الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ ملاقي
أحد أطراف العلم الإجمالي.
ننبه على خطأٍ تقدّم منّا واشتباه
في الدرس السابق، قلنا أنّه لا يوجد في النصوص مسألة التفريق بين ملاقاة النجس
للمائع وبين ملاقاته للجامد، والصحيح هو أنّه توجد نصوص تفرّق بينهما، فكان القول
بعدم وجود نصوص اشتباهاً منّا، والظاهر وجود نصوص تفرّق بين الجامد وبين المائع
وهي روايات تقول إذا كان جامداً، فمضمونها أنّه لا يتنجس جميعه، وإنّما يتنجّس
خصوص موضع الملاقاة.
ممّا تقدّم يظهر أنه
على تقدير مساعدة الأدلّة على هذا الاحتمال، وهو التبعية بالمعنى المتقدّم؛ حينئذٍ
يتعيّن الالتزام بأنّ العلم الإجمالي الأوّل يكفي لتنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي
ولا يحتاج هذا الوجوب إلى إقامة دليلٍ خاص يدلّ عليه؛ بل يكفي نفس العلم الإجمالي المفروض
وجوده في المقام. نعم، بعض المحققين استشكل في تطبيق هذه الفكرة على محل الكلام.
لنفترض أنّ الدليل ساعد على أصل الفكرة، وهي أنّ نجاسة ملاقي النجس تفسّر على أساس
التبعية ــــــــــــــ ليس في العلم الإجمالي وإنّما في العلم التفصيلي ــــــــــــ
على أساس أنّه من شئون نجاسة نفس النجس، وأنّه يكفي في إثبات نجاسة ملاقي النجس
نفس ما يدل على نجاسة النجس. هذه الفكرة على فرض أنّ الدليل يساعد عليها ولا مانع
منها، بعض المحققين استشكل في تطبيقها في محل الكلام، ومحل الكلام ليس هو ملاقي
النجس، وإنّما هو ملاقي أحد أطراف العلم الإجمالي بالنجاسة، استشكل في تطبيق ذلك في
محل الكلام بدعوى أنّه يعتبر في إمكان تطبيق فكرة التبعية على موردٍ....يعتبر وجود
حكم شرعي نفسي بوجوب الاجتناب عن النجس؛ فحينئذٍ يقال: أنّ هذا الحكم الشرعي بوجوب
الاجتناب عن النجس يقتضي وجوب الاجتناب عن ملاقيه، على أساس التبعية، وعلى أساس
أنّ الاجتناب عن ملاقي النجس من شئون الاجتناب عن نفس النجس ومن تبعاته، لكن هذا
يتوقّف على افتراض وجود أمرٍ شرعيٍ بالاجتناب عن النجس، فيقال أنّ هذا الأمر
الشرعي بالاجتناب عن النجس يقتضي الأمر بالاجتناب عن ملاقيه، وهذا غير موجودٍ في
محل الكلام الذي هو ملاقي أحد طرفي العلم الإجمالي، وذلك إمّا من جهة أنّ وجوب
الاجتناب عن الملاقى باعتباره طرفاً للعلم الإجمالي ليس وجوباً شرعياً، وإنّما هو
وجوب عقلي، يحكم به العقل من باب الاحتياط ومن باب لزوم الموافقة القطعية للتكليف
المعلوم بالإجمال. إذن: وجوب الاجتناب الذي نريد أن نثبت أنّه يقتضي وجوب الاجتناب
عن الملاقي ليس هو وجوباً شرعياً، وإنّما هو وجوب عقلي، لو كان وجوباً شرعياً،
الشارع يأمر بالاجتناب عن النجس، أو عن هذا لنجاسته نستكشف منه وجوب الاجتناب عن
ملاقيه على أساس التبعية، لكن في محل الكلام لا يوجد عندنا تكليف شرعي نفسي بوجوب
الاجتناب حتى نستكشف منه وجوب الاجتناب عن الملاقي؛ لأنّ الحكم الثابت في الملاقى
الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي هو حكم عقلي وليس حكماً شرعياً؛ فحينئذٍ كيف يمكن
أن نثبت وجوب الاجتناب عن الملاقي بالعلم الإجمالي الأوّل ونطبّق الفكرة السابقة
لإثباته ؟ هذا في مقام تطبيقه في محل الكلام يواجه مشكلة، وهي أنّ هذه الفكرة
تتوقف على افتراض وجود حكمٍ شرعيٍ نفسيٍ يأمر بالاجتناب عن شيء؛ حينئذٍ نقول أنّ
هذا يقتضي الاجتناب عن الملاقي، وفي محل الكلام، الملاقى الذي هو أحد طرفي العلم
الإجمالي لا يوجد فيه مثل هذا الحكم الشرعي، وإنّما الموجود فيه هو الحكم العقلي،
العقل يحكم بلزوم الاتيان بهذا الطرف من باب الاحتياط ومن باب منجزية العلم
الإجمالي للطرفين، ووجوب الموافقة القطعية، ومثل وجوب الاجتناب العقلي هذا لا
يستكشف منه وجوب الاجتناب عن الملاقي، ولو سلّمنا وجود حكمٍ شرعيٍ يأمر بالاجتناب
عن الملاقى، فهذا الحكم لابدّ من حمله على إنّه إرشاد إلى حكم العقل لا على
التأسيس، ممّا يعني أنّه لا يوجد في الملاقاة إلاّ الحكم العقلي بوجوب الاجتناب،
وهذا لا يقتضي وجوب الاجتناب عن الملاقي، فكيف يمكن إثبات وجوب الاجتناب عن
الملاقي بمجرّد العلم الإجمالي الأوّل ؟
وذكر إشكالاً من جهةٍ ثانيةٍ:
وهو أنّه لو تنزلنا وسلّمنا وجود حكمٍ شرعيٍ نفسيٍ تأسيسيٍ مولويٍ بالاجتناب عن
الملاقى، مع ذلك هذا لا ينفع للوصول إلى النتيجة؛ لأنّ فكرة التبعية مبنية على
دعوى الملازمة بين الأمر بالاجتناب عن النجس وبين الأمر بالاجتناب عن ملاقيه، إذن،
لابدّ أن نفترض أنّ الأمر يتعلّق بالشيء بعنوان النجس، بعنوان النجس هذا الأمر
يقتضي الأمر بملاقيه، وإلاّ من الواضح أنّ الأمر بالاجتناب عن الشيء بأي عنوانٍ
لا يلازم الأمر بالاجتناب عن ملاقيه، فلو أمر بالاجتناب عن المغصوب، فأنّه لا
يلازم الأمر بالاجتناب عن ملاقي المغصوب، لو أمر بالاجتناب عن ما في أيدي الظالمين
ـــــــــ مثلاً ــــــــــــ هذا لا يلازم الأمر بالاجتناب عن ملاقيه. إذن: الذي
تُدّعى فيه الملازمة هو الأمر بالاجتناب عن الشيء بعنوان النجس. هذا هو الذي
تًدّعى فيه الملازمة على اساس فكرة التبعية. في محل الكلام الملاقاة حتّى لو فرضنا
تنزلاً أنّ الشارع أمر بالاجتناب عنه، هذا الأمر بالاجتناب عنه ليس أمراً
بالاجتناب عنه بعنوان النجس، وإنّما هو أمر بالاجتناب عنه بما هو مشتبه، وبعنوان
الاحتياط، أو بعنوان وجوب الموافقة القطعية، لو لم نحمل الأمر الشرعي بالاجتناب
على الإرشاد، وكان تأسيسياً، أيضاً الشارع يأمر بالاجتناب عن هذا الطرف لأنّه
مشتبه؛ لأنّه أحد طرفي العلم الإجمالي، فالأمر بالاجتناب عنه ليس أمراً بالاجتناب
عنه بعنوان النجس حتّى نستطيع أن نستكشف منه وجوب الاجتناب عن الملاقي، وإنّما هو
أمر بالاجتناب عنه من باب الاحتياط باعتباره أمراً مشتبهاً يأمر الشارع به، مثل
هذا الأمر الشرعي أيضاً لا يُستكشف منه وجوب الاجتناب عن الملاقي.
فإذن:
تطبيق تلك الفكرة في محل الكلام يكون مشكلاً، إمّا من الجهة الأولى والتي هي أنّ
الأمر في محل الكلام ليس شرعياً؛ بل هو عقلي، أو من الجهة الثانية وهي أنّه حتى لو
سلّمنا انه أمرٌ بالاجتناب شرعاً، لكنّه أمرٌ بالاجتناب عنه لا بعنوان النجس،
وفكرة التبعية مبنية على افتراض أنّ الأمر بالشيء يكون أمراً بالاجتناب عنه بعنوان
النجس؛ حينئذٍ يقال بأنّه توجد بينه وبين الأمر بالاجتناب عن ملازمة على اساس أنّه
من شئونه ومن تبعاته ....... الخ الكلام المتقدّم. ومن هنا يصعب تطبيق تلك الفكرة في
محل الكلام، وإن كان أصل الفكرة يمكن أن تكون الأدلّة مساعدة عليها، لكن تطبيقها في
محل الكلام غير تام. وعليه: سوف تتبدّل النتيجة، وبناءً على هذا لا نستطيع أن نقول
أنّ العلم الإجمالي الأوّل يكفي لتنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي.
يمكن التأمّل في الأمر
الثاني
الذي ذكره، وهو مسألة أنّه حتّى لو سلّمنا وجود حكمٍ شرعيٍ مولويٍ تأسيسيٍ
بالاجتناب عن الملاقى، مع ذلك هذا لا ينفع لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي؛ لأنّه
لم يثبت له بعنوان النجس، وإنّما ثبت له بعنوان الاشتباه وبعنوان الاحتياط، ومثله
لا يقتضي وجوب الاجتناب عن الملاقي، فكأنّه يكون حاله حال الأمر بالاجتناب عن
المغصوب، كيف أنّ الأمر بالاجتناب عن المغصوب لا يقتضي الأمر بالاجتناب عن ملاقيه،
كذلك الأمر بالاجتناب عن الملاقى الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي أيضاً لا يقتضي
الأمر بالاجتناب عن ملاقيه.
أقول:
هذا الأمر يمكن التأمّل فيه بأنّ هناك فرقاً بين المقامين، بين الأمر بالاجتناب عن
المغصوب وبين الأمر بالاجتناب عن الملاقى، هناك فرق بينهما. صحيح، الأمر بالاجتناب
عن الملاقى ليس أمراً بالاجتناب عنه بعنوان النجس؛ لأنّ هذا يختصّ بالنجاسات،
الشارع عندما يأمر بالاجتناب عن البول يأمر بالاجتناب عنه بعنوان النجس، هذا صحيح،
لكنّه أمر بالاجتناب عن الملاقى بعنوان أنّه محتمل النجاسة، وهذا لا يمكن إنكاره، وإلاّ
لماذا يأمر بالاجتناب عن هذا الطرف ؟ لاحتمال أن تكون النجاسة المعلومة بالإجمال
موجودة فيه، فإذن: هو أمر بالاجتناب عنه بعنوان أنّه محتمل النجاسة، بعنوان أنّه
مشتبه بالنجاسة المعلومة بالإجمال، بعنوان أنّه يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال
الذي هو النجاسة ـــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــ عليه، فإذا فرضنا فرضاً
ـــــــــــ لأنّ المسألة في الثاني من باب التنزّل ــــــــــ أنّ الشارع أمر
أمراً مولوياً بالاجتناب عن هذا الملاقى الذي هو طرف العلم الإجمالي، بعنوان أنّه
يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليه، إذن: هناك فرق بين الأمر بالاجتناب عن
المغصوب وبين الأمر بالاجتناب عن الملاقى، عن أحد طرفي العلم الإجمالي بنجاسة أحد
الطرفين، وهذا معناه أنّ الغرض من هذا الأمر الشرعي بالاجتناب عن الملاقى هو ضمان
الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال، وهكذا بالنسبة إلى الطرف الآخر، لكي يضمن
الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال، المهم عند الشارع هو الاجتناب عن النجس المعلوم
بالإجمال، المعلوم وجوده في البين المردد بين أن يكون في هذا الطرف، أو يكون في
هذا الطرف، فالشارع من باب الفرض والتنزّل أمر بالاجتناب عن هذا الطرف، وهكذا أمر
بالاجتناب عن الطرف الآخر لكي يضمن الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال، ومن
الواضح أنّ الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال المأمور به شرعاً أمرأً مولوياً
تأسيسياً كما يقتضي الاجتناب عن كلا الطرفين يقتضي الاجتناب عن ملاقي أحد الطرفين
بناءً على فكرة التبعية، فكرة التبعية تقول أنّ الاجتناب عن النجس لا يتحقق ولا
يكون إلاّ بالاجتناب عن ملاقيه، فإذا تنجّز النجس بالعلم الإجمالي ودخل في عهدة
المكلّف وتنجّز عليه الاجتناب عن النجس، فتعيّن عليه أن يجتنب عن النجس المعلوم
بالإجمال، ولا يجتنب عن النجس المعلوم بالإجمال، إلاّ إذا اجتنب كلا الطرفين
وملاقي أحد الطرفين، كما أنّه إذا لم يجتنب عن أحد الطرفين لا يحرز الاجتناب عن
النجس الذي تنجّز عليه بالعلم الإجمالي، كذلك هو إذا لم يجتنب عن ملاقي أحد
الطرفين هو لا يحرز الاجتناب عن النجس الذي تنجّز عليه بالعلم الإجمالي
ــــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــ بناءً على التبعية، التبعية تقول لا يكون
الاجتناب عن النجس إلاّ بالاجتناب عن ملاقيه، فإذا تنجّز على المكلّف بسببٍ من
الأسباب، وجوب الاجتناب عن النجس هو بنفسه يكفي لتنجيز وجوب الاجتناب عن ملاقيه؛
لأنّ عدم الاجتناب عن الملاقي يعني عدم الاجتناب عن النجس الذي تنجّز عليه بالعلم
الإجمالي، لم يجتنب النجس، التبعية هكذا تقول.
إذن: نحن في
المقام، لنفترض أنّ الأمر الشرعي المتعلّق بأحد طرفي العلم الإجمالي تعلّق به
بعنوان الاحتياط، أو الاشتباه، أو بعنوان أنّه يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال
عليه، هذا كلّه صحيح، لكن يبقى هناك فرق بينه وبين الأمر بالاجتناب عن المغصوب،
هناك لا مجال لتوهّم أنّه يقتضي الاجتناب عن ملاقيه، بينما في محل الكلام هذا
الأمر الشرعي تنزلاً بالاجتناب عن الملاقى واضح إنّما هو لغرض ضمان الاجتناب عن
النجس المعلوم بالإجمال، وهكذا عندما يأمر بالطرف الآخر، نفس هذا النجس المعلوم
بالإجمال الذي أمر به الشارع أمراً شرعياً مولوياً وليس أمراً عقلياً، هذا النجس
الذي تنجّز بالعلم الإجمالي هو بنفسه وبلا واسطة كما يقتضي لزوم الاجتناب عن
الطرفين؛ لأنّه لا إحراز للاجتناب عن هذا النجس المنجّز بالعلم الإجمالي إلاّ
بالاجتناب عن الطرفين، كذلك بناءً على فكرة التبعية هو يقتضي الاجتناب عن ملاقي
أحد الطرفين، ومن هنا يظهر أنّه يمكن الخدشة في الأمر الأوّل الذي ذكره. هو ذكر في
الأمر الأوّل أنّ الأمر بالاجتناب عن الملاقى هو حكم عقلي وليس حكماً شرعياً
مولوياً تأسيسياً، ولو حكم الشارع به لحملنا حكمه على الإرشاد إلى ما يحكم به
العقل وما يستقل به.
أقول: يمكن
أن يقال أنّ هذا الكلام أيضاً ليس وارداً؛ لأنّه بناءً على هذا الكلام الذي ذكرناه
نحن لا نحتاج لإثبات منجّزية وجوب الاجتناب عن الملاقي إلى اثبات أنّ الأمر
المتعلّق بالاجتناب عن الملاقى أمر شرعي، ليكن الأمر المتعلّق بالاجتناب عن
الملاقى هو أمر عقلي صرف، نحن بهذا البيان نريد أن نثبت أنّ الأمر بالاجتناب عن
الملاقي هو من تبعات الأمر بالاجتناب عن النجس المعلوم وجوده في البين المرددّ بين
أن يكون في هذا الطرف، أو يكون في هذا الطرف، الاجتناب عنه يقتضي الاجتناب عن أحد
أطرافه؛ لأنّه لا يحرز الاجتناب عنه إلاّ بالاجتناب عن ملاقي أحد أطرافه، كما لا
يحرز الاجتناب عنه إلاّ بالاجتناب عن الملاقى نفسه، هذه هي فكرة التبعية، أصلاً
كيف استدلوا على أنّ العلم الإجمالي ينجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي ؟ بناءً على
فكرة التبعية، تقدّم سابقاً، الدليل هو أنّ وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم
بالإجمال الذي تنجّز بالعلم الإجمالي لا يحصل الاجتناب عنه إلاّ بالاجتناب عن
الملاقي، هذا هو الدليل، أنّه إن لم يجتنب عن الملاقي لا يضمن الاجتناب عن النجس
الذي تنجّز عليه بالعلم الإجمالي، المكلّف يعلم بوجود نجس فيهما، ويجب عليه
الاجتناب عنه، هذا وجوب الاجتناب عن النجس ينجّز عليه شيئين، ينجّز عليه وجوب
الاجتناب عن الطرفين، وأيضاً ينجّز عليه وجوب الاجتناب عن ملاقي أحد الطرفين بناءً
على فكرة التبعية.
ننتقل إلى أنّه لو فرضنا
أنّنا شككنا في مسألة التبعية وبنينا على السببية كما هو المعروف، القائلون
بالسببية ذكروا أنّه بناءً على السببية لا يكفي العلم الإجمالي الأوّل لإثبات وجوب
الاجتناب عن الملاقي؛ لأنّه حكم جديد وجعل جديد، فيحتاج إلى دليلٍ، ولا يكفي فيه العلم
الإجمالي بالبيان المتقدّم. ولم يفرّقوا بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي؛ بل
نصّوا على عدم التفريق باعتبار الأمثلة التي ذكروها، يعني قالوا بأنّ العلم
الإجمالي الأوّل كما لا ينجّز حرمة شرب الملاقي ــــــــــــ والذي كنّا نعبّر عنه
بوجوب الاجتناب عن الملاقي ــــــــــــ كذلك لا ينجّز حرمة التوضؤ به، حرمة شرب
الملاقي حكم تكليفي، وحرمة الوضوء به حكم وضعي، والعلم الإجمالي الأوّل لا ينجّز
كلا الحرمتين، وهذا معناه أنّه لو بقينا نحن والعلم الإجمالي الأوّل ولم ندخل في
الحساب العلم الإجمالي الثاني الذي سيأتي الكلام فيه لالتزمنا بجواز شرب الملاقي
وجواز الوضوء به، ويصح الوضوء به، وبالتالي تصح الصلاة التي يأتي بها بذلك الوضوء،
فلم يفرّقوا بين الحكم التكليفي وبين الحكم الوضعي، ونفس البيان الذي يُذكر لعدم
المنجّزية في الحكم التكليفي ذكروه لعدم المنجّزية في الحكم الوضعي، والمحقق
النائيني(قدّس سرّه) ذكر أمثلة كثيرة على الحكم الوضعي وأطال الكلام في هذا المجال.
السيد الشهيد(قدّس سرّه)
فرّق بينهما، يعني وافق القائلين بالسببية في الحكم التكليفي يعني أنّ العلم
الإجمالي لا يكفي لتنجيز حرمة شرب الملاقي، أو وجوب الاجتناب عن الملاقي، لكنّه
يقول أنّه يكفي لتنجيز حرمة التوضؤ به، وفرّق بينهما، لو بقينا نحن والعلم
الإجمالي يجوز شرب الماء الملاقي، لكن لا يجوز الوضوء به؛ لأنّ العلم الإجمالي
الأوّل ينجّز الحرمة الوضعية التي هي حرمة الوضوء، وهذا منه بناءً على السببية؛
لأنّه لا يؤمن بالتبعية بالمعنى المتقدّم، ولم يطرحها بشكلٍ واضح، وإنّما طرح
مسألة الانبساط والسراية الحقيقية، هذا كلّه بناءً على السببية.
[1] ذكر في مقام الاستدلال
على هذا التفريق والتفصيل مقدّمة، وحاصلها: أنّ هناك فرقاً واضحاً بين حرمة شرب
الماء، وبين حرمة التوضؤ، بين حرمة شرب النجس وبين حرمة الوضوء بالنجس، بشكلٍ عام
النجس يحرم شربه، هذا حكم تكليفي وهناك حكم وضعي وهو أنّه يحرم التوضؤ به، فيقول
أنّ هناك فرقاً بينهما، الفرق هو أنّ فعلية حرمة شرب النجس موقوفة على وجود الماء
النجس. وبعبارة أخرى: أنّ وجود الماء النجس ليس قيداً لمتعلّق التكليف وإنّما هو
قيد لنفس التكليف، الحرمة موقوفة على وجود الماء النجس، فهي قيد في الحرمة، شرط في
التكليف الذي هو الحرمة بحيث مع عدم وجود الماء النجس خارجاً لا توجد حرمة فعلية؛
لأنّ فعلية الحرمة موقوفة على وجود الماء النجس، وليس وجود الماء النجس قيداً في
الحرام، وإلاّ لو كان قيداً في الحرام لوجب على المكلّف تحصيل ماءٍ نجس حتّى يمتثل
الحرمة ويترك شربه؛ لأنّ الحرمة فعلية، وجود الماء النجس قيد في الحرام، وشرط في
متعلّق التكليف لا في نفس التكليف. إذن: التكليف فعلي على غرار وجوب الحج إذا كان
فعلياً، كيف أنّه يحرّك المكلّف نحو شرائط الواجب وقيوده، هنا الحرمة عندما تكون
فعلية هي أيضاً تحرّك المكلّف لإيجاد الماء النجس حتّى يتمكّن من تركه. على كل
حال، وجود النجس قيد من قيود الحرمة، فلا تتحقق الحرمة قبله. هذا في الأحكام
التكليفية، بينما في الحكم الوضعي الأمر ليس هكذا، في حرمة التوضؤ بالماء النجس لا
علاقة لها بتحقق الماء النجس وعدم تحققه، يحرّم الوضوء ــــــــــ حرمة وضعية
ــــــــــ بالماء النجس، أو بعبارةٍ أخرى: يُشترط في الماء الذي يتوضأ به أن يكون
طاهراً وأن لا يكون نجساً، هذه حرمة وضعية تنشأ من تقيّد الواجب، حينما يكون
الواجب فعلياً مقيّداً بأن لا يكون بالماء النجس، أو أن يكون بالماء الطاهر، عندما
يكون وجوب الوضوء وجوباً فعلياً ينتج هذه الشرطية، يُشترط في الماء الذي تتوضأ به
أن يكون طاهراً، أو أن لا يكون نجساً، هذه الحرمة لا تتوقّف على افتراض وجود نجسٍ
في الخارج، سواء وجد النجس أم لم يوجد، الشارع يقول عندما يجب عليك الوضوء لابدّ
أنّ تتوضأ بماءٍ طاهر، وأن لا تتوضأ بالماء النجس، وهذا معناه أنّ وجود الماء
النجس في الحرمة الوضعية هو من قيود متعلّق التكليف لا من قيود نفس الحرمة، الحرمة
ثابتة قبل تحقق الماء النجس ووجوده في الخارج، توجد شرطية، عندما يكون المكلّف
بالغاً عاقلاً تجب عليه الصلاة ويجب عليه الوضوء، توجد شرطية تقول يُشترط في صحّة
الوضوء وبالتالي في صحّة الصلاة أن يكون الوضوء بالماء الطاهر، يُشترط أن لا يكون
الوضوء بالماء النجس، هذه الشرطية موجودة من أول الأمر ومن البداية ولا تتوقف على
وجود الماء النجس، وسواء وجد الماء النجس أم لم يوجد هذه الشرطية موجودة. يقول:
هذا فرق أساسي بينهما وعلى أساس هذا الفرق بينهما هو ينتهي إلى نتيجة التفصيل في
محل الكلام.