الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ انحلال العلم الإجمالي
ذكرنا في الدرس السابق
الجواب عن الإشكال
المذكور في كلمات السيد الشهيد(قدّس سرّه)، وذكرنا بأنّه يمكن أن يُفسّر كلامه
بأنّ المقصود به هو دعوى أنّ الإمارة الحجّة لو كانت ثابتة في الواقع على التكليف،
فلا يُعقل جعل الترخيص في مورد الإمارة، يعني في الشبهة التي هي مورد الإمارة حتّى
تثار الإشكالات، ليس هذا هو المقصود، أنّ الإمارة بوجودها الواقعي، الإمارة
المثبتة للتكليف لو كانت موجودة في الواقع، فيستحيل جعل الترخيص الظاهري في الشبهة
التي هي مورد الإمارة، ليس هذا هو المقصود حتّى يقال أنّ هذا يؤدّي إلى عدم إمكان
إثبات الترخيص في كل شبهةٍ نحتمل فيها ورود إمارة مثبتة للتكليف فيها، وإنما
المقصود هو أنّه بالرغم ممّا قلناه سابقاً يمكن جعل الترخيص الظاهري في تلك الشبهة
التي هي مورد الإمارة، الذي قلناه في الدرس السابق هو أنّه بين الحجّية وبين
الترخيص تنافٍ واقعي ذاتي، فيستحيل الجمع بينهما، أي يستحيل الجمع بين حكمين
ظاهريين كما هو الحال في الأحكام الواقعية. إذن: عندما يثبت أحد الحكمين الظاهريين
لا محالة لا يثبت الآخر، بالرغم من هذا يقول يمكن جعل الترخيص الظاهري في الشبهة
مورد الإمارة بالرغم من افتراض وجود إمارة حجّة دالة على التكليف في تلك الشبهة،
كيف يمكن ذلك مع أنّه يوجد بينهما تنافٍ ؟ الحل هو ما ذكرنا مقدّماته في الدرس
السابق، وهو أن نقول أنّ الترخيص الذي يمكن فرضه في الشبهة مورد الإمارة هو
الترخيص الظاهري بلحاظ المرحلة الثانية من الشك كما تقدّم، والتي هي الشكّ في وجود
الإمارة وعدم وجودها، حيث قلنا أنّ هناك نوعين من الشك، شكّ في أنّ هذا حلال، أو
حرام، وهناك شكّ في أنّه هل هناك إمارة على الحرمة، أو ليس هناك إمارة على الحرمة،
وقلنا أنّه لا مانع من جعل الترخيص في الشكّ في المرحلة الثانية كما يمكن جعله في
الشك في المرحلة الأولى. هذا الشك في المرحلة الثانية يمكن فيه جعل الترخيص في
الشبهة التي هي مورد الإمارة، هذه الشبهة التي تشك في أنّ لحم الأرنب حلال، أو
حرام، ولنفترض أنّ هناك إمارة حجّة موجودة في الواقع ستظهر في ما بعد تدلّ على
حرمته، يقول لا مانع من جعل الترخيص الظاهري في هذه الشبهة، لكن بلحاظ أنّك تشكّ
في وجود إمارةٍ أو عدم وجود إمارة، يمكن جعل الترخيص بهذا اللّحاظ عندما تشكّ في
أنّه هل هناك إمارة مثبتة للحرمة، أو لا ؟ الشارع يقول ابنِ على التأمين، أنت غير
ملزم بالاحتياط من ناحية هذا الشك. نحن لا نتكلّم عن الترخيص الظاهري بلحاظ هذه
المرحلة، وإنّما الكلام عن الترخيص الظاهري بلحاظ المرحلة الأولى، وبلحاظ المرحلة الأولى
لا يُعقل جعل الترخيص الظاهري في الشبهة التي هي مورد الإمارة الحجّة المثبتة
للتكليف للتضاد بين الحجّية للإمارة المثبتة للتكليف، وبين الترخيص الظاهري، لكن
هذا لا ينافي الالتزام بإمكان جعل الترخيص الظاهري في تلك الشبهة بلحاظ المرحلة
الثانية، وبناءً على هذا الكلام، فالترخيص الظاهري في الشبهة مورد الإمارة بلحاظ
المرحلة الثانية يعارض بالترخيص الظاهري في الشبهة غير مورد الإمارة التي لا يوجد
فيها إمارة، فتتعارض الترخيصات الظاهرية المجعولة بلحاظ الشكّ في المرحلة الثانية
وتتساقط. وأمّا الترخيص الظاهري المجعول بلحاظ المرحلة الأولى من الشك، فهذا
يستحيل افتراضه في الشبهة التي هي مورد للإمارة؛ لأنّ هذا الترخيص الظاهري المجعول
في الشبهة يضاد وينافي الحجّية للإمارة المثبتة للتكليف. لا يمكن أن يقول أنّ هذه
الإمارة المثبتة للتكليف حجّة في هذه الشبهة، وفي نفس الوقت يجعل له ترخيص؛ لأنّ
الترخيص كما تقدّم يعني تقديم الأغراض الترخيصية على اللّزومية، بناءً على هذا
المسلك، بينما الحجّية للإمارة المثبتة للتكليف، يعني الاهتمام بالأغراض اللّزومية
وتقديمها على الأغراض الترخيصية، وهذان لا يمكن الجمع بينهما، فالدليل الدال على
قيام الإمارة الحجّة على ثبوت التكليف في تلك الشبهة يكشف لا محالة عن عدم جريان
الترخيص الظاهري في تلك الشبهة، فإذا لم تكن الشبهة من أوّل الأمر مورداً للترخيص
الظاهري؛ حينئذٍ يجري الترخيص الظاهري في الشبهة الأخرى في الشبهة غير مورد
الإمارة بلا معارض، وبهذا يكون الجواب عن شبهة الإخباريين، وهو أنّه صحيح، أنّ
المكلّف تعرض عليه شبهات كثيرة ويعلم علماً إجمالياً بأنّ في هذه الشبهات توجد
جملة من الإمارات مثبتة لجملة من التكاليف اللّزومية، لكن هذا العلم الإجمالي منحل
بقيام جملة من الإمارات المثبتة لجملة من التكاليف في جملة من تلك الشبهات، وهذه
الإمارات وإن كان قيامها متأخّراً زماناً عن زمان العلم الإجمالي، لكن هذا لا يمنع
من الالتزام بانحلال هذا العلم الإجمالي وعدم وجوب الاحتياط بلحاظه؛ لأنّ الإمارة المثبتة
للتكليف القائمة في ما بعد تكشف عن أنّ موردها ليس مورداً للترخيص الظاهري
لاستحالة الجمع بينها وبين الترخيص الظاهري في موردها، فإذا لم تكن هذه الشبهة
التي هي مورد الإمارة مورداً للبراءة والترخيص الظاهري فيجري الترخيص الظاهري في
الشبهة التي هي ليست مورداً للإمارة بلا معارضٍ، وهذا هو معنى الانحلال الحكمي
للعلم الإجمالي. هذا ما يرتبط بالدرس السابق.
الآن ندخل في البحث الجديد: ويقع
في ما إذا كان أحد الطرفين للعلم الإجمالي له اثر زائد بأن فرضنا أنّ هناك أثراً
مشتركاً بين الطرفين، وهناك أثر مختص بأحد الطرفين، فيكون لأحد الطرفين اثر زائد
على الأثر الموجود في الطرف الآخر، ويُمثّل له بما إذا علم إجمالاً بوقوع نجاسةٍ
إمّا في الإناء الذي فيه ماء مطلق، أو في الإناء الذي فيه ماء مضاف. هنا يوجد اثر
مشترك وهو حرمة الشرب، سواء وقعت النجاسة في الماء المطلق، أو وقعت في الماء
المضاف، فإذا وقعت في الماء المطلق يحرم شربه، وإذا وقعت في الماء المضاف أيضاً
يحرم شربه، لكنّ وقوع النجاسة في الماء المطلق له أثر مختص وهو عدم جواز الغُسل
والوضوء به، حرمة الوضوء به حرمةً وضعيّةً، هذا أثر لوقوع النجاسة في الماء
المطلق، وهذا الأثر ليس من آثار نجاسة الماء المضاف؛ لأنّ الماء المضاف اساساً لا
يجوز الوضوء به.
إذن:
هناك أثر مختص بأحد الطرفين، وهناك أثر مشترك يشترك فيه كلا الطرفين، بمعنى أنّ
النجاسة في أيّ طرفٍ وقعت يثبت لها هذا الأثر المشترك، لكنّ الأثر المختص ليس من
آثار وقوع النجاسة في أيّ طرف، وإنّما هو من آثار وقوع النجاسة في الماء المطلق
دون الماء المضاف.
الكلام يقع في أنّ العلم
الإجمالي هل ينجّز جميع الآثار ؟ أي هل ينجز حرمة الشرب وعدم جواز الوضوء، أو أنّه
ينجّز خصوص الأثر المشترك ؟ وأمّا الأثر المختص، فالعلم الإجمالي لا ينجّزه؛ بل
الشك بلحاظه يكون شكّاً بدوياً، فيمكن الرجوع فيه إلى الأصول المؤمّنة.
اختلفوا في هذه المسألة، فذهب
المحقق النائيني(قدّس سرّه) إلى الثاني،
[1]
يعني إلى أنّ العلم الإجمالي ينجّز خصوص الأثر المشترك، وأمّا الأثر المختص، فالعلم
الإجمالي لا ينجّزه؛ بل يمكن الرجوع فيه إلى الأصول المؤمّنة، واستدل على ذلك بأنّ
الأصل في كل طرف يُعارض بمثله في الطرف الآخر بالنسبة إلى الأثر المشترك، قاعدة
الطهارة، أو استصحاب الطهارة في الماء المطلق مُعارض بقاعدة الطهارة، أو استصحاب
الطهارة في الماء المضاف، كلٌ منهما يستحق هذا الأصل، كلٌ منهما يُشكّ في نجاسته
وطهارته، فيستحق قاعدة الطهارة، ولا يمكن إجراء قاعدة الطهارة في كلٍ منهما؛ لأنّ
هذه مخالفة قطعية للتكليف المعلوم بالإجمال؛ لأنّه يعلم بثبوت النجاسة في أحدهما،
كما لا يمكن تخصيص قاعدة الطهارة بأحدهما دون الآخر؛ لأنّ هذا ترجيح بلا مرجّح،
وهذه هي القاعدة التي توجب تعارض الأصول وتساقطها، فيكون العلم الإجمالي منجّزاً
لهذا الأثر المشترك الذي هو حرمة الشرب، فيُحكم عليه بأنّه يحرم عليه شرب هذا
الإناء وشرب هذا الإناء الآخر تطبيقاً لقاعدة منجّزية العلم الإجمالي.
وأمّا بالنسبة إلى الأثر
المختص الذي
هو عدم جواز الوضوء بالماء المطلق، فهذا يجري فيه الأصل بلا معارضٍ، تجري فيه
قاعدة الطهارة ولا تُعارَض قاعدة الطهارة في الماء المطلق بقاعدة الطهارة في الماء
المضاف لما قلناه من أنّ عدم جواز الوضوء بالماء المضاف ليس من آثار نجاسة الماء
المضاف، فتجري قاعدة الطهارة في الماء المطلق من دون أنّ تعارض بأصلٍ مماثل في
الطرف الآخر بالنسبة إلى الأثر المختص، بخلافه بلحاظ الأثر المشترك، فأنّ القاعدة
تُعارَض بمثلها في الطرف الآخر، فتتساقط ويتنجّز العلم الإجمالي بلحاظ الأثر
المشترك دون الأثر المختص. وبناءً عليه: لا يجوز له شرب الماء المطلق ولا الماء
المضاف، لكنّه يجوز له الوضوء بالماء المطلق تمسّكاً بالأصل المؤمّن الذي هو قاعدة
الطهارة التي لا معارض لها في الطرف الآخر.
السيد الخوئي (قدّس سرّه)
ذهب إلى الرأي الأوّل وخالف استاذه،
[2]
وذهب إلى أنّ العلم الإجمالي ينجّز جميع الآثار، واستدلّ على ذلك بأنّ جواز الوضوء
بالماء المطلق متفرّع على جريان قاعدة الطهارة فيه، كيف يمكن أن نثبت أنّ هذا الماء
المطلق الذي نشكّ في طهارته ونجاسته يجوز الوضوء به ؟ لا يمكن إثبات جواز الوضوء
بهذا الماء المشكوك الطهارة والنجاسة إلاّ بعد إجراء قاعدة الطهارة فيه، فإذن:
جواز الوضوء به متفرّع على جريان قاعدة الطهارة فيه، فإذا فرضنا أنّ قاعدة الطهارة
لا تجري في الماء المطلق؛ لأنّها معارضة بقاعدة الطهارة في الماء المضاف، فلا تجري
قاعدة الطهارة في الماء المطلق بسبب المعارضة؛ فحينئذٍ لا طريق لنا لإحراز طهارة الماء
المطلق حتّى نلتزم بجواز الوضوء به.
بعبارةٍ أخرى: إنّ
جواز الوضوء بالماء موقوف على إثبات طهارته، إمّا واقعاً، أو ظاهراً، ولا يمكننا
إثبات طهارة الماء المطلق في المقام واقعاً، ويتعذّر علينا إثبات طهارته ظاهراً
استناداً إلى قاعدة الطهارة؛ لأنّ قاعدة الطهارة التي تجري فيه مُعارَضة بقاعدة
الطهارة الجارية في الماء المضاف، فيتعذّر إثبات طهارة الماء المطلق في المقام،
وبالتالي لا يمكن الالتزام بجواز الوضوء به خلافاً لما ذكره المحقق النائيني(قدّس
سرّه).
كلام السيد الخوئي (قدّس
سرّه) كأنّه
يفترض أنّ الأثر المختص الذي هو عدم جواز الوضوء بالماء المطلق، النافي لهذا الأثر
هو نفس الأصل النافي للأثر المشترك الذي هو قاعدة الطهارة. الأثر المشترك هو حرمة
الشرب، النافي لحرمة الشرب والمثبت لجواز الشرب هو قاعدة الطهارة، إذا أثبتنا قاعدة
الطهارة ينتفي هذا الأثر وهو حرمة الشرب، هذا الأصل النافي للأثر المشترك هو نفسه
نافٍ للأثر المختص، والمفروض أنّ هذا الأصل سقط بالمعارضة مع قاعدة الطهارة في الماء
المضاف، وبهذا نفقد دليلاً على إثبات طهارة الماء المطلق، فلا يمكن أن نلتزم بجواز
الوضوء به؛ لأنّ الدليل هو قاعدة الطهارة التي تنفي حرمة الشرب أيضاً لو جرت بلا
معارضة، وقاعدة الطهارة في الماء المطلق معارضة بمثلها في الماء المضاف، فنفقد
الدليل على طهارة الماء، وبهذا نصل إلى نتيجة عدم جواز الوضوء بهذا الماء المطلق؛
لأنّه يكفينا لإثبات عدم جواز الوضوء بالماء الشكّ في أنّ هذا الماء نجس، أو طاهر.
بعبارة أخرى: إنّ
جواز الوضوء لابدّ فيه من إحراز طهارة الماء، إمّا واقعاً، أو ظاهراً، فإذا شككنا
في ماء أنّه طاهر أو نجس لا يمكن الحكم بجواز الوضوء به إلاّ إذا أحرزنا طهارته،
وفي المقام لا يمكن إحراز طهارته، لا واقعاً ولا ظاهراً، فإذن: بالنتيجة لا يجوز
الوضوء به.
السيد الشهيد(قدّس سرّه) علّق
على كلام السيد الخوئي(قدّس سرّه) بقوله بأنّ ظاهر هذا الكلام هو أنّه يعترف بخروج
الأثر المختص عن دائرة العلم الإجمالي، وإنّما لا يُنفى هذا الأثر، أي لا يمكن
إثبات جواز الوضوء بهذا الماء ليس على أساس منجّزية العلم الإجمالي، فهو خارج عن
دائرة العلم الإجمالي، وإنّما لا يمكن إثبات جواز الوضوء به باعتبار عدم وجود أصلٍ
ترخيصي مؤمّن بعد سقوط الأصل بالمعارضة، أي أنّ الأصل المؤمّن الذي يمكن الاعتماد
عليه في إثبات جواز الوضوء غير موجود، فنلتزم بعدم جواز الوضوء به، ليس من جهة أنّ
العلم الإجمالي كما ينجّز حرمة الشرب في كلٍ من الطرفين، كذلك ينجّز عدم جواز
الوضوء بالماء المطلق، وإنّما هو يعترف بأنّه لو بقينا نحن والعلم الإجمالي، العلم
الإجمالي لا ينجّز أكثر من حرمة الشرب في كلٍ منهما ولا ينجّز حرمة الوضوء، وإنّما
التزمنا بعدم جواز الوضوء باعتبار عدم وجود دليلٍ يدلّ على طهارة الماء؛ لأنّ
الدليل على طهارة الماء المثبت لجواز الوضوء به هو عبارة عن قاعدة الطهارة، وقاعدة
الطهارة قد سقطت بالمعارضة، فيقول أنّ الذي يُفهم من كلامه هو الاعتراف بخروج
الأثر المختص عن دائرة العلم الإجمالي، وبناءً على هذا الفهم من كلام السيد الخوئي
(قدّس سرّه)؛ حينئذٍ لابدّ أن نفصّل بين ما لو كان الأثر المختص منفيّاً ينفس
الأصل الذي ينفي الأثر المشترك وبين ما إذا كان الأثر المختص يستقل بأصلٍ يمكن
الاعتماد عليه لنفيه غير الأصل الذي ينفى به الأثر المشترك، فأن كان الأصل واحداً،
وليس لدينا إلاّ أصل واحد ننفي به الأثر المشترك والأثر المختص؛ حينئذٍ يتم كلام السيد
الخوئي (قدّس سرّه)؛ لأنّ هذا الأصل سقط بالمعارضة، فلا يبقى دليل على جواز الوضوء
بالماء المطلق؛ لأنّ الدليل منحصر بهذا الأصل، والمفروض أنّ هذا الأصل سقط
بالمعارضة. وبين حالة أخرى يختص الأثر المختص بأصلٍ مستقلٍ، وليس هو نفس الأصل
الذي ننفي به الأثر المشترك، بناءً على كلام السيد الخوئي (قدّس سرّه) لابدّ أن
نلتزم بإمكان جريان هذا الأصل كما يُمثل بما إذا فرضنا أنّه علم إجمالاً أنّه
استقرض من زيد خمسة دنانير، أو من عمرو عشرة دنانير، هنا يوجد أثر مشترك وهو أنّه
مدين بخمسة دنانير لزيد إن كان هو الذي استقرض منه، ولعمرو إن كان هو الذي استقرض
منه، بالضبط مثل حرمة الشرب في المثال السابق، يحرم شرب الماء المطلق إن وقعت فيه
النجاسة، ويحرم شرب الماء المضاف إن وقعت فيه النجاسة، هذا أثر مشترك، وهنا نقول
إن كان قد استقرض من زيد، فهو مدين له بخمسة دنانير، وإن كان قد استقرض من عمرو،
فهو أيضاً مدين له بخمسة دنانير قطعاً، هذا أثر مشترك. وهناك أثر زائد يختص به
عمرو على تقدير أن يكون قد استقرض من عمرو تثبت خمسة دنانير أخرى في ذمّته، لكن
على تقدير أن يكون قد استقرض من زيد لا تثبت في ذمته خمسة دنانير أخرى، وإنّما
يثبت فقط الأثر المشترك. الأصل الذي ننفي به الأثر المشترك غير الأصل الذي ننفي به
الأثر المختص، أصالة البراءة هنا تجري لإثبات براءة الذمّة من أنه مدين بخمسة
دنانير، أصالة البراءة هذه سقطت بالمعارضة، يعني أنّ أصالة البراءة من كون ذمته
مشغولة لزيد معارضة بأصالة البراة من كون ذمّته مشغولة لعمرو بخمسة دنانير،
تتساقطان، لكن تبقى أصالة البراءة جارية في الأثر المختص وهو الخمسة الزائدة،
أصالة البراءة هذه مستقلّة ولا علاقة لها بأصالة البراءة الساقطة بالمعارضة، هذا
موضوع جديد وهو خمسة دنانير نشكّ في أنّه مدين بها لعمرو، أو غير مدين بها لعمرو،
فتجري أصالة البراءة بناء على الكلام الذي يذكره، وهو التفصيل، يعني لازم كلامه هو
التفصيل بين ما إذا كان هناك أصل واحد لهما، وبين ما إذا كان الأثر المختص يختص
بأصلٍ يختص به ويمكن إجراءه فيه، فينبغي التفصيل بين الحالتين.
[3]الذي يمكن أن يقال في
المقام: الإنصاف
أنّ كلام السيد الخوئي (قدّس سرّه) ليس ظاهراً ظهوراً واضحاً في ما ذكره السيد الشهيد(قدّس
سرّه) من أنّه يعترف بخروج الأثر المختص عن دائرة العلم الإجمالي، هو غاية ما ذكر
هذا المعنى الذي نقلناه عنه قبل قليل، ما يقوله هو أنّ جواز الوضوء بالماء المطلق
متفرّع على جريان قاعدة الطهارة فيه، وهذا كلام صحيح. ثمّ يقول: أنّ قاعدة الطهارة
في الماء المطلق معارضة بقاعدة الطهارة في الماء المضاف، فتسقط قاعدة الطهارة في
كلٍ منهما، فلا يبقى ما نثبت به طهارة الماء المطلق حتّى نلتزم بجواز الوضوء به.
هذا الكلام يمكن أن يُفسّر بدخول الأثر المختص في دائرة العلم الإجمالي، باعتبار
أنّ تنجيز العلم الإجمالي هو فرع جريان الأصول في الأطراف وتعارضها وتساقطها، فيتنجّز
العلم الإجمالي، والعلم الإجمالي يتنجّز عندما تتعارض الأصول في الأطراف وتتساقط؛
فحينئذٍ العلم الإجمالي ينجّز الطرفين، كلامه لا ينافي أنّ العلم الإجمالي ينجّز
الأثر المختص كما ينجّز الأثر المشترك؛ لأنّه يريد أن يقول أنّ قاعدة الطهارة في
الأطراف الذي هو في هذا المثال الذي طرحه الذي هو العلم إجمالاً بنجاسة أحد
الإناءين، أحدهما فيه ماء مطلق، والآخر فيه ماء مضاف، جواز الوضوء بالماء المطلق
متوقّف على جريان قاعدة الطهارة، وقاعدة الطهارة تسقط بالمعارضة، وبذلك يتنجّز العلم
الإجمالي، فيكون العلم الإجمالي منجّزاً لحرمة الشرب، ومنجّزاً أيضاً لعدم جواز
الوضوء به. كلامه ليس واضحاً، يمكن أن يُفسّر بهذا التفسير، لكن يمكن أن يُفسّر
بأنّه لا يريد الاعتراف بأنّ الأثر المختص خارج عن دائرة العلم الإجمالي.