الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

36/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ ملاقي أحد أطراف العلم الإجمالي.
تبيّن ممّا تقدّم أنّ ما ذكره السيد الشهيد(قدّس سرّه)من التفريق بين الحكم التكليفي للملاقي وبين الحكم الوضعي له، وأنّ العلم الإجمالي الأوّل لا ينجّزالحكم التكليفي للملاقي، أي حرمة الشرب، ولكنّه ينجّز الحكم الوضعي له، أي حرمة التوضؤ به. هذه التفرقة بين الحكم الوضعي والحكم التكليفي مبنيّة على دعوى أنّ الحكم التكليفي لا يكون فعلياً قبل تحقق موضوعه في حين أنّ الحكم الوضعي يكون فعلياً قبل تحقق الموضوع، ويقول: هناك فرق بين حرمة شرب النجس وبين حرمة التوضؤ بالنجس، حرمة شرب النجس لا تكون فعلية قبل وجود النجس، بينما حرمة التوضؤ بالنجس هي حرمة فعلية وفعليتها ليست منوطة بوجود النجس خارجاً، سواء وجد النجس، أو لم يوجد حرمة التوضؤ بالنجس هي حرمة ثابتة وليست منوطة بوجود النجس.
والاستدلال على الأوّل، أي على أنّ الحرمة التكليفية منوطة بوجود النجس مرجعه إلى دعوى الاستظهار، أنّ الظاهر من دليل حرمة شرب الخمر وحرمة شرب النجس وأمثال هذه الأحكام التكليفية، أنّ الظاهر منها هو أنّ وجود النجس قيد في نفس الحرمة، فالحرمة لا تكون فعلية قبل وجود النجس؛ لأنّ وجود النجس قيد في نفس الحرمة، في حين أنّ وجود النجس ليس قيداً في نفس الحرمة الوضعية؛ بل الحرمة الوضعية ثابتة ولو قبل وجود النجس؛ ظاهر الدليل (يحرم شرب الخمر) يُفهم منه أنّ وجود الخمر قيد في نفس الحرمة، فالحرمة ليست فعلية قبل وجود الخمر خارجاً، وهكذا يحرم شرب النجس، أيضاً لا فعلية للحرمة قبل وجود النجس خارجاً. في حين أنّ الحرمة الوضعية، حرمة الوضوء بالنجس ليست مقيدة بوجود النجس؛ لأنّها حرمة ناشئة من ضيق دائرة الواجب وتقيّد الواجب بأن لا يكون بالماء النجس، أو أن يكون بالماء الطاهر، الواجب الذي هو الوضوء، أو الصلاة بالوضوء مقيّدة بأن لا يكون الوضوء بالماء النجس، أو أن يكون بالماء الطاهر، هذه حرمة مرجعها كما قلنا إلى الشرطية، أو إلى المانعية؛ لأنّه يُشترط في صحّة الوضوء أن يكون بالماء الطاهر، أو أنّ الوضوء بالماء النجس يكون مانعاً من صحّة الوضوء، هذه الشرطية والمانعية ليست منوطة بوجود النجس خارجاً، وإنّما هي تكون فعلية بفعلية موضوعها، وبفعلية الوضوء ووجوب الوضوء، إذا وجب الوضوء على المكلّف تكون هذه الشرطية فعلية وتكون هذه الحرمة الوضعية فعلية وليست منوطة بوجود النجس خارجاً أو عدم وجوده، لا يوجد النجس، مع ذلك الوضوء يكون مشروطاً بأن يكون بالماء الطاهر، والوضوء بالماء النجس يكون مانعاً من صحّة الوضوء، هذه القضية ليست منوطة بوجود الماء النجس خارجاً، فهي قضية فعلية ثابتة قبل وجود النجس؛ حينئذٍ يترتب على ذلك في محل الكلام أنّه عندما نعلم بنجاسة أحد الإناءين، هذا هو محل الكلام، هذا العلم بنجاسة أحد الإناءين لا ينجّز حرمة شرب الملاقي حرمة تكليفية؛ لأنّ حرمة شرب الملاقي هي من قبيل حرمة شرب الخمر ومن قبيل حرمة شرب النجس، هي عبارة أخرى عن حرمة شرب النجس؛ لأنّ ملاقي النجس ينجس، فيحرم شربه، هذه الحرمة لا تكون فعلية قبل تحقق موضوعها، وموضوعها هو الملاقي، فقبل تحقق الملاقي وقبل تحقق الملاقاة، هذه الحرمة ليست فعلية، فعليتها منوطة بوجود موضوعها، يعني بوجود الملاقي وتحقق الملاقاة، وقبله لا فعلية لهذه الحرمة، وهذا معناه أنّ العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين لا ينجّز هذه الحرمة بالنسبة إلى الملاقي؛ لأنّ تنجيز هذه الحرمة وفعليتها منوطة بالملاقي والملاقاة، منوطة بأن يلاقي النجس، وهذا شيء لا نحرزه في المقام، نحن لا نحرز أنّ الملاقي لاقى النجس؛ لأنّه لاقى أحد أطراف العلم الإجمالي، فلا إحراز لملاقاته للنجس حتّى تكون الحرمة منجّزة بالعلم الإجمالي؛ بل هي تبقى غير محرزة، وتبقى مشكوكة وغير معلومة، فتجري فيها الأصول المؤمّنة؛ ولذا لا يكون العلم الإجمالي منجّزاً للحرمة التكليفية للملاقي، في حين أنّ الحرمة الوضعية للملاقي ينجّزها العلم الإجمالي؛ لأنّ الحرمة الوضعية للملاقي وهي حرمة الوضوء به ثابتة قبل وجود الملاقي وتحقق الملاقاة، هذه حرمة مرجعها إلى الشرطية، مرجعها إلى المانعية، وهذه المانعية ثابتة بفعلية الواجب، عندما يكون الواجب ثابتاً هذه الشرطية تكون ثابتة وفعلية، وهي ليست ــــــــــــ بحسب الفرض ــــــــــ منوطة بوجود الملاقي والملاقاة؛ بل هي موجودة قبل ذلك، فإذا كانت موجودة قبل ذلك، إذن هي غير متوقفة على تحقق الملاقاة؛ بل هي ثابتة بنفس العلم الإجمالي، عندما يعلم إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين، إذن هو يعلم إجمالاً بنجاسة ملاقي كل واحدٍ من الطرفين، عندما يعلم إجمالاً بنجاسة أحد الطرفين، فهو يعلم إجمالاً بحرمة الوضوء بملاقي كل واحد من الطرفين، يعلم بحرمة التوضؤ بملاقي هذا الطرف، أو بحرمة التوضؤ بملاقي الطرف الآخر، من البداية يعلم بذلك وقبل تحقق الملاقاة، من البداية عندما يكون هناك نجس تأتي الشرطية وتقول لا يجوز الوضوء به، ونحن هنا علمنا بالعلم الإجمالي بوجود النجس في ضمن أحد الإناءين، هذا العلم الإجمالي بوجود النجس في ضمن أحد الإناءين كما ينجّز حرمة شرب كل واحدٍ من الطرفين كذلك ينجّز حرمة الوضوء بملاقي كل واحدٍ من الطرفين؛ لأنّ حرمة الوضوء بالنجس ليست موقوفة على تحقق النجس خارجاً، كل نجس يحرم الوضوء به، ويُشترط في صحّة الوضوء أن يكون بالماء الطاهر.....وهكذا. هذه حرمة شرطية فعلية قبل تحقق الملاقاة وقبل الملاقي، فيكون العلم الإجمالي كافياً لتنجيزها، فالفرق يكمن في أنّ الحكم التكليفي لا يكون فعلياً إلاّ بعد تحقق موضوعه، في حين أنّ الحرمة الوضعية ليست هكذا، وإنّما هي تكون فعلية قبل تحقق الملاقاة والملاقي، فيكون العلم الإجمالي كافياً لتنجيزها. هذه هي الفكرة  
إذا منعنا من كون فعلية الحكم التكليفي منوطة بوجود موضوعه؛ فحينئذٍ هذه التفرقة لا تكون صحيحة؛ بل لابدّ أن نقول على كلا التقديرين العلم الإجمالي يكون منجّزاً للحكم الوضعي وللحكم التكليفي. إذا قلنا بأنّ(يحرم شرب الخمر) لا نفهم منه أنّ وجود الخمر قيد في نفس الحرمة، وإنّما يُفهم منه أنّ وجود الخمر قيد في الحرام لا في نفس الحرمة، الحرمة فعلية قبل وجود الخمر، حرمة شرب ملاقي النجس فعلية قبل وجود الملاقي وتحقق الملاقاة، إذا فهمنا ذلك منها؛ فحينئذٍ هذه التفرقة لا تكون تامّة، ويمكن للإنسان أن يدّعي ويقول بأنّ الذي يُفهم من دليل تحريم شرب الخمر ومن دليل تحريم شرب النجس .....وهكذا، يُفهم من ذلك أنّ هذا الحكم وهذه الحرمة مجعولة على كل مكلّف يتمكّن من شرب الخمر، ولو بإيجاده خارجاً وليست منوطة بوجود الخمر في الخارج حتّى تكون هذه الحرمة معدومة وغير فعلية إذا لم يوجد الخمر في الخارج؛ بل هذه حرمة تتوجّه إلى كل مكلّفٍ يتمكّن من شرب الخمر خارجاً، سواء باعتبار وجود الخمر في الخارج، أو باعتبار أنّه قادر على تحصيله، كل منهما يتوجّه إليه الخطاب، وتكون الحرمة فعلية في حقّ كل مكلّف قادر على شرب الخمر ولو بإيجاده في الخارج، الحرمة تكون في حقه فعلية وليست منوطة بوجود الخمر في الخارج، هذا فهم عرفي، واستظهار من الدليل؛ لذا هناك فرق بين باب الأوامر وبين باب النواهي، في باب الأوامر لا نستطيع أن ندّعي هذا الكلام؛ لأنّه ليس عرفياً في باب الأوامر(أكرم كل عالم) لا يمكن أن يقال أنّ المستظهر من هذا الدليل هو فعلية الوجوب قبل وجود الموضوع؛ بل وجود الإكرام منوط بوجود رجل عالم، بحيث مع عدم وجود العالم لا فعلية لهذا الوجوب؛ ولذا لا يجب بلا إشكال حسب الفهم العرفي، لا يجب على المكلّف تحصيل الرجل العالم مقدّمة لامتثال التكليف والإتيان بمتعلّق التكليف وهو الإكرام، لا يجب عليه ذلك ولا يتوهم ذلك أحد في باب الواجبات، الوجوب وفعليته منوط بوجود العالم ومع عدم وجوده لا فعلية لهذا الوجوب، لا نستطيع أن نقول أنّ هذا الحكم مجعول على كل مكلّف يتمكّن من إكرام العالم ولو بإيجاده، هذا ليس عرفياً، لكن هذا الكلام يمكن ادعاءه في باب النواهي بأن نقول أنّ الغرض من تحريم الخمر هو عدم تمكين المكلّف منها ولو بإيجادها، فهي مجعولة على كل مكلّف يتمكّن من شرب الخمر، ولو بإيجاده في الخارج، وهذا معناه أنّها ليست منوطة بوجود الخمر في الخارج، وإنّما هذه الحرمة موجودة وثابتة قبل وجود الخمر في الخارج. إذا قلنا بذلك حينئذٍ لا يبقى فرق بين الحكم التكليفي للملاقي، وبين الحكم الوضعي للملاقي، الحرمة ثابتة في كل منهما قبل الملاقاة وقبل وجود الملاقي، فيكون العلم الإجمالي كافياً لتنجيزها، وهذا هو الذي ينسجم مع البناء على التبعية في تفسير كيفية نجاسة الملاقي بالنجس، بخلاف القول بالسببية.
ثمّ بعد ذلك نقول في ما يرتبط بهذا البحث نفسه وهو التفصيل بين الحكم الوضعي للملاقي وبين الحكم التكليفي له. المحقق النائيني(قدّس سرّه) أيضاً ذهب إلى أنّ العلم الإجمالي الأوّل ينجّز الحكم الوضعي لكن في بعض الأمثلة،[1] حيث نصّ في بعض الأمثلة على أنّ العلم الإجمالي الأوّل ينجّز الحكم الوضعي، وذكر هذا المثال: ما لو علم بغصبية إحدى الشجرتين وحصل بعد ذلك ثمرة لأحداهما دون الأخرى، الرأي الآخر هو أنّ العلم الإجمالي لا ينجّز لا الحكم التكليفي ولا الحكم الوضعي، فيجوز التصرّف في هذه الثمرة ـــــــــــ هذا الكلام بقطع النظر عن العلم الإجمالي الثاني ــــــــــ أنّ العلم الإجمالي لا ينجّز حرمة التصرّف في هذه الثمرة ولا ينجّز ضمان الثمرة على تقدير التصرّف فيها، لا ينجّز كلتا الحرمتين، لا الحرمة التكليفية ولا الحرمة الوضعية، فالتزم أصحاب الرأي الآخر بجواز التصرّف في الثمرة وعدم ضمانها وضعاً بناءً على المبنى الذي يقول أنّ العلم الإجمالي الأوّل ليس كافياً في تنجيز الحكم التكليفي ولا يكفي في تنجيز الحكم الوضعي بالنسبة إلى الثمرة على غرار الملاقي، الثمرة تقابل الملاقي في محل كلامنا، كما قالوا أنّ العلم الإجمالي الأوّل لا ينجّز حرمة التصرّف في الملاقي كذلك لا ينجّز حرمة التوضؤ بالملاقي، هنا أيضاً كذلك. بينما المحقق النائيني(قدّس سرّه) ذهب إلى العكس تماماً، يعني ذهب إلى أنّ العلم الإجمالي ينجّز الحرمة التكليفية في مثال الثمرة أي ينجّز حرمة التصرّف في الثمرة، وينجّز أيضاً ضمان الثمرة عند التصرّف فيها، فينجّز كلا الحكمين التكليفي والوضعي. أمّا بالنسبة إلى الحكم الوضعي، أي الضمان، فذكر بأنّ الدليل على أنّ العلم الإجمالي ينجّز ضمان الثمرة، فالأصل هو أنّه لا إشكال في ضمان نفس الشجرة، هذا ليس محل كلامنا، وإنّما كلامنا في الثمرة المتجددة بعد ذلك، يقول: هنا العلم الإجمالي ينجّز ضمان هذه الثمرة، واستدل على ذلك باعتبار أنّ المكلّف بوضع يده على الأصل، يعني بوضع يده على العين المغصوبة يكون هذا وحده سبباً لضمان الأصل ومنافع الأصل ولو كانت متجددة بعد ذلك، يعني لا يشترط في ضمان منافع الأصل أن تكون المنافع موجودة حين وضع اليد على الأصل؛ بل حتّى إذا كانت العين المغصوبة حين غصبها ووضع اليد عليها ليس لها منافع، لكن استجدت لها منافع بعد ذلك، نفس وضع اليد وغصب العين هو كافٍ في ضمان منافعها المتجددة، ويستدل على ذلك بأنّ المالك للشجرة يجوز له الرجوع إلى الغاصب الأوّل ـــــــــــــ في مسألة تعاقب الأيدي ــــــــــــ في المنافع المتجددة الحاصلة بعد خروج العين من يده، يعني من يد الغاصب الأوّل ودخولها في أيادٍ أخرى، مع ذلك يجوز للمالك أن يرجع إلى الغاصب الأوّل، وهذا معناه أنّ الغاصب الأوّل بوضع يده على العين يكون قد ضمن العين ومنافعها حتّى ما كان متجدداً منها؛ ولذا جاز للمالك أن يرجع إليه مع أنّ المنافع لم تكن تحت يده، وإنّما تجددت بعد ذلك، وهذا مؤشر على أنّ اليد العادية هي سبب لضمان منافع العين حتّى إذا لم تكن موجودة حين وضع اليد على العين. بناءً على هذا الكلام، يقول: حينئذٍ يُفهم أنّ العلم بغصبية أحدى الشجرتين يترتب عليه ضمان نفس العين المغصوبة، ويترتب عليه أيضاً ضمان منافعها المتجددة مضافاً إلى منافعها الموجودة حين وضع اليد، عندما نعلم بأنّ أحدى الشجرتين مغصوبة، يعني نعلم بضمان تلك العين المغصوبة المرددة بين الشجرتين، وبضمان منافعها الموجودة حين الغصب وضمان منافع تلك العين المرددة المتجددة بعد ذلك، بمجرّد أن تكون هناك عين مغصوبة، بالغصب يكون ضامناً لكل هذه الأمور، فيثبت ضمان المنافع المتجددة بعد الغصب.
في محل الكلام، أي في مثال الشجرة، في الحقيقة هو يدخل في القاعدة السابقة التي ذكروها وهي أنّ كل الأحكام والآثار الشرعية التي يكون تمام موضوعها المعلوم بالإجمال، هذه الآثار والأحكام الشرعية يجب ترتيبها على كلٍ من الطرفين تحصيلاً للموافقة القطعية للعلم الإجمالي، غصبية أحدى الشجرتين هو المعلوم بالإجمال، هذه الشجرة المغصوبة المعلومة بالإجمال لها آثار شرعية، وأثرها الشرعي هو أنّها تكون مضمونة، ومنافعها المتجددة أيضاً مضمونة بالبيان الذي ذكره قبل قليل، هذه آثار شرعية ثابتة وتمام موضوعها هو عبارة عن الغصبية المعلومة بالإجمال، كل اثر شرعي يكون تمام موضوعه هو المعلوم بالإجمال يجب ترتيبه على كل واحدٍ من الطرفين حتّى يوافق العلم الإجمالي قطعاً؛ لأنّه من دون ذلك لا تتم الموافقة القطعية للعلم الإجمالي، إذا رتّب أثراً على هذا الطرف وترك الطرف الآخر سوف لن يصل إلى القطع بإحراز الموافقة القطعية، فإذن يجب ترتيب الآثار المترتبة على المعلوم بالإجمال، يجب ترتيبها على كل واحدٍ من الطرفين، وهنا ثبت أنّ المعلوم بالإجمال وهو غصبية أحدى الشجرتين هو تمام الموضوع لضمانها وضمان نمائها حتّى لو كان متجدداً في المستقبل، هذا الأثر يجب ترتيبه على كلٍ من الطرفين تحصيلاً للموافقة القطعية، فإذا غصب هذه الشجرة يكون ضامناً لها وضامناً لنمائها ولو كان متجدداً بعد ذلك، فيثبت ضمان الثمرة المتجددة بعد وضع اليد وبعد الغصب، وهذا يثبت بنفس العلم الإجمالي بغصبية أحدى الشجرتين، يثبت ضمان ثمرة هذه الشجرة المغصوبة المرددة؛ حينئذٍ يجب ترتيب هذا الأثر على كلٍ من الطرفين، فيثبت أنّ ثمرة هذه الشجرة أيضاً تكون مضمونة بنفس العلم الإجمالي الأوّل. هذا بالنسبة إلى الحكم الوضعي.
أمّا بالنسبة إلى الحكم التكليفي أيضاً قال بأنّ العلم الإجمالي الأوّل ينجّز حرمة التصرّف في الثمرة الذي هو حكم تكليفي، هنا استدلّ عليه بأنّ حرمة التصرّف وإن كانت منتفية بانتفاء موضوعها حين وضع اليد وحين الغصب الأوّل؛ لأنّ المفروض أنّ الثمرة لم تكن حاصلة، وإنّما استجدت فيما بعد، إلاّ أنّ ملاك هذا الحكم التكليفي قد تمّ بغصب العين الموجب لضمانها وضمان منافعها الموجودة والمتجددة، والملاك هو كون اليد عادية وموجبة لضمان العين ومنافعها حتّى المتجددة، فإذا تجددت الثمرة تحقق موضوع حرمة التصرّف، فكأنّه يريد أن يقول أنّ حرمة التصرّف في الثمرة ليست موجودة من البداية لاستحالة وجود الحكم قبل تحقق موضوعه؛ لأنّه لا يمكن أن تكون الحرمة فعلية قبل وجود الثمرة، لكن قال أنّ ملاك هذه الحرمة موجود من البداية، وهي اليد العادية الغاصبة، وهذه اليد المعتدية متحققة من السابق وهي موجبة لضمان العين وضمان منافعها حتّى المتجددة، فإذا تجددت الثمرة حينئذٍ تترتب حرمة التصرّف في هذه الثمرة وتثبت وتكون فعلية بعد وجود هذه الثمرة؛ لأنّها ثمرة مغصوبة واليد عليها يد عادية، وبعد وجودها يكون موضوع الملاك موجود؛ فحينئذٍ تكون الحرمة فعلية، فيحرم التصرّف بها، باعتبار أنّ العلم الإجمالي نجّز ملاكها وهذا الملاك محفوظ، فإذا تجددت الثمرة ثبتت الحرمة، في الحقيقة المانع له من الالتزام بفعلية الحرمة سابقاً هو المحذور الذي ذكره السيد الشهيد(قدّس سرّه) وهو عدم تصوّر فعلية الحرمة قبل وجود موضوعها، فقبل وجود الثمرة لا تكون حرمة التصرّف في الثمرة فعلية، لكنّه قال أنّ هذا لا يمثّل مشكلة؛ لأنّ ملاك هذه الحرمة موجودة سابقاً، وهذا يكفي في إثبات أنّ العلم الإجمالي يكون منجّزاً للحكم التكليفي بالنسبة إلى الثمرة كما كان منجّزاً للحكم الوضعي بالنسبة إليها. هذا كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه) الذي نقله السيد الخوئي(قدّس سرّه).
السيد الخوئي(قدّس سرّه) اعترض على هذا البيان،[2] وأنكر كلاً منهما، قال: أنّ العلم الإجمالي لا ينجّز الحكم الوضعي للثمرة، يعني ضمانها، ولا ينجّز الحكم التكليفي للثمرة الذي هو حرمة التصرّف فيها، على القاعدة في باب الملاقي في محل كلامنا بناءً على الرأي المعروف، كما أنّ العلم الإجمالي في باب الملاقي في محل كلامنا لا ينجّز حرمة التصرّف بالملاقي ولا ينجّز حرمة التوضؤ به على رايهم، كذلك العلم الإجمالي في محل الكلام أيضاً لا ينجّز الحكم التكليفي ولا الحكم الوضعي بالنسبة إلى الثمرة. أمّا بالنسبة للحكم الوضعي الذي هو الضمان، فذكر السيد الخوئي(قدّس سرّه) في مقام الاعتراض على المحقق النائيني(قدّس سرّه) أنّ مسألة ضمان منافع العين المغصوبة حتّى لو كانت متجددة هي قضية مسلّمة كبروياً ولا يمكن إنكارها، لكن متى تكون هذه الكبرى فعلية ؟ عندما تتحقق صغراها، وصغراها هي كون الثمرة ثمرة لعينٍ مغصوبة، فإذا أحرزنا أنّ هذه الثمرة هي ثمرة لعين مغصوبة فلا إشكال في أنّها تكون مضمونة تطبيقاً للكبرى، لكن في محل الكلام لا نحرز أنّ هذه الثمرة هي ثمرة لعينٍ مغصوبةٍ لاحتمال أن تكون هذه الثمرة ثمرة للعين المملوكة؛ لأنّه هو يملك أحدى الشجرتين وغصب الشجرة الأخرى، واختلط الأمر، وصار لديه علم إجمالي بأنّ أحدى الشجرتين مغصوبة، هو لا يحرز بأنّ هذه الثمرة هي ثمرة للعين المغصوبة حتّى يقال بثبوت الحكم بضمانها، وإنّما يُحتمل أن تكون هذه الثمرة ثمرة للعين المملوكة الأخرى ومن دون إحراز صغرى هذه الكبرى لا تكون هذه الكبرى ثابتة، يعني أنّ ضمان الثمرة في محل الكلام يكون أمراً مشكوكاً؛ لأننا لا نحرز الضمان لهذه الثمرة إلاّ إذا أحرزنا أنّها ثمرة لشجرةٍ مغصوبةٍ، فإذا كان هذا الضمان مشكوكاً؛ فحينئذٍ إمّا أن نرجع إلى البراءة، أو نرجع إلى استصحاب عدم كونها من منافع العين المغصوبة، هو رجع إلى استصحاب عدم كون الثمرة من منافع العين المغصوبة حتّى ينفي الضمان، وذكر بأنّ هذا الاستصحاب لا يُعارَض باستصحاب عدم كونها من منافع العين المملوكة؛ لأنّه لا اثر لهذا الاستصحاب الثاني، فلا يعارض الاستصحاب الأوّل، هو يقول: بعد أن كان الضمان مشكوكاً لأننا نشك في كون الثمرة ثمرة لشجرة مغصوبة؛ فحينئذٍ يمكن الرجوع إلى الأصول المؤمّنة، إمّا البراءة، أو استصحاب عدم كون هذه الثمرة من منافع العين المغصوبة؛ لكي ننفي الضمان، ويقول : أنّ استصحاب عدم كون الثمرة من منافع العين المغصوبة لا يُعارَض باستصحاب عدم كون هذه الثمرة من منافع العين المملوكة لإثبات الضمان؛ لأنّ هذا يكون أصلاً مثبتاً؛ لأنّ الضمان موضوعه العين المغصوبة، واستصحاب عدم كون الثمرة من منافع العين المملوكة لا يثبت أنّها من منافع العين المغصوبة إلاّ بناءً على الأصل المثبت؛ فلذا لا يجري هذا الأصل، ويجري ذاك الأصل، وينفي الضمان. وإذا ناقشنا في هذا الاستصحاب، فلابد من الرجوع إلى البراءة.


[1] فوائد الأصول، إفادات الميرزا النائيني للشيخ الكاظمي الخراساني، ج4، ص67.
[2] دراسات في علم الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد الشاهرودي، ج3، ص408.