الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

36/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء.
في الدرس السابق تعرّضنا للتقريب الرابع لمنع التمسّك بالعام في محل الكلام لإثبات فعلية التكليف في الفرد المشكوك وبالتالي إثبات منجّزية العلم الإجمالي، وتبيّن أنّ هذا التقريب أيضاً يمكن التأمّل فيه.
التقريب الخامس لمنع التمسّك بالإطلاق في محل الكلام؛ هو ما يستفاد من كلمات المحقق الأصفهاني(قدّس سرّه) وحاصل ما يقوله: أنّ محل الكلام ليس من موارد التمسّك بالإطلاق؛ إذ يُشترط في التمسّك بالإطلاق وهذا شرط أساسي فيه هو أن يكون المتكلّم في مقام البيان من الجهة التي يُراد التمسّك بالإطلاق من ناحيتها، وكأنّه يريد أن يقول أنّ دليل التكليف الذي نريد التمسّك بإطلاقه للفرد المشكوك ليس بصدد البيان من جهة شرطية الدخول في محل الابتلاء ومانعية الخروج عن محل الابتلاء؛ لأنّه لم يرد في الخطابات الشرعية ما يشير إلى ذلك إطلاقاً، فكأنّ المتكلّم بدليل التكليف الذي هو الشارع، اصلاً ليس ناظراً إلى مسألة شرطية الدخول في محل الابتلاء للتكليف.
وبعبارةٍ أخرى: أنّ التمسّك بالإطلاق إنّما يصح في ما إذا كنّا نشكّ في شرطية الدخول في محل الابتلاء شرعاً، أنّ الشارع هل اعتبر في صحّة التكليف بالشيء أن يكون داخلاً في محل الابتلاء، أو لا ؟ حينئذٍ يمكن التمسّك بإطلاق دليل التكليف، فيقال: أنّ الشارع لو أراد التقييد لذكره، فيمكن أن نستكشف الإطلاق وعدم التقييد من إطلاق كلامه، وإلاّ لو كان مريداً واقعاً للتقييد والاشتراط يكون مُخلاً بغرضه عندما يأتي بالكلام مطلقاً، لكن هذا إنّما يتمّ عندما يكون شكّنا في اعتبار هذه الشرطية شرعاً، هل تعتبر شرعاً، أو لا ؟ فإطلاق دليل الخطاب ينفي اعتبارها عند الشارع؛ لأنّها لو كانت معتبرة لذُكرت في الخطاب، وحيث لم تُذكر في الخطاب، فيُستكشف من إطلاق الخطاب عدم اعتبار هذه الشرطية؛ وحينئذٍ يكون الإطلاق دليلاً على فعلية التكليف في الفرد المشكوك، خطاب مطلق يشمل الأفراد المشكوكة، فيُستدل بإطلاق هذا الخطاب على فعلية التكليف في الأفراد المشكوكة، يقول: هنا لا توجد مشكلة في التمسّك بالإطلاق. وأمّا إذا كان الشك في شرطية الدخول في محل الابتلاء، أو مانعية الخروج عن محل الابتلاء من التكليف، كان الشك في ذلك من جهة العقل، العقل يحكم بشرطية الدخول في محل الابتلاء في مثل الأفراد المشكوكة، أو لا ؟ هذه الأفراد الخارجة عن محل الابتلاء بمرتبةٍ ما، ماذا يحكم العقل فيها ؟ هل يعتبر الخروج بهذه المرتبة مانعاً من صحّة التكليف، أو لا يعتبره مانعاً، ويرى بأنّ الشرط متحقق فيها وهو الدخول في محل الابتلاء ؟ شكّنا في الشرطية بالنسبة إلى الأفراد المشكوكة عقلاً، والمانعية من التكليف عقلاً بالنسبة إلى الأفراد المشكوكة، يقول في هذه الحالة لا يجوز التمسّك بالإطلاق لنفي الشرطية في الأفراد المشكوكة، باعتبار أنّ إطلاق الخطاب ليس ناظراً إلى ما يحكم به العقل إطلاقاً لا نفياً ولا إثباتاً، الخطاب الشرعي ليس ناظراً إلى ما يحكم به العقل، وإنّما هو ناظر إلى نفي ما يُحتمل اعتباره عند الشارع، فإذا كنّا نحتمل اعتبار شيءٍ عند الشارع، يكون إطلاق الخطاب ناظراً إليه ويمكن التمسّك به لنفي اعتباره، وإلاّ يلزم ما تقدّم من خُلف الغرض، بأن يقال: إذا كان هذا معتبراً عند الشارع، فلابدّ من ذكره ولابدّ من التقييد والاشتراط، وحيث أنّه من لم يشترط وأطلق الخطاب نستكشف من إطلاق الخطاب عدم اعتبار ما نشك في اعتباره شرعاً؛ لأنّ الخطاب ناظر إلى اعتبار ما يُحتمل اعتباره شرعاً، أو نفي اعتبار ما يُحتمل اعتباره شرعاً، ناظر إلى ما يُعتبر شرعاً، فإمّا أن يُقيد به، وإمّا أن يكون الكلام مطلقاً من ناحيته، فإذا كان الكلام مطلقاً يمكن التمسّك بالإطلاق لنفي اعتبار ما يُشكّ في اعتباره شرعاً، هذا إذا كان شرعاً. وأمّا إذا كان عقلاً فالخطاب لا يكون ناظراً إلى ذلك إطلاقاً، فلا يصح لنا أن نقول بأنّ إطلاق الخطاب يكشف عن عدم الاعتبار عند العقل، وإنّما يصح لنا أن نقول أنّ إطلاق الخطاب يكشف عن عدم الاعتبار عند الشارع، وهذا لا يكون إلاّ عندما نشك في اعتبار الشيء شرعاً، بينما في محل الكلام نحن لا نشك في اعتباره شرعاً، وإنّما نشك في اعتباره عقلاً، الحاكم باعتبار الدخول في صحّة التكليف هو العقل، الحاكم بمانعية الخروج عن محل الابتلاء للتكليف هو العقل لا الشارع، نحن نريد أن نتمسّك بإطلاق الخطاب الشرعي لنفي اعتبار الدخول في محل الابتلاء في التكليف، طبعاً الدخول في محل الابتلاء في الأفراد المشكوكة وليس في الأفراد التي نعلم بخروجها عن محل الابتلاء، مشكوكة من حيث الشبهة المفهومية، يعني هذا المقدار من الخروج عن محل الابتلاء هل يراه العقل مانعاً من التكليف، أو لا ؟
أو بعبارةٍ أخرى: أنّ هذا المقدار من الدخول في محل الابتلاء؛ لأنّ الأفراد مشكوكة، هذا هل يصحح التكليف بنظر العقل ويحقق شرط صحة التكليف وهو الدخول في محل الابتلاء الذي يحكم بها العقل، أو لا ؟ إطلاق الخطاب الشرعي ليس ناظراً إلى حكم العقل، إنّما هو ناظر إلى الشرطية التي يحكم بها الشارع عندما تكون مشكوكة، إطلاق الخطاب ينفي هذه الشرطية، أمّا إذا كان اعتبار الشيء من جهة حكم العقل، ويكون الحاكم بالاعتبار هو العقل وشككنا فيه، في هذه الحالة إطلاق الخطاب لا يكون ناظراً إليه ولا يصحح التمسّك بإطلاق الخطاب من هذه الناحية، فمرجع هذا التقريب في الحقيقة إلى أنّ إطلاق الخطاب ليس ناظراً إلى شرطية الدخول في محل الابتلاء ومانعية الخروج عن محل الابتلاء بالنسبة إلى التكليف حتّى نتمسّك بإطلاق دليل التكليف لنفي الاشتراط، أو لنفي اعتبار الدخول في محل الابتلاء في صحّة التكليف، أنّ الدخول في محل الابتلاء ننفي اشتراطه في صحّة التكليف، كلا، ليكن هذه الأفراد المشكوكة خارجة عن محل الابتلاء بهذا المقدار، ولا يكون دخولها في محل الابتلاء شرطاً في صحّة هذا التكليف، فيصح التمسّك بإطلاق الخطاب لنفي اعتبار الشرطية، أو لنفي المانعية بالنسبة للخروج والدخول، هذا في ما إذا كان الحاكم هو الشارع، لكن عندما يكون الحاكم هو العقل كما في محل الكلام، فلا يصح التمسّك بالإطلاق، فإذا لم يصح التمسّك بالإطلاق في محل الكلام؛ حينئذٍ يتم ما تقدّم من المنع من التمسّك بالإطلاق في الأفراد المشكوكة لإثبات فعلية التكليف في الأفراد المشكوكة؛ لأنّ الإطلاق ليس ناظراً إلى ما يحكم به العقل، والمفروض أنّه في محل الكلام الحاكم بالاشتراط والمانعية هو العقل، الخطاب ليس ناظراً إلى هذا؛ لأنّه ليس في مقام البيان من تلك الجهة، وإنّما هو في مقام البيان من جهة ما يعتبره الشارع، عندما نشكّ في اعتبار شيءٍ شرعاً؛ حينئذٍ يمكن نفي اعتباره تمسّكاً بإطلاق الخطاب، لكن عندما نشكّ في اعتبار شيءٍ عقلاً، الخطاب ليس ناظراً إلى ذلك، فلا يصح التمسّك بإطلاق الخطاب، ونحن في المقام نريد التمسّك بإطلاق الخطاب لإثبات فعليته، يعني يوجد تكليف في الأفراد المشكوكة، وأنّ هذا النحو من الخروج عن محل الابتلاء ليس مانعاً، هذا النحو لا يمنع من توجّه التكليف. التمسّك بإطلاق الخطاب لنفي هذا النحو من المانعية عند العقل لا وجه له؛ لأنّ الخطاب ليس ناظراً إلى حكم العقل بالمانعية والشرطية لنفي ما يُحتمل اعتباره شرعاً؛ لأنّه حينئذٍ نستطيع أن نلزم المتكلّم بأن يكون إطلاق خطابه دالاً على نفي ما يُحتمل اعتباره، ونقول له: لو كان هذا معتبراً عندك لوجب التقييد والاشتراط، وللزم ذكر قرينة على هذا الاعتبار، فإذا أطلق الكلام، فهو لا يريد الاعتبار، ننفي الاعتبار والاشتراط بإطلاق الكلام، وإلاّ يكون مخلاً بغرضه، لكن هذا إنّما يتم عندما نريد أن ننفي احتمال اعتبار ما يعتبر شرعاً، أمّا احتمال اعتبار ما يعتبر عقلاً لا يمكن نفيه بإطلاق الخطاب؛ لأنّ الخطاب ليس ملزماً بما يحكم به العقل وليس ناظراً لا نفياً ولا إثباتاً إلى ما يحكم به العقل.
اعترض البعض على هذا التقريب: بأنّ هذا التقريب إنّما يتم إذا كان التكليف بالخارج عن محل الابتلاء مستحيلاً، ولو من جهة لزوم تحصيل الحاصل، في هذه الحالة يقول أنّ الحاكم باعتبار الدخول في محل الابتلاء هو العقل دون الشرع، فيتم هذا التقريب؛ لأنّ التقريب اساساً يقول عندما يكون الحاكم بالشرطية والاعتبار هو العقل، إطلاق الخطاب ليس ناظراً إلى ما يحكم به العقل، الاعتراض يقول: أنّ هذا يتم عندما يكون التكليف بما هو خارج عن محل الابتلاء مستحيلاً بحيث يكون الحاكم باعتبار الدخول في محل الابتلاء فيه هو العقل؛ لأنّه يلزم منه الاستحالة، فيكون الحاكم هو العقل، فيتم هذا الكلام.
وأمّا إذا فرضنا أنّ التكليف بالخارج عن محل الابتلاء أمراً ممكناً وليس مستحيلاً؛ حينئذٍ يقول لا يمكن أن يكون الحاكم بشرطية الدخول في محل الابتلاء هو العقل؛ لأنّ التكليف بما هو خارج عن محل الابتلاء أمر ممكن وليس مستحيلاً حتّى يحكم العقل بالشرطية باعتبار هذه الاستحالة، وإنّما بحسب الفرض هو أمر ممكن، فالحاكم بالشرطية لا يكون هو العقل، فإذا لم يكن الحاكم هو العقل؛ حينئذٍ لا يتم هذا الكلام الذي ذُكر في التقريب الخامس؛ لأنّ التقريب الخامس يقول أنّ إطلاق الخطاب ليس ناظراً إلى ما يحكم به العقل، عندما يكون العقل هو الحاكم، فإطلاق الخطاب ليس ناظراً إليه لا إثباتاً ولا نفياً، فلا يصح التمسّك بإطلاقه، أمّا عندما لا يكون الحاكم هو العقل لا يتم هذا التقريب.
أقول: هذا الاعتراض لا يرد على هذا التقريب؛ لأنّ هذا التقريب ليس ناظراً إلى صحّة التمسّك بإطلاق الخطاب عندما يكون الحاكم هو الشارع في مقابل أن يكون الحاكم هو العقل، وإنّما ناظر إلى إطلاق الخطاب عندما يكون الحاكم هو الشارع في مقابل أن يكون الحاكم هو غير الشارع، سواء كان الحاكم هو العقل، أو كان الحاكم غير العقل؛ لأنّ إطلاق الخطاب ناظر إلى الاعتبارات الشرعية ويريد نفي ما يحتمل اعتباره شرعاً، أمّا إذا احتملنا اعتبار شيء ليس شرعاً، سواء كان العقل يحكم باحتمال الاعتبار هذا من جهة العقل، أو احتملنا اعتباره من جهة العقلاء، أيّ شيء كان، التقابل هو بين ما يحكم به الشرع وما يحكم به غيره وليس التقابل بين ما يحكم الشرع وبين ما يحكم به العقل بحيث نقول أنّه إذا كان الحاكم هو العقل، فلا يصح التمسّك بإطلاق الخطاب، فإذا قلنا أنّ الحاكم ليس هو العقل، وإنّما هو شيء آخر غير العقل كأنّه يصح التمسّك بإطلاق الخطاب، التقريب يريد أن يقول على كلا التقديرين لا يصح التمسّك بإطلاق الخطاب؛ لأنّ الحاكم بالاعتبار ليس هو الشارع، إنّما يصح التمسّك بإطلاق الخطاب عندما يكون الحاكم بالاعتبار هو الشارع، فدليل إطلاق الخطاب ناظر إلى الاعتبارات الشرعية، فإذا شككنا في اعتبار شيء يمكن نفيه بإطلاق الخطاب، وإلاّ يكون مخلاً بغرضه، إذا كان الحاكم بالاعتبار هو غير الشرع، سواء كان عقلاً، أو عقلاء، بالنتيجة هذا لا يجعل الخطاب ناظراً إليه، وبالتالي يقول التقريب السابق لا يصح التمسّك بالإطلاق فيه، فيتم هذا التقريب، سواء كان الحاكم بالاعتبار هو العقل كما فُرض في ما إذا كان التكليف بما هو خارج عن محل الابتلاء  مستحيلاً، فيرجع إلى الحكم العقلي، أو كان التكليف بما هو خارج عن محل الابتلاء ليس مستحيلاً، وإنّما مستهجن عرفاً، على كلا التقديرين لا يمكن التمسّك بإطلاق الخطاب؛ لأنّ إطلاق الخطاب ناظر فقط إلى ما يحكم به الشرع وما يعتبره، والإطلاق ينفي احتمال اعتبار هذا الشيء شرعاً، ومن هنا لا يصح التمسّك بالإطلاق في محل الكلام إذا تمّ هذا التقريب الخامس. هذا غاية ما يمكن أن يقال في مقام تقريب عدم صحّة التمسّك بالإطلاق لإثبات فعلية التكليف في محل الكلام.
ومن هنا يتبيّن أنّ القول الآخر في المسألة، قلنا في المسألة قولان: القول الأوّل هو عدم صحّة التمسّك بالإطلاق لإثبات فعلية التكليف في الأفراد المشكوكة وبالتالي إثبات منجّزية العلم الإجمالي. القول الثاني يرى أنّه لا مانع من التمسّك بالإطلاق في الأفراد المشكوكة لإثبات فعلية التكليف فيها، وبالتالي إثبات منجّزية العلم الإجمالي. هذا القول الثاني الذي قلنا أنّه اختاره جماعة منهم الشيخ الأنصاري والمحقق النائيني(قدّس سرّهما) وغيرهما، التزموا بصحة التمسّك بالإطلاق في محل الكلام. ويستدلّ على هذا القول الثاني بالدليل الذي ذكره الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) الذي هو دليل عام، ويُطبق الكبرىفيه على محل الكلام، وهي أنّه في الشبهة المفهومية لا مانع من التمسّك بالإطلاق عندما يكون المخصص مجمل مفهوماً دائراً بين الأقل والأكثر، اتفقوا على أنّه لا مشكلة في التمسّك بالإطلاق لإثبات حكم العام في الأفراد المشكوكة في ما زاد على القدر المتيقن، هذه الكبرى يطبّقها في محل الكلام، يقول المخصص دائر بين أفراد متيقنة وأفراد مشكوكة، فيدور الأمر بين الأقل والأكثر من جهة إجمال مفهوم الخروج عن محل الابتلاء كما هو المفروض في محل الكلام، وفي هذه الحالة يجوز التمسّك بالإطلاق. ومن الواضح أنّ تمامية هذا التقريب لإثبات صحة التمسّك بالإطلاق يتوقّف على عدم تمامية كل التقريبات المتقدّمة التي استُدل بها لإثبات عدم صحّة التمسّك بالإطلاق، لابدّ أن لا يتم شيء من التقريبات السابقة التي يثبت على ضوئها عدم صحّة التمسّك بالإطلاق؛ لأنّ هذه التقريبات تبرز نكاتاً إضافية غير مسألة تطبيق الكبرى في كلام الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه)، نكات إضافية تمنع من التمسّك بالإطلاق، التقريب الخامس يقول: المتكلّم ليس في مقام البيان من هذه الناحية، إطلاق دليل الخطاب ليس ناظراً إلى ما يحكم به العقل، هذه نكتة اضافية تمنع من التمسّك بالإطلاق، أو بعض التقريبات السابقة كان يقول أنّ الكبرى مسلّمة بلا إشكال، لكن حيث يكون المخصص منفصلاً؛ حينئذٍ لا مشكلة من التمسّك بالعام في الأفراد المشكوكة، لكن حيث يكون المخصص متّصلاً، إجمال المخصص يسري إلى العام ويمنع من التمسّك به، إذن، هذا التقريب، وهو تطبيق الكبرى التي تُذكر في الشبهة المفهومية عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر في محل الكلام تتوقّف تماميته على عدم تمامية التقريبات السابقة التي استدل بها على عدم صحّة التمسّك بالإطلاق بالنسبة إلى الأفراد المشكوكة، فأن تمّ شيء من التقريبات السابقة، هذا التقريب لإثبات صحة التمسّك بالإطلاق لا يكون تامّاً.
إلى هنا يتبيّن أنّه يكفي في عدم العلم بالتكليف الفعلي احتمال ــــــــــــ وهذا بيّناه في بداية البحث ــــــــــــ خروج أحد الطرفين عن محل الابتلاء، ليس فقط ينتفي العلم بالتكليف بخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء، وإنّما احتمال خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء يكفي في انتفاء العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير؛ لأنّ احتمال الخروج عن بعض الأطراف يعني عدم فعلية التكليف، فلو كان التكليف في الواقع موجوداً في الطرف الذي نحتمل خروجه عن محل الابتلاء، وكان خارجاً عن محل الابتلاء لا تكليف فعلي فيه، هذا الفرد المشكوك على تقدير أن يكون خارجاً عن محل الابتلاء، وعلى تقدير أن يكون التكليف فيه، فالتكليف ليس فعلياً. إذن: بالنتيجة المكلّف ليس عالماً بالتكليف الفعلي على كل تقدير، وهذا يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز. إذا كان لدينا دليل يثبت التكليف الفعلي على ذاك التقدير في الفرد المشكوك؛ حينئذٍ يصير لدينا علم بالتكليف الفعلي على كل تقدير ويتنجّز العلم الإجمالي بالرغم من الشك في بعض أطرافه، لكن الدليل هو كان عبارة عن إطلاق دليل التكليف، هو الذي تمسّكوا به لإثبات فعلية التكليف في الفرد المشكوك، فإذا ناقشنا في هذا الإطلاق ولم يتم؛ فحينئذٍ نرجع إلى القاعدة الأوّلية التي تقول لا يوجد علم بالتكليف الفعلي على كل تقدير، وبذلك يسقط العلم الإجمالي عن المنجّزية كما بسقط العلم الإجمالي عن المنجّزية في حالات العلم بخروج بعض أطراف العلم الإجمالي عن محل الابتلاء، فلا فرق حينئذٍ بين حالة العلم بخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء وبين حالة الشك في خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء، كل منهما لا يكون هناك علم بالتكليف على كل تقدير ولا يكون العلم الإجمالي منجّزاً. نعم إذا قلنا بصحّة التمسّك بالإطلاق؛ حينئذٍ يثبت العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير ويكون العلم الإجمالي منجّزاً، فإذن: هذا المطلب يعتمد على ما نختاره في التقريبات السابقة، أنّ التقريبات السابقة هل هي تامّة كلاً، أو بعضاً، أو غير تامّة ؟ وتبين فيما سبق أنّ التقريبات الأوّل والثاني والثالث والرابع يمكن التأمّل فيها، والتقريب الخامس هو التقريب الوحيد الذي يمكن الالتزام به وأنّ دليل الخطاب ليس ناظراً إلى ما يحكم به العقل، فلا يصح التمسّك بإطلاقه من هذه الناحية والمفروض أننّا نشك في صحّة التكليف فيه عقلاً، أو عدم صحّة التكليف فيه عقلاً؛ وحينئذٍ إذا تمّ هذا التقريب أو شيء آخر من التقريبات السابقة، فهذا يجعل حالة الشك في خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء كحالة العلم بخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء في أنّ التكليف ليس فعلياً على كل تقدير، والتالي لا يكون العلم الإجمالي منجّزاً.
إلى هنا كنّا نتكلّم عن التنجيز وعدم التنجيز بلحاظ إمكان التمسّك بالإطلاق وعدم التمسك بالإطلاق، الآن ننتقل إلى شيءٍ آخر، وهي محاولة من قبل المحقق العراقي(قدّس سرّه) لإثبات منجّزية هذا العلم الإجمالي بالرغم من الشكّ في خروج بعض أطرافه عن محل الابتلاء، إثبات منجّزية العلم الإجمالي بطريقٍ آخر غير مسألة التمسّك بإطلاق الدليل؛ لأنّ المحقق العراقي(قدّس سرّه) يعترف بعدم صحّة التمسّك بإطلاق الدليل، لكنّه لديه محاولة بالرغم من عدم صحّة التمسّك بإطلاق الدليل، يقول أنّ العلم الإجمالي في محل الكلام يكون منجّزاً، ومحاولته هذه تتلخّص في أنّه صحيح، ليس لدينا علم بالتكليف الفعلي على كل تقدير؛ لأنّ هناك احتمالاً أن يكون هذا خارجاً عن محل الابتلاء، يعني احتمال أنّ التكليف فيه ليس فعلياً، لكن يقول أنّ لدينا علم بتكليفٍ فعلي على تقدير وتكليف يحكم العقل بمنجّزيته على تقديرٍ آخر، وهذا ينتج المنجّزية للعلم الإجمالي؛ لأننا نعلم بتكليفٍ فعليٍ قابل للتنجيز على كل تقدير، فيكون منجّزاً.
كيف يكون لدينا علم بتكليفٍ فعلي على تقدير وتكليف يحكم العقل بمنجّزيته على تقديرٍ آخر ؟ يقول: باعتبار أنّ التكليف الواقعي إن كان موجوداً في الطرف الداخل في محل الابتلاء، فهو تكليف فعلي بلا إشكال، وإن كان التكليف الواقعي موجوداً في الطرف المشكوك الذي يُشك في دخوله في محل الابتلاء، أو خروجه عن محل الابتلاء، يقول: صحيح، التكليف هنا لا نستطيع أن نقول أنّه فعلي، لكن التكليف هنا منجّز، العقل يحكم بمنجّزيته، باعتبار أنّ الشكّ في خروجه عن محل الابتلاء، ودخوله في محل الابتلاء، يعني الشكّ في القدرة عليه أو عدم القدرة عليه يدخله في باب الشك في القدرة؛ لأنّه يرى أنّ الخروج عن محل الابتلاء يعني عدم القدرة العادية على الفعل وليس عدم القدرة العقلية، والدخول في محل الابتلاء يعني القدرة العادية. إذن: الشكّ في الخروج عن محل الابتلاء والدخول في محل الابتلاء هو بعبارة أخرى شك في القدرة عليه وعدم القدرة. إذن: هذا المكلّف يشكّ في أنّه قادر على ذاك الطرف الذي هو يُشك في دخوله وخروجه عن محل الابتلاء، أو لا، فيرجع الشكّ في محل الكلام إلى الشكّ في القدرة؛ لأنّ ذاك الطرف الآخر المشكوك إن كان داخلاً في محل الابتلاء، فهو مقدور له، وإن كان خارجاً عن محل الابتلاء، فهو ليس مقدوراً له. إذن: الشكّ يكون في القدرة، فإذا كان الشك في القدرة يحكم العقل بمنجّزيته؛ لأنّه في موارد الشك في القدرة العقل يحكم بالمنجّزية. إذن: وإن لم يكن هناك علم بتكليفٍ فعلي على كل تقدير، لكن هناك علم بتكليفٍ فعلي على تقدير، وتكليف يحكم العقل بمنجّزيته على تقدير آخر؛ لأنّه يدخل في باب الشك في القدرة، وفي باب الشكّ في القدرة لا إشكال عندهم في أنّ العقل يحكم فيه بالتنجيز، فيتنجّز العلم الإجمالي.