الموضوع: الأصول
العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/الاضطرار إلى بعض الأطراف لا بعينه
اليوم نتعرّض إلى رأي المحقق
النائيني(قدّس سرّه) الذي نُقل عنه في(أجود التقريرات)، والذي يظهر منه
أنّه ذهب إلى(المنجّزية) أنّ العلم الإجمالي ينجّز حرمة المخالفة القطعية، وعللّ
ذلك بتعليلٍ، وهذا التعليل موجود بنفسه في(فوائد الأصول)، وهو أنّ فعلية التكليف
تكون بفعلية موضوعه، ويستحيل أن لا يكون التكليف فعلياً مع كون موضوعه موجوداً
وثابتاً، وموضوع التكليف المعلوم بالإجمال متحقق في المقام؛ لأننّا بحسب الفرض
نعلم بنجاسة أحد الإناءين الذي هو موضوع الحرمة، أي موضوع وجوب الاجتناب، والمفروض
أيضاً في محل الكلام أنّه لا اضطرار إلى ارتكاب متعلّق التكليف، أيضاً لما تقدّم
من أنّه يمكن رفع الاضطرار بالمباح بغير متعلّق التكليف، فإذن، لا شيء يمنع من
فعلية التكليف، موضوعه متحقق ولا إشكال فيه، ولا اضطرار يرفع هذا التكليف. نعم،
الاضطرار إلى المعيّن يرفع التكليف لو كان هو النجس، لكن الاضطرار إلى أحدهما لا
يرفع التكليف، فهو ليس مضاداً للتكليف ولا منافياً له. بناءً على هذا، المكلّف
لأنّه جاهل هو مكلّف، وهو يعلم بهذا التكليف(يحرم عليك الشرب من الإناء النجس)،
لكنّه لا يعلم أيّ الإناءين هو النجس، جهله هذا يسوّغ له ارتكاب أحد الإناءين، ولو
كان نجساً، يُرخّص له في رفع اضطراره بأحد الإناءين، فلو اتّضح أنّ هذا الإناء
الذي رفع به اضطراره كان هو النجس الواقعي، لا يكون مؤاخذاً ويكون معذوراً في
ارتكابه ذلك الإناء. أمّا الإناء الآخر فلا مجوّز لارتكابه؛ لأنّ هذا الإناء الذي
رفع به اضطراره إذا لم يكن هو الحرام الواقعي، فسوف يكون الطرف الآخر هو الحرام
الواقعي، ولا مجوّز لارتكاب الطرف الآخر على تقدير أن يكون هو الحرام الواقعي،
وليس فيه ما يوجب الترخيص. معنى هذا الكلام هو أنّ الاضطرار حيث أنّه إلى أحد
الطرفين لا بعينه، هذا الاضطرار يكون موجباً للترخيص في عدم الالتزام بالموافقة
القطعية؛ لأنّه لا يجتمع هذا الترخيص مع وجوب الموافقة القطعية، فما يُستفاد من
هذا الترخيص في ارتكاب أحد الإناءين لا بعينه هو أنّه لا يجب على المكلّف الموافقة
القطعية، فيرتفع وجوب الموافقة القطعية، وأمّا حرمة المخالفة القطعية بحيث يقطع
بارتكاب الحرام، فهذا لا مسوّغ له، ولا داعي لرفع اليد عن حرمة المخالفة القطعية،
فتبقى المخالفة القطعية محرّمة ومنجّزة، أمّا وجوب الموافقة القطعية فيرتفع. يقول:
وهذا هو التوسّط في التكليف.
ثمّ يقول:
من هذا يظهر الفرق بين الاضطرار إلى المعيّن والاضطرار إلى غير المعيّن الذي هو
محل الكلام. يقول: الاضطرار إلى المعيّن من الأوّل يُحتمل انطباق مورد التكليف
عليه، أي احتمال أن يكون هو النجس واقعاً ولازم هذا الاحتمال هو أن لا يبقى علم
بالتكليف الفعلي على كل تقدير؛ لأنّه إن كان التكليف في هذا الطرف الذي هو مضطر
إلى ارتكابه، لا تكليف. نعم، هناك احتمال التكليف إن كانت النجاسة موجودة في الطرف
الآخر، لكن هذا مجرّد احتمال، التكليف يثبت إذا كانت النجاسة في الطرف الآخر، في
الخل، أمّا إذا كانت في الماء، فلا نجاسة، فلا تكليف، إذن، التكليف ليس معلوم على
كل تقدير، وهذا ينتج عدم المنجّزية. هذا في الاضطرار إلى المعيّن.
وأمّا الاضطرار إلى غير
المعيّن الذي
هو محل الكلام، هنا يقطع بعدم الاضطرار إلى مخالفة التكليف، هناك يحتمل أنّه مضطر
إلى مخالفة التكليف تبعاً لاحتمال أن يكون النجس الواقعي موجود في الماء في المقام
الأوّل، إذن، هو يحتمل أنّه يضطر إلى مخالفة التكليف على تقدير أن يكون الماء هو
النجس الواقعي، بينما في الاضطرار إلى غير المعيّن هو يقطع بعدم اضطراره إلى
مخالفة التكليف؛ لأنّه ليس مضطراً لمخالفة التكليف، بإمكانه أن يرفع اضطراره بغير
الحرام. إذن، هنا لا يوجد احتمال أنّه يضطر إلى مخالفة التكليف؛ بل هنا هو يقطع
بعدم اضطراره إلى مخالفة التكليف، هذا الفرق بينهما معناه أنّ الاضطرار في محل
الكلام لا يوجب مخالفة التكليف ولو احتمالاً، غاية الأمر أنّ المكلّف جاهل أيّهما
نجس، وأيّهما هو الحرام الواقعي. في هذه الحالة ـــــــــــــ حالة الجهل
ـــــــــــ لا إشكال في أنّه يجوز له رفع اضطراره بارتكاب أيّ طرفٍ يختاره، فإذا
كان الطرف الذي اختاره لرفع اضطراره هو الحرام، فلا عقاب على مخالفة التكليف فيه.
وأمّا إذا كان الحرام غير ما اختاره لرفع اضطراره، بأن كان ما رفع به اضطراره
مباحاً في الواقع، فهذا معناه أنّ الحرام هو الطرف الآخر. يقول: هذا لا مجوّز له
في ارتكابه، وهذا هو معنى التوسّط في التكليف
ثمّ ذكر أنّ هذا التوسّط
في التكليف الذي هو يختاره، وكذلك يقول الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) أيضاً اختاره،
يطرح هذا السؤال: هذا هل هو بمعنى التوسّط في نفس التكليف، أو التوسّط في تنجّز التكليف
؟ كأنّ السابق كان مقسماً لكلٍ من التوسّط في التكليف والتوسّط في التنجيز،
فالسابق كان تكليفاً متوسطاً، مرّة يكون التوسّط في نفس التكليف، وهذا هو التوسّط
في التكليف، ومرّة ليس التوسّط في نفس التكليف، وإنّما توسّط في تنجيز التكليف،
هذا يكون التوسّط في التنجيز، ومقصوده من القسمين هو نفس ما ذكره في(فوائد الأصول)
التوسّط في التكليف يعني أنّ التكليف ثابت على تقدير وليس ثابتاً على تقديرٍ آخر،
أمّا التوسّط في التنجيز، فمعناه أنّ التكليف ثابت على كل تقدير، لكن تنجيزه يكون
ثابتاً على تقدير وغير ثابت على تقدير، فيكون التوسّط في التنجيز، هذا هو المقصود
بهما.
ثمّ ذكر أنّه يظهر من
العلامة الأنصاري(قدّس سرّه) في المقام اختياره التوسّط في نفس
التكليف كما هو الحال في الاضطرار إلى المعيّن، كيف أنّ التوسّط هناك في التكليف بلا
إشكال، يقول: أنّ الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) اختار أنّ التوسّط في المقام هو التوسّط
في التكليف.
المقرر يقول:
أنّ المحقق النائيني(قدّس سرّه) أشكل على الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) في ذهابه إلى التوسّط
في التكليف في محل الكلام، أشكل عليه في الدورة السابقة، ثمّ يقول: عدل عن هذا
الإشكال في الدورة الحاضرة وبنا على كون التوسّط في التكليف نفسه، وكان حاصل
إشكاله على الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) هو: أنّ التوسّط ليس في التكليف، باعتبار
أنّ الاضطرار ليس هو ملاك الترخيص في المقام، وإنّما ملاك الترخيص هو الجهل، فيكون
الترخيص ترخيصاً ظاهرياً، والترخيص الظاهري لا ينافي التكليف الواقعي؛ لإمكان
الجمع بين الأحكام الواقعية والأحكام الظاهرية، فهو لا ينافي التكليف الواقعي؛
لأنّ الترخيص ظاهري وملاكه الجهل، وهذا لا ينافي التكليف الواقعي وهذا معناه أنّ
التكليف ثابت على كل تقدير، ولا موجب لرفع اليد عن التكليف حتّى في المورد الذي
يصادف النجاسة الواقعية، يبقى التكليف على حاله. غاية الأمر يوجد ترخيص ظاهري،
والترخيص الظاهري يمكن أن يجتمع مع التكليف الواقعي، فالتكليف ثابت على حاله، لم
يطرأ شيء يوجب رفع اليد عنه؛ لأنّ الترخيص ترخيص ظاهري، فإذا كان التكليف ثابتاً
على حاله، قهراً يكون التوسّط في التنجيز لا في التكليف بناءً على التعريف الذي
ذكره للتوسّط في التنجيز الذي هو أن يكون التكليف باقياً، وإنّما التوسط والتغيير
يكون في التنجيز، إذا كان الترخيص ظاهرياً فالتكليف باقٍ على حاله. غاية الأمر أنّ
العلم بهذا التكليف لا يستلزم وجوب الموافقة القطعية، باعتبار الترخيص في أحدهما.
نعم يستلزم حرمة المخالفة القطعية، وهذا توسّط في التنجيز. هذا إشكاله على الشيخ
الأنصاري(قدّس سرّه).
لكن المقرر يقول:
لكنّه عدل عن ما اختاره سابقاً في الدورة الحاضرة وبنا على كون التوسّط في المقام
هو توسّط في التكليف نفسه، يعني أيّد الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه)، واستدل على أنّه توسّط
في التكليف بما حاصله: أنّ الترخيص الثابت في ما يختاره المكلّف خارجاً ترخيص
واقعي وليس ترخيصاً ظاهرياً؛ لأنّ كونه ترخيصاً ظاهرياً لا ينافي التكليف الواقعي
ويبقى التكليف الواقعي محفوظاً وعلى حاله، والذي ينتج التوسط في التنجيز مبني على
وقوف الاضطرار على الجامع، وبالتالي وقوف الترخيص على الجامع، إذا كان الترخيص
متعلّقاً بأحدهما والاضطرار إلى أحدهما، الذي هو الجامع، هذا لا ينافي التكليف
المتعلّق بالفرد النجس الواقعي بالإناء الذي أصابته قطرة الدم واقعاً، هذا معيّن،
ليس هو الجامع، هذا هو الفرد، فالتكليف متعلّق بالفرد، الترخيص والاضطرار متعلّق
بالجامع، فلا منافاة بينهما، فإذا لم تكن هناك منافاة بينهما ينتج التوسط في
التنجيز؛ لأنّ التكليف ثابت ولم يتغيّر، وإنّما التنجيز يختلف، يقول هذا مبني على
هذا، أمّا إذا قلنا، وهذا هو الوجه الجديد الذي يضيفه وأشار إليه هناك، لكن كان
متردداً فيه، وأمّا إذا فرضنا أنّ الاضطرار يسري من الجامع إلى الفرد، الطرف الذي
يختاره المكلّف لرفع اضطراره عرفاً هذا يرى بأنّه هو المضطر إليه، وإن كان في
الواقع هو ليس مضطراً إلى هذا؛ لأنّه بإمكانه أن يرفع اضطراره بالفرد الآخر
واقعاً، لكن عرفاً يُرى أنّ هذا عندما يختار هذا الطرف ويشربه ويرفع به اضطراره،
عرفاً يقال هو مضطراً إلى ارتكابه على ما تقدّم في(فوائد الأصول) هو مضطر إلى
ارتكابه ويطلق عليه ذلك بالحمل الشايع الصناعي، فيقال هذا هو مضطر إليه، وهذا
معناه أنّ الاضطرار سرى إلى الفرد؛ إذن، هو مضطر إلى هذا الفرد، وهذا معناه أنّ
الترخيص يثبت في هذا الفرد، والمفروض أنّ التكليف أيضاً متعلّق بالفرد، فيجتمع
الترخيص بالفرد مع التكليف بالفرد. هذا هو الوجه الذي ذكره سابقاً يذكره هنا
لإثبات أنّ التوسّط في المقام في التكليف، وحاصله هو: أنّ الاضطرار قد يسري، ولو
بالنظر العرفي من الجامع إلى الفرد، فيكون الفرد متعلّقاً للاضطرار ومتعلّقاً
للترخيص؛ حينئذٍ هذا لا يجتمع مع التكليف، فلابدّ من رفع اليد عن التكليف في هذه
الحالة، وهذا معناه التوسّط في التكليف؛ حينئذٍ نوجّه له نفس السؤال ولابدّ أن يرد
عليه، وهو أنّه إذا كان المقام من باب التوسّط في التكليف، فما هو الفرق بينه وبين
المقام الأوّل ؟ في المقام الأوّل الاضطرار إلى المعيّن قلت أنّه من باب التوسّط
في التكليف، الآن أنت تلتزم في الاضطرار إلى غير المعيّن بالتوسّط أيضاً في
التكليف. إذن: لماذا تفرّقون بينهما وتلتزم بالمنجّزية هناك في المقام الأوّل،
وعدم التنجيز في محل الكلام ؟ هنا أيضاً لابدّ أن تلتزم بأنّ العلم الإجمالي لا
ينجّز حرمة المخالفة القطعية لا أن تلتزم بالمنجّزية في محل الكلام وعدم المنجّزية
في المقام الأوّل في ما لو كان الاضطرار سابقاً على التكليف وعلى العلم به، قلنا
هناك في صورة تقدّم الاضطرار على التكليف وعلى العلم به، هناك اتفقوا تقريباً على
عدم المنجّزية، العلم الإجمالي ينحل إذا كان الاضطرار سابقاً، يقول لماذا تلتزم
هناك بعدم المنجّزية بينما هنا تلتزم بالمنجّزية ؟ مع أنّه في كلٍ منهما
ــــــــــ بحسب الفرض ــــــــــــ التوسّط في التكليف ؟
يجيب عن هذا الإشكال بهذا
الجواب:
الفرق بينهما يكمن في أنّه في المقام الأوّل الاضطرار بنفسه يكون رافعاً للتكليف
عن مورده؛ لأنّه من البداية هو مضطر إلى ارتكاب الماء، هذا الاضطرار يكون رافعاً
للتكليف في مورد الاضطرار، والمفروض أنّ الاضطرار متقدّم وسابق على التكليف وعلى
العلم بالتكليف؛ حينئذٍ لا محالة يكون المكلّف غير عالم بالتكليف بعد الاضطرار،
وإنّما هو شاك في ثبوت التكليف لاحتمال أن يكون متعلّق التكليف موجود في الماء،
وعلى هذا التقدير ليس هناك تكليف من البداية. إذن، هو يعلم بالتكليف على تقدير ولا
يعلم بالتكليف على تقدير آخر، وهذا يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، والنكتة
هي أنّ الاضطرار في نفسه يكون رافعاً للتكليف قبل أن يشرب الماء اضطراراً، هو
بمجرّد أن يضطر إلى شرب الماء هذا يرفع التكليف في مورد الاضطرار، إذا حصل هذا
والاضطرار متقدّم ورافع للتكليف في مورده، عندما يأتي بعد ذلك العلم الإجمالي يقول
لا يوجد علم، وإنّما هناك شكّ؛ لأنّ النجاسة إن سقطت في الماء فلا تكليف؛ لأنّ
الاضطرار رافع بنفسه للتكليف، من البداية هو رافع للتكليف، ولا يتوقّف رفعه
للتكليف على شرب الماء وارتكابه، وإنّما قبل أن يشرب الماء، اضطراره إلى الماء هو
رافع للتكليف، وبعد ذلك عندما يأتي لا علم بالتكليف؛ لأنّ النجاسة إن سقطت في
الماء، فلا تكليف من البداية....... وهذا معناه أنّه لا علم بالتكليف الفعلي على
كل تقدير، فيسقط العلم الإجمالي عن التنجيز ولا تحرم المخالفة القطعية. وأمّا في
محل الكلام وهو الاضطرار إلى غير المعيّن، فالأمر يختلف، وذلك باعتبار أنّ
الاضطرار إلى غير المعيّن يكون رافعاً للتكليف باختيار المكلّف للفرد الذي يرفع
اضطراره، يعني رفع الاضطرار للتكليف ليس من البداية، وإنّما هو يكون باختيار
المكلّف لأحد الفردين في مقام التطبيق، هذا على تقدير أن يكون ما اختاره لرفع
اضطراره هو النجس الواقعي؛ حينئذٍ نقول أنّ الاضطرار يكون رافعاً للتكليف، رفع
التكليف بالاضطرار في المقام يكون من حين اختيار أحد الطرفين لرفع الاضطرار، حين
ارتكاب هذا الطرف ورفع اضطراره به؛ حينئذٍ على تقدير أن يكون هذا هو النجس؛ حينئذٍ
يرتفع التكليف، وأمّا قبل ذلك فلا موجب لرفع اليد عن التكليف قبل الارتكاب، قبل
اختيار أحد الطرفين في مقام التطبيق لا موجب لرفع اليد عن التكليف؛ لأنّ الاضطرار
ليس كما هو الحال في المقام الأوّل يكون رافعاً للتكليف من البداية، وإنّما يكون
رافعاً للتكليف بارتكاب الطرف لأجل رفع اضطراره؛ حينئذٍ يكون رافعاً للتكليف من
هذا الآن من حين الارتكاب، لو كان هو النجس واقعاً، وهذا المعنى، التكليف قبل
الاختيار في كلا الطرفين يكون فعلياً على كل تقدير، سواء كانت النجاسة في هذا
فالتكليف فعلي، أو كانت في هذا، التكليف فعلي، حتّى لو كانت النجاسة موجودة في
الإناء الذي سيختاره ويرفع به اضطراره في المستقبل قبل ذلك حتّى لو كانت النجاسة
موجودة فيه، فالتكليف فيه فعلي؛ لأنّه لا يوجد شيء يرفع التكليف على تقدير كونه
نجساً، فالتكليف ثابت على كل تقدير، سواء كانت النجاسة في هذا الإناء الذي سيختار
شربه، التكليف فعلي، أو كانت في ذاك الإناء التكليف أيضاً فعلي، فالتكليف فعلي على
كل تقدير قبل الاختيار، هذا ينجّز التكليف في كلٍ من الطرفين؛ ولذا تحرم عليه
المخالفة القطعية؛ لأنّ الطرف الآخر الذي لم يختره لرفع اضطراره، الطرف الآخر
تنجّز التكليف فيه من البداية، فيكون حال هذا المقام حال ما إذا كان العلم
الإجمالي متقدّماً على الاضطرار، كيف هناك قلنا أنّ العلم الإجمالي ينجّز كلا
الطرفين في الزمان السابق على الاضطرار إلى المعيّن قبل أن يعطش هو يعلم إجمالاً
بنجاسة أحد الإناءين، هذا العلم الإجمالي ينجّز التكليف في كلٍ من الطرفين،
والتكليف يكون فعليـاً على كل تقدير، بعد أن صار الاضطرار رُخّص له في شرب الماء،
أمّا الآخر فيبقى على تنجيزه، فيكون العلم الإجمالي السابق منجّزاً له وأدخلوه في
دوران أمر التكليف بين الفرد الطويل والفرد القصير، التكليف إمّا ثابت في هذا
الفرد في فترة زمنية محدودة تنتهي بالاضطرار إلى شرب الماء، أو ثابت في الطرف
الآخر على طول الخط، وهذا ينجّز الطرف الآخر على طول الخط ومعناه حرمة المخالفة
القطعية. ما نحن فيه من هذا القبيل؛ لهذه النكتة، وهي أنّ التكليف إنّما يسقط في
محل الكلام ويرتفع باختيار المكلّف لأحد الطرفين لرفع اضطراره، لا يرتفع بنفس
الاضطرار، هو مضطر لارتكاب أحد الإناءين، إنّما يرتفع التكليف بشرب الماء الذي
يرفع به اضطراره، أمّا قبل هذا لا يوجد رافع للتكليف؛ لذا يكون التكليف فعلياً على
كل تقدير، وبالتالي لابدّ من الالتزام بحرمة المخالفة القطعية.