الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ الاضطرار إلى بعض الأطراف لا بعينه
تبيّن من الاستعراض الطويل
للآراء المطروحة في المقام أمور:الأمر الأوّل:أنّ ما عدا صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، فالباقون يبنون
على المنجّزية في محل الكلام، وأنّ العلم الإجمالي في موارد الاضطرار إلى غير
المعيّن ينجّز حرمة المخالفة القطعية، فلا يجوز للمكلّف ارتكاب الطرف الآخر الذي
لا يرفع به اضطراره. نعم صاحب الكفاية(قدّس سرّه) ذهب إلى عدم المنجّزية.
الأمر الثاني:
أنّ المحقق النائيني(قدّس سرّه) حسب ما يظهر من كلامه المنقول في كلا تقريريه أنّ
رأيه هو التوسّط في التكليف لا التوسّط في التنجيز. أمّا في(أجود التقريرات) فواضح
على ما نقلناه في الدرس السابق، يختار التوسّط في التكليف بالمعنى المطروح لا بالمعنى
الذي فسّره به المحقق العراقي(قدّس سرّه)، وهو أن يكون التكليف ثابتاً على تقدير،
وغير ثابتٍ على معنى آخر، بهذا المعنى هو يختار التوسّط في التكليف في محل الكلام،
بالرغم من أنّه يقول بالاقتضاء لا بالعلّية التامّة هو يقول بالتوسّط في التكليف،
مبنى التزم به وذكره في(أجود التقريرات) وكذا أشار إليه في(فوائد الأصول) وهو
مسألة سريان الاضطرار من الجامع إلى الفرد. يقول: وإن كان الاضطرار متعلّقاً
بالجامع، المكلّف في المقام اضطر إلى عنوان أحدهما، لكنّ هذا الاضطرار يسري من
الجامع إلى الفرد الذي يختاره، فيقال عندما يختار أحد الفردين أنّه مضطرّ إليه
بحيث لا يصدق أنّه اضطُر إليه إلاّ إذا اختاره، فإذا اختاره عندئذٍ يصدق أنّه مضطر
إليه. هذا السريان من الجامع إلى الفرد هو الذي بنظر المحقق النائيني(قدّس سرّه)
يوقع المنافاة والتصادم بين الترخيص الذي يسري ـــــــــــ بحسب الفرض ــــــــــ
من الجامع إلى الفرد تبعاً لسريان الاضطرار من الجامع إلى الفرد، فتكون هناك
منافاة بين هذا الترخيص وبين التكليف الواقعي على تقدير ثبوته في ذلك الطرف الذي
اختاره، الطرف الذي يختاره لرفع اضطراره هو مورد للاضطرار ويتعلّق به الاضطرار
ويتعلّق به الترخيص، فلو كان هو النجس واقعاً يتعلّق به التكليف أيضاً، وهذا غير
معقول، فيتصادمان ويتنافيان، فإذا ثبت الترخيص كما هو المفروض، والاضطرار ثابت بلا
إشكال، وبضميمة أنّ الاضطرار يسري من الجامع إلى الفرد لابدّ من رفع اليد عن
التكليف في ما يختاره من الطرفين لرفع اضطراره، يرتفع التكليف عنه، وهذا هو التوسّط
في التكليف، بمعنى أنّ التكليف على أحد التقديرين لا وجود له، وإنّما يكون ثابتاً
على التقدير الآخر، لو كان النجس هو ما اختاره لرفع اضطراره، فلا تكليف. نعم لو
كان النجس هو غير ما اختاره لرفع اضطراره، فالتكليف موجود، ومثل هذا العلم
الإجمالي لا ينجّز، يسقط عن التنجيز؛ لأنّه ليس علماً بتكليفٍ فعلي على كل تقدير،
ومع ذلك قال بالمنجّزية، بالرغم من أنّه يقول بالتوسّط في التكليف بناءً على هذه
النكتة التي ذكرناها. وبعبارةٍ أخرى، بالرغم من أنّه يقول بالاقتضاء، والاقتضاء
كما هو واضح لا يمنع من الترخيص في ترك الموافقة القطعية، على القول بالاقتضاء ليس
هناك مانع من الترخيص في أحد الطرفين، بالرغم من هذا هو يقول بالمنافاة باعتبار
هذا السريان، أنّه يصدق على هذا الذي اختاره أنّه مضطر إليه. والنتيجة هي التوسّط
في التكليف، لكن بالرغم من هذا هو يقول بالمنجّزية، مع أنّ مقتضى التوسّط في
التكليف هو عدم المنجّزية؛ لأنّ العلم الإجمالي لا يكون علماً بتكليفٍ فعلي على كل
تقدير، لكن بالرغم من هذا هو يقول بالمنجّزية بنكتةٍ أخرى ذكرها في أجود التقريرات
كما أشرنا إلى ذلك في الدرس السابق، وحاصل النكتة هي: أنّ الاضطرار إلى غير
المعيّن في محل الكلام يرفع التكليف للنكتة السابقة، وهي أنّ الاضطرار يسري من
الجامع إلى الفرد، فينافي التكليف فيرفعه، فيوجب سقوط التكليف، لكن الاضطرار متى
يوجب سقوط التكليف ؟ هو يطرح هذه الفكرة: أنّه لا يكون الاضطرار موجباً لسقوط
التكليف إلاّ حين اختياره لأحد الطرفين في مقام التطبيق؛ لأنّه لا يمكن الجمع بين
التكليف وبين الترخيص الذي سرى من الجامع إلى الفرد، لا يمكن الجمع بينهما،
فيرتفع التكليف، لكن من حين الاختيار، وأمّا قبل الاختيار، ولو كان الاضطرار قبل
التكليف وقبل العلم بالتكليف إجمالاً، حتّى في هذه الصورة العلم الإجمالي يكون
منجّزاً لحرمة المخالفة القطعية؛ لأنّه قبل الاختيار لا يوجد ما يوجب سقوط التكليف
في أحد الطرفين؛ لأنّ ما يوجب سقوط التكليف في أحد الطرفين هو الاضطرار، والاضطرار
إلى غير المعيّن إنّما يوجب سقوط التكليف حين اختيار أحد الطرفين لرفع الاضطرار،
أمّا قبل الاختيار لا يوجد ما يوجب سقوط التكليف في أحد الطرفين، فيكون التكليف
فعلياً على كل تقدير قبل الاضطرار، فإذا كان فعلياً على كل تقدير، هذا يوجب تنجيز العلم
الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، وبالحقيقة يرجع إلى العلم الإجمالي بالفرد
الطويل والفرد القصير، فيبدو أنّ المحقق النائيني(قدّس سرّه) في (أجود التقريرات)
جازم بالتوسّط في التكليف، وبالرغم من هذا هو يختار المنجّزية على اساس هذه
النكتة.
وأمّا في(فوائد الأصول) فقد
ذكر أنّ هناك ملازمة بين الترخيص الواقعي والتوسّط في التكليف، وبين الترخيص
الظاهري والتوسّط في التنجيز،
[1]
إذا كان الترخيص واقعياً، فالتوسط يكون في التكليف، وإذا كان الترخيص ظاهرياً فالتوسّط
في التنجيز، وذكر أنّ الميزان في الترخيص الواقعي هو كون الملاك في الترخيص مجرّد الاضطرار،
والجهل لا دخل له في الترخيص، والملاك في الترخيص الظاهري هو أن يكون الملاك فيه
هو الجهل بحيث يكون الجهل دخيلاً في ثبوت ذلك الترخيص، فذكر الميزان للترخيص
الواقعي والترخيص الظاهري، وذكر أنّه أن كان الترخيص واقعياً، فالتوسّط في التكليف،
وإن كان ظاهرياً، فالتوسّط في التنجيز. وفي (فوائد الأصول) تردد، قال في كلٍ منهما
وجه قوي،
[2]
احتمال الترخيص الواقعي وارد في محل الكلام، أي في الاضطرار إلى غير المعيّن،
احتمال الترخيص الظاهري أيضاً وارد، هناك وجهان ولم يرجّح شيئاً منهما على الآخر.
نعم، المقرر في(فوائد الأصول) يؤكّد أنّه هنا أيضاً يختار التوسّط في التكليف،
فضلاً عن(أجود التقريرات)، أنّ المقررّ ذكر أنّه مال إلى التوسّط في التكليف
وقوّاه، احتمال على اساس ما ذكره في(أجود التقريرات) من مسألة السريان، أنّ
الترخيص يسري من الجامع إلى الفرد. وأمّا مسألة المنجّزية، وكيف يثبت المنجّزية؟
فأنّه لم يذكر شيئاً في(فوائد الأصول) وإنّما لعلّه يبنيها على ما ذكره في(أجود
التقريرات) من هذه النكتة التي بنا عليها المنجّزية وهي نكتة أنّ الاضطرار إنّما
يرفع التكليف حين الشروع في الارتكاب، وأّما قبل الارتكاب وقبل اختيار أحد الطرفين
لرفع الاضطرار لا يوجد ما يوجب سقوط التكليف في أحد الطرفين، فيكون العلم الإجمالي
منجّزاً لحرمة المخالفة القطعية. على كل حال، الظاهر أنّه يقول بالتوسّط في
التكليف. نعم، المقرر في (فوائد الأصول) نقل عنه أنّه عدل عن القول بالتوسّط في
التكليف، واختار التوسّط في التنجيز.
المحقق العراقي(قدّس سرّه) يرى
العلّية التامّة، وهذا معناه أنّه لابدّ أن يقول باستحالة الترخيص في أحد الطرفين،
ولو كان ترخيصاً ظاهرياً؛ لأنّه على القول بالعلّية التامّة لا يُفرّق في استحالة
الترخيص مع العلم الإجمالي بالتكليف وكون العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة
القطعية كما هو علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعية. إذن، الترخيص في أحد الطرفين
يكون محالاً كالترخيص في كلا الطرفين، ولو كان ترخيصاً ظاهرياً، فإذا ثبت الترخيص
كما هو المفروض في محل الكلام، لا إشكال في أنّه مرخّص في ارتكاب أحد الطرفين،
يعني مرخّص في ترك الموافقة القطعية، يعني رُخّص في المخالفة الاحتمالية، وحيث ثبت
الترخيص لابدّ من رفع اليد عن التكليف؛ لأنّه لا يجتمع مع الترخيص، العلم بالتكليف
لا يجتمع مع الترخيص؛ لأنّ العلم بالتكليف علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية، فلا
يُعقل الترخيص في تركها، فإذا ثبت الترخيص في تركها كما هو المفروض رفع اليد عن
التكليف، ونتيجة هذا أنّه يقول بالتوسّط في التكليف بالمعنى المطروح سابقاً؛ لأنّه
على تقدير أن تكون النجاسة في ما اختاره لرفع اضطراره، يكون هذا الذي اختاره لرفع
اضطراره قد ثبت فيه الترخيص ومرخّص فيه، فالترخيص محال، ولو كان ظاهرياً، فلابدّ
من رفع اليد عن التكليف، فلا تكليف في الفرد الذي اختاره، إذا اتفق كونه هو الحرام
الواقعي، وهذا معناه لا علم بتكليفٍ فعليٍ على كل تقدير، وإنّما يكون التكليف
ثابتاً على تقدير وغير ثابت على تقدير آخر، على تقدير كون النجاسة في الإناء الذي
ارتكبه لرفع اضطراره لا تكليف. نعم، على التقدير الآخر يكون التكليف ثابتاً وهذا
معناه عدم تحقق شرط المنجّزية، وبالتالي لابدّ أن ينتهي إلى نفس النتيجة التي
اختارها صاحب الكفاية(قدّس سرّه) وهو عدم المنجّزية. لكنّه استدرك هذا، ذكر بأنّه
يمكن رفع هذا المحذور والجمع بين القول بأنّ التكليف مرتفع، وبين القول بالمنجّزية،
يمكن الجمع بينهما بما تقدّم وبيّناه سابقاً وهو مسألة إضافة قيدٍ في التكليف، وهو
أن نقول بأنّ التكليف المعلوم إجمالاً وهو شرب النجس، يقول: حتّى ننتهي إلى نتيجة حرمة
المخالفة القطعية، يعني تنجيز هذا العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية وعدم
تنجيزه لوجوب الموافقة القطعية بالرغم من أنّ الترخيص في هذا الطرف ينافي التكليف
بناءً على العلّية التامّة، يقول نضيف قيداً إلى التكليف، بأن نقول ما نعلم به
إجمالاً هو حرمة شرب النجس إذا لم يرفع به الاضطرار، النجس يحرم شربه إذا لم يرفع
به اضطراره، إذا رفع به الاضطرار لا يحرم شربه. إذن، إنّما يحرم شرب النجس وتكون
الحرمة الفعلية إذا لم يرفع به الاضطرار، يضيف هذا القيد إلى التكليف، فالنتيجة هو
يعلم إجمالاً بحرمة شرب النجس إذا ارتكب الآخر، يعني إذا لم يرفع به الاضطرار، هذا
تكليف قابل للانطباق على كلٍ من الطرفين، فيقال أنّ هذا الإناء الأيمن يحرم شربه
بحرمة فعلية إذا كان نجساً ولم يرفع به الاضطرار، والإناء الأيسر أيضاً يحرم شربه
بحرمةٍ فعليةٍ إذا كان نجساً ولم يرفع به الاضطرار، هذه حرمة فعلية، والقيد يرجع
إلى متعلّق الحرام، إلى الموضوع لا إلى نفس التكليف، التكليف فعلي على كل تقدير،
القيد يرجع إلى الموضوع، الموضوع نخصصه، ليس الحرام هو شرب النجس على إطلاقه،
وإنّما الحرام هو شرب النجس المقيّد بما إذا لم يرفع به اضطراره، النجس الذي لا يرفع
به الاضطرار حرام شربه، فالتكليف يكون فعلياً على كل تقدير. غاية الأمر هذا
التكليف الفعلي على كل تقدير لا ينجّز وجوب الموافقة القطعية، لكنّه يبقى على
تنجيزه لحرمة المخالفة القطعية، وقال أنّ هذا هو مرادنا من التوسّط في التكليف لا
ما هو المعروف والذي قاله الميرزا من أنّه عبارة عن ثبوت التكليف على تقدير وعدم
ثبوته على تقدير آخر، كلا، هو يقول، التكليف ثابت على كل تقدير، لكن بما هو مقيّد
لا بما هو مطلق، وعبّر عن هذا بالتوسّط في التكليف وهو اصطلاح يبدو أنّه خاص به.
الصحيح في المقام أن يقال:
ان المنافاة بين الترخيص التخييري، باعتبار أنّ الاضطرار اضطرار إلى أحد الطرفين،
فالترخيص تخييري لا تعييني، المنافاة بين هذا الترخيص التخييري وبين التكليف
الواقعي تتحقق في حالتين:
الحالة الأولى:
إذا كان الترخيص ترخيصاً واقعياً، فإذا كان الترخيص واقعياً، فهو يكون منافياً
للتكليف الواقعي.
الحالة الثانية:
ما إذا كان الترخيص ظاهرياً، لكن مع القول بالعلّية التامّة؛ حينئذٍ يكون هذا
الترخيص، ولو كان ظاهرياً منافياً للتكليف على القول بالعلّية التامّة. وأمّا إذا
قلنا بأن الترخيص ظاهري وقلنا بمسلك الاقتضاء لا العلّية التامّة، فالظاهر أنّه لا
منافاة بين هذا الترخيص وبين التكليف الواقعي لما فُرغ عنه في محله من الجمع بين
الأحكام الواقعية والأحكام الظاهرية، أنّه لا مانع من أن يثبت الترخيص الظاهري
حتّى في مورد التكليف الواقعي والجمع بينهما ممكن وأيّ منافاة لا توجد بينهما؛
ولذا لا مجال للقول بأنّ ثبوت الترخيص الظاهري يستلزم ارتفاع التكليف، حتّى نقع في
مشكلة أنّ العلم الإجمالي هنا لا يكون منجّزاً؛ لأنّه علم بتكليفٍ على تقدير دون
تقدير آخر، كلا، التكليف ثابت حتّى في المورد الذي يثبت فيه الترخيص لا مجال لرفع
اليد عن التكليف الواقعي بمجرّد ثبوت ترخيص ظاهري، هذا إذا قلنا بأنّ الترخيص
الظاهري يثبت في نفس متعلّق التكليف الواقعي، وإلاّ الظاهر أنّ متعلّقهما مختلف،
الترخيص يتعلّق بالجامع، أي بأحدهما، بينما التكليف الواقعي يتعلّق بالنجس
الواقعي، أي يتعلّق بالماء الذي سقطت فيه قطرة الدم التي عُلم بسقوطها في أحد
الطرفين واقعاً، فمتعلّقهما مختلف، ما يتعلّق به الاضطرار غير ما يتعلّق به
التكليف، وحينئذٍ تكون عدم المنافاة واضحة؛ بل أكثر من هذا نقول، أنّه حتّى لو
قلنا باتحاد متعلّقهما، بأن كان الترخيص يتعلّق بالفرد أيضاً على نظرية الميرزا(قدّس
سرّه) الذي يقول أنّ الاضطرار يسري من الجامع إلى الفرد، وبالتالي الترخيص أيضاً
يسري من الجامع إلى الفرد، حتّى بناءً على هذا لا منافاة بين الترخيص الظاهري وبين
التكليف الواقعي، لا داعي لرفع اليد عن التكليف الواقعي في موردٍ بمجرّد أنّه ثبت
فيه ترخيص ظاهري. على تقدير أن يكون ما اختاره لرفع اضطراره نجساً في الواقع يبقى
التكليف على حاله، لكنّه ثبت فيه الترخيص الظاهري، فلو فرضنا أنّ المكلّف ارتكبه
واتفق أنّه كان نجساَ في الواقع يكون المكلّف معذوراً، لا أنّ هذا يوجب رفع اليد
عن التكليف الواقعي بما هو تكليف واقعي، وإنّما يكون المكلّف معذوراً في مخالفة
هذا التكليف. ومن هنا نستطيع أن نقول أنّ التكليف فعلي على كل تقدير. غاية الأمر
أنّ هذا التكليف الفعلي والعلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير لا ينجّز وجوب
الموافقة القطعية، وهذا واضح؛ لأنّه يوجد ترخيص في ترك الموافقة القطعية، يوجد
ترخيص في ارتكاب المخالفة الاحتمالية. إذن، هو لا ينجّز وجوب الموافقة القطعية،
وهذا واضح جدّاً، لكنّه يبقى على تنجيزه لحرمة المخالفة القطعية، وهذا هو التوسّط
في التنجيز لا التوسّط في التكليف. يمكن أن يُضاف إلى هذا أنّه يمكن منع المنافاة
بين الترخيص والتكليف ليس فقط بناءً على مسلك الاقتضاء الذي هو الصحيح؛ بل حتّى
على مسلك العلّية التامّة التي يؤمن بها المحقق العراقي(قدّس سرّه) يمكن أيضاً منع
المنافاة بين التكليف وبين الترخيص، وذلك باعتبار أنّ العلّية التامّة في بحث العلم
الإجمالي ــــــــــ أنّه علّة تامّة لتنجيز وجوب الموافقة القطعية، أو أنّه مقتضٍ
له ــــــــــ يُراد بها في الحقيقة أنّ الشكّ ليس مؤمّناً؛ لوجود العلم الإجمالي
الذي هو علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية، العلم الإجمالي وصول تام وليس فيه أيّ
نقص، لدى المكلّف علم تام؛ فحينئذٍ الشكّ ليس عذراً، عندما يكون الوصول غير تامٍ
يكون الشكّ عذراً وتجري الأصول المؤمّنة، لكن عندما يكون الوصول تامّاً لا مجال
لجريان الأصول المؤمّنة، الشكّ ليس مؤمّناً، هذا معنى العلّية التامّة بالمعنى
المتقدّم سابقاً، هذا هو المراد به، هذا المعنى، أنّ الشكّ ليس مؤمّناً وأنّ
الوصول بالعلم الإجمالي وصول تام لا نقص فيه، فالشكّ لا يكون مؤمّناً، هذا لا
ينافي أن يكون هناك مؤمّن آخر يؤمّن من ناحية الموافقة القطعية، يعني يؤمّن من
ناحية ترك الموافقة القطعية، يبقى العلم علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية،
والشكّ ليس مؤمّناً، لكن هذا لا ينافي وجود مؤمّنٍ آخر يؤمّن من ناحية ترك
الموافقة القطعية، وهذا المؤمّن هو عبارة عن الاضطرار، عبارة عن العجز الذي نتكلّم
عنه؛ لأنّه لا معنى لأنّ نقول أنّ التكليف المعلوم بالإجمال يتنجّز على المكلّف
حتّى إذا كان عاجزاً عن الموافقة القطعية؛ لأنّه في حالة العجز عن امتثال التكليف
لا يكون هذا التكليف داخلاً في دائرة المولوية التي يحكم العقل بوجوب الإطاعة
فيها، من شرائط ثبوت التكليف القدرة وعدم العجز، فإذا فرضنا أنّ المكلّف عاجز عن الموافقة
القطعية كما هو المفروض في محل الكلام؛ لأنّه مضطر إلى ارتكاب أحد الطرفين، عاجز
عن الموافقة القطعية، سواء كان العجز عقلياً أو شرعياً أو غيره ليس هناك فرق؛
حينئذٍ لا معنى لأن يكلّف بالموافقة القطعية، لا معنى لأن يقال أنّ العلم الإجمالي
ينجّز وجوب الموافقة القطعية عليه، في الحقيقة لا توجد منافاة بين عجز المكلّف عن الموافقة
القطعية واضطراره إلى ارتكاب احد الطرفين والترخيص له بارتكاب أحد الطرفين وبين
كون العلم علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية، كون العلم علّة تامّة لوجوب
الموافقة القطعية يبقى على حاله، نحن لا نقول أنّ هناك قصوراً في العلم حتّى
يُستشكل أنّه كيف تقولون ذلك والحال أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة
القطعية ؟ ليس هناك قصور في العلم، وإنّما القصور في تحقق شرطٍ من شرائط التنجيز،
شرط آخر لا علاقة له بالعلم، العلم الإجمالي وحده؛ بل حتّى العلم التفصيلي
بالتكليف وحده لا ينجّز التكليف إذا كان غير قادرٍ على امتثاله، لا يتنجّز عليه
التكليف، لكن ذلك لا يعني أنّ هناك قصوراً في العلم التفصيلي، ولا يعني أنّ العلم
التفصيلي خرج عن كونه منجّزاً لوجوب الموافقة القطعية، وعلّة تامّة بلا إشكال لوجوب
الموافقة القطعية، يبقى العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية، والعلم
الإجمالي في محل كلامنا علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية، لكن هذا لا ينافي
الترخيص في أحد الأطراف باعتبار العجز وعدم القدرة على الموافقة القطعية، فيُلتزم
بعدم وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية حتّى على القول بالعلّية
التامّة.