الموضوع: الأصول العمليّة/ تنبيهات العلم الإجمالي
كان الكلام
في الاعتراضات: على الجواب الذي ذكره المحقق العراقي(قدّس
سرّه) على النقض الذي أورده على نفسه، وذكرنا الاعتراض الأوّل، وكان مبنيّاً على
افتراض أنّ الاستصحاب يتكفّل أمرين، عدم وجوب أداء الدين ووجوب الحج؛ حينئذٍ يتم
كلامه، وأمّا إذا قلنا أنّ دليل الاستصحاب لا يتكفل بيان الأمرين، وإنّما هو فقط
يتكفل التعبّد الظاهري بالمستصحب، ومورد الاستصحاب هو عدم وجوب أداء الدين. نعم،
يترتب عليه وجوب الحج، لكنّه يترتب عليه بدليله، باعتبار أنّ الاستصحاب حققّ
موضوعه؛ لأنّ موضوعه هو عدم وجوب أداء الدين، وهذا أحرزناه بالتعبّد الاستصحابي؛
فحينئذٍ يتنقّح الموضوع ويثبت الحكم بدليله لا أنّ الاستصحاب يثبت هذا الحكم؛
فحينئذٍ لا يكون هذا الكلام تامّاً، فيكون هذا اعتراضاً على المحقق العراقي(قدّس
سرّه)، حاصله هو: إن كان الأصل الترخيصي هو البراءة، فمن الواضح جداً أنّه لا
يتكفّل بيان حكمين، وإنّما يتكفل بيان حكم واحد وهو التأمين من ناحية وجوب أداء
الدَين ولا يتكفّل إثبات وجوب الحج، الكلام مبني على افتراض أنّ الاستصحاب يتكفّل
بيان الأمرين، وأمّا إذا أنكرنا ذلك؛ فحينئذٍ لا يتم كلام المحقق العراقي(قدّس
سرّه).
دفع إنكار
تكفّل الاستصحاب بيان كلا الأمرين ليس بعيداً،
يعني ما يراه المحقق العراقي(قدّس سرّه) بالفرض ليس أمراً غريباً وبعيداً، فدليل
الاستصحاب يتكفّل كلا الأمرين، يتكفّل عدم وجوب أداء الدين، ويتكفّل كذلك وجوب
الحج، وذلك باعتبار أنّ مفاد دليل الاستصحاب هو التعبّد بالمستصحب والجري العملي
على وفق الحالة السابقة، الجري العملي على طبق اليقين بالمستصحب وبالحالة السابقة،
ولا موجب لتخصيص الأمر بالجري العملي في دليل الاستصحاب بالبناء على ثبوت المستصحب؛
بل ثبوت المستصحب والجري العملي على وفق آثاره المرتبة عليه شرعاً، دليل الاستصحاب
هو يدلّ على ذلك؛ لأنّ مفاد الاستصحاب هو الجري العملي على وفق المستصحب والحالة
السابقة، ومقتضى ذلك هو البناء على ثبوت الحالة السابقة وثبوت المستصحب والبناء
على ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على ذلك المستصحب، وهذا شيء يُستكشف من نفس
دليل الاستصحاب.
بعبارة
أخرى: لا إشكال ولا ينبغي أن يكون هناك إشكال
في أنّ دليل الاستصحاب لا يتكفّل جعل وجوب الحج؛ بل ليس هذا هو محل الكلام، ولا
أحد يدّعي أنّ دليل الاستصحاب يتكفّل جعل وجوب الحج على المستطيع الذي لا يجب عليه
أداء الدَين، لا أحد يتوهّم ذلك، الكلام ليس في الجعل، وإنّما الكلام أنّ دليل
الاستصحاب هل يتكفّل بيان وجوب الحج الثابت بدليله، أو لا ؟
وبعبارةٍ
أخرى: هل دليل الاستصحاب يأمر بالجري العملي
بلحاظ آثار المستصحب الشرعية التي تترتب عليه شرعاً، أو لا ؟ ليس الكلام في أنّ دليل
الاستصحاب يتكفّل جعل وجوب الحج، حتّى نقول أنّ من الواضح أنّ دليل الاستصحاب لا
يتكفّل جعل وجوب الحج، وإنّما الكلام في جعل وجوب الحج الثابت بدليله، لكنّ
الاستصحاب عندما يأمر بالبناء على الحالة السابقة، هل معنى ذلك هو البناء على
الحالة السابقة والبناء على الآثار الشرعية للمستصحب، عندما يصدر هذا الأمر بالجري
العملي على وفق المستصحب من قِبل الشارع نفسه الذي رتّب هذا الأثر على المستصحب،
وعندما يأمر بالبناء على المستصحب يُستفاد من ذلك الأمر بالجري العملي على وفق
آثار المستصحب الشرعية، ليس معنى ذلك أننا نستفيد جعل وجوب الحج من دليل الاستصحاب،
وإنّما دليل الاستصحاب يتكفّل الجري العملي على وفق المستصحب، وهذا كما يقتضي البناء
على ثبوت المستصحب، يقتضي أيضاً البناء على آثاره المترتبة عليه شرعاً، وهذا معنى
أنّ الاستصحاب يتكفّل كلا الأمرين، يعني هو كما يكون دليلاً على عدم وجوب أداء
الدين، يكون دليلاً أيضاً على ترتيب أثر عدم وجوب أداء الدين، وهو عبارة عن وجوب
الحج، فيمكن أن يُفسّر كلام المحقق العراقي(قدّس سرّه) بهذا؛ وحينئذٍ لا يرد عليه
الاعتراض. نعم، يرد عليه الاعتراض بلحاظ البراءة؛ لأنّ دليل البراءة لا يُستفاد
منه الجري العملي، ولا يُستفاد منها إلاّ التأمين من ناحية التكليف المشكوك.
الاعتراض
الثاني: هو أن يُقالأنّ
الظاهر من كلام المحقق العراقي(قدّس سرّه) هو أنّه يعترف ويُسلّم بمانعية العلم
الإجمالي عن جريان الأصل الترخيصي في الفرض الأوّل بناءً على العلّية، ولكنّه يحل
المشكلة ويلتزم بجريان الأصل الترخيصي في الفرض الأوّل باعتبار الانحلال الحكمي،
على ما تقدّم توضيحه. الفرض الأوّل هو أن يكون وجوب الحج مترتباً على عدم وجوب
أداء الدين ولو ظاهراً، في هذا يظهر من المحقق العراقي(قدّس سرّه) أنّه يُسلّم أنّ
العلم الإجمالي في المقام يكون مانعاً من جريان الأصل الترخيصي في الدَين بناءً
على العلّية، وحيث أنّ مبنى الفقهاء على إجراء الأصل الترخيصي في الدَين، جعل هذا
نقضاً عليه، يعني نقضاً على القول بالعلّية، إذن: هو يعترف بأنّ العلم الإجمالي في
محل الكلام مانع من إجراء الأصل الترخيصي في الدَين.
نعم، هو
يحل المشكلة عن طريق الانحلال الحكمي، هو يقول أنّ الاستصحاب هو بنفسه يدل على وجوب
الحج، هو يجري في الطرف الآخر باعتباره أصلاً إلزامياً؛ لأنّ الاستصحاب كان فيه
مدلولان، التزامي ومطابقي، والاستصحاب بلحاظ مدلوله الالتزامي يكون أصلاً مثبتاً،
فإذا جرى الأصل المثبت للتكليف في أحد طرفي العلم الإجمالي؛ فحينئذٍ ينحل العلم
الإجمالي حكماً؛ وحينئذٍ لا يبقى محذور ولا مانع من إجراء الأصل الترخيصي في
الدَين، فهو أثبت إمكان جريان الأصل الترخيصي في الدَين عن طريق الانحلال الحكمي،
وهذا معناه أنّه لولا الانحلال الحكمي هو يعترف بأنّ العلم الإجمالي مانع
ـــــــــــ بناءً على العلّية ــــــــــ من إجراء الأصل الترخيصي في الدين.
الاعتراض
يقول: أنّ هذا الاعتراف والتسليم بمانعية العلم
الإجمالي من إجراء الأصل الترخيصي في الدَين بناءً على العلّية، إنّما يتمّ فيما
إذا كان وجوب الحج مترتّباً على عدم وجوب أداء الدَين واقعاً؛ وذلك لأنّ جريان
الأصل الترخيصي في الدَين ينحصر ــــــــــــ بناءً على العلّية ــــــــــــ بالانحلال
الحكمي كما ذكر، ولا وجه له إلاّ الانحلال الحكمي، فيتم كلامه، وهذا معناه أنّ العلم
الإجمالي يمنع من إجراء الأصل الترخيصي في الدَين، وإنّما نجوّز الأصل الترخيصي في
الدَين باعتبار الانحلال الحكمي بالبيان الذي ذكره؛ حينئذٍ يكون هذا الكلام يكون
تامّاً. وأمّا إذا فرضنا أنّ وجوب الحج كان مترتباً على عدم وجوب أداء الدين ولو
ظاهراً . في هذه الحالة؛ حينئذٍ يقال: لا وجه لاعترافه وتسليمه بمانعية العلم
الإجمالي من إجراء الأصل الترخيصي في الدَين وحلّ الإشكال عن طريق الانحلال الحكمي،
وذلك باعتبار أنّ مانعية العلم الإجمالي عن جريان الأصل الترخيصي في الدَين
ـــــــــــ بناءً على هذا الفرض ـــــــــــــ غير معقولة.
وبعبارةٍ
أخرى: أنّ هذا الفرض يستلزم انحلال هذا العلم
الإجمالي وانقلابه إلى علمٍ تفصيلي.
توضيح هذا المطلب:
بناءً على أنّ وجوب الحج مترتّب على عدم وجوب أداء الدين، ولو ظاهراً، العلم
الإجمالي الموجود في المقام سوف ينحلّ انحلالاً حكمياً بإجراء الأصل الترخيصي لنفي
وجوب أداء الدين؛ لأنّ المفروض أنّ وجوب الحج مترتّب على مطلق نفي وجوب أداء الدين
ولو ظاهرياً، فإذا جرى الأصل الترخيصي في الدَين، فهو يقتضي ثبوت وجوب الحج
واقعاً؛ لأنّ المفروض أنّ وجوب الحج مترتّب على عدم وجوب أداء الدَين ولو ظاهرياً،
بحيث أنّ الأصل النافي لوجوب أداء الدين ظاهراً يحقق الموضوع الواقعي والشرط
الواقعي لوجوب الحج واقعاً؛ فحينئذٍ يكون الحج ثابتاً ثبوتاً واقعياً، وهذا هو
معنى انقلاب العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بوجوب الحج. هذا كلّه على تقدير جريان الأصل
الترخيصي في الدَين، عندما يجري الأصل الترخيصي في الدَين؛ حينئذٍ نقطع بوجوب الحج؛
حينئذٍ ينقلب العلم الإجمالي بوجوب إمّا الدين، أو الحج، ينقلب إلى علمٍ تفصيلي بوجوب
الحج؛ لأنّه بمجرّد أن يجري الأصل الترخيصي وينفي وجوب أداء الدين يتحقق الموضوع
الواقعي لوجوب الحج؛ لأنّ وجوب الحج مترتب على مطلق عدم وجوب أداء الدين، ولو
ظاهراً، وهذا الأصل يحقق هذا، هذا الأصل ينفي وجوب أداء الدين ظاهراً، فيتحقق ما
هو الموضوع الحقيقي لوجوب الحج، فيثبت وجوب الحج؛ وحينئذٍ سوف نقطع بوجوب الحج
واقعاً، ومع القطع بوجوب الحج ينحل العلم الإجمالي إلى علمٍ تفصيلي بوجوب الحج وشك
بدوي في هذا.
حينئذٍ يقال:
لإثبات استحالة المانعية في هذا الفرض، يعني يستحيل
أن يكون هذا العلم الإجمالي مانعاً من إجراء هذا الترخيص؛ لأنّ هذا الترخيص على
تقدير جريانه يوجب نفي العلم الإجمالي وانقلابه إلى علمٍ تفصيلي، فإذا كان العلم
الإجمالي ينقلب إلى علم تفصيلي بإجراء الأصل الترخيصي في هذا الطرف، فلا يُعقل أن
يكون مانعاً من إجراء الأصل الترخيصي، هذا أشبه ما يقال ـــــــــــ مثلاً
ـــــــــــ في منجّزية الاحتمال، حيث أنّها على بعض المسالك موقوفة على عدم الترخيص
من قِبل الشارع، معناه أنّ الترخيص الشرعي يرفع أصل منجّزية الاحتمال، وفي هذه
الحالة لا يُعقل أن تكون منجّزية الاحتمال مانعة من هذا الترخيص؛ لأنّها هي موقوفة
على عدمه، فإذا جاء الترخيص يكون رافعاً لمنجّزية الاحتمال. نفس هذا الكلام تماماً
يقال في محل الكلام، لدينا وجوب الحج مترتب على عدم وجوب أداء الدَين ولو ظاهراً
بحيث يكون جريان الأصل الترخيصي في الدَين رافعاً للعلم الإجمالي وموجباً لانقلابه
إلى علم تفصيلي، فهل يكون مثل هذا العلم الإجمالي المتوقف في أصل وجوده على عدم
الترخيص الظاهري في الدَين، أي على عدم إجراء الأصل الترخيصي في الدَين، هل يُعقل
أن يكون مانعاً من جريان هذا الأصل الترخيصي ؟ لا يُعقل ذلك، فالمانعية محال بقطع
النظر عن الانحلال الحكمي، لسنا بحاجةٍ إلى الانحلال الحكمي حتّى نقول أنّ هذا العلم
الإجمالي لا يمنع من إجراء الأصل الترخيصي، مفاد الكلام أنّه يمنع بناءً على
العلّية، وعن طريق الانحلال الحكمي نرفع هذه المانعية، الاعتراض الثاني يقول: بقطع
النظر عن الانحلال الحكمي وبقطع النظر عن الاستصحاب، نفس هذا العلم الإجمالي
يستحيل أن يكون مانعاً من إجراء الأصل الترخيصي في الدَين؛ لأنّ جريان الأصل
الترخيصي في الدَين يرفع أصل وجود العلم الإجمالي ويقلبه إلى علمٍ تفصيلي؛ لأنّه
بمجرّد أن يجري الأصل الترخيصي في الدَين سوف نقطع بوجوب الحج، يعني نعلم بوجوب
الحج علماً تفصيلياً، ومع العلم التفصيلي بأحد الطرفين ينحلّ العلم الإجمالي.
إذن: بقطع
النظر عن الانحلال الحكمي لا مانع من جريان الأصل الترخيصي في الدَين؛ لأنّه لا
يمنع منه مثل هذا العلم الإجمالي.
ويمكّن أن
تبيّن استحالة هذه المانعية ببيانٍ آخر: وهو أن
يقال أنّ مانعية العلم الإجمالي عن إجراء الأصل الترخيصي في أحد أطرافه إنّما
تُعقل إذا لم يكن إجراء الأصل رافعاً لوجود العلم الإجمالي وانقلابه إلى العلم
التفصيلي، كما هو الحال في الأمثلة العادية للعلم الإجمالي، جريان الأصل في أحد
طرفي العلم الإجمالي العادي في غير محل كلامنا لا يكون موجباً لزوال العلم
الإجمالي. هنا مثل هذا العلم الإجمالي يمنع من جريان هذا الأصل بناءً على العلّية،
أمّا عندما يكون جريان الأصل في أحد طرفي العلم الإجمالي رافعاً لأصل العلم
الإجمالي وموجباً لانقلابه من العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي، ففي هذه الحالة
لا يُعقل أن يكون مثل هذا العلم الإجمالي مانعاً من جريان هذا الأصل؛ لأنّ مانعيته
عن جريان مثل هذا الأصل موقوفة على عدمه؛ فحينئذٍ كيف يُعقل أن يكون مانعاً منه،
والحال أنّ أصل مانعية العلم الإجمالي موقوفة على وجود العلم الإجمالي، وهذا
التوقّف واضح جدّاً، ووجود العلم الإجمالي موقوف على عدم جريان الأصل الترخيصي في هذا
الطرف، وإذا أردنا أن نقول أنّ عدم جريان الأصل الترخيصي في هذا الطرف موقوف على
المانعية؛ فحينئذٍ يلزم الدور، وهو أنّ المانعية تتوقّف على نفسها، والصحيح أن
نقول أنّ جريان الأصل الترخيصي ليس موقوفاً على المانعية؛ بل الأصل الترخيصي يجري،
والعلم الإجمالي لا يكون مانعاً عن جريانه، فأصل المانعية غير معقولة في محل
الكلام، وبهذا لا نحتاج حينئذٍ إلى مسألة الانحلال الحكمي حتّى نثبت إمكان إجراء الأصل
الترخيصي في طرف الدَين.
ومن هنا
يتبيّن الفرق بين صورتي الفرض الأوّل، يعني بين ما
إذا كان وجوب الحج مترتّباً على عدم وجوب أداء الدَين واقعاً، وبين ما إذا كان
وجوب الحج مترتباً على عدم وجوب أداء الدَين ولو ظاهراً، في الثاني يرِد هذا
الاعتراض بأنّ مثل هذا العلم الإجمالي لا يُعقل أن يكون مانعاً من إجراء الأصل
الترخيصي في الدَين بقطع النظر عن الانحلال الحكمي، أمّا في الصورة الأوّلي وهي ما
إذا كان وجوب الحج مترتباً على عدم وجوب أداء الدَين واقعاً؛ فحينئذٍ لا يكون هذا
الاعتراض تامّاً، وكلام المحقق العراقي(قدّس سرّه) يكون تامّاً؛ لأنّه بناءً على
أنّ وجوب الحج مترتب على عدم وجوب أداء الدَين واقعاً، الأصل الترخيصي في الدَين
هل يثبت عدم وجوب أداء الدَين واقعاً ؟ لا يثبت عدم وجوب أداء الدَين واقعاً،
وإنّما هو يكون مجرّد تأمين من ناحية وجوب أداء الدَين، أنّ أداء الدَين ليس
منجّزاً عليك، هذا الأصل الترخيصي ظاهراً لا يجب عليك أداء الدَين، وهذا لا ينافي وجوب
أداء الدَين واقعاً، إجراء الأصل الترخيصي في هذه الصورة لا يعني القطع بتحقق
موضوع وجوب الحج؛ لأنّ موضوع وجوب الحج في هذه الصورة هو عدم وجوب أداء الدَين
واقعاً، والأصل الترخيصي الجاري في الدَين لا يثبت عدم وجوب أداء الدَين واقعاً
حتّى نقول بتحقق ما هو الموضوع الحقيقي لوجوب الحج ونقطع بوجوب الحج، لا ملازمة
بين نفي وجوب الحج ظاهراً وبين نفيه واقعاً، والمفروض أنّ موضوع وجوب الحج هو
النفي الواقعي لا النفي الظاهري، فجريان الأصل الترخيصي في الدَين في هذه الصورة
لا يقلب العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي؛ لأنّه لا يوجب القطع بوجوب الحج حتّى نقول
أنّه يستلزم زوال العلم الإجمالي، ومثل العلم الإجمالي الذي يكون جريان الأصل في
بعض أطرافه مستلزماً لزواله، لا يُعقل أن يكون مانعاً من ذلك الأصل الترخيصي؛
فحينئذٍ لا يجري هذا الكلام في الصورة الثانية، وإنّما يجري في الصورة الأولى،
باعتبار أنّ جريان الأصل الترخيصي في الدَين يستلزم القطع بتحقق موضوع وجوب الحج،
وبالتالي القطع بوجوب الحج، ومع القطع بوجوب الحج ينقلب العلم الإجمالي إلى علمٍ
تفصيلي، بينما في الصورة الثانية الأمر ليس هكذا؛ لأنّ مجرّد إجراء الأصل الترخيصي
في الدَين لا يعني الجزم بتحقق موضوع وجوب الحج؛ إذ لا ملازمة بين النفي الظاهري
وبين النفي الواقعي.