الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

35/11/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العمليّة/ تنبيهات العلم الإجمالي/ الشبهة غير المحصورة
الأمر الثالث: هو ما يُسمّى شبهة الكثير في الكثير، والمقصود بذلك هو ما إذا كانت أطراف الشبهة كثيرة، لكن كان المعلوم بالإجمال أيضاً كثيراً، أطراف الشبهة ألف طرف، والمعلوم بالإجمال ليس واحداً من ألف كما كنّا نتكلّم عنه، وإنّما المعلوم بالإجمال ـــــــــــ فرضاً ـــــــــــ خمسمائة، بحيث تكون النسبة نسبة النصف، أيّ واحد إلى اثنين، أو كانت الأطراف ألف وخمسمائة، والمعلوم بالإجمال خمسمائة، بحيث تكون النسبة هي نسبة واحد إلى ثلاثة....وهكذا. الأطراف هنا وإن كانت كثيرة، لكن المعلوم بالإجمال أيضاً كثير، ومن هنا سُمّيت شبهة الكثير في الكثير، الكلام في أنّه هل يجري عليها حكم الشبهة المحصورة ؟ باعتبار أنّ النسبة هي نسبة واحد من ثلاثة، أو واحد من أثنين، وهي نفس النسبة الموجودة في الشبهة المحصورة التي كنّا نتكلّم عنها. أو لا أنّ هذا بحكم الشبهة غير المحصورة، باعتبار كثرة الأطراف ؟
ذكروا أنّ الجواب عن هذا السؤال يختلف أيضاً باختلاف المدارك، وما يُستنَد إليه في عدم منجّزية العلم الإجمالي في الشبهات غير المحصورة، فإذا كان المستند في عدم المنجّزية في الشبهات غير المحصورة هو الوجه الأوّل المتقدّم الذي هو عبارة عن ضعف احتمال الانطباق في كلّ طرفٍ من الأطراف، أو الاطمئنان بعدم الانطباق في كلّ طرفٍ من الأطراف لو لوحظ وحده، الظاهر أنّه يجري على شبهة الكثير في الكثير حكم الشبهة المحصورة، فيكون العلم الإجمالي منجّزاً؛ لأنّه لا يوجد عندنا ضعف في احتمال الانطباق على هذا الطرف؛ بل احتمال انطباق كلّ طرفٍ هو واحد من ثلاثة، فإذا فرضنا أنّ عدد الأطراف ألف، والمعلوم بالإجمال خمسمائة، احتمال الانطباق في كلّ طرفٍ نأخذه هو بنسبة واحدٍ إلى ثلاثة، أو إذا كانت الأطراف ألف، والمعلوم بالإجمال خمسمائة، فنسبة الانطباق هي واحد إلى أثنين، وهذا ليس احتمالاً موهوماً، أو ضعيفاً بحيث يحصل اطمئنان بعدم الانطباق في هذا الطرف، فيكون حكم شبهة الكثير في الكثير حكم الشبهة المحصورة، باعتبار أنّه لا يوجد في كلّ طرفٍ من الأطراف اطمئنان بعدم الانطباق؛ لأنّ احتمال الانطباق ليس احتمالاً ضعيفاً، أو موهوماً، وإنّما هو احتمال قوي، نسبة واحد من أثنين، أو واحد من ثلاثة، أو واحد من أربعة، بالنتيجة ليس احتمالاً موهوماً بحيث يحصل الاطمئنان بعدم الانطباق في هذا الطرف. ومن هنا لا يمكن الاستناد إلى هذا المدرك لإثبات سقوط العلم الإجمالي في شبهة الكثير في الكثير عن المنجّزية؛ بل تبقى المنجّزية على حالها، وهذا معناه أننّا نُلحق هذه الشبهة بالشبهة المحصورة من جهة منجّزية العلم الإجمالي.
ونفس الكلام يقال بناءً على الوجه الثالث المتقدّم الذي يعتمد عقلائياً على منع المنافاة بين الترخيص في الطرف وبين التكليف الإلزامي المعلوم بالإجمال، لا منافاة بينهما، لا عقلاً كما تقدّم، ولا عقلائياً باعتبار كثرة الأطراف. نعم، في الشبهة المحصورة، عقلائياً ممنوع الترخيص؛ لأنّ العقلاء يرونه منافياً للتكليف المعلوم بالإجمال؛ لأنّهم لا يقبلون تقديم الأغراض الترخيصية على الغرض اللّزومي في الشبهة المحصورة، لكن عندما تكون الأفراد كثيرة كما في الشبهة غير المحصورة المتقدّمة، هنا لا مانع من تقديم الأغراض اللّزومية الكثيرة على الغرض اللّزومي الواحد، إذا كان هذا هو المدرك في سقوط العلم الإجمالي في الشبهات غير المحصورة عن التنجيز؛ فحينئذٍ يقال: في شبهة الكثير في الكثير لا يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز؛ لما اتضح من أنّ تقديم الأغراض الترخيصية الكثيرة على الغرض اللّزومي الواحد يرتبط بما يراه العقلاء من إمكان هذا التقديم، وهذا مرتبط في الحقيقة بكمية الأغراض اللّزومية وكمية الأغراض اللّزومية، فإذا فرضنا أنّ الأغراض الترخيصية كانت كثيرة جدّاً، وما يلزم من تقديمها هو فوات غرض لزومي واحد، هنا تقدّم أنّه قد يقال: أنّ العقلاء لا يرون مانعاً من ذلك، فتقدّم الأغراض الترخيصية ويُحكم بالترخيص وعدم وجوب الموافقة القطعية الذي معناه سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، لكن عندما يلزم من تقديم الأغراض الترخيصية فوات أغراض لزومية كثيرة، عندما يُلتزم بالترخيص في محل الكلام سوف تفوت أغراض ترخيصية عددها خمسمائة كما في هذا المثال، في هذه الحالة العقلاء يرون المناقضة بين الترخيص وبين الأحكام الإلزامية الكثيرة المعلومة بالإجمال، فإذن: مسألة المنافاة بنظر العقلاء، والمناقضة بنظر العقلاء ترتبط بكمية الأغراض الترخيصية، و الأغراض اللّزومية، الشيء الذي يمكن أن نلتزم به ــــــــــــ مثلاً ـــــــــــ لمنع المنافاة هو في ما إذا كانت الأغراض الترخيصية كثيرة بحيث أنّ تقديم الغرض اللّزومي والتزام المكلّف بالاحتياط يفوّت عليه أغراض ترخيصية كثيرة جدّاً في مقابل الحفاظ على غرض لزومي واحد ــــــــــــ مثلاً ــــــــــــ في هذه الحالة العقلاء يقولون لا مانع من تقديم الأغراض الترخيصية وبالتالي لا منافاة بين الترخيص وبين الحكم الإلزامي المعلوم بالإجمال. أمّا في شبهة الكثير في الكثير الذي يفوت بتقديم الأغراض الترخيصية هو عبارة عن أغراض لزومية كثيرة، في هذه الحالة هذا الأمر لا يكون تامّاً. ومن هنا بناءً على أن يكون المستند هو هذا أيضاً لابدّ من إلحاق شبهة الكثير في الكثير بالشبهة المحصورة، فيكون العلم الإجمالي باقٍ على تنجيزه.
نعم، بناءً على مسلك المحقق النائيني(قدّس سرّه) المتقدّم الذي يرى أنّ المستند في عدم وجوب الموافقة القطعية هو عدم القدرة على المخالفة القطعية، هذا هو الميزان عنده، لا معنى حينئذٍ لتنجيز حرمة المخالفة القطعية لعدم القدرة عليها، فلا يتنجّز وجوب الموافقة القطعية؛ لأنّه يرى أنّ وجوب الموافقة القطعية تابع لحرمة المخالفة القطعية، فيسقط كلٌ منهما عن التنجيز، لا تحرم المخالفة القطعية؛ لأنّها غير مقدورة ـــــــــــ بحسب الفرض ــــــــــــ لأنّ الميزان عنده في الشبهة غير المحصورة هو هذا، ولا تجب الموافقة القطعية؛ لأنّها تابعة لحرمة المخالفة القطعية. وهذا الميزان ينبغي تطبيقه في محل الكلام، ويصح تطبيقه في محل الكلام، وينتج سقوط العلم الإجمالي عن المنجّزية في كلّ موردٍ لا يتمكّن المكلّف فيه من المخالفة القطعية، ففي كلّ موردٍ من هذا القبيل ينطبق هذا الميزان، فيكون حاله حال الشبهة غير المحصورة، كما أنّه هناك لا يمكنه المخالفة القطعية، هنا أيضاً لا يمكنه المخالفة القطعية، فيسقط العلم الإجمالي عن التنجيز، وفي كلّ موردٍ يمكنه المخالفة القطعية، المخالفة القطعية ليست ممّا لا يتمكّن منه المكلّف، فيمكنه المخالفة القطعية، وفي هذه الحالة لابدّ من إلحاق هذه الشبهة بالشبهة المحصورة، وأنّ العلم الإجمالي يكون منجّزاً، والظاهر أنّ هذا يختلف باختلاف الأمثلة والموارد، (مثلاً): في المثال السابق الذي ذكرناه، نفترض أنّ الآنية ألف وخمسمائة إناء، وهو يعلم بنجاسة خمسمائة إناءٍ منها، المكلّف متّى يخالف قطعاً ؟ المكلّف يخالف قطعاً إذا ارتكب ألف إناء زائداً إناء واحد؛ وعندئذٍ يقطع بالمخالفة، أي قطعاً هو ارتكب النجس. أمّا إذا ارتكب ألف إناء، هناك احتمال أن تكون الخمسمائة النجسة موجودة في الخمسمائة الباقية التي لم يرتكبها، فلا قطع بالمخالفة، وإنّما يقطع بالمخالفة إذا أضاف إلى الألف إناء التي ارتكبها أناءً واحداً؛ عندئذٍ يكون قاطعاً بأنّه ارتكب النجس، وخالف قطعاً؛ وحينئذٍ قد يقال: بأنّ المكلّف عادّة غير قادر على ارتكاب ألف إناء وإناء، فإذا كان غير قادر على ارتكابها؛ عندئذٍ يتحقق الميزان للشبهة غير المحصورة عنده، وبالتالي لابدّ من الالتزام بعدم التنجيز وسقوط العلم الإجمالي في المقام عن المنجّزية، لكن في مواردٍ أخرى قد نفترض إمكان ارتكاب المخالفة القطعية، كما إذا علم بنجاسة خمسين إناءٍ من مائة إناءٍ، وفرضنا أنّ هذه أيضاً شبهة الكثير في الكثير، في هذه الحالة المخالفة القطعية تتحقق بأن يرتكب واحداً وخمسين إناء، فإذا ارتكب واحداً وخمسين إناءٍ يكون قد خالف التكليف المعلوم بالإجمال قطعاً.
هنا قد يقال بأنّ المكلّف يتمكّن عادّة من ارتكاب واحد وخمسين إناء، فإذا كان متمكّناً، فالميزان في سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز عنده لا يكون متحققّاً، وتكون الشبهة حينئذٍ ملحقة بالشبهة المحصورة، فيكون العلم الإجمالي فيها منجّزاً لوجوب الموافقة القطعية. هذا هو ما يرتبط بالأمر الثالث.
إلى هنا يتمّ الكلام عن أصل البحث في الشبهة غير المحصورة، وعن لواحق هذا البحث التي ذكرناها ضمن هذه الأمور الثلاثة. بعد ذلك ننتقل إلى بحثٍ مهم من الأبحاث المهمّة جدّاً التي ترتبط بالعلم الإجمالي، وهو بحث انحلال العلم الإجمالي، متى ينحلّ العلم الإجمالي، وهو بحث من الأبحاث المهمّة جدّاً، ولم يُفرد له بحث مستقل في كلمات الأصوليين من قبلنا.
الكلام يقع في أنّه إذا علم المكلّف بحكمٍ إلزاميٍ مرددّ بين طرفين وحصل عنده ما يوجب ثبوت التكليف في أحد الطرفين بعينه، من قبيل حصول علم تفصيلي، هو علم بنجاسة أحد أناءين، نفترض أنّه علم بعلمٍ تفصيليٍ بنجاسة هذا الإناء الأيمن، فيقع الكلام أنّ هذا العلم التفصيلي بنجاسة هذا الإناء الأيمن من الإناءين الذي علم إجمالاً بنجاسة أحدهما، هل يوجب انحلال العلم الإجمالي، وسقوطه عن التنجيز، وثمرة سقوطه عن التنجيز تظهر في الطرف الآخر، فيجوز الرجوع إلى الأصول المؤمّنة في الطرف الآخر، بينما إذا بقي العلم الإجمالي على منجزيته يمنع من إجراء الأصول في الأطراف. أو أنّه ليس علم تفصيلاً بنجاسة الإناء الأيمن، وإنّما قامت إمارة شرعية معتبرة على نجاسة الإناء الأيمن بعينه، أو اقتضى ثبوت التكليف في الإناء الأيمن أصل من الأصول الشرعية كالاستصحاب، أو العقلية كالاحتياط وأمثاله، هذا التكليف في أحد الطرفين بعينه، الذي ثبت بعلم تفصيلي، أو بإمارةٍ، أو بأصلٍ شرعيٍ، أو عقليٍ، وأصبح المكلّف عالماً، أو قامت عنده الحجّة المعتبرة على ثبوت التكليف حتماً في هذا الطرف الأيمن، هل يوجب انحلال العلم الإجمالي، أو لا؟
الكلام هنا تارة يقع في ما يُسمّى بالانحلال الحقيقي الذي يعني زوال العلم الإجمالي حقيقة وواقعاً، بحيث لا يبقى علم إجمالي. وأخرى يقع في الانحلال الحكمي الذي يعني سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز بالرغم من  بقاء العلم الإجمالي حقيقة وواقعاً، العلم الإجمالي باقٍ ولم ينحل حقيقة، لكنّه يسقط عن التنجيز، ولا يمنع من إجراء الأصول المؤمّنة في الأطراف الأخرى لسببٍ من الأسباب كما سيأتي، عندما يبلغ العلم الإجمالي هذه الحالة، يعني علم إجمالي باقٍ حقيقة لكنّه ليس منجّزاً، يقال: انحلّ هذا العلم الإجمالي انحلالاً حكمياً، فالكلام يقع في مقامين: في الانحلال الحقيقي، والانحلال الحكمي .
الكلام فعلاً في المقام الأوّل، أي في الانحلال الحقيقي، الكلام في كبرى الانحلال الحقيقي. هنا توجد حالتان، أحدى الحالتين، قالوا أنّها خارجة عن محل النزاع، ولا نزاع فيها، وإنّما النزاع يتركّز على الحالة الثانية:
الحالة الأولى: هي ما إذا فرضنا أنّ العلم التفصيلي كان ناظراً إلى تعيين المعلوم بالإجمال في هذا الطرف الأيمن بعينه، يعني يقول: أنّ هذه النجاسة التي علمت بها إجمالاً، والمرددّة بين الإناءين هي في هذا الإناء الأيمن، فيكون ناظراً إلى تعيين وتشخيص المعلوم بالإجمال. هذه الحالة خارجة عن محل النزاع، بمعنى أنّه لا خلاف ولا نزاع في تحقق الانحلال الحقيقي في هذه الحالة، ويزول العلم الإجمالي، ولا يبقى المكلّف عالماً بالنجاسة في أحد الإناءين، وإنّما هو يعلم أنّ تلك النجاسة التي حصلت هي موجودة في الإناء الأيمن، هذا يعلم به تفصيلاً، ينحل العلم الإجمالي انحلالاً حقيقياً إلى علمٍ تفصيلي بوجود النجاسة في هذا الإناء، وشك بدوي ــــــــــــ مثلاً ـــــــــــــ في الإناء الآخر، هنا قالوا: هذا خارج عن محل النزاع، والنزاع الآتي لا يجري في هذه الحالة، وإنّما يجري في الحالة الثانية.
الحالة الثانية: وهي حالة ما إذا كان العلم التفصيلي ليس ناظراً إلى تعيين وتشخيص المعلوم بالإجمال، عَلِم تفصيلاً بنجاسة هذا الإناء الأيمن، وليس علم تفصيلاً بأنّ النجاسة التي علم بأنّها مرددّة بين الطرفين هي موجودة في الإناء الأيمن، ليس ناظراً إلى هذا، وإنّما علم تفصيلاً بأنّ هذا الإناء نجس، هنا قالوا أنّ هذا هو محل الكلام في أنّه هل يتحققّ بذلك الانحلال الحقيقي، أو لا يتحقق الانحلال الحقيقي بذلك ؟ هنا يوجد احتمال أن تكون النجاسة المعلومة بالتفصيل هي نفس النجاسة المعلومة بالإجمال، لكن هذا احتمال، يعني في قبالها احتمال أن لا تكون النجاسة المعلومة بالتفصيل هي نفس النجاسة المعلومة بالإجمال؛ لأنّ العلم التفصيلي لم يكن ناظراً إلى تشخيص المعلوم بالإجمال، وإنّما اثبت نجاسة في هذا الإناء الأيمن، فيُحتمل أن تكون هي نفس النجاسة المعلومة بالإجمال، ويُحتمل أن تكون نجاسة غير تلك، قالوا: هذا هو محل الكلام، ومحل النزاع الآتي؛ لأنّ هناك نزاعاً في أنّ الانحلال الحقيقي يتحقق في هذه الحالة، أو لا يتحققّ ؟
السيد الشهيد(قدّس سرّه) [1] ذكر بأنّ الحالة الثانية التي دخلت في محل النزاع، ينبغي أيضاً تقسيمها إلى نحوين؛ لأنّ هذه الحالة الثانية تقع على نحوين، أيضاً يقول أن ّأحد النحوين ليس داخلاً في محل النزاع:
النحو الأوّل: أن تؤخذ في المعلوم بالإجمال خصوصية زائدة غير مأخوذة في المعلوم بالتفصيل، كما إذا فرضنا أنّه علم بنجاسة أحد الإناءين نجاسة ناشئة من سقوط قطرة دم، فهذه خصوصية زائدة لم تؤخذ في المعلوم بالتفصيل، كما لو علم بنجاسة هذا الإناء الأيمن، لا أنّه علم بنجاسته الناشئة من سقوط قطرة دم، وإنّما علم بنجاسة هذا الإناء. فإذن: هو علم بنجاسة أحد الإناءين نجاسة ناشئة من سبب خاص كسقوط قطرة دم ـــــــــ مثلاً ــــــــ ثمّ علم تفصيلاً بنجاسة الإناء اليمن نجاسة مطلقة، غير مقيدة بتلك الخصوصية.
ويُلحق به في خروجه عن محل النزاع كما سنذكر ما إذا كان كلٌ من المعلوم بالإجمال، والمعلوم بالتفصيل مقيّد بخصوصية غير الخصوصية المقيّد بها الآخر، كما إذا علم إجمالاً بسقوط قطرة بول في أحد الإناءين، وعلم تفصيلاً بنجاسة الإناء الأيمن نجاسة ناشئة من سقوط قطرة دم،  وهذه خصوصية أخرى مباينة للخصوصية التي أخذت في المعلوم بالإجمال.
يقول: في هذين المثالين في هذا النحو الأوّل الذي يعم كلاً منهما، هذا أيضاً خارج عن محل النزاع؛ إذ لا إشكال في عدم الانحلال الحقيقي في هذا النحو، النحو الأوّل المتقدّم أخرجناه لأنّه لا إشكال في الانحلال الحقيقي عندما يكون العلم التفصيلي ناظراً إلى تشخيص المعلوم بالإجمال، هذا أخرجناه عن محل النزاع؛ لأنّه لا إشكال في الانحلال فيه، قطعاً هناك انحلال، وهذا النحو الأوّل هنا أيضاً نخرجه عن محل النزاع، لكن باعتبار أنّه لا إشكال في عدم تحقق الانحلال فيه، ولا نزاع في ذلك؛ لماذا ينحل العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين نجاسة ناشئة من سقوط قطرة دم، بالعلم التفصيلي بنجاسة الإناء الأيمن فقط ؟ يبقى العلم الإجمالي الأوّل على حاله ولا ينحل حقيقة، يبقى المكلّف عالم بنجاسة أحد الإناءين من جهة سقوط قطرة دم في أحدهما، بالرغم من أنّه عالم تفصيلاً بنجاسة الإناء الأيمن، والأمر أوضح في المثال الثاني، يعني عندما يكون كل منهما مقيّد بخصوصية مغايرة للخصوصية المقيّد بها الآخر، أوضح في عدم السقوط، وعدم زوال العلم الإجمالي، هو عالم إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين من جهة سقوط قطرة دم، وعالم تفصيلاً  بنجاسة الإناء الأيمن من جهة سقوط قطرة بول، لا موجب لانحلال العلم الإجمالي وزواله في هذه الحالة، فهذا أيضاً خارج عن محل النزاع.
النحو الثاني: هو أن لا تؤخذ خصوصية في المعلوم بالإجمال ليست موجودة في المعلوم بالتفصيل، وأمثلته كثيرة، كما لو علم إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين، ثمّ علم تفصيلاً بنجاسة الإناء الأيمن، وهكذا في أمثلة كثيرة. هذا هو الذي يدخل في محل النزاع، فكأنّه يعتبر للدخول في محل النزاع أمران:
الأمر الأوّل: أن لا يكون العلم التفصيلي ناظراً إلى تشخيص المعلوم بالإجمال.
الأمر الثاني: أن لا تؤخذ خصوصية في المعلوم بالإجمال ليست مأخوذة في المعلوم بالتفصيل؛ عندئذٍ يدخل في محل النزاع.
على كل حال، هذا هو محل النزاع، والكلام في الانحلال الحقيقي؛ ولذا فرضنا أنّ المثبت للتكليف في أحد الطرفين بعينه هو العلم التفصيلي، ولم نفرضه إمارة، ولم نفرضه اصلاً مثبتاً للتكليف في أحد الطرفين؛ لأنّ هذا انحلال حكمي، وإنّما علم تفصيلي، أو علم إجمالي أصغر من العلم الإجمالي الأوّل؛ لما مر عليك من أنّ العلم الإجمالي الكبير ينحل بالعلم الإجمالي الصغير، هذا العلم الإجمالي الصغير أيضاً قد يقال بأنّه يوجب انحلال العلم الإجمالي الكبير انحلالاً حقيقياً.


[1] بحوث في علم الأصول، تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر للسيد محمود الشاهرودي، ج5، ص239.