الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

35/11/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العمليّة/ تنبيهات العلم الإجمالي/ الشبهة غير المحصورة
كان الكلام في الاستدلال على عدم وجوب الاحتياط في الشبهات غير المحصورة: وكان الدليل الرابع هو أنّ الاحتياط ولزوم الاجتناب عن كل الأطراف يستلزم الحرج وهو منفي في الشريعة؛ فحينئذٍ لا يجب الاحتياط ولا تجب الموافقة القطعية.
وانتهى الكلام إلى الجواب الثاني عن هذا الدليل، وهو دعوى أنّ قاعدة لا حرج لا تشمل هذا الكلام؛ لأنّها ناظرة إلى الأحكام الشرعية وتدل على أنّ هذا الحكم الشرعي إذا لزم منه الحرج؛ فحينئذٍ يرتفع، وليس لها نظر إلى الأحكام العقلية كما هو الحال في محل الكلام؛ لأنّ وجوب الاحتياط ووجوب الموافقة القطعية هو ممّا يحكم به العقل لا الشرع باعتبار العلم الإجمالي، فالقاعدة ليس لها نظر إلى هذه الأحكام حتّى تكون رافعة لها.
قلنا أنّ هذا البحث محل كلام وخلاف، وذُكر هذا البحث بشكلٍ مفصّل في دليل الانسداد، حيث يذكر هذا البحث هناك عادّة، عندما يقال هناك أنّه بعد فرض انسداد باب العلم وباب العلمي؛ حينئذٍ قد يصار إلى الاحتياط، ولا داعي إلى الالتزام بحجّية الظنّ، وإنّما يجب على المكلّف الاحتياط، فهناك صاروا بصدد نفي وجوب الاحتياط، واستدلوا على عدم وجوب الاحتياط بقاعدة لا حرج، باعتبار أنّ الاحتياط عند انسداد باب العلم والعلمي يلزم منه الحرج. هناك استشكل صاحب الكفاية(قدّس سرّه) في إمكانية التمسّك بقاعدة لا حرج لنفي وجوب الاحتياط بما حاصله هذا الذي ذكرناه من أنّ القاعدة ليس لها نظر إلى الأحكام العقلية، وإنّما هي ناظرة إلى الأحكام الشرعية، ووجوب الاحتياط عند فرض انسداد باب العلم والعلمي ليس حكماً شرعياً، وإنّما هو ممّا يحكم به العقل، فلا تكون القاعدة ناظرة إلى ذلك، ودالّة على رفع هذا الحكم العقلي، فصاحب الكفاية(قدّس سرّه) إنّما التزم بذلك بناءً على مبناه من تفسير قاعدة لا حرج وقاعدة لا ضرر، صاحب الكفاية(قدّس سرّه) له رأيٌ في تفسير هذه القاعدة، حيث يرى أنّ المنفي واقعاً وحقيقة في هذه القواعد هو الحكم، لكنّه نُفي بلسان نفي الموضوع، والمقصود بقاعدة لا ضرر هو أنّ الحكم الشرعي عندما يكون موضوعه ضررياً، أو حرجياً يُنفى هذا الموضوع، والغرض الحقيقي هو نفي حكمه، فالمقصود هو نفي الحكم، لكن بلسان نفي الموضوع. الوضوء إذا كان ضررياً، القاعدة تدلّ على نفيه، والغرض نفي حكمه .... وهكذا في سائر الموارد الضررية، أو الحرجية.
هذا التفسير للقاعدة كأنّه يفترض أنّ القاعدة إنّما تشمل المورد إذا فرضنا أنّ موضوع الحكم الشرعي كان ضررياً، أو حرجياً، بأن نفترض أنّ هناك حكماً له موضوع، كما في الوضوء، أو الغسل، فإذا كان الغسل حرجياً، فالقاعدة تشمله؛ لأنّ هناك حكماً شرعياً هو الوجوب، وموضوعه الغسل، وهذا الموضوع ضرري، أو حرجي؛ فحينئذٍ القاعدة تنفي الحكم بلسان نفي الموضوع، فلابدّ من افتراض كون موضوع الحكم حرجيّاً حتّى تكون القاعدة نافية له بلسان نفي الموضوع. إذن: لابدّ من افتراض أن يكون موضوع الحكم حرجياً، أو ضررياً كما في الوضوء، أو الغسل، ويقول أنّ هذا غير متحقق في محل الكلام؛ لأنّ موضوع الحكم الشرعي المعلوم بالإجمال في محل الكلام ليس حرجياً، ذاك التكليف المعلوم بالإجمال المتعلّق بموضوعه ليس هناك حرج في امتثاله، لو علم به المكلّف لجاء به بلا حرجٍ، وهذا معناه أنّ موضوع الحكم الشرعي ليس فيه حرج، وإنّما الحرج في الاحتياط من ناحيته، وفي الجمع بين المحتملات لأجله، الاحتياط حرجي، والموافقة القطعية فيها حرج، لكنّ الموافقة القطعية، أو الاحتياط ليس موضوعاً لحكمٍ شرعي، وإنّما هو موضوع لحكمٍ عقلي، فالقاعدة إنّما يصح تطبيقها في مثل الوضوء الحرجي، والغسل الحرجي، وأمثال ذلك؛ لأنّ هذا موضوع حرجي له حكم شرعي، فالقاعدة تنفي هذا الحكم الشرعي، لكن بلسان نفي الموضوع الحرجي. أمّا الاحتياط، فهو وإن كان يلزم منه الحرج، لكنّه ليس موضوعاً لحكمِ شرعي، وإنّما هو موضوع لحكمٍ عقلي، والقاعدة إنّما ترفع الحكم بلسان نفي موضوعه الحرجي إذا كان الحكم شرعياً.
بقطع النظر عن صحّة هذا التفسير للقاعدة؛ لأنّ هناك تفاسير أخرى قد لا يعتبر فيها ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، والذي هو التفسير المشهور الذي اختاره الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه)، واختاره المحقق النائيني(قدّس سرّه)، حيث قالوا أنّ القاعدة تنفي الحكم مباشرة، والمنفي فيها هو الحكم، لا أنّ المنفي فيها هو الموضوع الحرجي، أو الضرري لغرض نفي الحكم، وإنّما هي تنفي الحكم مباشرة. بقطع النظر عن هذا، يمكن أن يقال: أنّ ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) مبني على عدم شمول القاعدة للأحكام العقلية، وإنّما هي مختصّة بالأحكام الشرعية، والقاعدة تدل على نفي الموضوع الحرجي للحكم الشرعي لغرض نفي نفس الحكم الشرعي؛ فحينئذٍ لا تشمل الأحكام العقلية. وأمّا إذا قلنا بشمول القاعدة حتّى للأحكام العقلية؛ حينئذٍ لا يجري هذا الكلام؛ إذ يمكن تطبيق هذا التفسير للقاعدة الذي اختاره المحقق الخراساني(قدّس سرّه) بعد فرض الشمول، بأن يقال: أنّ موضوع الحكم العقلي ــــــــــ الاحتياط، والموافقة القطعية ــــــــــ يلزم منه الحرج، والقاعدة تنفي الحكم العقلي بلسان نفي موضوعه الحرجي، كما نطبّق ذلك على الحكم الشرعي عندما يكون موضوعه حرجياً، كذلك يمكن تطبيق القاعدة على الحكم العقلي عندما يكون موضوعه حرجياً كما في محل الكلام؛ لأنّ المفروض أنّ الاحتياط والموافقة القطعية فيه عسر وحرج على المكلّف، فالقاعدة حينئذٍ تنفي الحكم العقلي بلسان نفي موضوعه الحرجي، إذا قلنا بالشمول.
إذن: ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) مبني على افتراض عدم شمول القاعدة للأحكام العقلية واختصاصها بخصوص الأحكام الشرعية، وهذا يمكن المناقشة فيه، فاختصاص القاعدة بالأحكام الشرعية ليس له وجه واضح، إلاّ دعوى استظهاره من أدلّة هذه القاعدة ﴿ما جعل عليكم في الدين من حرج﴾.[1] معناه أنّ القضية ناظرة إلى الدين، وأحكامه، ومن الواضح أنّ الحكم العقلي ليس من أحكام الدين، وإنّما هو من أحكام العقل، فقد يُستظهر من أدلّة القاعدة الاختصاص بخصوص أحكام الدين، أي الأحكام الشرعية، فهي تنظر إلى هذا وتنفي هذا الحكم الشرعي بلسان نفي موضوعه الحرجي.
لكن يمكن أن يقال: أنّ حكم العقل بوجوب الاحتياط ليس أجنبياً عن الدين، وبعبارة أخرى: حكم العقل بوجوب الاحتياط ليس حكماً من قِبل حاكمٍ آخر له أحكامه، وله تشريعاته، وقوانينه في مقابل الدين، وفي قِبال الشارع، الأمر ليس هكذا، الحكم العقلي بوجوب الاحتياط، ووجوب الموافقة القطعية مرجعه إلى وجوب إطاعة تكاليف المولى الصادرة منه بالنسبة إلى العبد، وهذا ليس أمراً أجنبياً عن الدين، وإنّما هو حكم عقلي بوجوب الطاعة. أو قل ــــــــــ التعبير بالحكم فيه مسامحة؛ لأنّ العقل لا يحكم وإنّما العقل يدرك ــــــــــ حكم العقل بوجوب الاحتياط ووجوب الموافقة القطعية لا يتعدّى هذه المقولة، وهي أنّ العقل يدرك ثبوت حق الطاعة للمولى بالنسبة إلى العبد، فإذا وصل إلى العبد تكليف المولى، العقل قد يقول قضاءً لحق الطاعة يجب موافقة هذا التكليف، فإذن: هذا الحكم العقلي بوجوب الاحتياط مرجعه إلى إدراك العقل أنّ المولى له حق الطاعة على العبد، حق الطاعة ليس أمراً مجعولاً من قبل العقل، العقل لا يجعل هذا الحق، وإنّما هو أمر واقعي ثابت يُنتزع من نفس التكليف الصادر من المولى، وليس مجعولاً من قبل العقل. إذن: منشأ انتزاع هذا الحق، وبالتالي هذا الحكم العقلي، والإدراك العقلي بلزوم الطاعة ولزوم الاحتياط، هو التكليف الشرعي، وبهذا التسلسل حينئذٍ يمكن أن نقول أنّ الحكم العقلي بالاحتياط ووجوب الطاعة هو من الدين وليس أمراٍ مستقلاً عن الدين وخارجاً عنه؛ لأنّ مرجعه إلى إدراك العقل حق الطاعة للمولى، وهذا الحق منتزع من التكليف الشرعي، فبالتالي يرجع إلى التكليف الشرعي، فإذن: هو يرجع إلى الشارع، ويُعتبر من الدين؛ وحينئذٍ بإمكان الشارع يرفع حق الطاعة هذا برفع منشأ انتزاعه الذي هو عبارة عن التكليف المعلوم الواصل إلى المكلّف بالإجمال بأن يجعل الترخيص، إذا جعل الترخيص معناه أنّه رفع هذا الحق، وبالتالي رفع هذا الحق يعني رفع منشأ انتزاعه الذي هو عبارة عن التكليف المعلوم بالإجمال، فيكون هذا من الدين وليس شيئاً أجنبياً حتّى يقال أنّ هذا الحاكم له الحق أن يقيّد أحكامه هو بغير الحرج وغير الضرر، أمّا أن يقيّد احكام حاكمٍ آخر بغير الضرر وغير الحرج، فليس من حقّه ذلك. هذا إنّما يصح إذا كان هناك حاكمان مستقلان كلٌ منهما له تشريعاته وقوانينه، فيقال: أنّه لا معنى لأن يقيّد هذا أحكام ذاك، ولا معنى لأن يقيّد ذاك أحكام هذا. هذا لا يصح في محل الكلام عندما يكون الحاكم هو العقل بملاك حق الطاعة للمولى في أحكامه وتشريعاته؛ لأنّ هذا من الدين وليس شيئاً أجنبياً عن الدين، فيمكن أن يقال بشمول القاعدة، يعني قضية استظهارية، يُدّعى بأن كون الآية الشريفة تقول:﴿ما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ هذا لا يوجب خروج الأحكام العقلية؛ بل الظاهر أنّ الأحكام العقلية كوجوب الاحتياط ووجوب الموافقة القطعية هو مشمول لهذه الآية، ومشمول للقاعدة، والقاعدة تدلّ على رفع هذا الحكم العقلي عندما يكون موضوعه حرجياً. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: أنّ هذا الذي ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) لو فرضنا أنّه تم، والتزمنا بأنّ القاعدة لا تشمل الأحكام العقلية، وإنّما تختص بخصوص الأحكام الشرعية، لو تنزلنا وسلّمنا ذلك، لماذا لا يمكن تطبيق القاعدة على وجوب الاحتياط الشرعي، بأن ننفي وجوب الاحتياط الشرعي في محل الكلام، بأن نقول أنّ وجوب الاحتياط الشرعي منفي بالقاعدة؛ لأنّ موضوع هذا الحكم الشرعي الذي هو الاحتياط، حرجي، فالاحتياط على كل حالٍ هو حرجي، سواء كان موضوع الحكم عقلياً، أو كان شرعياً، فإذا كان موضوع هذا الحكم الشرعي حرجياً، فتشمله القاعدة على تفسير صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، فيكون نفياً للحكم الشرعي بلسان نفي موضوعه الحرجي الذي هو الاحتياط الشرعي، فيمكن نفي وجوب الاحتياط الشرعي عملاً بهذه القاعدة، ومن الواضح أنّ معنى نفي وجوب الاحتياط الشرعي يعني في الحقيقة نفي منشأ انتزاع الاحتياط الشرعي الذي هو عبارة عن اهتمام الشارع بتكليفه المعلوم بالإجمال، فإذا نفينا الاحتياط الشرعي، فأنّه يستلزم نفي منشأ انتزاعه الذي هو عبارة عن اهتمام الشارع بالتكليف المعلوم بالإجمال، فالشارع لا يهتم بهذا التكليف المعلوم بالإجمال.
على كل حال، الظاهر، وفاقاً لكثير من المحققين أنّ القاعدة تشمل الأحكام العقلية، فيمكن تطبيقها على وجوب الاحتياط، ونفيه اعتماداً على هذه القاعدة. ومن هنا يظهر أنّ الإيراد الثاني على الدليل الرابع ليس تامّاً؛ لأنّ الصحيح هو شمول القاعدة للأحكام العقلية ولوجوب الاحتياط.
الجواب الثالث: عن الدليل الرابع، هو ما اشير إليه سابقاً من أنّ محل الكلام هو البحث عن وجوب الموافقة القطعية في الشبهة غير المحصورة المأخوذ فيها فقط وفقط كثرة الأطراف، يعني أنّ عمدة البحث تنصب على افتراض كثرة الأطراف فقط، أنّ هذه الكثرة هل تغيّر من الواقع شيئاً ؟ لا أن نضم إلى كثرة الأطراف نكاتاً أخرى قد تقتضي عدم وجوب الموافقة القطعية، هذا خروج عن محل البحث، فلا نضم إلى ذلك نكاتاً أخرى قد تتّفق في الشبهة المحصورة، لزوم العسر والحرج قد يتّفق في الشبهات المحصورة، وكذلك الاضطرار إلى ارتكاب بعض الأطراف، وأيضاً خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء، كل هذه النكات قد تتّفق في الشبهات المحصورة، كلامنا ليس في هذا، فنحن نتكلّم عن الشبهة غير المحصورة من زاوية كثرة الأطراف فقط، وأنّ هذا هل يوجب الفرق بينها وبين العلم الإجمالي في موارد الشبهات المحصورة، أو لا ؟ فافتراض لزوم العسر والحرج كأنّه خروج عن محل الكلام.
الدليل الخامس: يُستفاد من كلام المحقق العراقي(قدّس سرّه) المنقول في تقريراته، المحقق العراقي(قدّس سرّه) يرى عدم وجوب الموافقة القطعية، مع الالتفات إلى أنّه(قدّس سرّه) يرى أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية، لكنّه بالرغم من هذا يقول بعدم وجوب الموافقة القطعية في الشبهات غير المحصورة، ويستدل على عدم وجوب الموافقة القطعية وعدم وجوب الاحتياط في الشبهات غير المحصورة بأننا نجوّز ارتكاب هذا الطرف وذاك الطرف ليس باعتبار سقوط العلم الإجمالي عن تنجيزه لوجوب الموافقة القطعية كما هو مبنى الوجوه السابقة، وإنّما العلم الإجمالي باقٍ على منجّزيته لوجوب الموافقة القطعية، فتجب الموافقة القطعية بلحاظ العلم الإجمالي ومنجّزيته، لكنّه يربط جواز ارتكاب بعض الأطراف الذي يعني عدم وجوب الموافقة القطعية بمسألة جعل البدل، ويقول أنّ الشارع يجعل باقي الأطراف بدلاً عن الحرام المعلوم بالإجمال؛ وحينئذٍ يجوز ارتكابه، وترك طرفٍ واحد، أو طرفين من الأطراف الأخرى بمقدار المعلوم بالإجمال كأنّه يحقق الموافقة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال، فمن هنا يكون العلم الإجمالي باقياً على تنجيزه لوجوب الموافقة القطعية، غاية الأمر أنّ الشارع جعل بدلاً عن الحرام الواقعي، ولا إشكال أنّ المكلف إذا ترك هذا الطرف يكون قد امتثل ووافق قطعاً. المحقق العراقي(قدّس سرّه) يربط جواز ارتكاب هذا الطرف بمسألة جعل البدل، يعني جعل باقي الأطراف بدلاً عن الحرام الواقعي، وهو(قدّس سرّه) يؤمن بالدليل الأوّل الذي ذكرناه، يعني يؤمن بأنّ كثرة الأطراف في الشبهة غير المحصورة توجب ضعف الاحتمال الذي عبّرنا عنه سابقاً بانطباق المعلوم بالإجمال على هذا الطرف؛ لأنّ نسبة احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على هذا الطرف هي واحد من ألف إذا كانت الأطراف ألف طرف، يقول أنّ هذا يوجب ضعف احتمال ثبوت التكليف في هذا الطرف الذي يريد الإقدام عليه والذي نريد أن نجوّز له ارتكابه، يقول: أنّ ضعف الاحتمال في هذا الطرف الذي يريد الإقدام عليه يُلازم قوة احتمال ثبوت التكليف في الباقي.
بعبارةٍ أخرى: إنّضعف احتمال الانطباق في هذا الطرف يُلازم قوة انطباق المعلوم بالإجمال على واحدٍ من باقي الأطراف، ولنعبّر عن قوة الاحتمال بالاطمئنان، ضعف احتمال الانطباق في هذا الطرف يلازم الاطمئنان بثبوت التكليف في الباقي، يقول: أنّ قوة احتمال انطباق التكليف في الباقي ـــــــــــ هو يذكره بعنوان الاحتمال ـــــــــــ من المحتمل أنّ العقلاء الذين يرون أنّ احتمال التكليف في هذا الطرف موهوماً ولا يعتنون به، لعلّ بناء العقلاء على عدم الاعتناء بالتكليف في هذا الطرف وإقدامهم عليه هو من باب جعل البدل، يعني يبنون على أنّ باقي الأطراف، أو طرفٍ منها، أو طرفين يكون بدلاً عن الحرام الواقعي، وبعد أن يذكر هذا المطلب الذي قلنا بأنّه شيء يشبه ما ذكرناه في الدليل الأوّل، يقول:(أمكن دعوى أنّ بناءهم ــــــــــــ العقلاء ــــــــــــ على عدم الاعتناء باحتمال التكليف في كل طرفٍ إنّما هو لأخذهم بالظنّ القائم بوجوده في الباقي الراجع إلى بنائهم على بدلية أحد الأطراف عن الواقع في المفرّغية، ولو تخييراً).[2] يعني يكفي المكلّف أن يترك واحداً من الأطراف فيكون هو البدل عن الحرام الواقعي. ثمّ يصرّح،(وإلاّ فضعف الاحتمال لا يكون مصححاً لجواز الارتكاب، وإن بلغ ما بلغ) فكأنّ القضية عنده محصورة بمسألة جعل البدل، وإلاّ مجرّد ضعف الاحتمال في هذا الطرف لا يسوّغ ارتكابه، فلابدّ من افتراض جعل بدلٍ حتّى يسوّغ له ارتكابه.


[1] حج/سوره22، آیه78.
[2] نهاية الأفكار، تقرير بحث المحقق العراقي للبروجردي، ج2، ص331.