي عن التصرّف في الشجرة بنفسه يقتضي النهي عن التصرّف في نمائها
حين تحققه، وبمجرّد أن تتحقق الثمرة يثبت وجوب الاجتناب عنها، لكن هذا الحكم بوجوب
الاجتناب عنها ليس حكماً جديداً نحتاج في إثباته إلى التمسّك بدليل، وإنّما هو
يثبت بنفس وجوب الاجتناب عن الشجرة؛ ولذا لا يحتاج وجوب الاجتناب عن الثمرة بعد
تحققها إلى تشريعٍ جديدٍ ولا إلى حكمٍ جديدٍ؛ بل يكفي فيه نفس التشريع السابق وهو
النهي عن التصرّف في الشجرة، وعللّ هذا الشيء، قال: لأنّ حرمة التصرّف في الثمرة
هي من شئون حرمة التصرّف في العين المغصوبة ومن تبعاته، لكن لا بمعنى أنّ حرمة
التصرّف في النماء يكون فعلياً قبل وجوده، وإنّما بمعنى أنّ حرمة التصرّف في الأصل
المغصوب يقتضي حرمّة التصرّف في نمائه المتجدد عند تحققه، فإذا تحقق النماء
المتجدد تكون الحرمة ثابتة ولا تحتاج إلى تشريع جديدٍ ولا إلى جعلٍ جديدٍ، وكلامهم
صريح في أنّه مبني في هذا المثال على القول بالتبعية لا على القول بالسببية، ونفس
هذا الكلام قاله في الحكم الوضعي في هذا المثال أيضاً، قال: أنّ وضع اليد على
العين وغصبها يقتضي ضمان نفس العين وضمان منافعها الموجودة فعلاً، والمتجددة حين
تحققها؛ لأنّ ضمان المنافع هو من شئون ومن تبعات ضمان العين المغصوبة، أصلاً ضمان
العين المغصوبة يعني ضمانها وضمان منافعها، غاية الأمر هناك منافع فعلية لها،
فيثبت الضمان لها فعلاً ويكون الضمان فعلياً، وهناك منافع متجددة؛ وحينئذٍ يكون
الضمان فعلياً عند تحقق هذه المنافع، ومن هنا يظهر ما في جواب السيد الخوئي(قدّس
سرّه) عن ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه)، يعني مسألة عدم تحقق صغرى كبرى الحكم
بضمان منافع العين المغصوبة هي قضية واضحة لا تخفى على المحقق النائيني(قدّس سرّه)،
أنّه في محل كلامنا، بالنتيجة نحن لا نعلم بأنّ هذه الثمرة هي ثمرة للشجرة المغصوبة؛
لاحتمال أنّ الشجرة مملوكة وليست مغصوبة، هذه قضية واضحة، يعني عدم انطباق وعدم
تحقق صغرى هذا الحكم الشرعي وهو ضمان منافع العين المغصوبة، في محل الكلام صغرى
هذه الكبرى غير متحققة؛ لأننا نتكلّم عن ثمرة لإحدى الشجرتين اللّتين نعلم بأنّ
إحداهما مغصوبة، ولا إحراز لكون هذه الشجرة التي حصل منها هذا النماء هي المغصوبة،
وإنّما الذي يريد أن يقوله المحقق النائيني(قدّس سرّه) هو أنّ تمام موضوع ضمان
الثمرة هو المعلوم بالإجمال، يعني غصبية إحدى الشجرتين، إذا علمنا بأنّ هذه الشجرة
مغصوبة، فهذا العلم يكفي، غصبية هذه الشجرة في حال العلم التفصيلي تكفي لإثبات
ضمان الشجرة وضمان منافعها حتّى المتجددة، هذا هو تمام الموضوع لضمان المنافع حتى
ما تجدد منها، فإذا علمنا إجمالاً بغصبية إحدى الشجرتين؛ حينئذٍ هذه الشجرة التي
نعلم بغصبيتها إجمالاً يثبت لها هذا الحكم والأثر الشرعي، وهو أنّ هذه الشجرة
المغصوبة المعلومة بالإجمال تكون مضمونة وتكون منافعها حتى المتجددة أيضاً مضمونة،
هذه الأحكام والآثار الشرعية للمعلوم بالإجمال يجب ترتيبها على كل واحدٍ من
الطرفين تحصيلاً للموافقة القطعية لمقتضى العلم الإجمالي؛ لأننا نعلم إجمالاً
بغصبية إحدى الشجرتين، ومن أحكام الغصب ضمان الشجرة وضمان منافعها حتى المتجددة،
فلابدّ من ترتيب هذه الأحكام التكليفية والوضعية على كل واحدٍ من الطرفين لاحتمال
أن يكون هو المغصوب، هو يريد أن يثبت حرمة التصرّف في الشجرة عن هذا الطريق، وإلاّ
هو ليس غافلاً عن أنّ كبرى هذا الحكم الشرعي غير متحققة ولا نحرزها في المقام،
صحيح، لا نحرز أنّ هذه الثمرة التي نريد أن نثبت الضمان فيها ونثبت حرمة التصرّف
فيها..... لا نحرز أنّها ثمرة لشجرةٍ مغصوبةٍ، وهذا لا يخفى عليه، وإنّما هو يريد
أن يقول: أنّ الغصبية هي تمام الموضوع للحكم بضمان الشجرة وضمان منافعها حتى المتجددة،
وكل الآثار التي يكون تمام موضوعها هو المعلوم بالإجمال يجب ترتيبها على كل واحدٍ
من الطرفين تحصيلاً للموافقة القطعية باعتبار أنّ العلم الإجمالي منجّز ولابدّ من
موافقته القطعية، ولا تكون موافقته القطعية إلاّ بترتيب هذه الآثار على كل واحدٍ
من الطرفين.
وأمّا الجواب الذي ذكره السيد
الخوئي(قدّس سرّه) عن الحكم التكليفي، الذي ذكر بأننا لا نتعقّل ثبوت الملاك مع
عدم ثبوت الحكم، والحكم بحسب الفرض، هو اعترف بأنّه لا يُعقل ثبوته قبل وجود
الثمرة، السيد الخوئي(قدّس سرّه) يقول أنّ الملاك أيضاً لا يُعقل ولا معنى لثبوته؛
بل أنّ حاله حال الحكم الشرعي كما لا معنى لثبوته قبل موضوعه، الملاك أيضاً لا
يكون ثابتاً قبل وجود موضوعه، مسألة امتناع فعلية الحكم قبل تحقق موضوعه، المحقق
النائيني(قدّس سرّه) صرّح بذلك وقال لا سبيل لإنكاره، أو أنّ إنكاره مكابرة،
وإنّما هو يريد أن يقول أنّ ثبوت وجوب الاجتناب عن الثمرة بعد تحققها لا يحتاج إلى
تشريعٍ جديد، وإنّما هو يثبت بنفس الحكم الثابت سابقاً الذي هو وجوب الاجتناب عن الأصل،
أي الشجرة، نفس وجوب الاجتناب عن الشجرة ولو باعتبارها طرفاً للعلم الإجمالي يكفي
لإثبات وجوب الاجتناب عن الثمرة بعد تجددها، هذا هو مدّعاه، أنّه يثبت وجوب
الاجتناب عن الثمرة بعد تحققها بنفس وجوب الاجتناب عن الشجرة، فكأنّ وجوب الاجتناب
عن الشجرة يتّسع ليشمل الثمرة باعتبار أنّ الثمرة مرتبة من مراتب وجود الشجرة،
فيجب الاجتناب عن الثمرة؛ لأنّها من شئون الاجتناب عن الشجرة، وهذا هو معنى
التبعية، أنّ الاجتناب عن الشجرة لا يكون إلاّ بالاجتناب عنها وعن منافعها حتى
المتجددة، فإذا لم يجتنب عن المنافع المتجددة كأنّه لم يجتنب عن الشجرة، والمفروض
أنّ وجوب الاجتناب عن الشجرة متحقق وثابت ولا إشكال فيه؛ لأنّه ثبت بعد وجود
الشجرة بحسب الفرض، فوجوب الاجتناب هذا يتسع باعتبار وجود مرتبة من مراتب الاجتناب
عن الشجرة وهي الاجتناب عن الثمرة بعد فرض تحققها وهذا ما يريد أن يثبته، ومنه
يظهر أنّه لا داعي لدليله الذي ذكره لإثبات الحكم التكليفي بالنسبة إلى الثمرة
الذي وجوب الاجتناب عن الثمرة... لا داعي للدليل الذي هو مسألة التمسّك بالملاك
حتّى يرد عليه اعتراض السيد الخوئي(قدّس سرّه) الذي يرجع إلى أنّه لا طريق لنا
لإحراز الملاك إلاّ من خلال الحكم، فإذا لم يكن الحكم ثابتاً قبل وجود الشجرة كيف
نحرز وجود الملاك ؟ لعلّه هذا مقصوده.
أقول: المحقق
النائيني(قدّس سرّه) لا يحتاج إلى التمسّك بالملاك لإثبات وجوب الاجتناب عن الثمرة؛
بل أنّ مدّعاه الذي بيّناه هو يكفي لإثبات وجوب الاجتناب عن الثمرة. بناءً على
التبعية بالمعنى المتقدّم للتبعية؛ حينئذٍ نفس وجوب الاجتناب عن الشجرة يتّسع
كلّما تحقق موضوع جديد للثمرة، فيثبت بنفس ذاك ولا يحتاج إلى تشريع جديد، هذا هو
الذي يدّعيه وهو يثبت مقصوده ويتنجّز وجوب الاجتناب عن الثمرة بعد تحققها بنفس
العلم الإجمالي الأوّل، فلا يحتاج إلى التمسّك بالملاك، وإن كان ذكر ذلك في كلا
تقريريه. ويتبيّن من هذا أنّ الذي ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) لا يجري إلاّ
في مثال العلم الإجمالي بغصبية إحدى الشجرتين ووجوب الاجتناب عن الثمرة لإحدى
الشجرتين، ولا يجري في محل الكلام، يعني يجري في هذا المثال وما يشابهه. وذكر
أيضاً نماء الدار في هذا المقام وصرّح بأنّ هذا من باب التبعية، وأنّ وجوب
الاجتناب عن النماء من شئون الاجتناب عن الأصل، لكن في محل الكلام هو لا يقول
بالتبعية؛ بل صرّح بأنّه لا دليل على أنّ نجاسة الملاقي من باب التبعية، وذكر
الأدلّة وذكر الرواية التي نقلناها سابقاً واستشكل في دلالتها، وإن كان احتمل وجود
شيءٍ من الدلالة فيها، لكنّه بالنتيجة قال: لم ينهض دليل واضح على إثبات التبعية
بهذا المعنى في محل الكلام، أي في باب نجاسة الملاقي، وعليه: هو بنا على السببية،
بالنسبة إلى السببية هذا الكلام السابق كلّه لا يجري؛ ولذا لا يمكن أن نؤاخذ المحقق
النائيني(قدّس سرّه) بما ذكره في ذاك المثال ونحاول إثباته في محل الكلام؛ لأنّه
يصرّح بالسببية في محل الكلام، يعني في ملاقي أحد أطراف العلم الإجمالي. هذا
بالنسبة إلى المقام الأوّل، وإلى هنا نفرغ عن المقام الأوّل وهو تنجيز وجوب
الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي الأوّل.
المقام الثاني:
في أنّه بعد الفراغ عن عدم تنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي بالعلم الإجمالي
الأوّل، هل يمكن إثبات تنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي بعلمٍ إجماليٍ آخر، أو بالعلم
الإجمالي الثاني على ما ذكرنا في بداية هذا البحث ؟ لأننا قلنا أنّ هناك علمين
إجماليين لا يمكن إنكارهما، أحدهما: العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين. هذا العلم
الإجمالي بعد فرض الملاقاة لأحد الطرفين سوف يولّد علماً إجمالياً ثانياً طرفاه
هما الملاقي والطرف الآخر، وهذا علم إجمالي وجداني لا يمكن إنكاره بعد تحقق
الملاقاة، يعني لاقى الثوب أحد الإناءين، فأنا أعلم إجمالاً إمّا الثوب نجس، وإمّا
أنّ الطرف الآخر هو النجس؛ لأنّ النجاسة في الواقع بالعلم الإجمالي الأوّل إن كانت
واقعة في الملاقى، أي في الطرف الأوّل الذي لاقاه الثوب، إذن: الثوب نجس؛ لأنّه
بالملاقاة يتنجّس، فعلى تقدير أن تكون النجاسة في الطرف الأوّل، أي الملاقى، إذن:
الملاقي الذي هو الثوب نجس، وعلى تقدير أن تكون النجاسة موجودة في الطرف الآخر،
إذن: الطرف الآخر يكون نجساً، إذن: أنا أعلم إجمالاً بأنّ النجاسة إمّا في
الملاقي، وإمّا في الطرف الآخر. هذا العلم الإجمالي الثاني ميزته عن العلم
الإجمالي الأوّل أنّ الملاقي طرف فيه، فإذا كان هذا العلم الإجمالي تامّاً
ومنجّزاً وليس هناك ما يمنع من تنجيزه لأطرافه يثبت وجوب الاجتناب عن الملاقي، هذا
وجوب الاجتناب عن الملاقي الذي عجزنا ــــــــــــ فرضاً ـــــــــــــ عن إثباته
بالعلم الإجمالي الأوّل أمكن إثباته بالعلم الإجمالي الثاني؛ حينئذٍ نقول: أنّ هذا
العلم الإجمالي الثاني الذي يُفترض حصوله وتحققه بعد الملاقاة؛ لأنّه قبل الملاقاة
ليس لدينا علم إجمالي بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر، بعد حصول الملاقاة وتحقق وجود
الملاقي يحصل هذا العلم الإجمالي الثاني؛ حينئذٍ يقع الكلام فيما إذا كان حصول هذا
العلم الإجمالي الثاني وتحقق الملاقاة مع كون الطرف الآخر داخلاً في محل الابتلاء،
يعني الطرف الآخر داخل في محل الابتلاء وتحققت ملاقاة الثوب لهذا الطرف الأوّل
وحصل العلم الإجمالي، هذا هو محل الكلام. هنا نتكلّم عن أنّ هذا العلم الإجمالي
الثاني هل ينجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي، أو لا ينجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي
؟ هذا هو محل الكلام.
وأمّا إذا فرضنا أنّ
هذا العلم الإجمالي الثاني والملاقاة تحققت بعد خروج الطرف الآخر عن محل الابتلاء،
علمت إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين، هذا العلم الإجمالي الأوّل، فخرج الإناء الثاني
عن محل الابتلاء، ثم لاقى الثوب الإناء الباقي تحت محل الابتلاء، فالملاقاة والعلم
الإجمالي الثاني حصلا بعد خروج الطرف الآخر عن محل الابتلاء، هذه الصورة خارجة عن
محل الكلام على ما ذكروا باعتبار أنّ هذا العلم الإجمالي الثاني لا ينجّز وجوب
الاجتناب عن الملاقي؛ لأنّه ليس علماً بتكليفٍ فعليٍ على كل تقديرٍ؛ لأنّه إن كان
التكليف موجوداً في الطرف الخارج عن محل الابتلاء، فهو غير فعلي؛ لأنّ فعلية
التكليف مشروطة بالدخول في محل الابتلاء. نعم، إذا كان التكليف موجوداً في الطرف
الداخل في محل الابتلاء يكون فعلياً. إذن: لا علم لي بتكليفٍ فعليٍ على كل تقدير؛
فلذا الكلام ليس في هذا الفرض، وإنّما الكلام فيما إذا كانت الملاقاة والعلم
الإجمالي حصل مع فرض دخول الطرف الثاني كالطرف الأوّل في محل الابتلاء، فيقع
الكلام أنّ هذا العلم الإجمالي ينجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي، أو لا ؟
هذا الفرض عن محل الكلام
صحيح وتام إذا
كان الخروج عن محل الابتلاء متحققاً بالتلف، أو كان متحققاً بالتطهير؛ حينئذٍ هذا
الكلام يكون تامّاً، يعني الطرف الآخر خرج عن محل الابتلاء بتلفه، أو خرج عن محل
الابتلاء بتطهيره، هذا الكلام يكون تامّاً وهو أنّه لا علم إجمالي بتكليفٍ فعليٍ
على كل تقدير؛ لأنّه لا معنى لثبوت التكليف مع تلف الطرف الآخر حتّى على تقدير
نجاسته، ولا معنى لثبوت التكليف في الطرف الآخر مع تطهيره؛ فلذا يصح ما قالوه من
أننا حينئذٍ لا نعلم بتكليفٍ فعليٍ على كل تقديرٍ، وهذا العلم الإجمالي لا ينجّز
وجوب الاجتناب عن الملاقي لكونه طرفاً لهذا العلم الإجمالي؛ لأنّ الطرف الآخر ليس
فيه تكليف، فهو ليس علماً إجمالياً بتكليفٍ فعليٍ على كل تقديرٍ. وأمّا إذا كان
المقصود بالخروج عن محل الابتلاء المعنى المتقدّم للخروج عن محل الابتلاء، يعني
وجوده في مكانٍ لا يبتلي به المكلّف عادةً؛ حينئذٍ كلامهم إنّما يصح بناءً على
البحث السابق في أنّ خروج الطرف عن محل الابتلاء بهذا المعنى هل يوجب سقوط التكليف
عنه ؟
وبعبارةٍ أخرى: أنّ
فعلية التكليف هل هي مشروطة بالدخول في محل الابتلاء بهذا المعنى ؟ وأنّها تسقط
عند خروجه عن محل الابتلاء ؟ يعني كونه في مكانٍ بعيدٍ لا يبتلي به المكلّف عادةً،
هل هو مشروط بعدم خروجه عن محل الابتلاء، أو لا ؟ إذا قلنا هو مشروط كما قالوا على
ما تقدّم؛ حينئذٍ يصح كلامهم في أنّ هذا العلم الإجمالي ليس علماً إجمالياً
بتكليفٍ فعليٍ على كل تقدير، وأمّا إذا قلنا لا، كما تقدّم؛ فحينئذٍ ما هي المشكلة
في أن يكون هذا علماً إجمالياً بتكليفٍ فعليٍ على كل تقدير ؟